هل يمتد أفق التوتر بين الرباط وباريس إلى غاية سنة 2027؟
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
بقلم: بلال التليدي
كل المؤشرات تفيد بأن العلاقات المغربية الفرنسية بلغت مستوى عاليا من السوء، حتى صار متداولا لدى النخب السياسية والإعلامية الفرنسية، أن وجود إيمانويل ماكرون في الرئاسة، يديم هذا التوتر، كما تأكد للنخب الإعلامية المغربية ألا عودة للعلاقات المغربية الفرنسية إلى طبيعتها قبل 2027، بعد أن يغادر الرئيس إيمانويل ماكرون قصر الإليزيه.
بعض المراقبين فسروا الأمر باعتباره خلافا شخصيا، واستندوا في ذلك إلى ما رواه الكاتب المغربي الفرنكفوني الطاهر بن جلون، من إساءة الرئيس إيمانويل ماكرون لملك المغرب في مكالمة هاتفية على خلفية اتهامات للمغرب بالتورط في استخدام برنامج «بيغاسوس» للتنصت على هاتفه الشخصي، ولأنه لهذا السبب، لا ينتظر أي أفق لإصلاح العلاقات بين البلدين مادام إيمانويل ماكرون على رأس السلطة بفرنسا.
لكن هذا التحليل، على فرض صحة مستنداته، لا يأخذ بعين الاعتبار الطبيعة البراغماتية للدبلوماسية المغربية. تلك البراغماتية، التي دفعت بالملك الحسن الثاني رحمه الله، إلى طي صفحة الماضي، سواء مع الدول التي قررت تغيير سياستها بعد المعاندة لمصالح المغرب الحيوية، أو مع المعارضين في الداخل الذين بنوا أطروحتهم التغييرية على فكرة الثورة على رأس النظام. وهي البراغماتية نفسها، التي ورثها الملك محمد السادس، ووضع عليها بصمته الخاصة، فقد عرفت السنوات الأخيرة تحولات عميقة في العلاقة مع كل من السويد، وهولندا، وإسبانيا، وألمانيا، انتهت في الأخير إلى طي صفحة التوتر بالكلية، بل لم تستثن من ذلك حتى بعض الدول العربية (مصر السيسي) ومنها على الخصوص دول الخليج التي توترت العلاقات مع بعضها في فترات مخصوصة على خلفية وجود الإسلاميين في السلطة، فأدارت الدبلوماسية المغربية هذه التوترات بذكاء دون أن تجعل من الخلافات الشخصية، أو الإساءات البليغة، عائقا يمنع طي صفحة التوتر واستشراف علاقات أفضل في ظل احترام القرار السيادي المغربي ومراعاة المصالح الحيوية للرباط المغرب.
ولذلك، وحتى ولو تم الأخذ بعين الاعتبار رواية «إساءة» ماكرون لملك المغرب، فإن ما يحدد رد فعل الرباط، شيء آخر، مرتبط بشكل جوهري بسياسة فرنسية معادية للمصالح المغربية، وتحالفات سرية وعلنية تهدف إلى تقويض سيادة المغرب ومحاصرة نفوذه في المنطقة.
كثيرون توقفوا عند موقف المغرب من الدعم الدولي لمواجهة آثار الزلازل، وكيف اتخذ قراره بالاكتفاء بقبول أربعة عروض دولية تخص إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، وتابعوا الأسلوب الذي اختارته باريس للتعليق على هذا القرار، وكيف شن الإعلام الفرنسي بشكل يشبه الأوركسترا الموجهة حملة ضد المغرب وضد ملكه، كان مضمونها الاستفسار عن سبب قبول عرض إسبانيا وليس فرنسا، بالإضافة إلى ركوب لغة تحريضية، تخاطب المتضررين من الزلزال عن أسباب هذا الرفض لمساعدات كانت ستخفف من معاناتهم الإنسانية، محاولة في ذلك الإيحاء بأن الموقف المغربي، يأتي ضدا على مصالح المتضررين.
