قراءة في كتاب الجوانب الإبداعية للأسرى الفلسطينيين للدكتور رأفت حمدونة
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
بداية، الكاتب جاء من عمق هذه التجربة حيث قضى في السجون قرابة عشرين عاما كان جلّها في العمل الثقافي على تثقيف ذاته وعلى غيره من الأسرى، وبعد أن تنسّم الحريّة تابع تعليمه الأكاديمي ليحصل على شهادة الدكتوراة من معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة بمرتبة الشرف الأولى، وكان موضوعها هذا الكتاب.
وتبرز أهمية هذه الدراسة أنها تناولت تجربة عظيمة في ظروف غارقة في غاية القسوة والصعوبة، كيف نجح الأسرى في اجتراح هذه الإبداعات من عمق المأساة واختراق الحصار المنيع المضروب على ظروف حبسهم القاسية وحياتهم المريرة، وكل محاولات الطمس على عقولهم وخنق أنفاسهم وإفقادهم حمل قضيتهم وانتمائهم لمبادئهم وتذويب هويّاتهم الثقافية والروحيّة والوطنية، وتحويلهم إلى مجرّد رقم لا يحمل أيّ مضمون.
فقد استهدفت هذه الدراسة إبراز الجوانب الإبداعية التي تميّز بها أسرانا وكيف تمكنوا من الحفاظ على تراكم إنجازاتهم كحالة إبداع في ظروف صعبة وقاهرة، وكذلك ذهبت إلى توضيح الاستراتيجيات والسياسات والآليات التي استخدمها الأسرى في تطوير منظومة الجوانب الإبداعية حسب ما كتب الدكتور حمدونة.
وتلخّص سؤال الدراسة الرئيسي في: كيف استطاعت الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة أن تواجه ممارسات سلطات الاحتلال في السجون بطرق ابتكارية ووسائل إبداعية؟ وما هي أشكال المقاومة التي استخدمتها للتغلب على العوائق التي واجهتها؟
وقد وصل حمدونة إلى أن هناك علاقة بين الضغوط التي يمارسها الاحتلال على الأسرى وقدرتهم على بلورة أفكار وأساليب جديدة للتكيّف والمواجهة والإبداع في ظلال اشتباك مستمر على مدار الساعة، وهم في مواجهة مفتوحة في خندق متقدّم مكشوف.
ولم تكن منهجية الدراسة بكتابة انطباعات الكاتب وآرائه الشخصيّة، بل ذهبت إلى علمية البحث من خلال المنهج التاريخي التحليلي والوصفي التحليلي واستعان باقتراب ومنهاجية "التحليل الثقافي" الذي يقوم على دراسة المحيط الثقافي للظاهرة وتحليلها. وهذا نمط جديد في الدراسات التي كتبت في السجون وعنها، إذ غالبا ما كانت من قبل لا تأخذ هذا المنحى التحليلي العلمي الذي يقلّل من الانطباعات الذاتية على حساب الدراسة التحليلية الجمعية.
ومن الأسباب التي دفعت حمدونة لتناول هذا الموضوع المهم هو الوفاء، ولأسباب أخلاقية رفيعة لإنسان قضى زهرة شبابه في أحضان الحركة الأسيرة مرشدا وقائدا ومربيا وعالما ومتعلما، نعم دفعه كل هذا إلى أن يعكف على دراسة الجوانب الإبداعية للحركة الأسيرة التي حافظت على تماسكاها وحمت نفسها من الاستهداف الأمني والأخلاقي الشرس، ونجحت في تخريج أجيال كان لها الأثر الكبير في عملية النضال والثورة الفلسطينية.
وللدراسة أهمية عملية سوى الأهمية الأكاديمية، حيث قدمت مادة مشرقة عن الأسرى للرأي العام العالمي تنقض الصورة النمطية التي تسوقها دولة الاحتلال عن الأسرى الفلسطينيين بأنهم "قتلة وإرهابيون وأياديهم ملطخة بالدماء". وكذلك فإنها تقدم مادة مستجدة وغنيّة للمؤسسات الرسميّة عن الأسرى يمكن الاستفادة منها على الصعيد الحقوقي.
