صحتك حياتك.. فلا تفرط فيها
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
حمد الحضرمي **
خُلق الإنسان في آية إلهية مبدعة، تدل على عظمة الخالق وقدرته التي ليس لها مثيل، وعلى الإنسان أن يُدرك أبعاد نعمة إيجاده من العدم، ومراحل الخْلق التي جاءت أطوارا، وفي كل طور تتجلى حكمة الخالق وعظمته "وقد خلقكم أطوارًا" (نوح: 14) وبعد كل هذه الأطوار أنشأه الله خلقًا آخر في أحسن تقويم، فنفخ فيه الروح فصار إنسانًا حيًّا مفكرًا، بعد ما كان جمادًا "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (المؤمنون: 14).
وقد وهبنا الله نعمة الخْلق وزودنا بالأعضاء المتكاملة والحواس المذهلة، وهذه نعمْ من نعمْ الله علينا التي لا تحصى ولا تُعد، ويتوجب علينا شكر الله وحمده على نعمائه وفضله، والمحافظة على حياتنا وصحتنا لنعيش في صحة وعافية أقوياء، ونعبد الله حق عبادته لنحيا سعداء في الدنيا والآخرة. والصحة ركيزة أساسية من ركائز حياة الإنسان ووجوده؛ فالإنسان الصحيح في جسمه وتجري في عروقه دماء العافية، يستطيع تأدية واجباته العملية؛ لأنه محافظ على صحته ويتمتع بجسم قوي ولياقة بدنية جيدة، ويكون فردًا فعَّالًا ومفيدًا لنفسه ولأسرته ولمجتمعه، أما الإنسان المريض فتكون حركته ضعيفة وحياته صعبة؛ لأن جسمه الضعيف غير قادر على تحمل الأعباء، ولا يستطيع القيام بواجباته العملية، ويعيش حياة الكسل والخمول، ويحيا حياة بائسة، وحتى نحيا ونعيش حياة الأصحاء السعداء، يتوجب علينا الالتزام التام بالوصايا الطبية، وتطبيق السلوكيات الصحية المفيدة ليكون الإنسان في صحة وعافية وسعادة وسرور.
ويعد الغذاء وهو مصدر الحياة، من أهم الوسائل التي تؤثر في صحة الإنسان، الذي عليه تناول الأطعمة الطبيعية والطازجة مثل الخضروات والفواكه، لأنها تعطي الإنسان كميات كبيرة من الفيتامينات والأملاح المعدنية، وتوفر له الألياف التي تحافظ على فاعلية جهازه الهضمي، وتقلل من خطر الإصابة بأمراض كثيرة. وعلى الإنسان الابتعاد عن الوجبات السريعة لأنها غنية بالدهون، والابتعاد كذلك عن الوجبات المعالجة الجاهزة والأطعمة المعلبة، والتقليل من السكريات والدهون والملح واللحوم، لأن كثرتها تسمم جسم الإنسان وتجعله عرضة للأمراض، ويصبح غير قادرٍ على مُمارسة حياته بالشكل الطبيعي؛ الأمر الذي يُؤثر على حياته وعبادته بشكل خاص.
وعلى الإنسان أن لا يأكل إلّا وهو جائع، وأن يتناول طعامه ببطء، ولا يأكل بسرعة وأن يمضغ طعامه جيدًا، وأن يأكل الطعام بكميات قليلة "لأنَّ المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء"، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث "ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه". فعلينا الحرص على ترك مائدة الطعام قبل أن نشبع، لأنَّ كثرة الطعام تؤثر على عملية الهضم وعلى الجهاز الهضمي، وعندها ستصاب بالتخمة والسمنة والمتاعب والمشاكل الصحية. وتجنب ضرر وجبة العشاء خاصة عندما تتناولها في وقت متأخر من الليل، لأنها تشكل خطورة على صحة الإنسان، لأنَّ الغدد الهضمية يتوقف نشاطها أثناء النوم، وتصبح عملية تحلل الأطعمة وهضمها صعبة، كما تؤثر المعدة الممتلئة بصورة سلبية على جهاز الدورة الدموية بشكل عام، وتؤثر بشكل خاص على الأوعية الدموية المؤدية إلى القلب، وعدم إكمال الهضم يُحدث التخمر والغازات، ويكون سببًا في اختلالات خطيرة في نشاط القلب، الأمر الذي يؤثر على صحة وحياة الإنسان.
