لجريدة عمان:
2025-01-28@02:17:17 GMT

الأسباب الحقيقية لِلْحِمَائية في الغرب

تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT

ترجمة: قاسم مكي -

«تاجِروا دون قيد مع الصين والوقت في صالحنا»، تلك كانت وجهة النظر الواثقة التي أبداها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش قُبيل انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في عام 2001.

بعد جيل لاحقا (بعد عشرين عاما أو نحو ذلك) توصل عديدون في الغرب إلى أن الوقت كان في الواقع لصالح الصين.

بوش كان يصدر حكما سياسيا، لقد اعتقد أن الصين المتكاملة بعمق مع الاقتصاد العالمي ستكون أكثر انفتاحا وديمقراطية، لكنها في ظل قيادة الرئيس شي صارت خلاف ذلك.

وهي أيضا صريحة في عدائها للولايات المتحدة. في الأثناء مَوَّل النموُّ الاقتصادي السريع للصين عملية ضخمة لبناء الجيش.

الآن بعض واضعي السياسات يعتبرون قبول انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية قرارا خاطئا، ويعتقدون أن التعزيز الهائل الذي منحه الانضمام للصادرات الصينية ساهم أيضا بقدر وافر في تفكيك الصناعة الأمريكية، ثم بعد ذلك ساعد تصاعد اللامساواة على ظهور دونالد ترامب.

هذا يطرح سؤالا محرجا. ماذا إذا قوَّضت العولمة الديمقراطيةَ في الولايات المتحدة بدلا من تعزيزها في الصين؟ ستكون تلك مفارقة تاريخية طريفة إذا لم نكن نعيش مع عواقبها.

المخاوف بشأن عافية ديمقراطية الولايات المتحدة هي الأساس الذي يرتكز عليه تبنِّي إدارة بايدن للسياسة الصناعية.

أبقى بايدن على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين وأضاف دعومات مالية سخية أُعِدَّت لاستعادة الصناعة الأمريكية وجعل الولايات المتحدة تتولى قيادة تقنيات المستقبل. البيت الأبيض يعتبر هذه السياسات حاسمة في أهميتها لاستقرار المجتمع الأمريكي ونظامه الديمقراطي.

استاء العديدون في أوروبا من تحول أمريكا إلى الحمائية والسياسة الصناعية (الحمائية حسب قاموس كمبردج تعني الإجراءات التي تتخذها الحكومة للمساعدة في حماية تجارة أو صناعة بلدها وذلك بفرض رسوم على السلع المستوردة من بلدان أخرى أو تحديد الكميات التي يمكن استيرادها، أما السياسة الصناعية فهي خطة حكومية مصمَّمة لتشجيع تطوير نوع معين من الصناعة أو الصناعة عموما - المترجم).

لكن الإعلان مؤخرا عن تحقيق أجراه الاتحاد الأوروبي حول الدعومات المالية لصناعة السيارات الكهربائية في الصين يوحي بأن أوروبا تشرع في اتخاذ مسار شبيه.

تفرض الولايات المتحدة رسما جمركيا على السيارات الصينية بنسبة 27.5%. بالمقارنة يبلغ الرسم الجمركي الأوروبي الحالي 10%. لكن إذا قرر الاتحاد الأوروبي أن الصين تدعم صادراتها من السيارات دون وجه حق قد يرتفع هذا المعدل بشدة.

رد الصين على تحقيقات الاتحاد الأوروبي كان اتهام أوروبا «بالحمائية الفاضحة.» لكن بدا بعض الأمريكيين المؤثِّرين أكثر تعاطفا. فجينيفر هاريس التي أعانت على إعداد السياسة الصناعية للولايات المتحدة في إدارة بايدن غردت على تويتر بالرسالة التالية «مرحبا أوروبا. نحن سعداء بأنك هنا الآن (معنا على درب الحمائية)»

إذا حذت أوروبا حذو أمريكا حقا وأصبحت أكثر حمائية ستفعل ذلك لأسباب مماثلة وهي الخشية من تقويض المنافسة الصينية للقاعدة الصناعية في أوروبا ومعها الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

صناعة السيارات هي أهم قطاع صناعي في أوروبا خصوصا في ألمانيا التي تشكل قلب اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وهي أيضا أحد المجالات القليلة التي لدى أوروبا فيها شركات تقود العالم حقا، فثلاثة من الشركات الأربعة التي تحقق أعلى إيرادات في العالم توجد في أوروبا وهي فولكسواجن وستيلانتيس ومجموعة مرسيدس بنز.