وبدأت الدراسة في التدليل بشكل عام على الحركة الأسيرة كتاريخ ومراحل تطوّر ومظاهر التضييق من قبل السجان والوسائل النضالية للأسرى كحالة إبداع في مواجهة المحتلّ، وشرحت العوامل التي ساهمت في تنمية الإبداع في مواجهة السجان الإسرائيلي، وعن دور الحركة الأسيرة في تعزيز الجوانب الإبداعية التي كانت خير ردّ على وسائل الاحتلال لتفريغ الأسير من محتواه النضالي والثقافي. وجابت الدراسة في المسيرة الثقافية كمظهر هام من مظاهر الإبداع التي وفّرت الحركة الأسيرة محاضنه لتطويره والسير به قدما، وقد خصّص مبحثا خاصا عن أدب السجون. ويذكر أن الكاتب حمدونة من أبرز عمداء هذا الأدب، حيث خرج من السجن بعدة روايات فكان بذلك خير شاهد على ما خلصت إليه دراسته.
واستعرض حمدونة في دراسته بعض التجليات الإبداعية للحركة الأسيرة، منها الإضرابات المفتوحة عن الطعام والنطف المحرّرة وما حققته من إنجاز عظيم، وفرسان للحرية أبدعت وتميّزت الحركة الأسيرة في إنتاجهم. ولم ينس أن يتناول التجربة الديمقراطية في السجون وانعكاسها على حياة الأسرى وإرخاء ظلالها على الحياة الفلسطينية بشكل عام.
الدراسة لن يعطيها حقها مقال لأنها ثرية وخصبة وتستحق أن تُقرأ وتتابع توصياتها من أعلى المستويات، لتبقى الجوانب الإبداعية لأسرانا في حالة إشراق دائم وعطاء لا ينضب. فتسليط الضوء على هذا الإشراق الإبداعي في غاية الأهمية ومفخرة لأسرانا ولنا جميعا، ولكل إنسان حرّ أن ينهل من هذه التجربة ويستلهم منها الروح والأمل.
لقد نجح حمدونة في سبر غور هذه التجربة الفريدة وأبدع في عرض مضمون عظيم بطريقة فذّة وأسلوب جميل يستحق منا كلّ الاحترام والتقدير، ولهذه الدراسة أن تتبوأ مقعدا هامّا في المكتبات العامة ومكتبات الجامعات والمدارس كمرجع هام لإبداعات الحركة الأسيرة في السجون الإسرائيلية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السجون الفلسطينية كتب الاحتلال اسرى فلسطين الاحتلال كتب سجون مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرکة الأسیرة هذه الدراسة فی السجون
إقرأ أيضاً:
التصديري: نستهدف تعزيز مكانة الحرف اليدوية والصناعات الإبداعية المصرية في الساحة العالمية
أكد هشام العيسوي، رئيس المجلس التصديري للحرف والصناعات اليدوية، أن المجلس في دورته الجديدة لدية خطة واضحة تستهدف تعزيز مكانة الحرف اليدوية والإبداعية المصرية في الأسواق الدولية، مشيراً إلى أن مصر تمتلك تراثاً عريقاً وحضارة فريدة يجب أن تنعكس على أرقام صادراتنا وحصص مصر السوقية العالمية في مجالات الحرف والصناعات اليدوية والإبداعية.
وأضاف العيسوي، في بيان صحفي اليوم، الخميس، صادر عن المجلس، أن هناك دولاً أخرى استطاعت اقتناص حصص سوقية من منتجات مصر الحرفية والإبداعية في الأسواق الخارجية، ما يتطلب جهودا مضاعفة لاستعادة تلك المكانة والتميز، بما يتطلب أيضاً توحيد الجهود والرؤى للوصول إلي المكانة السوقية العالمية التي تستحقها مصر.
