"إنسانية محمد" بعيون كاثوليكية أمريكية من الداخل
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) من المناسبات التي ينتظرها الناس ببالغ الفرح في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام هجرى، حيث إن الاحتفال بميلاد الرسول الكريم عمل من الأعمال الجليلة، ومظهر من المظاهر الطيبة، وبرهان يتجلى فيه حب هذه الأمة لنبيها وتعلقها برسولها الكريم (صلى الله عليه وسلم).
وفي هذه المناسبة ترصد «البوابة نيوز»، نظرة كتاب ومثقفين الغرب للرسول صلى الله عليه وسلم، علي مختلف الجوانب لحساته وسيرته العطرة.
ويقدّم كتاب "إنسانية محمّد" لعالم الاجتماع البارز، كريج كونسيداين، نظرة عامّة إلى حياة الرسول وإرثه، إضافةً إلى تحليلٍ اجتماعيٍّ لتعاليمه ونموذجه، ولعلّه يوضح كيف اعتنق محمد (ص) مبدأ التعدديّة الدينية، وكيف كان تصوّره للأمة المدنيّة والتعايش، وكيف عبّر عن مناهضة العنصرية، ودافع عن طلب المعرفة، وبادر إلى الدفاع عن حقوق المرأة واتّباع القاعدة الذهبيّة، أي المعاملة بالمثل، وهي مبدأ أخلاقيٌّ يدعو الناس إلى معاملة الآخرين بالطريقة التي يريدون أن يعاملوا بها.
كونسيداين في كتابه "إنسانية محمّد" يلقي الضوء على جانبٍ من جوانب النبيّ، والذي غالبًا ما يُنسى ذكره في الروايات والمقاربات الإعلاميّة السائدة، فهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة رايس، ومؤلّف العديد من الكتب عن العلاقات الإسلاميّة -المسيحيّة في أميركا، وسواها من المقالات والدراسات. وعلى الرغم من كونه ترعرع في بوسطن، ماساتشوستس، التي يشير إلى أنها بلدةٌ تضم 99 في المئة من البيض المسيحيين، فإنه طوّر ميله إلى البحث والدراسة المتعمقة عن الإسلام ورسوله محمد (عليه الصلاة والسلام)، كما أنه ركّز على التعاليم الإسلامية والعلاقات الإسلامية - المسيحية، وهو يكشف كيف طوّر هذا الاهتمام، وهل كان الفضول فحسب هو الدافع أو أن شيئًا آخر دفعه إلى السعي وراء هذه الدراسة!
يقول كونسيداين: "أعتقد أنّ عليّ القول في البدء بأني نتاج لجيل 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة وبوسطن؛ المكان الذي ترعرعت فيه، حيث 99 في المئة من السكان من البيض المسيحيين. وعند وقوع أحداث 11 سبتمبر، لم يكن لدي أي سياق أفسر من خلاله ما حدث، كما أنني لم أكن على دراية بالأمور التي جرى قذفنا بها عبر وسائل الإعلام عن الإسلام وتعاليمه وعن الرسول محمد (ص). لذا، عندما ذهبت إلى الجامعة، انتابني الفضول لمعرفة السبب وراء حدوث شيء مثل أحداث 11 سبتمبر.
وعند ذهابي إلى الجامعة، كنت محظوظًا جدًا بأن أحظى بمعلّمين مدهشين من المسلمين الذين عرّفوني بثراء الإسلام وحياة الرسول محمَّد، وكلّما أصغيت إلى أساتذتي أصبحوا بالنسبة إليّ مرشدين وقدوة".
عندما قرأ كونسيداين عن الرسول محمد (ص)، أدرك أنه يقدّم فكرةً مختلفة عن طبيعة كينونة الإنسان وما تعنيه مشاركة هذه الأرض، بغض النظر عن إيمانه. لذا تمحور الأمر بالنسبة إليه حول المعرفة وأهمية سلاح المعرفة وفكرة فهم الأحداث الحالية، ليس من منظور الدراسة والكتب فحسب، وهو أمر المهم بالطبع، بل ومن خلال الناس أيضًا.
ما الذي يعنيه الإسلام في عيني كمسيحيي مخلص اليوم؟
على الرغم من التصعيد الذي تحدث عنه عالم الاجتماع في ما يتعلق بتفاقم الخطاب العنصري العدائي ضد الإسلام، وكيف ترتبط تعاليم الإسلام بالتعاليم المسيحية وتتقاطع معها، فإن الإسلام لا يعدّ بالضرورة دينًا جديدًا، ويعتقد كونسيداين أن معظم علماء المسلمين يوافقونه الرأي، فهو عندما ينظر إلى اليهودية والمسيحية والإسلام، لا يرى 3 أديان مختلفة، بل يرى بشكل أساسي 3 فروع من الشجرة نفسها، تلك الشجرة متجذرة من النبي إبراهيم (ع)، وتلك الشجرة هي الله بالمعنى التوحيدي.