لكن تفوق أوروبا في صناعة السيارات العالمية يتآكل بسرعة. ففي هذا العام من المتوقع أن تصبح الصين أكبر مصدّر للسيارات في العالم. الصينيون أفضل خصوصا في مجال السيارات الكهربائية وهي سيارات المستقبل. وسيكون من الصعب القضاء على هذه الميزة لأنهم يهيمنون على إنتاج البطاريات وإمدادات معادن الأرض النادرة. وهذه المعادن حاسمة في أهميتها للسيارات الكهربائية.

ردُّ «حرية السوق» التقليدي هو أن على الأوروبيين الإقرار بفضل الصين إذا كانت تزود المستهلكين الأوروبيين بسيارات كهربائية رخيصة ويُعتمد عليها. إلى ذلك حقيقة أن هذا النوع من السيارات سيكون أساسيا لتحول أوروبا إلى موارد الطاقة المتجددة تشكل حافزا إضافيا للترحيب بالسيارات الكهربائية الصينية.

لكن الواقع الاجتماعي والسياسي أكثر تعقيدا، فقطاع السيارات يقدم أكثر من 6% من الوظائف في الاتحاد الأوروبي، حسب المفوضية الأوروبية. وهذه غالبا ما تكون وظائف جيدة الرواتب وتشكل جزءا كبيرا من الصورة الذاتية (الهوية الوطنية) لبلدان مثل ألمانيا. وستقود هجرة مثل هذه الوظائف إلى احتقان اجتماعي وسياسي.

تأييد حزب «البديل لألمانيا «اليميني المتطرف يتزايد في ألمانيا. وتشير استطلاعات عديدة للرأي العام إلى أنه الحزب الثاني الأكثر شعبية. ولكم أن تتخيلوا كيف سيكون وضعه إذا بدأت صناعة السيارات المحلية في الانهيار مع حلول سيارات «بي واي دي» الصينية محل سيارات بي إم دبليو في شبكة الطرق السريعة (أوتوبان) الألمانية.

لكن في حين تبدو الحمائية حلّا واضحا ومغريا للاتحاد الأوروبي إلا أن الواقع أكثر تعقيدا إلى حد بعيد. فأوروبا لا تزال بحاجة إلى مُدخلات صينية في شكل بطاريات كهربائية ومعادن من أجل تصنيع السيارات الكهربائية للاستخدام المحلي. والصين أيضا أكبر سوق للسيارات في العالم وأكبر سوق تصدير لسيارات مرسيدس وفولكسواجن. وتحقق هذه الأخيرة على الأقل نصف أرباحها هناك. وإذا فرضت أوروبا رسوما جمركية على السيارات الكهربائية الصينية من المؤكد تقريبا أن بكين ستردُّ الصاع. من جهة أخرى تفقد شركات الاتحاد الأوروبي حصة سوقية في الصين ومن المتوقع أن يتسارع هذا التدهور (في حصتها).

هذه التعقيدات قد تعني أن أوروبا لن تسلك المسار الأمريكي في نهاية المطاف وسيلزمها التراجع في هدوء عن تهديداتها الحمائية. ومن جهة أخرى من المرجح أن تتصاعد الضغوط السياسية والاجتماعية لإنقاذ صناعة السيارات الأوروبية. وسيكثف صعود الأحزاب الشعبوية والقومية في أوروبا تلك الضغوط.

ومن الممكن أن ينتهي الأمر بالاتحاد الأوروبي إلى الدفع بشكل ما من أشكال التسوية الفوضوية (غير المرتَّبة) مثل فرض قيود «طوعية» على السيارات الكهربائية الصينية.

لكن مهما كانت المحصَّلة النهائية من الواضح أن السياسة الصناعية والحمائية تحظيان مرة أخرى بالاحترام والقبول على جانبي الأطلنطي.

جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیارات الکهربائیة الولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی صناعة السیارات فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

لمواجهة استفزازات ترامب، تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي

ترجمة: نهي مصطفى -

لطالما انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتحاد الأوروبي بشدة. فقد أشار مرارًا إلى العجز التجاري الكبير بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ــ الذي بلغ نحو 131 مليار دولار في عام 2022 و208 مليارات في عام 2023 ــ كدليل على استغلال الأوروبيين للسذاجة الأمريكية وعدم التزامهم بالقواعد العادلة. وللتصدي لما وصفه بـ«الممارسات التجارية غير العادلة» على مستوى العالم، وعد ترامب بفرض تعريفات جمركية لا تقل عن 10% على جميع الواردات، بما في ذلك تلك القادمة من شركاء تجاريين أوروبيين رئيسيين.

كما أثار ترامب تساؤلات حول استمرار الولايات المتحدة في تحمل عبء ضمان أمن أوروبا من خلال حلف شمال الأطلسي. وأعرب عن استيائه من المساعدات العسكرية والمالية الكبيرة التي قدمها الكونجرس الأمريكي لأوكرانيا في حربها ضد العدوان الروسي. ووفقًا لترامب ونائبه جيه دي فانس، ينبغي للأوروبيين أن يتحملوا الجزء الأكبر من المساعدات المستقبلية لأوكرانيا، حتى تتمكن الولايات المتحدة من تركيز مواردها واهتمامها على مواجهة التحديات القادمة من الصين ومنطقة المحيط الهادئ..

في أوروبا، يستمر الجدل حول أفضل السبل للتعامل مع إدارة ترامب. يرى البعض أن الحل قد يكون في تقديم تنازلات اقتصادية لإرضاء ترامب. ففي هذا السياق، اقترحت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، أن أوروبا قد تضطر إلى تبني «استراتيجية دفتر الشيكات» من خلال عرض شراء سلع وخدمات محددة من الولايات المتحدة. كما أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يعتمد على روسيا لتوفير ما يقرب من 20% من احتياجاته من الغاز الطبيعي المسال، مؤكدة أنه من الأفضل زيادة الاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر بديل.

من ناحية أخرى، يفكر مسؤولو الاتحاد الأوروبي في زيادة شراء المعدات الدفاعية الأمريكية كمحاولة لإقناع ترامب بالتراجع عن مطالبه الجديدة بزيادة إنفاق حلفاء الناتو على الدفاع إلى ثلاثة أو حتى خمسة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن هناك تيار آخر من المسؤولين الأوروبيين يشكك في جدوى هذه الاستراتيجية. فهم لا يعتقدون أن بضع خطوات رمزية مثل «اشترِ الأمريكي» ستكون كافية لإقناع ترامب بالتراجع عن فرض تعريفات جمركية على أوروبا. بدلاً من ذلك، يدعون إلى نهج أكثر حزمًا يقوم على التهديد بفرض تعريفات جمركية معادلة بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، استعدادًا لأي تصعيد اقتصادي محتمل.

تكمن المشكلة الأساسية في كل هذه الاستراتيجيات قصيرة الأجل في أنها تتجاهل التحديات البنيوية طويلة الأمد التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي. فتغيير السياسة التجارية لن يكون الحل. على سبيل المثال، بلغ الفائض التجاري للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة 20.5 مليار دولار في أكتوبر 2024، مقارنة بأقل من 17.5 مليار دولار خلال نفس الشهر من العام السابق. هذا الفائض التجاري يشكل جزءًا من فائض الحساب الجاري للاتحاد الأوروبي مع بقية العالم، والذي قفز من 64.4 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2023 إلى 134.4 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2024.

