جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-25@06:16:43 GMT

تجنّب الجدب وحدّث بالنماء

تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT

تجنّب الجدب وحدّث بالنماء

 

ماجد المرهون

majidalmrhoon@gmail.com

 

يَسعد الإنسان بفطرته مع الخصب والنماء فتزدهر حياته وتورق بمقومات ترفد معيشته وتدلف به إلى موائل حفظ كرامته مستغنيًا بها عن استجداء ميرته، فيحول وفرتها إلى صون عفته وكفالة أهل بيته وأسرته وتصرفه عند ذلك الكفاف إلى كف لسانه عمَّا قد يختلج في نفسه من نقص ويداه عمّا يسد به حاجته في حال الفقر والعوز؛ ومما لا شك فيه أن كابوس قحط وجدب يساور كل المجتمعات؛ فهي مذ كانت واقعة بين مقاوم ومكافح لهما بما أوتيت من معطيات عملية وعلمية وتجارب سابقة وخبرات لدفع الضرر أو التقليل من شدته وبين هارب من مكان إلى آخر ومتنقل سعيًا في أثر مَندُوحَةِ الموارد وبحبوحة الكلأ، يعود الإنسان بذلك سيرته الأولى ليعيش فسحة حياته القصيرة في رحاب موارد وفيرة خصيبة تزيح عن كاهله هموم الفاقة الكئيبة.

إن المجتمعات الإنسانية تنشد في سعيها الحثيث إلى توفير حياة كريمة لنفسها دون إصابة فاقة أو مخمصة بفرد واحد منها وذلك من خلال تكييف ظروفها المحيطة وتطويع سُبل المصالح وتبسيط تواصلها، ومع نزعات بشرية أحيانًا قد تنشأ صراعات الأطماع فيما بينها من الناحية النظرية التطورية للأقوى وليس الأصلح بالاستحواذ على القدر الأكبر من مساحات الأرض والموارد المتاخمة لها، ثم تحول تلك الصراعات لاحقًا وتطورها إلى التملك الشخصي أو المشترك في نطاق المجتمع الواحد وهو ماسيجعل منه اللاعب الرئيس لدور فصل الطبقات عند سيادة الاستقرار المكاني واستتباب أسس التموضع لكل مجتمع قادم.

وعندما ضاقت رؤية المصالح إلى المستوى الجماعي وأتسعت إلى المنظور الفردي ظهرت التقسيمات المجتمعية وباتت الطبقات الغنية ذات الجاه والنفوذ هي المتمكنة للتقارب الشخصي من السُلطة ومواقع صناعة القرار كالأرستقراطيين في الغرب قبل الثورة الصناعية وتحكمها بطبقات البرجوازيين والفقراء من الفلاحين والعمال مع أن النبلاء لا يشكلون 2% من عدد السكان، وكذلك كان رجال الدولة وأهل البيوتات في الدولة العباسية وعائلات وبعض ولاة خلفاء الدولة الأموية والفاطمية وكبار القادة ورجال القصر في الدولة الأيوبية والعثمانية، فأصبحت هي الفئة العليا المتسلطة على الفئات الدنيا والتي تشكل النسبة الساحقة من تكوين المجتمعات ولكنها قبلت بالحياة كرهًا في ظل الظروف المعيشية القاسية ورهبًا من سطوة طغيان الطبقات المتنفذة ورغبًا في تجنب العقاب والسجون، بيد أنها كانت تحيا في تلك العذابات بشكل غير مباشر ويعزيها بصيص من آمال الوعود الوهمية وحلم تغير الأحوال والمآل بعيد المنال.

كانت الخدمات العامة تقدّم للمجتمعات من طبقة الكادحين في أدنى مستوياتها مقابل ما تستحوذ عليه طبقة المُنعّمِين من مآثر العيش الكريم وملذات الحياة الرغيدة؛ كالقصور والأنعام والخدم والشراب والطعام وممارسة الهوايات وإقامة الحفلات، فتغوّلت عائلات محددة وامتلأت خزائنها كعائلة ويستمنستر وبيدفورد في إنجلترا وآل بورن ودوماس الفرنسيتين وعائلة هوهنستاوفن الألمانية قبل إقرار دستور فايمر في ألمانيا، والذي أفقد النبلاء كل امتيازاتهم السلطوية، وبعد أن أخذت الطبقة البرجوازية من الأدباء والمفكرين والفنانين والعلماء بالتفاعل التدريجي مع بدايات الثورة الصناعية وسحب البساط من تحت أقدام نبلاء الأسر المتنفِّذة تهيأت الأرضية المناسبة لإرساء قواعد الرأسمالية وصعود أسر وعوائل جديدة من الطبقات العامة بعد الحرب العالمية الثانية حتى تصدرها الواضح للمشهد العام للثراء ولا تزال بعضها إلى يومنا هذا.