من المهم للناس أن يفهموا ذلك، ولسوء الحظ، فإن الكثيرين أخفقوا في فهم هذه المسألة. ربما تكون لدينا بعض الاختلافات اللاهوتية، ولكننا نؤمن بالإله نفسه.
لذا، علينا جميعًا التركيز أكثر على قوة المعرفة وقدرة التعليم والقصص والأمثلة التي نمتلكها، من خلال مصادرنا العلمانية والدينية، فإنها تشكل قوةً مليئة بالنية الحسنة من ناحية مدّ تلك الجسور.
روشتة النبي لعلاج فيروس «كورونا»
"حتى الرسول محمد (ص) فكّر بشكل مغاير"، كان ذلك رأي كونسيداين الذي نشره في مجلة "نيوز ويك" (Newsweek) الأميركية، والذي اجتذب اهتمامًا واسعًا وردود فعل من وسائل الإعلام العالمية وكيفية تصويرها لتعاليم الرسول محمد في مكافحة فيروس كورونا.
هذه التعاليم واضحة جدًا، ولا تحمل التفسير والتأويل، إذ دعا رسول الله (ص) إلى المحافظة على النظافة، وقال: "النظافة من الإيمان"، فإن كان هناك وباء في مجتمعٍ معين فلا تخالطوا ذاك المجتمع، وإن كنتم جزءًا من ذاك المجتمع فلا تغادروه حتى لا تنشروا الوباء.
لذا، هذه الأمور أساسية جدًا، لكن القصة الرئيسية التي اجتذبت اهتمام وسائل الإعلام العالمي، بحسب دكتور كريغ، هي قصة أصيلة متعلقة بالرسول محمد عندما كان يسافر مع بدويّ، وكان كلٌ منهما على جمله. وعندما وصلا، سأل الرسول البدوي: "ألن تربط جملك؟"، فأجاب البدوي بأنه يضع ثقته بالله، فقال الرسول (ص): "اربط الجمل، ثم ضع ثقتك بالله".
إنها عبرة مهمة جدًا. لسان حال النبي محمد يقول إن هناك توازنًا دقيقًا بين العقلانية والإيمان. خلق الله لنا الذكاء، ونحن أصحاب منطق. استخدم عقلك، وامتلك الإيمان أيضًا. لذا، علينا دومًا استخدام هذين الأمرين في آن معًا.
مجلة أميركية: النبي محمد أول من حارب العنصرية في البشرية
نشرت مجلة "نيوزويك"، مقالًا لـ« كريج كونسيدين »، عندما قتل عناصر من شرطة ولاية مينيسوتا الأميركية، مواطنا أسود البشرة في الشارع، وأثار ذلك غضب الكثير من المواطنين ومنظمات وناشطين أميركيين على الإنترنت، نددوا بما اعتبروه قضية جديدة من مسلسل العنف العنصري.
وعمت التظاهرات أكثر من 140 مدينة أمريكية، حيث تجمع آلاف في مناطق عدة بمدينة نيويورك، واحتشد عدد كبير من الناس أمام متحف فيلاديلفيا للفنون، وخرجت تظاهرات في شيكاغو ولوس أنجيليس.
وكتب كريج كونسيدين: إن النبي محمد كان أول شخص على وجه الأرض يحارب العنصرية والعبودية والتفرقة على أساس العرق أو اللون، فيما كان أيضا أول من أصدر تعليماته منذ مئات السنوات لمواجهة الأمراض المعدية.
كثيرًا ما أستشهد في مقالاتي بأحاديث نبوية
وتباهى مؤلف كتاب "إنسانية محمد.. نظرة مسيحية"، بتأثره الكبير بشخصية الرسول الكريم وبمقولاته، وأنه كثيرا ما يستشهد في مقالاته بأحاديث نبوية.