هذا الاختلال في الحساب الجاري يعكس التوازن المفقود بين مدخرات الاتحاد الأوروبي المحلية واستثماراته المحلية. فلا يعاني الأوروبيون من نقص في المدخرات أو في فرص الاستثمار، بل من ضعف في القدرة على توجيه الأموال بكفاءة داخل حدود الاتحاد الأوروبي. تُعزى هذه المشكلة إلى القواعد الوطنية المعرقلة، مثل تلك المتعلقة بضريبة الدخل، وصناديق التقاعد، وآليات امتصاص المخاطر، وإجراءات الإفلاس، التي تجعل الاستثمار عبر الحدود داخل الاتحاد الأوروبي غير جذاب. ونتيجة لذلك، تبقى نسبة كبيرة من مدخرات أوروبا إما خاملة في البنوك المحلية أو تُستثمر في أسواق رأس المال الأعمق والأكثر سيولة في الولايات المتحدة، بحثًا عن عوائد أعلى. بالتالي، لن تُسهم زيادة شراء الأسلحة الأمريكية أو الغاز الطبيعي المسال في حل هذه المعضلة، كما أنها لن تُعالج نقاط الضعف الأمنية الجوهرية في القارة الأوروبية. لمعالجة المشكلة من جذورها، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إصلاحات هيكلية شاملة تعزز التكامل الاقتصادي الداخلي وتدعم تدفقات رأس المال بكفاءة بين دوله.

يتعين على الأوروبيين التفكير استراتيجيًا في الاستثمار طويل الأجل، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل الصناعة والدفاع. لتحقيق هذه الأهداف، يقدم تقريران رئيسيان نُشرا العام الماضي إجابات واضحة على التحديات التي يثيرها نهج ترامب. في أبريل، أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي تقريرًا أعده إنريكو ليتا، رئيس الوزراء الإيطالي السابق، حول إصلاح السوق الموحدة. وفي سبتمبر، قدمت المفوضية الأوروبية تقريرًا آخر أعده ماريو دراجي، رئيس الوزراء الإيطالي السابق، يركز على تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي.

يؤكد التقريران أن الانحدار الاقتصادي النسبي في أوروبا يمثل تهديدًا وجوديًا للاتحاد الأوروبي، ويشددان على ضرورة تعزيز البحث والابتكار والاستثمار المستدام في التكنولوجيات الحديثة لعكس هذا الاتجاه. وتشير التوصيات إلى أن الطريقة الوحيدة لتحقيق هذه الأهداف تكمن في تسهيل الاستثمار داخل الاتحاد الأوروبي وجذب المواطنين الأوروبيين لتوظيف مدخراتهم محليًا بدلًا من إبقائها مجمدة في حسابات التوفير أو إرسالها إلى الخارج بحثًا عن عوائد أعلى.

تحويل هذه المدخرات إلى استثمارات محلية سيدعم الصناعات الأوروبية ويحفز النمو، مع تعزيز القدرة التنافسية للقارة على الساحة العالمية. هذه الاستراتيجية ليست فقط استجابة لاستفزازات ترامب، بل خطوة ضرورية لضمان مستقبل اقتصادي مستدام وقوي للاتحاد الأوروبي.

وإذا تمكن الزعماء الأوروبيون من إيجاد الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذ توصيات التقارير، فسوف يصبح الاتحاد الأوروبي موطنًا لسوق واحدة قادرة على إظهار ثقلها الحقيقي في الساحة الدولية؛ وسوف يصبح أكثر قوة واعتمادًا على الذات. وإذا فشل الأوروبيون في العمل بشكل متناغم لتحقيق هذه الرؤية، فسوف يخسرون الوظائف والاستثمارات والإبداع لصالح الولايات المتحدة والصين، على حساب مستويات معيشية أدنى من أي وقت مضى.

الاحتفاظ بمزيد من المدخرات الأوروبية في أوروبا، بدلاً من تصديرها إلى الخارج، من شأنه أن يقطع شوطًا طويلاً نحو إعادة التوازن إلى اقتصاد القارة، وسيساعد في تقليص فائضها التجاري مع الولايات المتحدة. ولتحقيق هذه الغاية، اقترح ليتا إنشاء اتحاد للادخار والاستثمار، وهو ما من شأنه أن يسهل على الحكومات توجيه المساعدات الحكومية إلى الأولويات الاستراتيجية مثل الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا العسكرية. ويصر كل من ليتا ودراجي أيضًا على أن تحرير المدخرات المحلية يشكل خطوة حاسمة في خلق سوق مشتركة حقيقية لصناعة الدفاع؛ فمعظم تمويل الدفاع والمشتريات يحدث حاليُا على مستوى الدول الأعضاء.