لقد ألقت تلك الأحداث والتطورات بظلالها على العالم المُعاصر الذي نحياه اليوم ولكن باتخاذ نمط رسمي تحميه الدول بموجب قوانين وأعراف تجارية دولية على هيئة شركات أهلية خاصة وعامة وشبه حكومية وحكومية كما كانت القوانين في العصور الوسطى تحمي طبقة النبلاء الأرستقراطيين وتحابي طبقة البرجوازيين، فانقسمت الشركات إلى نوعين في تقديم خدماتها للمجتمع حتى يحيا الحياة الطيبة الكريمة؛ ويفترض ذلك. فهناك نوع اختياري لا يجبر أحدًا على التعامل معه، إلّا برغبة شخصية في إطار التنافس التجاري وتعدد الخيارات، ونوع آخر من الشركات إلزامي، يضم تحت مظلته الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء وإن كانت الخيارات متاحة مع شركات الاتصالات إلّا أنها تُعد ضمن الأساسية. وقد ورثت هذه الشركات عملاءها من تركة الحكومات، وبذلك لم تكن التعددية وحرية الاختيار متاحتيْن للمستهلك حتى يقبل أو يرفض برغبته الشخصية؛ فهو محسوب ضمن المنقولات، فضلًا عن تصرف بعض هذه الشركات لاحقًا ببيع نسب عالية منها إلى شركات أخرى غير وطنية، وبالتالي يكون العميل المواطن الذي لا خيار له مساهمًا في دفع ماله نظير توفير الخدمة إلى جهة واحدة معروفة في الصورة العامة أو الظاهرة من بعيد وتتقاسم الأرباح في الصورة الأصلية عن قرب مع شركات ثانية.

وتبدأ الأرباح في الازدياد التراكمي مقابل خدمة أساسية لا غنى عنها، ويتناقص الدعم على المستهلك تدريجيًا مع صناعة شرائح مجتمعية حتى يتخذ هذان الخطان مسارين متكافئين ويسايرهما شعور المستهلك في نوع من السأم والضجر والامتعاض الذي يثقل كاهله حتى ينوء بحمله في شح الخيارات أو بالأحرى انعدامها، ليبقى كذلك مرغمًا ولا يجد لنفسه مناصًا من بث شكواه لصاحبه وأسرته ثم إلى محيطه. ومع تطور الأمر شيئًا فشيئًا يتحول إلى ظاهرة تشغل الرأي العام الذي اتفق شبه مجمعًا على الأمر. وبما أن حرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع، فإنِّه وبعد عدة ملاحظات وشكاوى وقد يتحصل على ردود أو تبريرات غير مُقنِعة، كما إن النتائج الواقعية والبدهية غير منطقية بالنسبة له؛ فهو العميل ويُقال دائمًا "العميل على حق"! فيبدأ بالانتقال إلى المرحلة التالية؛ وهي التصعيد على مستوى مواقع التواصل التي أصبحت عصب الإعلام للمجتمع العالمي.

قد تساهم بعض الشركات في تكريس نوع حديث من الطبقية الاجتماعية، ولكنها هنا مبنية على الأموال مقابل الخدمات الأساسية، بحيث يجد المستهلك نفسه على شفير الإفلاس، وأن معظم ما يُجنيه لا يكفي لسد الحاجة والوفاء بكل الالتزامات الضرورية حتى يشرع- وقبل نهاية الشهر- في الاقتراض من أهله أو صديق أو زميل ما، يُساعده على ملء خزان سيارته بالوقود للذهاب إلى عمله؛ إذ إنَّ دخله الثابت كالوتد لم يتغير من سنين، بينما ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية والخدمية بشكل مستمر وبالتالي تتشكل طبقة جديدة شبه مخفية من الفقراء كونها تتمتع بمقومات الحياة الحديثة من الخدمات ولو في أدنى مستوياتها.

وكما يتطور كل شيء من حولنا فإنَّ الفقر كذلك يتطور؛ فلم يعد فقير اليوم كفقير الأمس الذي يرتدي رث الثياب ويأوي إلى ظل شجرة أو خيمة أو يمد يده للناس إلحافًا؛ بل إن فقير اليوم لديه زوجة وعيال لا يستطيع الإنفاق عليهم، ولديه منزل لا يمكنه دفع فواتير كهربائه ومائه، ولديه سيارة لا يقدر على إصلاحها حين تتعطل ويلبس ما يراه الناس مناسبًا، ولا يمد يده للناس أعطوه أم منعوه، إن فقير اليوم متعلم مثقف قادر على الحساب والتقييم والفهم والتحكيم والتمييز بين الخطأ والصواب.

يا محدثي بالنماء جنبني رهبة الجدب

وإن شكوتك موقفي فإني لا أقوى الخصام

لك حدثت بالبيان في سجلك والكتب

فسامحني لك الوفاء ومُجبرًا بالالتزام

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية والهجرة يعقد لقاء افتراضيًا مع أعضاء الجالية المصرية بأستراليا

في إطار الجهود المستمرة لتعزيز التواصل مع أبناء مصر في الخارج، شارك د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة يوم الأحد 22 ديسمبر فى لقاء افتراضي مع أعضاء الجالية المصرية في أستراليا، والذي نظمه السفير/ نبيل حبشي نائب وزير الخارجية للهجرة، بحضور السفير/ هاني ناجي سفير جمهورية مصر العربية في أستراليا، والقنصل العام/ محمد خليل قنصل عام جمهورية مصر العربية في سيدني، والقنصل العام/ هيثم مختار قنصل عام جمهورية مصر العربية في ملبورن.

