فى ذكرى جميع رفاقى التشيليين اللاجئين فى مدينة مو استولت القوات المسلحة التشيلية على السلطة فى تشيلى فى يوم الثلاثاء الموافق ١١ سبتمبر ١٩٧٣ بعد ثلاث سنوات من انعدام الاستقرار فى البلاد قامت به الأحزاب السياسية المحافظة التى تدعمها المخابرات المركزية وذلك بناءً على طلب صريح من الرئيس نيكسون.
من شأن هذا الانقلاب أن يغرق البلاد، ومعها جزء من أمريكا الجنوبية فى ظلمة الديكتاتوريات العسكرية التى استمرت حتى نهاية الثمانينيات.


وبعد مرور خمسين عامًا على هذه المأساة فقد ان الأوان لدراسة الظروف التى عاشها الرئيس سلفادور الليندى، الشخصية المأساوية الرئيسية فى ذلك اليوم والذى قام الانقلابيون بتصفيته.
فى الساعات الأولى من اليوم، تلقى الليندى مكالمة هاتفية من جنرال الكارابينيرى خورخى أوروتيا المتمركز فى فالبارايسو الذى أعلن أن المدينة أصبحت فى أيدى مشاة البحرية وأن السرب البحرى التشيلي- الذى شارك فى مناورة يونيتاس بالمشاركة مع الأسطول الأمريكي- قد عاد إلى فالبارايسو.
وهنا بدأ الانقلاب الذى كان يخشاه الكثيرون مع ذكرى الانقلاب العسكرى لعام ١٩٢٤. وعملت السفن الأمريكية الموجودة هناك كمنصات اتصال مباشرة بين الانقلابيين والبنتاجون كما أنها كانت أيضًا بمثابة منصات حرب إلكترونية لعرقلة الاتصالات بين الضباط الموالين للدستور وبين السلطات الحكومية وخاصة قصر مونيدا مقر رئاسة الجمهورية.
وفى الساعة السابعة والثلث صباحًا وصل الرئيس الليندى بسيارته الخاصة إلى لا مونيدا فى نفس الوقت الذى تواجد فيه حرسه الشخصى والمسلحون ببنادق هجومية وثلاث قذائف RPG- ورشاشين وقد كان الرئيس الليندى مسلحًا أيضًا فقد كان يحمل بندقية AK-٤٧ كان قد أهداها له فيدل كاسترو عام ١٩٧١.
وحاول الاتصال ببينوشيه الذى كان يقود الجيش منذ استقالة الجنرال براتس ولكنه لم يستجيب له. وتصور الليندى بعفوية أنه وقع فى أيدى الانقلابيين ذلك أن سمعة بينوشيه كرجل قانونى طيبة بشكل كبير، وفى نفس الوقت، وصل الجنرال سيبولفيدا الذى يقود فيلق الكارابينيرى إلى لا مونيدا ليؤكد للرئيس ولاء قواته والحقيقة انهم أصبحوا بالفعل تحت سيطرة الجنرالات المتمردين ميندوزا ويوفانى.
إعلان الانقلاب
فى الساعة السابعة وخمس وخمسين دقيقة صباحًا؛ ألقى الليندى خطابه الأول الذى ناقش فيه انتفاضة البحرية وطلب من الشعب توخى الحذر وقبل كل شيء عدم حمل السلاح. وفى انتظار معلومات جديدة قرر البقاء فى لا مونيدا مع حرسه الشخصى والوفد المرافق له. وفى الساعة الثامنة واثنين وأربعين دقيقة صباحًا أذيع أول إعلان للانقلابيين على الراديو.
وطالب المتمردون باستقالة الليندى فورا وتسليم صلاحياته الدستورية لقادة الفروع الأربعة للقوات المسلحة التشيلية: بينوشيه للجيش، ولى للقوات الجوية، وميرينو للبحرية، وميندوزا للرماة.
وكان أمام الليندى مهلة حتى الساعة الحادية عشرة صباحًا لمغادرة لا مونيدا وإلا فسيتم مهاجمة القصر برا وجوًا. فى هذه الأثناء ظلت الحركات العمالية المختلفة والميليشيات الشعبية- الأطواق الصناعية للاتحاد الشعبى الموجود فى سانتياغو- مسلحة.
وفى الساعة ١١ صباحًا تم تحييدهم جميعًا بتدخل الجيش وقوات الدرك وهذا باستثناء أولئك الموجودين فى حى لا ليغوا.
وحيدا ضد الجميع
أمام الإنذار النهائى الذى وجهه الانقلابيون فى حوالى الساعة التاسعة صباحًا تم إعفاء الكارابينيرى الموجودين فى لا مونيدا من كل التزاماتهم بناءً على طلب الليندى وغادروا القصر. رفض الليندى الاستسلام ورفض مقترحات حاشيته وبعض الوزراء بشأن الانسحاب.


