بقلم / سامي عطا

 

خلاف المملكة وأنظمة الحكم الوراثية مع عبدالناصر هو خلاف سببه إسقاط الضباط الأحرار للحكم الملكي وقيام الجمهورية، كما أن دخول عبدالناصر وتأييده لحركة 26 سبتمبر 1962م ومؤازرته قيام الحكم الجمهوري على أنقاض الملكية ومن ثم إرساله قوات مصرية إلى اليمن، وخلاف المملكة مع جنوب اليمن إثر الاستقلال لنفس السبب، قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية على أنقاض حكم السلاطين والمشيخات، ونفس الأمر مع ليبيا، وخلافها مع إيران إثر الثورة الإيرانية في فبراير 1979م وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنقاض نظام الشاه الملكي الوراثي … هلمجرا، هذه أحد أوجه التفسير الجيوسياسي لأزمة العلاقة بين أنظمة الحكم الملكية الوراثية مع أنظمة الحكم الجمهورية التي نشأت على أنقاض أنظمة ملكية في المنطقة، فكلاهما تدافع عن وجود هذا الشكل أو ذاك من أنظمة الحكم، ولذا سعى كل طرف إلى فرض بقائه أو فرض وجوده عن طريق حبك المؤامرات والحروب، فلقد كانت الملكيات تتوجس خيفة من قيام الجمهوريات على أنقاض ملكيات، وبالتالي لم تجد من سبيل إلى حماية نفسها سوى وضع عقبات وعراقيل أمام الأنظمة الجديدة الوافدة حتى لا تكون نماذج حكم لها أفضلية، وتنتقل عدواها إلى باقي شعوب الممالك في المنطقة، وساعدها ارتباطها بالاستعمار كأنظمة وظيفية ونتيجة امتلاكها للثروات النفطية، حيث أخذت توظفها في حربها مع الأنظمة الجمهورية.


مع أن صراع أنظمة الحكم الملكية والجمهورية ليست حصراً بالعرب وحدهم، فأوروبا شهدت هذا النوع من الصراع بعد قيام الثورة الفرنسية في 1789م ونهاية حكم لويس السادس عشر، فلقد كانت الأنظمة الملكية المحيطة بفرنسا تتوجس خيفة من انتقال عدوى الثورة الفرنسية إليها، وعلى أثر قيام الجمهورية الفرنسية الأولى ناصبت قيامها العداء من جميع الممالك وما حروب نابليون إلا أحد تجليات ذلك الصراع.
لكن بعد تجذر نظام الحكم الجمهوري في فرنسا وبعد كلفة الحروب الباهظة، اهتدت أوروبا إلى طريقة عقلانية في الحفاظ على شكل أنظمتها والحيلولة دون انتقال العدوى الفرنسية، حيث ذهبت الأنظمة الملكية إلى إخماد الثورات الوشيكة عن طريق تقديم تنازلات تدفع إلى إصلاحات، ومنح رعاياها مزيدا من الحقوق، وفي إحدى المقابلات الإذاعية مع BBC عام 1959م سئل الفيلسوف الإنجليزي برانتراند راسل حول هذا الموضوع، حيث سأله المذيع لماذا لم تشهد بريطانيا ثورة مثل ما حصل في فرنسا أو الثورة البلشفية الروسية؟ أجاب برانتراند راسل، بأن بريطانيا منذ ثورة 1669 حين حصل خلاف بين البرلمان والملك وعلى إثرها صارت حرب أهلية بين مؤيدي الملك ومؤيدي البرلمان، انتهت بقطع رأس الملك، وبسببها وبسبب تداعيات الثورة الفرنسية، تعلمت نخبة الحكم في بريطانيا سياسة تقديم التنازلات، عند تأزم الأوضاع الداخلية تذهب إلى تقديم تنازلات. وأضاف الفيلسوف راسل في العام 1831 كانت الأوضاع الداخلية في بريطانيا تنبئ بأزمة عميقة كادت تؤدي إلى ثورة، ووضعت النخبة الحاكمة أمام هذا الخيار إما أن تقدموا تنازلات أو تقطع رؤوسكم « في كناية عن مقاصل الثورة الفرنسية»، وفي ذلك الحين كان جدي جون راسل رئيس وزراء بريطانيا دفع بمشروع إصلاحات للبرلمان قدمت من خلاله الأرستقراطية الإنجليزية تنازلات عن بعض امتيازاتها لصالح عموم الناس حالت دون اندلاع ثورة، وبهذا التصرف حفظ جدي رأسه فوق كتفه وبالتالي حفظ سلالته بعده من الاندثار، لذا تجدني الآن معك في هذه المقابلة.
الخلاصة.. الصراع بين الأنظمة الملكية والأنظمة الجمهورية في أوروبا كان على أشده بعد الثورة الفرنسية، لكن مع الوقت وخسائر الحروب الفادحة تعلم الأوروبيون طريقة جديدة للحفاظ على أنظمة حكمها تقوم على سياسة بناءة تهتم بالإصلاحات الداخلية وتطوير أنظمة حكمها كلما استدعت الحاجة لذلك، وهي أنجع وسيلة تحميها من الثورات والفوضى. أما طريق المؤامرات الخارجية والحروب كلفتها باهظة لا تؤدي إلاّ إلى مزيدٍ من الهدر وضياع المقدرات.
السؤال: هل ستتعلم أنظمة الحكم في بلادنا العربية مثل هذه الدروس وتنتقل من حالة الصراع والحروب إلى مضمار المنافسة والتركيز على إصلاح أوضاعها الداخلية بدلاً من هدر إمكانياتها و مقدراتها في إظهار مساوئ غيرها واكتساب أفضلية أنظمة حكمها .
والسؤال الذي يفرض نفسه علينا، متى سيتعلم العرب من عبر ودروس التاريخ..!!؟