ومن النصائح الطبية- التي أبلغتني بها ابنتي الدكتورة فاطمة وأختاها مريم وعائشة الطالبات في كلية الطب- أن الإفطار أهم الوجبات الثلاثة؛ لأنَّ طوال فترة الليل يكون الإنسان نائمًا ومتوقفًا عن الطعام، وعند تناول وجبة الإفطار تتزايد مستويات السكر في الدم، فتمنح المخ دفعة أولية ليعمل بشكل سليم، والرجاء التركيز على وجبة الإفطار خاصة لدى أطفال المدارس والمُراهقين، لأنَّ الدراسات تؤكد أن وجبة الإفطار تدعم الوظائف العقلية، كالاستيعاب والذاكرة والأداء المدرسي وضابط للجوانب النفسية والسلوكية بشكل عام. ومن النصائح أيضًا شرب كمية كافية من الماء، لأنَّ الماء يدخل في العديد من العمليات الحيوية التي تتم في جسم الإنسان، ويُساعد على إبعاد المواد الضارة التي تكونت في الجسد، وكذلك يساعد الكبد والأمعاء على التخلص من المواد الضارة وإبعادها خارج الجسد، فأي نقص من الماء في جسم الإنسان يسبب مشاكل صحية مثل الإمساك والخمول، فالنصيحة أن يشرب الإنسان طوال اليوم على فترات مقدار لترين من الماء (ثمانية أكواب تقريبًا) وأن يشرب لترين آخرين من الماء يوميًا على شكل أطعمة غنية بالسوائل كالخضروات والفواكة، والحرص على شرب كوب من الماء حرارته مقبولة على الريق بمجرد الاستيقاظ، لأنَّ ذلك يساعد على تنشيط الجهاز الهضمي.
ومن النصائح الطبية الحفاظ على التنفس الصحي؛ لأن أي خلل يحدث في نظام تنفسنا يؤدي بنا إلى الضعف والمرض ثم الموت، فالهواء أكثر أهمية من الطعام والماء، لأن حرمان الجسم من الهواء لدقائق معدودات يؤدي إلى الاختناق ثم الموت، فعلينا الحرص على التنفس العميق لأنه المفتاح لتتشبع خلايا جسم الإنسان بالأكسجين. ومن النصائح الطبية أيضًا النوم الصحي، فكن حريصًا على حصول جسمك على قدر كافٍ من النوم خاصة فترة الليل، وأن تكون فترة النوم من 6 - 8 ساعات يوميًا، لأن قلة النوم تسبب لك الإرهاق والضعف وعدم النشاط وفقدان التركيز، والتعب البدني، وعليك الابتعاد قبل النوم عن شرب القهوة والشاي، لأن ذلك يحرمك من النوم العميق، وعليك قبل النوم القيام بآداب النوم الواردة عن نبينا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، لتحفظ لك نفسك وتكون نفسك طيبة مطمئنة زكية تساعدك على العمل والذكر وحسن العبادة على أكمل وجه.