نائب وزير الخارجية والهجرة يشارك باختبارات المرحلة الأخيرة لبرنامج " تدريب المصريات بالخارج للتأهيل للقيادة" وزير الخارجية والهجرة يستقبل رئيس البرلمان العربي

 أكد الوزير عبد العاطي حرص وزارة الخارجية على توفير الرعاية للمواطنين المصريين في أستراليا، مشيراً إلى ان الارتقاء بجودة الخدمات القنصلية للمواطنين والعمل على رفع كفاءتها تتصدر أولويات عمل الوزارة. واستعرض جهود الوزارة لتطوير منظومة العمل القنصلي عبر رقمنة الخدمات القنصلية لتيسير الخدمات والمعاملات القنصلية وتقليص المدة الزمنية للخدمة، موجهاً بتنظيم المهمات القنصلية للمدن الأسترالية لتيسير تقديم الخدمات القنصلية.

 

أشاد الوزير بالدور الفاعل للجالية المصرية في أستراليا بالمجتمع الأسترالي، معرباً عن اعتزاز الدولة بهم وتعويلها على الدور المشرف الذي يقومون به في تمثيل الوطن، داعياً إياهم على المساهمة الفعالة في العملية التنموية بالوطن، وممارسة حقوقهم الدستورية بالمشاركة في الاستحقاقات الدستورية المختلفة، والحفاظ على التواصل مع الوطن، وغرس مفاهيم الانتماء والوطنية في أبناء مصر من الجيلين الثاني والثالث، وحرص سيادته على الاستماع لاستفسارات ومقترحات المشاركين في اللقاء. 

 

ومن جانبه، استعرض السفير/ نبيل حبشي الفرص الاستثمارية المختلفة والمزايا التي توفرها الدولة للمواطنين المصريين في الخارج، والخطوات التي تم اتخاذها منذ ضم وزارة الدولة للهجرة (سابقاً) إلى وزارة الخارجية لتطوير مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في الخارج وتعزيز التواصل معهم، من خلال استعراض أهم نتائج النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين في الخارج الذي عقد في شهر أغسطس الماضي، وتوضيح مختلف الآليات المستحدثة لتيسير التواصل مع أبناء الوطن بالخارج عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 

 

أشار نائب وزير الخارجية إلى المبادرات المختلفة التي تم استحداثها لخدمة المصريين بالخارج مثل إتاحة التحويلات من الخارج عبر تطبيق "انستاباي"، والتنسيق الجاري مع البنك المركزي لتقديم المزيد من الخدمات المصرفية للمصريين في الخارج، فضلاً عن المشروعات الجاري التنسيق بشأنها مع وزارة الإسكان وجهات الدولة المختلفة لتوفير وحدات سكنية، وأراضي للمصريين في الخارج بأسعار تنافسية. كما سلط الضوء على توجيهات السيد وزير الخارجية والهجرة بتقديم كافة التسهيلات لأبناء مصر في الخارج من الجيلين الثاني والثالث من الراغبين في زيارة مصر للتعرف على الثقافة والحضارة المصرية العريقة، بجانب الاطلاع على أهم المشروعات القومية والإنجازات التي حققتها الدولة في مختلف المجالات، تعزيزاً لروح الانتماء لدى النشء المصري ودعم دورهم المحوري في الترويج لمصر كواجهة سياحية واستثمارية.

مقالات مشابهة

  • ما هي الأضرار البيئية والصحية الناجمة عن تآكل طبقة الأوزون؟
  • بتكلفة 47 مليون جنيه.. مدير طرق الشرقية يتابع أعمال رصف بعض الطرق
  • محافظ الشرقية: رصف طريق ديرب «السوق - صافور» بتكلفة 22 مليون جنيه
  • بتكلفة 22 مليون جنيه.. رصف ورفع كفاءة طريق ديرب السوق / صافور بمركز ديرب نجم
  • مولوي من السعودية: مصمّمون على أن نخرج إلى لبنان الذي نريده وتريدونه
  • دقيقة صمت في فرنسا حدادا على ضحايا إعصار شيدو الذي ضرب أرخبيل مايوت
  • أحمد موسى: الجماعات الإرهابية كانت مستعدة لهدم الدولة وقتــ.ل المصريين
  • برلمانية: كلمة الرئيس السيسي بأكاديمية الشرطة كشفت القضايا الراهنة بشفافية وصراحة
  • وزير الخارجية والهجرة يعقد لقاء افتراضيًا مع أعضاء الجالية المصرية بأستراليا
  • وزير الخارجية: حريصون على توفير الرعاية للمواطنين المصريين في أستراليا