وذكر أن، الدين الإسلامي الحنيفُ، قد حارب العنصريَّة والطبقيَّة بشتَّى أنواعها وأشكالها منذ بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أعلنَها القرآن الكريم صريحةً مدوِّية أن التفاضل بين البشر لا يكون إلا بميزان التقوى فحسب؛ فقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾
[الحجرات: 13]، والاختلاف في طبيعة الجنس البشري، وتعدد صوره وأشكاله: جعله الله آيةً من آياته في هذا الكون؛ قال سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22] وأكَّد الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى في أقواله الشريفة، روى أبو داود في سُننه عن أبي هريرةَ رضى الله عنه
وأضاف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهليَّة وفخرَها بالآباء، مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدم، وآدمُ من تراب، ليَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوام إنما هم فَحْمٌ من فَحْم جهنَّمَ، أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجِعْلان التي تدفع بأنفها النَّتْن))، وروى أبو داود عنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ أن رسول اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم قال: ((ليس منَّا مَن دعا إلى عصبيَّة، وليس منَّا من قاتل على عصبيَّة، وليس منَّا من مات على عصبيَّة))؛ ضعَّفه الألباني.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حياة الرسول المولد النبوى الشريف صلى الله علیه وسلم الرسول محمد ه علیه وسلم صلى الل
إقرأ أيضاً:
أعلم الخلق بالله.. خطيب المسجد النبوي: النبي كان أكثرهم استغفارا وتوبة
قال الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن هنالك نوعًا من الحبّ يتسنَّم مراتبَه ويعتلي منازلَه، لأنه يتسامى عن قيود المادّيّات والدنيويات، ويتعالى عن حدود الشهوات الدَّنِيّات.
حبّ الله تعالىوأضاف " الحذيفي" خلال خطبة الجمعة الأولى من رجب اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة : ولأنه يُفِيضُ ذلك الحبَّ المنهمرَ من القلب إلى مُبْدِع ذلك القلبِ وخالقِه، إنه حبّ الله تعالى وتقدّس، منوهًا بأن الحبّ الصادق الذي يغمُرُ القلوبَ الشفيفةَ من أرَقّ المشاعر الإنسانيةِ وأرْقاها.
وتابع: وأصدقها وأنقاها، ولَكَمْ عبَّر البلغاء وحبَّر الفصحاء فيه من بدائع القولِ ومحاسنِ الكَلِم ما يحرِّك سواكنَ العاطفة ويستثير كوامنَ الشعور، مشيرًا إلى أن محبة الله تعالى هي روح العبادة وحقيقتُها وسرُّها.
وأوضح أنه لا يستحقّ أحدٌ كمالَ ذلك الشعورِ وبذلَ منتهاه إلا أن يكون محبوبًا لذاته ومحبوبًا من كل وجه، وليس شيءٌ يُحَبّ لذاته ومن كل وجهٍ إلا اللهُ -جل وعز- وحده، فلذلك لا يستحق أحدٌ العبوديةَ ولا كمالَ المحبةِ سواه.
ونبه إلى أن الله تعالى هو الـمُسدي للنِّعَم على الحقيقة، والفاتح لأبوابها، والـمُوصِل لأسبابها، مشيرًا إلى أن النفوس الكريمة مجبولةٌ على حبّ مَن أحسن إليها، فكيف إذا كان هو الذي منه كلُّ إنعامٍ وإحسان.
أعلم الخلق باللهواستشهد بقوله تعالى (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ)، لافتًا إلى أن نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ أعلمَ الخلق بالله، وأكملَهم عبوديةً لمولاه، كان أكثرَهم له استغفارًا وتوبةً وإنابة.
ودلل بما قال أبو هريرة: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)، هذا وقد غفر له ربّه ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وأفاد بأنها المحبة الصادقة التي تترجم تلك العبودية الكاملة من ذلك النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فالمؤمن حين يتفكر في جليل صفات الله وجزيلِ مِنَنِه عليه يتعاظم في قلبه حبّه، حتى يكونَ الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما.
واستند لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، ومن أحبَّ عبدًا لا يحبه إلا لله عز وجل، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار).
وأشار إلى أن الحب الصادق لله يستلزم طاعةَ الله، وطاعةُ الله لا تكون إلا باتباع رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإذا اتبع المؤمن المحبّ لربه حبيبَ ربه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد بشّره الله في كتابه ببشارتين: محبتِه سبحانه له، ومغفرتِه لذنوبه.
واستشهد بقوله جل شأنه (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، مبينًا أن هذا اليوم تُندب فيه كثرة الصلاة والسلام على خير الخلق وسيد الأنام.
وأوصى المسلمين بتقوى الله عز وجل، فهي ميزان الكرامة وسر الاستقامة، لقوله جل وعلا (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، لتكون لكم قربة إلى الله وزلفى لديه، مستشهدًا بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ).