قبل أيام قليلة من الجولة التى ستأخذه إلى جميع المدن الكبرى فى سويسرا ثم فرنسا، يقول ميشيل بوجناح «وداعا لعظماء جيله».. شخصياته الثلاثة، التى دفعته إلى اعتلاء ساحة الفكاهة الفرنسية عام ١٩٨٤، وهم ثلاثة يهود تونسيين هاجروا إلى فرنسا ويروون انغماسهم الوحشى فى مجتمع ليس لديهم قواعد له.. لقد قطع على نفسه وعدا بتجسيد تلك الشخصيات كل ٢٠ عامًا! والآن حان وقت الوداع.

. انتهى ميشيل بوجناح للتو من تصوير فيلم من إخراج كلود لولوش.
ويرى أن العظماء هم «جيل والده»، ماكسو وجولوت وجويجوى. أبطال الحياة اليومية الذين كبروا وتقدموا فى العمر وأصبحوا، على مر العقود، حراس الذاكرة. وفى الحقيقة، لقد حفرت شبكة الإنترنت هوة بين العظماء وأبنائهم وأحفادهم، ويخشى هؤلاء أن يمحو غبار النسيان كل ما فعلوه فى الماضي!
يتحول المشاهد من الضحك إلى البكاء: «هكذا خلقت»، يقول الممثل، قبل أن يضيف: «هذا طبيعى بالنسبة لى.. أنا مضحك حتى أحزن، أو حزين حتى أضحك»، والذى يترجمه بشكل مثالى من خلال كتاباته. ولكن دعونا نطمئن، هذا المشهد هو فقط وداع هؤلاء الأجداد الثلاثة المبجلين، وليس وداعا له!
لقد كانوا «رائعين» وعليهم أن يغادروا مثل «العظماء»، هكذا قال الممثل الكبير كما أضاف «هؤلاء الرائعون، هم الكثير منى، ربما أنا»، يكتب بوجناح الذى لا ينوى التوقف عند هذا الحد فى حياته، خاصة أن هناك الكثير من المشاريع المستقبلية لا تزال فى رأسه ونصب عينيه!
الحب من جذوره
إذا كان «العظماء» Les Magnifiques قصيدة حب لأصوله التونسية، فإن ارتباطه ليس حجة تسويقية، بل هو حقيقة. تونس التى ولد فيها، يحملها فى داخله وكل شيء يربطه بقصة طفولته وأجداده، حتى اسم فيلته «سلامبو» التى تذكرنا برواية فلوبير. لكن سلامبو يحتوى على كلمة السلام «سلام» و«بو» والتى تعنى هنا ذلك السلام بين اليهود والعرب الذى يدعو إليه بدأ يتجسد على المستوى السياسى منذ معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية، ومؤخرًا مع اتفاقيات أبراهام.
هذه الصداقة التى أعيد اكتشافها يرمز إليها فيلم «شلومو»، وهو فيلم للمخرج المغربى محمد المروازى، الذى كان أول فيلم روائى طويل له، والذى صوره فى ميناء العرائش بالمغرب وهذ الفيلم أثار صدى واسعا باعتباره ترنيمة للسلام بين اليهود والمسلمين، ولكن أيضًا بين مملكة الشريف وإسرائيل اللذين أقاما علاقات سياسية واقتصادية.
شلومو «هى قصة يهودى يموت ويلفظ أنفاسه الأخيرة على سجادة الصلاة». وهنا تبدأ الكوميديا، لأن المسلمين يقررون وجوب دفنه على الشريعة الإسلامية، واليهود على أنه جزء من الطائفة اليهودية.. وبطبيعة الحال، يلعب ميشيل بوجناح شخصية شلومو، إلى جانب رشيد بدورى، الممثل الكوميدى والممثل من أصل مغربى: «بسببه أموت فى الفيلم، لأنه نسى أن يحضر لى أدويتى» هذا ما قاله الممثل بروح الدعابة التى طغت على كلماته.
بعيدًا عن كونه موضوعًا مثيرًا للجدل، يهدف فيلم «شلومو»، على العكس من ذلك، إلى أن يكون ترفيهيًا وأخويًا، مثل الجو فى موقع التصوير: «لقد قضينا وقتًا رائعًا، من الأخوة، ولحظة لا تُنسى».
وفى عام ٢٠٢٣، لعب ميشيل بوجناح فى ثلاثة أفلام، من بينها فيلم «١٤ يوما للتحسن» للمخرج ماكسيم جاستويل، والذى يؤدى فيه دور والد بطل الفيلم: «إنه دور صغير لكننى قبلت عرض ماكسيم، لأننى معجب به حقا». وكان مشروعه ممتازا وللمرة الثانية فى حياته المهنية، بعد فيلم «البؤساء» الذى صدر عام ١٩٩٥، سيكون بو جناح أحد الممثلين الرئيسيين فى أحدث أفلام لولوش.
وأخيرا!
إنها قاعدة وضعها كلود لولوش: «لا يُسمح لنا بالحديث عن الفيلم الذى صورناه للتو معه»، لكن «أخيرًا» ليس سوى عنوان لعمل لولوش القادم. ويوافق ميشيل بوجناح على قول المزيد: «قبل كل لقطة، يعطينا الجملة، ولكن لدينا كل الحرية كممثلين. قبل البدء فى تمثيل المشهد، يأتى ليخبرنا بما يتوقعه منا، لا يوجد سيناريو حقيقى ونحن نقوم بالكثير من الارتجال والممثل الذى يوافق على التصوير معه لا يمكن إلا أن يكون سعيدًا».