لكن هناك العديد من التحديات التي تلوح في الأفق. فلا تميل الحكومات الأوروبية إلى التعاون بسهولة في المسائل المرتبطة بضريبة الدخل، كما أنها تتحفظ على تعريض صناديق التقاعد الخاصة بها لما تعتبره مخاطر غير ضرورية. هذا بالإضافة إلى عدم ثقتها في الثقافة المالية لمواطنيها، مما يدفعها إلى الإبقاء على لوائح تنظيمية صارمة تُثبط الاستثمار المحفوف بالمخاطر. وهي كذلك مترددة في التخلي عن السيطرة على إجراءات الإفلاس، خاصة عندما قد يترتب على ذلك تصفية الأصول المملوكة للأسر. سيتعين على الأوروبيين تجاوز كل هذه العقبات، وغيرها من التحديات، قبل أن يتمكنوا من تحقيق ما يُعرف بشكل متزايد بين قادة الاتحاد الأوروبي بـ»اتحاد أسواق رأس المال» ــ مبادرة تهدف إلى إنشاء سوق رأس مال موحدة، طال النقاش حولها منذ تسعينيات القرن الماضي.

يشير دراجي إلى أن القدرة التنافسية تشكل «تحديًا وجوديًا» للاتحاد الأوروبي، ويُقدِّر أن الأوروبيين سيحتاجون إلى استثمار إضافي يبلغ 800 مليار يورو سنويًا (حوالي 820 مليار دولار) لاستعادة البراعة الصناعية للقارة. ويرى أن على الحكومات الأوروبية استخدام أدوات غير سوقية، مثل ضمانات الائتمان والإعانات والحوافز الضريبية، لتوجيه استثمارات القطاع الخاص في الاتجاه الصحيح. ويتطلب تمويل هذه المبادرات زيادة كبيرة في مستويات الاقتراض. كما يؤكد أن الاتحاد الأوروبي سيحتاج إلى القيام ببعض هذا الاقتراض بشكل جماعي، كما حدث خلال جائحة عام 2020. ويُعتبر هذا الاقتراض الجماعي ضروريًا بشكل خاص لتعزيز الدفاع الأوروبي. ويعرب دراجي عن أسفه إزاء حالة التجزئة التي يعاني منها قطاع الصناعات الدفاعية في القارة، مشددًا على أهمية تحقيق الحجم وتوحيد الطلب. ويدعو تقريره إلى زيادة التمويل الدفاعي المباشر للاتحاد الأوروبي وإنشاء هيئة مشتركة لصناعة الدفاع لإجراء المشتريات نيابة عن الدول الأعضاء.

يعتبر ترامب الاتحاد الأوروبي منافسًا استراتيجيًا ويفضل التفاوض مع الحكومات الأوروبية بدلاً من الاتحاد ككل. في مسائل التجارة والحساب الجاري، سيكون مضطرًا للتعامل مع الاتحاد الأوروبي. لكن طالما أن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى التكامل في الأمن والدفاع، فإنه قد يشهد تلاعبًا بين دوله الأعضاء. تنفيذ توصيات ليتا ودراجي سيسهم في تعزيز استقرار الاتحاد الأوروبي وتحقيق استقلاله الأمني والاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد على الولايات المتحدة.

يمكن أن يغير التنفيذ الناجح لتقريري ليتا ودراجي طبيعة التكامل الأوروبي اقتصاديًا وسياسيًا. في الماضي، كان التقدم الأوروبي يعتمد على الزعامة الفرنسية الألمانية، لكن الوضع الحالي يشهد حالة من عدم اليقين السياسي في البلدين. في ألمانيا، يواجه أولاف شولتز انهيار ائتلافه، ما يعيق إمكانية إجراء إصلاحات كبيرة في المستقبل القريب. أما في فرنسا، يواجه الرئيس ماكرون صعوبة في تشكيل حكومة مستقرة، ومن غير المرجح أن يعود الاستقرار السياسي قبل صيف 2025.

