الأسباب الحقيقية لِلْحِمَائية في الغرب
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
«تاجِروا دون قيد مع الصين والوقت في صالحنا»، تلك كانت وجهة النظر الواثقة التي أبداها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش قُبيل انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في عام 2001.
بعد جيل لاحقا (بعد عشرين عاما أو نحو ذلك) توصل عديدون في الغرب إلى أن الوقت كان في الواقع لصالح الصين.
بوش كان يصدر حكما سياسيا، لقد اعتقد أن الصين المتكاملة بعمق مع الاقتصاد العالمي ستكون أكثر انفتاحا وديمقراطية، لكنها في ظل قيادة الرئيس شي صارت خلاف ذلك.
الآن بعض واضعي السياسات يعتبرون قبول انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية قرارا خاطئا، ويعتقدون أن التعزيز الهائل الذي منحه الانضمام للصادرات الصينية ساهم أيضا بقدر وافر في تفكيك الصناعة الأمريكية، ثم بعد ذلك ساعد تصاعد اللامساواة على ظهور دونالد ترامب.
هذا يطرح سؤالا محرجا. ماذا إذا قوَّضت العولمة الديمقراطيةَ في الولايات المتحدة بدلا من تعزيزها في الصين؟ ستكون تلك مفارقة تاريخية طريفة إذا لم نكن نعيش مع عواقبها.
المخاوف بشأن عافية ديمقراطية الولايات المتحدة هي الأساس الذي يرتكز عليه تبنِّي إدارة بايدن للسياسة الصناعية.
أبقى بايدن على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين وأضاف دعومات مالية سخية أُعِدَّت لاستعادة الصناعة الأمريكية وجعل الولايات المتحدة تتولى قيادة تقنيات المستقبل. البيت الأبيض يعتبر هذه السياسات حاسمة في أهميتها لاستقرار المجتمع الأمريكي ونظامه الديمقراطي.
استاء العديدون في أوروبا من تحول أمريكا إلى الحمائية والسياسة الصناعية (الحمائية حسب قاموس كمبردج تعني الإجراءات التي تتخذها الحكومة للمساعدة في حماية تجارة أو صناعة بلدها وذلك بفرض رسوم على السلع المستوردة من بلدان أخرى أو تحديد الكميات التي يمكن استيرادها، أما السياسة الصناعية فهي خطة حكومية مصمَّمة لتشجيع تطوير نوع معين من الصناعة أو الصناعة عموما - المترجم).
لكن الإعلان مؤخرا عن تحقيق أجراه الاتحاد الأوروبي حول الدعومات المالية لصناعة السيارات الكهربائية في الصين يوحي بأن أوروبا تشرع في اتخاذ مسار شبيه.
تفرض الولايات المتحدة رسما جمركيا على السيارات الصينية بنسبة 27.5%. بالمقارنة يبلغ الرسم الجمركي الأوروبي الحالي 10%. لكن إذا قرر الاتحاد الأوروبي أن الصين تدعم صادراتها من السيارات دون وجه حق قد يرتفع هذا المعدل بشدة.
رد الصين على تحقيقات الاتحاد الأوروبي كان اتهام أوروبا «بالحمائية الفاضحة.» لكن بدا بعض الأمريكيين المؤثِّرين أكثر تعاطفا. فجينيفر هاريس التي أعانت على إعداد السياسة الصناعية للولايات المتحدة في إدارة بايدن غردت على تويتر بالرسالة التالية «مرحبا أوروبا. نحن سعداء بأنك هنا الآن (معنا على درب الحمائية)»
إذا حذت أوروبا حذو أمريكا حقا وأصبحت أكثر حمائية ستفعل ذلك لأسباب مماثلة وهي الخشية من تقويض المنافسة الصينية للقاعدة الصناعية في أوروبا ومعها الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
صناعة السيارات هي أهم قطاع صناعي في أوروبا خصوصا في ألمانيا التي تشكل قلب اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وهي أيضا أحد المجالات القليلة التي لدى أوروبا فيها شركات تقود العالم حقا، فثلاثة من الشركات الأربعة التي تحقق أعلى إيرادات في العالم توجد في أوروبا وهي فولكسواجن وستيلانتيس ومجموعة مرسيدس بنز.
لكن تفوق أوروبا في صناعة السيارات العالمية يتآكل بسرعة. ففي هذا العام من المتوقع أن تصبح الصين أكبر مصدّر للسيارات في العالم. الصينيون أفضل خصوصا في مجال السيارات الكهربائية وهي سيارات المستقبل. وسيكون من الصعب القضاء على هذه الميزة لأنهم يهيمنون على إنتاج البطاريات وإمدادات معادن الأرض النادرة. وهذه المعادن حاسمة في أهميتها للسيارات الكهربائية.
ردُّ «حرية السوق» التقليدي هو أن على الأوروبيين الإقرار بفضل الصين إذا كانت تزود المستهلكين الأوروبيين بسيارات كهربائية رخيصة ويُعتمد عليها. إلى ذلك حقيقة أن هذا النوع من السيارات سيكون أساسيا لتحول أوروبا إلى موارد الطاقة المتجددة تشكل حافزا إضافيا للترحيب بالسيارات الكهربائية الصينية.
لكن الواقع الاجتماعي والسياسي أكثر تعقيدا، فقطاع السيارات يقدم أكثر من 6% من الوظائف في الاتحاد الأوروبي، حسب المفوضية الأوروبية. وهذه غالبا ما تكون وظائف جيدة الرواتب وتشكل جزءا كبيرا من الصورة الذاتية (الهوية الوطنية) لبلدان مثل ألمانيا. وستقود هجرة مثل هذه الوظائف إلى احتقان اجتماعي وسياسي.
تأييد حزب «البديل لألمانيا «اليميني المتطرف يتزايد في ألمانيا. وتشير استطلاعات عديدة للرأي العام إلى أنه الحزب الثاني الأكثر شعبية. ولكم أن تتخيلوا كيف سيكون وضعه إذا بدأت صناعة السيارات المحلية في الانهيار مع حلول سيارات «بي واي دي» الصينية محل سيارات بي إم دبليو في شبكة الطرق السريعة (أوتوبان) الألمانية.
لكن في حين تبدو الحمائية حلّا واضحا ومغريا للاتحاد الأوروبي إلا أن الواقع أكثر تعقيدا إلى حد بعيد. فأوروبا لا تزال بحاجة إلى مُدخلات صينية في شكل بطاريات كهربائية ومعادن من أجل تصنيع السيارات الكهربائية للاستخدام المحلي. والصين أيضا أكبر سوق للسيارات في العالم وأكبر سوق تصدير لسيارات مرسيدس وفولكسواجن. وتحقق هذه الأخيرة على الأقل نصف أرباحها هناك. وإذا فرضت أوروبا رسوما جمركية على السيارات الكهربائية الصينية من المؤكد تقريبا أن بكين ستردُّ الصاع. من جهة أخرى تفقد شركات الاتحاد الأوروبي حصة سوقية في الصين ومن المتوقع أن يتسارع هذا التدهور (في حصتها).
هذه التعقيدات قد تعني أن أوروبا لن تسلك المسار الأمريكي في نهاية المطاف وسيلزمها التراجع في هدوء عن تهديداتها الحمائية. ومن جهة أخرى من المرجح أن تتصاعد الضغوط السياسية والاجتماعية لإنقاذ صناعة السيارات الأوروبية. وسيكثف صعود الأحزاب الشعبوية والقومية في أوروبا تلك الضغوط.
ومن الممكن أن ينتهي الأمر بالاتحاد الأوروبي إلى الدفع بشكل ما من أشكال التسوية الفوضوية (غير المرتَّبة) مثل فرض قيود «طوعية» على السيارات الكهربائية الصينية.
لكن مهما كانت المحصَّلة النهائية من الواضح أن السياسة الصناعية والحمائية تحظيان مرة أخرى بالاحترام والقبول على جانبي الأطلنطي.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیارات الکهربائیة الولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی صناعة السیارات فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
عودة ترامب تؤجج القلق في الصين وأوروبا.. ما السبب؟
حذرت وكالة بلومبيرغ من أن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى تصاعد حاد في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وكل من الصين والاتحاد الأوروبي.
وتعهد ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة قد تصل إلى 60% على الواردات الصينية، وما يصل إلى 20% على الواردات الأوروبية، مما قد يؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي ويزيد من التحديات التجارية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف تفاعل المليارديرات وقادة الأعمال الأميركيون مع فوز ترامب؟list 2 of 2من أبرز المستفيدين اقتصاديا من عودة ترامب؟ نشطاء يعلقونend of listوأكدت الوكالة أن هذه الإجراءات قد تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الصيني، في حين ستجد أوروبا نفسها مضطرة لتعزيز استقلاليتها الاقتصادية لمواجهة التغيرات القادمة في السياسة الأميركية.
ترامب (يسار) خلال لقاء سابق مع الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2019 (رويترز) الصين تستعد للمواجهةوفي الوقت الذي تتزايد فيه التوترات، تراقب الصين عن كثب تطورات الأحداث وتعد نفسها لأي مواجهة تجارية محتملة مع واشنطن.