لكن بعد ذلك يعود كل شيء إلى المونتاج، الذى يصف فيه ميشيل بوجناح مغامرة فريدة من نوعها فى حدتها: «تلك هى المفاجأة، وأعترف أننى أنتظر العرض الأول بفارغ الصبر، لأن التصوير مع لولوش هو مغامرة إنسانية مليئة بالإثارة والمفاجآت».
تدور القصة حول محاميين، يلعب دورهما على التوالى كاد مراد وميشال بوجناح.. الجنون يسيطر على عقل كاد مراد وسيكون ميشال بوجناح مسؤولًا عن الدفاع عنه.. وهنا يوجد توضيح صغير، كاد مراد يظهر فى الفيلم زوج إلسا زيلبرشتاين؛ لكن فى الوقت الحالى لن نعرف المزيد.. هناك بوجناح، ممثل، ولكنه أيضًا كاتب سيناريو لديه مشاريع يخطط لها فى رأسه: «أود أن أكتب سيناريو عن الأغنياء والفقراء، وقد كتبت مسرحية عن هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون فى المسارح وأيضا أعيدهم إلى الحياة»
تكريم «شخصيات مجهولة بعيدة تمامًا عن الأضواء»
خلال أزمة كوفيد، قام ميشيل بوجناح بتقييم حياته والسنوات التى قضاها فى المسارح، والتى يرغب فى تكريمها من خلال تكريم ثلاث نساء يقضين معظم وقتهن فى هذا الكون فى مسرحية. وهو يأسف لعدم حصول المرأة على أدوار كافية. لذلك قرر أن يدفعهم إلى المقدمة. «لقد كتبت مسرحية تتحدث عن خادمة وعاملة نظافة وممثلة شابة تعمل كمرشدة لكسب لقمة العيش. ولكن فى يوم من الأيام، أصيب جميع الممثلين فى المسرحية المعروضة بالمرض، وهم الذين سيؤدون العرض المسائى.
أراد ميشيل بوجناح من خلال هذه القطعة أن يشيد بهؤلاء الأشخاص «الشفافين»، أولئك الذين لا يلتفت إليهم أحد، كما فعلت موريل باربيرى فى «أناقة القنفذ» وفيليب لوجواى فى «نساء الطابق السادس». وهو فيلم له تقديره الكبير لدقته والعاطفة التى تنبثق منه. لقد كان للفيلم تأثير كبير عليه حيث قال: «أعتقد أنه كان له تأثير كبير على دون وعى، ولكن الأهم من ذلك هو الحادث الذى وقع فى أوبرا نيس. لقد كنت أتدرب على عرض فى الحانة وانسحبت لأننى لم أكن سعيدًا بالبروفات وعندما غادرت فجأة، طرقت عاملة التنظيف التى كانت تستمع إلى خلف الباب. اعتذرت وقالت لى: أنت مخطئ فى عدم الرضا، لأن هذه أفضل بروفة لك، لقد قمت بعمل رائع.. رأى مباشر اخترق قلبه وكان له تأثير الوحي! ومنذ ذلك الحين، لم يكون لديه سوى فكرة واحدة فى ذهنه، وهى تخصيص غرفة لهؤلاء الأشخاص «المجهولين وغير المرئيين» الذين، كما يعترف، غالبًا ما يتمتعون بذوق فنى عالى الدقة وثقافة هائلة!.

معلومات عن الكاتبة: 
ليا رازو ديلا فولتا.. حاصلة على درجة الدكتوراه فى علوم وتقنيات اللغة والقانون العام. لها العديد من الكتب عن المافيا فى العالم. وعضو مركز الأبحاث بجامعة كوت دازور (CERDACFF) والمؤسس المشارك لمؤسسة Think Tank Status Quo Media المتخصصة فى الجغرافيا السياسية وعلم الجريمة. تخرج عما تعودت أن تكتب عنه وتهب بنا إلى قاعة العرض السينمائى.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

ترامب متصالحاً.. ولكن؟!

ظهر الرئيس الأمريكي المنتخب متصالحاً مع العالم وهو يلقي كلمة طويلة أمام حشد من مؤيِّديه في أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعلن أن أمريكا لن تدخل في حروب مع غيرها خلال فترة ولايته الثانية، وأنه سيمنع حدوث حرب عالمية ثالثة، مع إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، وإنهاء الفوضى في الشرق الأوسط.

وهي توجهات لن يكون هناك من سيقف غير مؤيِّد لها، وقرارات وكأنها تلامس تطلعات وشعوب الدول المحبة للسلام، وأبسط ما يُقال عنها إنها لو تحققت فسوف تزيل المخاوف، وتعزِّز الاستقرار في العالم، بل وإنها ستتجه نحو بناء علاقات ود وتفاهم بين الدول، بعيداً عن الصراعات والخلافات والحروب، مما لا فائدة منها.