كما اتصل الانقلابيون بصحيفة مونيدا ليعرضوا على الليندى مغادرة البلاد بالطائرة مثلما اقترح هنرى كيسنجر وبينوشيه؛ إلا أن الليندى كان صلبا ولم يبد أية مرونة وصمم على البقاء فى منصبه.
فى الساعة التاسعة وأربع وأربعين دقيقة صباحًا، بدأت دبابات الجنرال بالاسيو M٤٧ فى تطويق المحيط حول لا مونيدا بينما اندلعت الطلقات الأولى بين الجنود الموالين للرئيس المتمركزين فى المبانى المجاورة وبين الجنود الانقلابيين.
ولم توجه أى طلقة نحو القصر وفى الساعة العاشرة والربع صباحًا، ألقى الليندى خطابه الأخير للشعب التشيلى عبر إذاعة ماجالانيس، آخر محطة إذاعية موالية للحكومة الشرعية.
وينتهى الأمر بكلمات قوية ومفعمة بالأمل: «من المؤكد أنهم سيسكتون إذاعة ماجالان، ولن يتمكن شعبى بعد الآن من سماع صوتى ولكنى سأكون دائمًا قريبًا منك».
«سيكون لدى شعبى على الأقل ذكرى رجل جدير كان مخلصًا للوطن وسيكون عليك أيها الشعب أن تدافع عن نفسك ولا تضحى بنفسك يجب ألا يسمح الشعب لنفسه بالإبادة والإذلال.
كلى ثقة فى تشيلى وفى مستقبلها فهناك من يأمل فى تلك اللحظة الرمادية والمريرة عندما تفرض الخيانة نفسها ولكن عليكم المضى وسينفتح الطريق عما قريب لبناء مجتمع أفضل. تحيا تشيلى، يعيش الشعب، يعيش العمال! هذه هى كلماتى الأخيرة وأنا على يقين أن التضحية لن تذهب سدى وأنها ستكون عقابًا أخلاقيًا للجبن والخيانة.
وفى العاشرة والنصف صباحا كان الهجوم النهائى صباحًا فقد فتحت الدبابات النار على القصر والمشاة المرافقين لها. وبالفعل استجابت قوات الـ GAP والقناصون المتمركزون فى الخارج كما فشلت المحاولة الأخيرة للتفاوض خاصة أن بينوشيه طالب بالاستسلام غير المشروط مع ضمان عدم القيام بمحاولة لاغتيال الليندى والسماح له بمغادرة البلاد.
وفى مواجهة هذا المأزق؛ تم نشر القوات الجوية لإسقاط المدافعين عن القصر والليندى. وفى الظهيرة هاجمت طائرتان من طراز هوكر هنتر تابعتان للقوات الجوية التشيلية لا مونيدا بصاروخ سورا بى ٣، كما أظهرت الصور التى اذاعتها القنوات التلفزيونية على الهواء مباشرة.
وتم تدمير الباب الشمالى وأسقف الطابق الأول من القصر. وخلال الهجمات الأربع التالية، أصابت الصواريخ الواجهة وتسببت فى نشوب حريق. بدأ هجوم المشاة على القصر على الفور وتم استخدام الغاز المسيل للدموع لتحييد المدافعين.
وفى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، تم كسر باب القصر واحتلال الجنود الطابق الأول. ثم صرخ الليندى فى رجاله: «الجميع ينزلون! ألقوا أسلحتكم وانزلوا! سأفعل ذلك أخيرًا!» وذلك وفقًا لرواية الطبيب باتريسيو جويخون الذى رجع لاستعادة قناع الغاز الخاص به.
صاح الليندى بعد ذلك: «لا تستسلموا أيها الجنود الأشرار!» وقام بتوجيه سلاحه نحو نفسه، وهو طراز AK-٤٧ الذى قدمه كاسترو ليطلق النار على ذقنه؛ ثم دخل الجنرال بالاسيوس غرفة الاستقلال، وأشار إلى وفاة الرئيس وأرسل الرسالة التالية عبر الراديو: «تم إنجاز المهمة مات الرئيس». وفى الساعة الثانية واثنين وثلاثين دقيقة بعد الظهر تم إبلاغ بينوشيه بما حدث. وقام رجال الإطفاء بإخماد الحريق. فى عام ٢٠١١ تم تشريح جثة الليندى لإزالة الشكوك حول انتحاره بشكل نهائى.
بداية ليلة طويلة
وفى الساعة السادسة مساءً، ألقى الجنرالات الانقلابيون الأربعة خطابًا قصيرا عبر شاشة تلفزيونية أعلنوا خلاله تشكيل المجلس العسكرى. وفى نهاية هذا اليوم المأساوى، سقط الرئيس الليندى وحزب الوحدة الشعبية تحت ضربات الجيش الذى اشتهر بأنه أكثر الجيوش شرعية فى قارة أمريكا الجنوبية.
ولكن وصل مع هؤلاء الانقلابيين أشخاص من «مدرسة ميلتون فريدمان» فى شيكاغو- فتيان شيكاغو الشريرون كام يتم تسميتهم- وجعلوا البلاد مسرحا لرؤيتهم الاقتصادية الليبرالية المتطرفة لأكثر من ١٧ عامًا.. وقُتل أكثر من ٣٠٠٠ ناشط سياسى على يد المجلس العسكرى.
وأُجبر أكثر من مليون تشيلى على مغادرة بلادهم هربًا من القمع. وفى واشنطن يستطيع نيكسون أن يهنئ كيسنجر ووكالة المخابرات المركزية وذلك لأن «الاستثناء الاشتراكى» التشيلى قد مات ودُفن.
 