وذكر تقرير بلومبيرغ أن خطط ترامب لفرض تعريفات جمركية تصل إلى 60% على المنتجات الصينية قد تؤدي لتدمير التجارة بين البلدين.
ونقلت الوكالة عن بنك "يو بي إس" السويسري أن الرسوم بهذا المعدل ستؤدي إلى خفض معدل النمو الاقتصادي السنوي في الصين إلى أكثر من النصف.
وأشارت بلومبيرغ إلى أن هذا القرار قد يؤثر بشكل كبير على حجم التجارة بين البلدين، ويدفع الصين إلى اتخاذ تدابير قاسية لحماية اقتصادها.
ولفتت إلى أن الصين، التي تتصدر الآن العالم في صناعة السيارات الكهربائية، قد تكون أكثر استعدادا لمواجهة تداعيات حرب تجارية جديدة. فقد تفوقت شركة "بي واي دي" الصينية على شركة "تسلا" من حيث الإيرادات الفصلية، محققة مبيعات بلغت 500 ألف سيارة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتعمل الصين أيضا على تحسين علاقاتها مع دول أخرى مثل الهند، إذ شهدت الحدود الصينية الهندية مؤخرا مشاهد تصالحية غير مسبوقة.
ردود فعل صينية محتملةوأشارت بلومبيرغ إلى أن الصين قد ترد على التعريفات الجمركية الأميركية عن طريق استهداف السلع الزراعية الأميركية أو فرض قيود على تصدير المواد الخام التي تحتاجها الولايات المتحدة لتكنولوجياتها الإستراتيجية.
وأكدت الوكالة أن بكين قد تعتمد على إجراءات رسمية لفرض عقوبات على الشركات الأجنبية ضمن إستراتيجيتها للردع، بينما تبقى الحكومة الصينية حذرة في الإفصاح عن خططها بشكل رسمي، مكتفية بوصف الانتخابات الأميركية بأنها "فوضى تهدر الأموال".
بلومبيرغ وصفت عودة ترامب بأنه "لحظة حساب صعبة" للاتحاد الأوروبي (رويترز) أوروبا تتأهبوفي الوقت ذاته، تشعر أوروبا بقلق متزايد إزاء إمكانية تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، خاصة بعد أن أعلن ترامب عزمه فرض تعريفات جمركية قد تصل إلى 20% على جميع الواردات الأوروبية.
ووصفت بلومبيرغ الوضع بأنه "لحظة حساب صعبة" للاتحاد الأوروبي، إذ تأتي هذه التحديات في وقت حساس تشهده أوروبا بعد سلسلة من التغيرات الجيوسياسية.
من جهته، أشار البروفسور موريتز شولاريك، رئيس معهد كيل للاقتصاد العالمي في حديث للوكالة، إلى أن "فوز ترامب يمثل بداية أصعب لحظة اقتصادية لألمانيا"، حيث يواجه الاقتصاد الألماني تحديات جديدة في مجالات التجارة والأمن، وسط أزمة هيكلية داخلية.
ويرى مراقبون أن التوجهات الجديدة قد تدفع الاتحاد الأوروبي نحو تعزيز استقلاليته الاقتصادية، وتحسين قدراته الدفاعية، وزيادة التعاون بين الدول الأعضاء.
وتوقعت بلومبيرغ أن يؤدي احتمال فرض تعريفات جمركية جديدة من جانب الولايات المتحدة إلى زيادة كبيرة في الطلب على الشحنات، إذ يسعى المستوردون لتسريع استيراد السلع قبل سريان التعريفات.
وأوضح يهودا ليفين، رئيس الأبحاث في "فريتوس" للشحن، أن "التوقعات بفرض التعريفات قد تدفع المستوردين لتسريع الشحنات قبل تنفيذ القرار"، مما قد يرفع تكاليف الشحن بشكل كبير نتيجة زيادة الضغط على شركات النقل البحري.
محاولات لتجنب التصعيدوفي مواجهة هذه التحديات المتوقعة، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد وسائل للتعاون مع إدارة ترامب، ومحاولة التوصل إلى اتفاقيات تجارية تحد من التصعيد.
وصرح ماروش شيفتشوفيتش، المسؤول الأوروبي البارز، قائلا: "سأقدم عرضا للشراكة والتعاون" مع الولايات المتحدة، في محاولة لبناء علاقة متينة مع إدارة ترامب، وحماية المصالح الاقتصادية الأوروبية في ظل التحولات العالمية الجديدة.