 

نقلاً عن موقع صحيفة الثورة

المصدر: موقع حيروت الإخباري

كلمات دلالية: الثورة الفرنسیة على أنقاض

إقرأ أيضاً:

الحوثي يهدد : إذا اتجه الأمريكي إلى تنفيذ خطة التهجير فسنواجه بالقوة وبالتدخل العسكري

صنعاء (الجمهورية اليمنية) - أكد زعيم حركة أنصار الله الحوثيون عبدالملك الحوثي أن موقف اليمن من خطة ترامب الرامية إلى التهجير القسري للشعب الفلسطيني من قطاع غزة، ما زال ثابت.

وقال الحوثي في خطاب له اليوم الخميس للحديث عن آخر التطورات والمستجدات:” إذا اتجه الأمريكي إلى تنفيذ خطة التهجير فسنواجه عدوانهم بالقوة وبالتدخل العسكري ولن نتفرج أبداً”، مشيراً إلى أن “الأمريكي يسعى للإيقاع بالأنظمة العربية في فضيحة وجريمة كبيرة وفي أمر شنيع للغاية ضد دينهم وأمتهم ومصلحة بلدانهم وشعوبهم”، موكداً أنه ونتيجة لخذلان الأنظمة العربية لغزة على مدى 15 شهراً طمع الأمريكي فيهم أن يكونوا مشاركين في تصفية القضية الفلسطينية بهذا الشكل الوقح والباطل.

وأضاف: “إذا اتجه الأمريكي والإسرائيلي لمحاولة تنفيذ الخطة بالقوة أو اتفقوا مع الأنظمة العربية لتنفيذها سنتدخل حتى بالقوة العسكرية، وسنتحرك في أداء مسؤوليتنا الجهادية للتصدي للأمريكي والإسرائيلي والنصرة للشعب الفلسطيني كما فعلنا في مواجهة جريمة القرن”.

وتابع: “سنتدخل بالقصف الصاروخي والمسيّرات والعمليات البحرية وغيرها إذا اتجه الأمريكي والإسرائيلي لتنفيذ خطة التهجير بالقوة، منوها أنه “يجب الاستفادة من الإجماع العربي والإسلامي والعالمي في التوحد والتعاون والكف عن الانقسامات والاتجاه الجماعي لرفض الخطة الأمريكية، داعياً للحذر من الطعن في ظهر الشعب الفلسطيني في غزة والضفة ومن التعاون مع الأعداء، و ألا يكون هناك أي موافقة على الخطة الأمريكية وأن يكون الموقف منها موقفا ثابتا وصامدا، وإلا فهي خيانة كبرى لها تداعيات خطيرة”.

وأشار إلى أن “الموافقة على الخطة الأمريكية لها تبعات خطيرة جداً على الأمن القومي العربي وعلى المنطقة بكلها، وأنه مهما كانت الإغراءات من الجانب الأمريكي ومهما كانت الضغوط يجب أن يكون هناك موقف صادق وثابت”، لافتاً إلى أنه “بالتوحد والتعاون والالتفاف حول الموقف الصحيح في رفض تلك الخطة يمكن التغلب على الضغوط الأمريكية وعلى الإغراءات الأمريكية”.

وحذر الحوثي من المساومة ومن المقايضة من قبل الأنظمة العربية فيما يضر بالقضية الفلسطينية”، موضحا أن “الأمريكي إذا وصل إلى خط مسدود قد يتجه إلى التأجيل والدخول في مساومات ومقايضات تمهد لاحقا لهذه الخطة”.

وأوضح أنه ” على الجميع أن يستفيق من غفلتهم وأن يدركوا حقيقة أطماع الأعداء وأهدافهم من أجل أن يكون لهم موقف جاد مع الشعب الفلسطيني”، وأن “على بعض الأنظمة العربية أن تغير من توجهاتها السلبية تجاه إخوتنا المجاهدين في فلسطين وأن يغيروا ما فعلوه سابقا من التصنيف بالإرهاب وغير ذلك”.

 

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • «أهلي 2005» يواجه المقاولون العرب اليوم في دوري الجمهورية للشباب
  • الحكم الدولي مبارك حديد، موقوف عن أداء مهامه، من طرف الجامعة الملكية لكرة السلة، لأسباب مجهولة
  • وزير الداخلية يصل إلى الجمهورية التونسية على رأس وفد أمني رفيع المستوى
  • واشنطن: التدريبات العسكرية مع الفلبين "دفاعية فقط"
  • التأكيد على أهمية الاستثمار لتطوير الأنظمة الرقمية في إدارة الوثائق والمحفوظات
  • انعقاد مؤتمر في العاصمة الفرنسية باريس بشأن سوريا
  • دراسة جديدة تغير مفهوم الضوضاء وتكشف فوائد غير متوقعة
  • الحوثي يهدد : إذا اتجه الأمريكي إلى تنفيذ خطة التهجير فسنواجه بالقوة وبالتدخل العسكري
  • قائد الثورة: اليمن سيتدخل عسكريًا في حال اتجه الأمريكي والإسرائيلي لتنفيذ خطة التهجير
  • قائد الثورة يدعو للخروج المليوني الكبير والاستعداد للتدخل العسكري لمواجهة أي تصعيد