والأسوأ من ذلك كله، هو عندما تفهمت الدول الأخرى موقف المغرب، وفسرته بشكل إيجابي، كما فعلت برلين حين اعتبرت مبرراته منطقية، وأن دروس التجربة الألمانية بينت أن العبرة ليست بكثرة المتدخلين الدوليين، بل بوجود فعالية وتنسيق، حتى لا يؤدي الأمر إلى نتائج عكسية، في هذه اللحظة، قامت باريس بمحاولة تصحيح خطئها، فارتكبت خطأين شنيعين، بإقدام الرئيس إيمانويل ماكرون بمخاطبة الشعب المغربي بشكل مباشر، مما اعتبر تصرفا أرعن يخالف الأعراف الدبلوماسية، وبإعلان وزيرة الخارجية الفرنسية كاترينا كولونا، وبشكل أحادي، ودون استشارة مسبقة مع الجانب المغربي، عن زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، مدعية بأن ملك المغرب قدم دعوة إليه، وهو ما نفته الرباط، مؤكدة بشكل رسمي أن الزيارة المذكورة «غير مدرجة في جدول الأعمال وغير مبرمجة».
بعض المتابعين لملف العلاقات المغربية الفرنسية حاولوا تجاوز هذه الاعتبارات، التي تعكس توتر العلاقة أكثر مما تفسر أسبابها، وراحوا يبحثون عن مسبباتها العميقة في الرواية الفرنسية، أي في حكاية «البيغاسوس». والبعض الآخر، زاد إلى ذلك، الموقف المغربي في منطقة الساحل جنوب الصحراء، وأنه بدل أن يقدم الدعم والسند الدبلوماسي والاستراتيجي لباريس حتى تستعيد جزءا من نفوذها بالمنطقة، أو على الأقل، حتى لا تخسر كل نفوذها فيها، أضحى يفكر بأجندة مستقلة، تراعي مصالحه الخاصة، فيقيم تحالفاته مع أمريكا، ويتجنب بذكاء الاصطدام بروسيا، ويكسب ثقة النخب السلطوية الجديدة التي قادت الانقلاب في كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر.
والحال، تدخل هذه الاعتبارات كلها ضمن الرواية الفرنسية، وليس ضمن نظيرتها المغربية، فالمشكلة اليوم ليست مشكلة رفض باريس عودة العلاقات مع المغرب، أو رفض باريس زيارة الملك محمد السادس إليها، كما هو شأن وضع زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إليها، والتي تأجلت لثلاث مرات دون معرفة إمكان حدوثها، بل المشكلة، ينبغي أن تلتمس اليوم في الرواية المغربية، فالرئيس الفرنسي ما فتئ يذكر بأهمية استعادة علاقاته مع المغرب، ووزارة خارجيته، قفزت بعيدا وتحدثت عن زيارة وشيكة للرئيس الفرنسي للرباط، وكانت قد قامت بزيارة للمغرب في ديسمبر من العام الماضي، واضعة في أجندتها حل مشكلة التأشيرات، كما ولو كانت مفتاحا لعودة العلاقات مع الرباط، لكن في نهاية المطاف، بقيت الكرة في ملعب الرباط، مما يبرر البحث في أسباب توتر العلاقات في الرواية المغربية، لا في نظيرتها الفرنسية.
في التقدير المغربي، ثمة معطى واحد، تدور عليه كل الرواية المغربية، وهو طبيعة السياسة الخارجية الفرنسية في المنطقة في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون، والتي اختارت التنسيق مع الجزائر لإبطال مفعول سياسة الرباط الجديدة التي جعلت قضية الصحراء مفتاحها الرئيسي.
الأسباب الحقيقية للصراع بين الرباط وباريس، لا تخرج عن هذا الإطار، وإن كانت هناك تفاصيل غير معلنة، تفسر إلى حد كبير بلوغ التوتر هذا المستوى غير المسبوق، ومنها أنه في الوقت الذي كان فيه المغرب، يواجه التداعيات المدمرة للزلزال، ونزلت القوات المسلحة الملكية بكل قوتها إلى المنطقة للقيام بجهود الإنقاذ، حصل بين باريس والجزائر تنسيق محكم حول إدارة الموقف، وذلك بركوب لغة ازدواجية تمثلت في ممارسة الدعاية بقضية المساعدات الإنسانية الموجهة للرباط.