ونصيحتي الشخصية لكم أيها القراء الكرام بممارسة الأنشطة الرياضية خاصة رياضة المشي، لأنه من أفضل وأسهل الأنشطة الرياضية التي يمكن القيام بها مهما كان عمر الإنسان، فممارسة رياضة المشي على أقل تقدير نصف ساعة يوميًا، لأن رياضة المشي تحرق دهون الجسم، وتبني العضلات، وتقلل خطر الإصابة من أمراض السكري وهشاشة العظام وتصلبات الشرايين والقلب والسكتة الدماغية، وتخلصك من الضغوط العصبية والنفسية، وتجعل جسمك نشيط وكله حيوية. والنصيحة الأهم البعد كل البعد عن التدخين والشيشة لأنهما آفة العصر، وهما سبب مباشر للمهلكات من المسكرات والمخدرات، التي تهدم صحة الإنسان وتصيبه بالضعف والمذلة والهوان والمرض، فحاولوا يا أيها المدخنون بإرادة قوية التوقف عن ضرر أنفسكم وقتلها، وإيذاء الآخرين "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" (النساء: 29) ولا تقل لا أستطيع! أنت قادر بالإصرار والعزيمة والإرادة التوقف عن التدخين بشتى أنواعه وأشكاله لمخاطره الصحية على صحتك وحياتك.
وحتى نحيا ونعيش حياة صحية طيبة كريمة، علينا الحرص والمحافظة على صحتنا وحياتنا ولا نفرط فيها لأنها ملكُ أيدينا، ونبذل الجهود الكبيرة حتى نتمتع بأبصارنا وأسماعنا وأبداننا، لأننا مسؤولون عنها ولا نملكُ غيرها، لنعيش حياة كلها صحة وعافية وسعادة وسرور. وتبقى صحة أجسامنا ونظافتها وطهارتها بأيدينا وتقع على عاتقنا، حتى نقي أنفسنا من الأمراض والعاهات والأسقام، وإذا أتعبتك يا أيها الإنسان الآلام والأوجاع، وشعرت بأن المرض جعل حياتك رمادية اللون، وكرهت العيادات والمستشفيات ومراجعة الأطباء، فتذكر بأن الله هو الشافي، الذي يشفي ويعافي كل أمراض عباده، فكم مرة مرضنا، فمن الذي شافانا وعافانا، أليس الله ؟ لأن الله هو الرحيم العليم الحليم الشافي بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم يا شافي أنعم بشفائك ورحمتك على كل روح ضعيفة وجسد منهك، وقلب متعب، ولأنك الله الشافي فلا خوف ولا قلق.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
البُوصلة الإيمانية فيها طريقان لا ثالث لهما
بشرى المؤيد
قال تعالى: “يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إلى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ”.
كلّ منا سمع خطاب السيد القائد/ عبدالملك الحوثي -سلام الله عليه- وبكل ما تعني الكلمات من صفات إنه خطاب لا يعلى عليه، خطاب تاريخي، مرحلي، عالمي؛ وضع كُـلّ نقطة على حرفها ووضح المسائل التي تهم شعوب الأُمَّــة وتهم العالم أكمل، هو خطاب مهم جِـدًّا حازم ومفصلي، ومن لم يستوعب خطاب السيد لن يستوعب المراحل القادمة فمن كان مع الله وَرسوله لن يخذل أبداً، بل سيكون في عز وَمكانة عظيمة عند الله وَرسوله فلنعيد سماع خطابه مرات ومرات وَنستوعب كُـلّ كلمة وحرف وَنقطة.
إن معادن الناس لا تعرف إلا بالمواقف الكبيرة حين تأتي ويوضع الإنسان في امتحان عظيم، حينها يخرج معدن الإنسان الأصيل الذي تربى ونما على مبادئه الأصيلة؛ فالإنسان من خلال تصرفاته وَأفعاله وَأقواله يوضع في الخانة المناسبة له.
فالمواقف العظيمة هي التي تفرز الناس وَيحشرون في زاوية خانقة لا يستطيعون الفرار إلا لهذه الزاوية أَو تلك الزاوية، لا يوجد زاوية وسطية/رمادية يحتمي بها أَو يخبئ نواياه فيها، ويقول سأتجنب تلك الزاوية حتى لا أكون من هذا أَو ذاك فالأحداث تزداد انحصاراً وَضيقاً وتزداد فرزاً وَتنقيه؛ فلا يكون لك إلا خياران إما أبيض أَو أسود كما كنا نقول منذ سنين ماضية، إما أن تتجه للبوصلة التي أرادك الله فيها، أَو تتجه للبوصلة التي أراد الشيطان وضعك وَإيقاعك فيها، وهنا يأتي التوفيق في أية بوصلة ستضع نفسك.