ولكن هل يملك الرئيس الأمريكي المنتشي بفوزه الساحق في الانتخابات، وعودته ثانية إلى البيت الأبيض، رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، رغم ما أحاطه من اتهامات ومحاكمات وتحديات تمكِّن من التغلّب عليها، وهزيمة منافسته، وسيطرة حزبه على الكونغرس، وبالتالي تحجيم أي معارضة لما ينوي اتخاذه من قرارات، هل يملك تنفيذ وعوده الكبيرة والمهمة والعظيمة؟!

في شأن الشرق الأوسط، هل يمكن أن يكون ترامب محايداً وعلى مسافة واحدة في التعامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين من جهة، وبين إسرائيل ودول المنطقة من جهة أخرى، فيمنع إسرائيل من تبني هذه الفوضى التي أشار إليها، مع أنه كان يجب أن يقول هذا الاحتلال وليس هذه الفوضى، كيف له أن يمنع ذلك، وهو الذي اعترف بالجولان السورية كأرض لإسرائيل، وبالقدس الموحَّدة عاصمة لإسرائيل، وهو الذي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ولم يكن له موقف إيجابي من خيار الدولتين؟!
وعن الحرب الروسية الأوكرانية، وإيقافها، من أين له القدرة على وضع حد لهذه الحرب، دون الاستجابة لشروط روسيا، واستعداد أوكرانيا للتخلِّي عن أراضيها التي أصبحت تحت السيطرة الروسية، وأين سيكون الموقف الأوروبي من أي تفاهمات تصالحية لا تخدم دولهم، وينشأ عنها ما يرونه تهديداً روسياً لأمنهم واستقرارهم؟!.
وبالنسبة للحرب الكونية أو العالمية، فقد كان التلويح بها يتردد من الروس خلال حربهم في أوكرانيا، لكن تلويحهم لم يأخذ صفة الجد، والرئيس ترامب يتحدث عن حرب عالمية لن يستطيع منعها بقرار منه، فأكثر من دولة تملك السلاح النووي، وهناك تحالفات بين الدول ولديها قرارها كما لدى ترامب، ومع ذلك فيمكن فهم المحاذير التي في أذهان كل الدول من خطورة الإقدام على مغامرة كهذه، وبالتالي فالعالم ليس على موعد مع هذه الحرب، وفيما لو آن أوانها، فليس لدى ترامب عصا سحرية لمنعها.
أما وأن أمريكا ستكون بلا حروب في فترته الثانية، فهذا قرار أمريكي يمكنه به أن يمنع أمريكا من الانغماس في التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في الحروب، لكني أشك أن يفعل ذلك، فمصالح أمريكا تتحقق كما هي سياستها في حضورها بالأزمات، وفي لعب دور يؤهلها لتوجيه مسار الحروب وفقاً لمصالحها، وألاعيبها الشيطانية، لهذا ستظل أمريكا - كما نرى- مع تنامي الخلافات والصراعات بين الدول!
وعلينا أن ننتظر أفعال الرئيس ترامب لا أقواله، وهو الذي قرَّر بناء قبة حديدية يحمي بها سماء أمريكا وحدودها حين يستلم مهامه الرئاسية، وطرد أكثر من عشرين مليون مهاجر يقيمون بأمريكا يقول إن إقامتهم بطرق غير نظامية، وأنه ينوي ضم قناة بنما إلى أمريكا لارتفاع الضرائب على ما يمر عبرها من بواخر وقطع عسكرية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، ما ينسف قوله بأن أمريكا لن تتورَّط في حروب، وأنها سوف تمنع الفوضى بالشرق الأوسط، وإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، والحيلولة دون حرب عالمية ثالثة؛ كلام كبير وعظيم، ولكن المهم التنفيذ، نعم الالتزام بالتنفيذ.

مقالات مشابهة

  • حنان أبوالضياء تكتب: رعب سينما 2024 تحركه الدوافع النفسية ويسيطر عليه الشيطان
  • قدر مكتوب.. الزناتى: المنطقة العربية تعيش على صفيح ساخن
  • اللواء وائل ربيع: الجيش السوري لم يتلق رواتبه منذ 6 أشهر
  • كوميديا الشرق الأوسط الجديد والتراجيديا العربية
  • فى ندوة "سوريا ومستقبل المنطقة".. الزناتى: الدول العربية تعيش على صفيح ساخن
  • مصطفى الفقي: أوباما كان سيلقي خطابه في مصر من جامعة الأزهر وليس القاهرة
  • ميشيل موروني يعلن دعمه لـ بليك لايفلي بعد اتهامها لجاستن بالدوني بالتحرش الجنسي
  • في لبنان وغزة وسوريا.. الفرحة بعيد الميلاد تضيع وسط أوجاع العدوان الإسرائيلي
  • ترامب متصالحاً.. ولكن؟!
  • صحيفة فرنسية: الأسد هرب عبر نفق يربط قصر الرئاسة بمطار المزة