وأوضح أن “المجلس التصديري للحرف اليدوية حقق نجاحاً ملموساً خلال الفترة الماضية، حيث تمكنا من زيادة صادرات الحرف اليدوية والإبداعية بقيمة تقدر بحوالي نصف مليار دولار، ما يمثل نمواً بنسبة 20% خلال عام واحد فقط، ما يعزز من مكانة المنتجات المصرية في السوق العالمية”.
خطة طموحة للوصول إلى صادرات بقيمة 650 مليون دولار بحلول عام 2027وأكد العيسوي أن المجلس يضع خطة طموحة تستهدف تحقيق زيادة كبيرة في الصادرات، للوصول إلى 650 مليون دولار بحلول عام 2027، وتأتي هذه الخطة كجزء من استراتيجية شاملة تهدف إلي رفع قيمة المنتجات وتوسيع انتشارها عالمياً.
وأوضح أن المجلس يتبنى توجهاً يركز على "الكيفية" إلى جانب "الكم"، حيث يتم تطوير وتحسين جودة المنتجات الحرفية والإبداعية المصرية ورفع مواصفاتها وقيمتها المضافة لتلبية احتياجات الأسواق العالمية، وذلك بالاستعانة بخبراء مصريين على مستوى عالمي في التصميم والاستدامة والتسويق والتغليف والتسعير لمخاطبة الفئات المستهدفة وتعظيم العائد على صادراتنا من الحرف والصناعات اليدوية والإبداعية.
وشدد هشام على أهمية دراسة الأسواق المستهدفة بعناية قبل الدخول فيها، موضحاً أن التحليل الدقيق لهذه الأسواق يساهم في تحقيق مكاسب مستدامة للصادرات المصرية.
وأشار إلى أن استهداف الأسواق المناسبة يسهم في رفع كفاءة العمليات التصديرية وضمان الوصول للفئات المستهدفة بفعالية.
التطوير والتدريب لتحقيق الاستدامة في القطاع الحرفيولفت إلى أنه في إطار مسئولية المجلس نحو التطوير، يعمل المجلس على تقديم برامج تدريبية وتوجيهية لدعم الحرفيين وتمكينهم من تحقيق أفضل مستويات الإنتاجية، ويسعى المجلس أيضاً إلى تطوير مواصفات المنتجات المحلية وجعلها متوافقة مع المعايير العالمية، ما يساعد في تعزيز تنافسيتها وجذب المزيد من العملاء.
وقال هشام إن قطاع الحرف اليدوية والصناعات الابداعية يعمل به ما يزيد على 2 مليون فنان وحرفي مبدع على مستوى الجمهورية، ما يجعله ركيزة أساسية في نمو الاقتصاد الوطني وهناك توقعات بمضاعفة هذا الرقم خلال السنوات المقبلة ولا بد من استغلال هذا القطاع بشكل يضيف إلى الاقتصاد المصري.
وأكد أن الصناعات اليدوية والإبداعية تستحق اهتماماً أكبر ودعماً من الجهات الحكومية والمستثمرين لدفع عجلة النمو، مشيراً إلى أن نجاح المجلس في الوصول إلى الأهداف الطموحة سيدعم الاقتصاد المصري ويوفر فرص عمل جديدة، ما يساهم في تحقيق رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
وأضاف هشام أن المجلس سيعمل فورا على زيادة تعزيز التعاون والتنسيق مع مختلف الجهات الحكومية والخاصة كونه الجهة المسئولة عن صادرات مصر من الحرف اليدوية والصناعات الإبداعية، لتذليل العقبات التي تواجه الحرفيين في عملية الإنتاج والتصدير، مشيراً إلى أن توحيد الجهود سيسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف المجلس التصديري لتعظيم صادراتنا في واحد من أهم القطاعات الواعدة في مصر، ويعزز من كفاءة عملية الإنتاج، ويساعد مصر على استعادة موقعها الريادي في الأسواق العالمية.