ولذلك، مشكلة التوتر بين البلدين ليس في وجود إيمانويل ماكرون على رأس السلطة، وإنما يكمن في سياسة فرنسية اقتنعت بأن نفوذ باريس ومصالحها الإقليمية تعرضت للخطر منذ اللحظة التي بدأ فيها المغرب يفكر بأجندته الخاصة في المنطقة، وأنه لا سبيل لتأمين مصالح فرنسا سوى بتوقيف الامتداد المغربي، ولا سبيل لتوقيف هذا الامتداد دون تنسيق محكم مع الجزائر يضع في صلب أجندته الاستثمار في قضية الصحراء لإضعاف الموقف المغربي.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الرئیس إیمانویل ماکرون
إقرأ أيضاً:
بوريطة يشيد بتطور العلاقات بين المغرب ومالاوي خلال السنوات الأخيرة
أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، الخميس بالرباط، أن العلاقات بين المغرب ومالاوي تشهد تطورا مهما خلال السنوات الأخيرة، وذلك في إطار التزام صاحب الجلالة لملك محمد السادس، وفخامة رئيس جمهورية مالاوي، لازاروس مكارثي تشاكويرا، بتطوير نموذج علاقات جنوب-جنوب بين البلدين، والتعاون في جميع المجالات، على الرغم من البعد الجغرافي.
وأوضح السيد بوريطة، خلال ندوة صحفية عقب مباحثات أجراها مع وزيرة الشؤون الخارجية لمالاوي، السيدة نانسي تيمبو، أنه منذ سحب مالاوي اعترافها بالجمهورية المزعومة سنة 2017، وخاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كانت هناك مجموعة من الإجراءات في اتجاه تقوية العلاقات الثنائية، لاسيما من خلال انعقاد اللجنة المختلطة للتعاون المغرب – مالاوي بمدينة العيون، والتوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات بين البلدين، وكذا افتتاح سفارة مالاوي بالرباط واستقبال أول سفير لها بالمغرب، كما أن المملكة افتتحت سفارتها بليلونغوي منذ أكثر من سنة.
وفي السياق ذاته، ذكر الوزير بالتوقيع على خارطة طريق للتعاون الثنائي بين البلدين 2024-2026، والتي أكدت على المجالات الأساسية للتعاون، لاسيما التربية والتكوين، والتعاون التقني، والأمن، والترويج الاقتصادي والاستثمار، مبرزا أن خارطة الطريق هذه تشمل مجموعة من المراحل حيث تم البدء في الاشتغال عليها، لاسيما من خلال إقامة الأسبوع الإقتصادي لمالاوي بالرباط الشهر الماضي، والذي مكن من التعريف بالإمكانات التي يتيحها هذا البلد من الناحية الاقتصادية.
وقال إنه تم اليوم وضع اللبنات الأساسية للتعاون بين البلدين ويتعين خلال المرحلة المقبلة تطوير هذا التعاون، خاصة في ثلاث مجالات أساسية، والتي تهم الأمن الغذائي من خلال التعاون في مجال الأسمدة، حيث يجري حاليا التباحث من أجل التوقيع على اتفاقية مهمة للتعاون في هذا المجال بين البلدين، وكذا التكوين حيث تم تخصيص 100 منحة دراسية للطلبة من مالاوي بالمغرب، لاسيما في مجالي التكوين الأكاديمي والتكوين المهني، فضلا عن التعاون التقني من خلال تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين.
وأشار السيد بوريطة إلى أن العلاقات بين المغرب ومالاوي قائمة على التضامن، قائلا « إن المغرب يقف دائما الى جانب مالاوي لما يتعرض له خلال السنوات الأخيرة من كوارث طبيعية »، كما أن مالاوي « كانت دائما حليفا للمغرب في ما يخص قضاياه الوطنية، لاسيما في المنتديات الدولية والإقليمية ومجلس حقوق الانسان والأمم المتحدة، حيث كانت لها مواقف ثابتة دائمة في ما يخص مغربية الصحراء ».
وخلص إلى أن زيارة وزيرة الشؤون الخارجية لجمهورية مالاوي، السيدة نانسي تيمبو، تشكل حلقة مهمة لتنزيل الرؤية المشتركة لجلالة الملك محمد السادس ولفخامة الرئيس لازاروس مكارثي تشاكويرا، لخلق نموذج للتعاون بين البلدين، مشيرا إلى أنه يعتزم القيام بزيارة إلى ليلونغوي أبريل المقبل للتأكيد على متانة هذه العلاقات بين البلدين.
كلمات دلالية المغرب مالاوي