القرار سهل في من يعرفون اتّجاه بوصلتهم منذ بداية انطلاقهم، وهذا توفيق من الله سبحانه لهم، وَصعب في من كان متذبذباً ولا يعرف أين اتّجاهه الصحيح؛ لأَنَّه كان يخدع وَيضحك على نفسه وَالآخرين بأنه سيكون “ما بين وبين” ذكرت “كعكي” في مسلسل الأطفال نعمان حين كان يغني ويقول “ما بين وبين، أنا بين اثنين، بين الوحشين” فمن لا يستطيع تحديد اتّجاه بوصلته سيقع فعلاً بين الوحوش من هم لا يرحمون ولا إنسانية لديهم.
فتحديد الاتّجاه فيه فوز، نجاح، اطمئنان، سكينة، رضا وَقبول من عند الله، نعمة من نعم الله أن تستطيع تحديد “بوصلتك الإيمانية” فحينها لن تحتار في اتّجاهك، لن ترتاب في مواقفك، لن تشك في نتائجك، لن تتذبذب في مواقفك، لن يتزعزع ثباتك؛ لأَنَّ بوصلتك الإيمانية الصحيحة ستوصلك إلى الطريق الآمن، الطريق الواضح معالمه، الطريق العادل الذي يريده الله لك، الطريق الذي يحبه لك الله وَرسوله.
في الدنيا ستعيش في رغد الحياة الهانئة وَالمستقيمة، في رغد العيش الآمن، في رغد العيش النظيف وَالمال الحلال، في رغد الازدهار وَالتطور وَالتوسع.
أما إذَا كان الطريق الآخر سيكون حياة قاتمة سوداء، في سخط الحياة لك وَالأرض ستضيق بك، لن يبارك الله لك في مالك الذي اكتسبته بطرق غير مشروعة وحرام، وسيضيق قلبك حتى لو كنت في اتساع مالي وَمعنوي.
فالحياة لها ميزانان، معياران، مقياسان؛ وهما ميزان الخير والشر، الظلام وَالنور، السعاه والشقاء، في الدنيا ما زلنا في فسحة يستطيع الناس مراجعة أنفسهم وَأعمالهم، أما في الآخرة فإما جنة أَو نار خالدين، دائمين، مُستمرّين، مواصلين فيها إلى أبد الآبدين.
فلماذا يكون الناس في ذل ومهانة وهم يستطيعون أن يكونوا في عز وَكبرياء وَاستقامة؟
قد يظن الكثير أن الاختبارات الإلهية لا تأتي إلا لأشخاص أَو أفراد من الناس، أن الاختبارات الإلهية تأتي للأفراد، والفئات والجماعات، وَالشعوب وَالطوائف، وَالمجتمعات، وَالدول فحينها يعرفون أنه يجب أن يتخذون قرارات صائبة ليتجنبوا مقت وغضب الله عليهم وَإنزال العقوبة عليهم قال تعالى: “ما كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ” وقال تعالى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ”.
فجعل الله للناس عقولاً يفكرون بها وهذا ما يميزهم عن سائر مخلوقات الله، وجعل لهم حواس يستشعرون الخير من الشر وَجعل لهم الحرية في اختيار طريقهم وحياتهم التي يشاءونها حتى لو عانوا فيها وتعبوا؛ فالنتيجة في الأخير ستكون مدهشة لهم، وسيشكرون الله ليل نهار على اختيارهم لطريق حياتهم الصحيحة؛ فهم لم يخلقوا عبثاً في هذه الحياة وإنما لعمل دؤوب يكرمهم في الدنيا وَالآخرة قال تعالى: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا” فالفائزون وَالناجحون من يستغلون حياتهم في أعمال ترضي الله وَتغنيهم من واسع فضله الكريم.