الخبر السار هو أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي تتمتع بموقف قوي نسبيًا، خاصة عندما نأخذ في الاعتبار الاضطرابات السياسية الحالية في الدول الأعضاء. فعقب فترة أولى ناجحة في المفوضية الأوروبية، تبدأ أورسولا فون دير لاين فترة ولايتها الثانية بخبرة وتفويض واضح. كما تستفيد المفوضية من تعيين كايا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا السابقة، في منصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، وهي شخصية كثيرًا ما تشير إليها الصحافة باعتبارها «المرأة الحديدية الجديدة في أوروبا». وتعد كالاس مدافعة قوية عن السيادة الأوكرانية ولا تخشى من التعامل مع شخصيات مثل ترامب أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أخيرًا، فإن انتخاب رئيس الوزراء البرتغالي السابق أنطونيو كوستا، وهو ديمقراطي اجتماعي عملي وذو سمعة طيبة في بناء الإجماع، لقيادة المجلس الأوروبي يعد بإضفاء جو أكثر تعاونًا على هذا الكيان.

تعوق العقبات السياسية تنفيذ أجندتي ليتا ودراجي، حيث تحتاج أوروبا إلى توحيد دولها السبع والعشرين والنظر في قضايا كبرى مثل ضم أوكرانيا ودول غرب البلقان. لكن العديد من الزعماء المقربين من ترامب، مثل أوربان وفيكو وميلوني، يشككون في الاتحاد الأوروبي ويرفضون نقل سلطاتهم إلى بروكسل. كما أن التوقعات الاقتصادية لعام 2025 ضعيفة، مع استمرار الركود في ألمانيا وضعف التحسن في فرنسا وإيطاليا. بسبب الميزانيات التقشفية، من غير المحتمل أن تتمكن منطقة اليورو من زيادة الإنفاق العام أو خفض الضرائب، ما يستدعي تفكيرًا إبداعيًا وتعديلات في القواعد المالية.

من المرجح أن تسعى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى عقد صفقات ثنائية مع إدارة ترامب القادمة بدلاً من العمل من خلال الاتحاد الأوروبي. تمتلك المجر وسلوفاكيا حكومات أكثر تعاطفًا مع موسكو من كييف ورحبت بخطط ترامب الموعودة لإحلال السلام، حتى لو جاء هذا السلام على حساب سلامة أراضي أوكرانيا ويفتقر إلى ضمانات أمنية قوية.

عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تنهي النظام الدولي القائم على القواعد الذي تقوده الولايات المتحدة، مما يفرض على الاتحاد الأوروبي التكيف وبناء قوته الدفاعية. بينما يأمل ترامب في تهميش أوروبا كمنافس استراتيجي، إلا أن ذلك قد يكون ضد المصالح الاقتصادية والأمنية لأوروبا والولايات المتحدة على المدى الطويل. يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتجنب الانقسام والتهميش بتبني أجندات ليتا ودراجي.

إريك جونز مدير مركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة في معهد الجامعة الأوروبية.

ماثياس ماتيوز أستاذ مساعد في الاقتصاد السياسي الدولي، جامعة جونز هوبكنز-كلية الدراسات الدولية المتقدمة

نشر المقال في Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • سيطرة صينية ملحوظة على سوق السيارات الكهربائية
  • قصة «DeepSeek» الصينية التي هزت عرش عمالقة التكنولوجيا
  • الاتحاد الأوروبي يمدد العقوبات على روسيا بعد موافقة هنغاريا
  • مختص لـ "اليوم": فرص واعدة لسوق السيارات الكهربائية بالمملكة رغم التحديات
  • الصين تتصدر سوق المركبات الكهربائية عالميا في 2024.. وهذا حجم المبيعات
  • الصين: توقعات بتسجيل حجم شحن قياسي للمركبات الكهربائية على الطرق السريعة
  • لمواجهة استفزازات ترامب، تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي
  • KIa كيا توقّع مذكرة تفاهم لإنشاء ورشة تدريب متخصصة في السيارات الكهربائية بمدرسة شنلر المهنية
  • ما الأسباب التي تجعلك تعاني من نزلة برد لا تزول؟
  • 7 حروب تجارية بين الاتحاد الأوروبي وأميركا منذ 1963