معلومات عن الكاتب: 
سيلفان فيريرا.. حائز على درجة الماجستير فى التاريخ.. وهو مؤرخ متخصص فى فن الحرب فى العصر الحديث.. وصحفى مستقل له تاريخ حافل فى التدريب وإدارة الأحداث والتحرير والخطابة والكتابة الإبداعية.. ألّف العديد من الكتب المرجعية عن الحرب العالمية والحرب الأهلية.. وهو أيضًا مستشار لسلسلة وثائقية تليفزيونية.. يكتب حول انقلاب تشيلى وثبات الرئيس سلفادور الليندى الذى مات واقفًا ومناضلًا حتى اللحظة الأخيرة.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: فى الساعة صباح ا

إقرأ أيضاً:

اقتصاد أمريكا القوي ليس محميًّا من تأثير العمليات اليمنية

يمانيون – متابعات
عندما دخلت السُّفُــنُ الأمريكيةُ في قائمة الأهداف للقوات المسلحة اليمنية؛ رَدًّا على العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، جَادَلَ بعضُ المحلِّلين الأمريكيين أن الاقتصادَ الأمريكي لن يتأثَّــرَ بهذه العملياتِ، مراهنين على قدرة القوة الأمريكية على ردع اليمن، وأنها لن تكون سوى أسابيعَ ويعودُ الوضعُ في البحر الأحمر إلى طبيعته، وفي أسوأ الاحتمالات ستقومُ البحريةُ الأمريكية بمرافقة السفن المتجهة إلى الولايات المتحدة.

وقد وقَعَت شَركاتٌ عالميةٌ مثل ميرسك في فَــخِّ الاستناد إلى وَهْمِ القوة الأمريكية؛ فمع بدء العدوان على اليمن أعلنت ميرسك أنها ستستأنفُ ملاحتَها في البحر الأحمر، وحاولت العبور بسفينة نحو “إسرائيل” بحماية السفن الحربية الأمريكية، لكن ذلك لم يحمِها من الاستهداف، فاضطرت إلى تعليق عملياتها مجدّدًا وإلى أمد غير محدود، أما أمريكا فلم تستطع حماية سفنها الحربية فضلًا عن السفن التجارية؛ وهو ما يجعلُنا نبحَثُ حول مدى الأثر الذي تسبَّبت به العملياتُ اليمنية في واقع الاقتصاد الأمريكي.

وتجدُرُ الإشارة أوَّلًا إلى أن الآثارَ الاقتصاديةَ هي عبارةٌ عن عملية تراكمية تستمر وتتعاظم كلما استمرت المشكلة، وفي مجال الشحن البحري تفرض المشاكل -التي تتعرَّضُ لها السفنُ والتي يعرِّفُها الأمريكيون بمصطلح “البَجَعة السوداء”- تأثيراتها تدريجيًّا وتبرُزُ أكثرَ في مواسم الذروة، حَيثُ يرتفع الطلب وتقَلِّلُ الاختناقاتُ البحريةُ من حجمِ العرض.. نحن الآن في موسم الذروة فماذا تقول الأرقام؟

تؤكّـد صحيفةُ “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن تأثيرات العمليات اليمنية أصبحت محسوسةً في الموانئ البعيدة، حَيثُ تؤدي الاضطراباتُ إلى إطالة أوقات الرحلة، وإخراج السفن من الجدول الزمني وضغطٍ في الحاجة إلى الحاويات البحرية.

وبحسب الصحيفة “تؤدي هذه العقبات إلى تعقيد العمليات اللوجستية للسلع المصنّعة والتجزئة، لكن المستوردين والمصدِّرين يقولون إنهم قلقون للغاية من أن هذه العوائق قد تتوسَّع مع تزايد الطلب في الأشهر المقبلة قبل موسم الذروة المزدحم للشحن. وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاعِ أسعار الشحن التي عَادَت إلى الارتفاع بالفعلِ إلى مستوياتٍ قريبةٍ من المستويات التي شوهدت أثناءَ الوباء، عندما تنافست الشركاتُ على المساحات الشحيحة على السفن وارتفعت أسعار السوق الفورية لشحن حاوية بطول 40 قدمًا إلى ما يزيد عن 20 ألف دولار”.

وبينما حاولت شبكةُ الشحن العالمية إظهار مرونة خلال الربع الأول من هذا العام، فقد بدأت بالانهيار في الشهر الماضي وارتفعت تكلفة استئجار الحاويات البحرية بشكل كبير، فبحسب موقع Container xChange، وهو سوقٌ عبر الإنترنت للحاويات البحرية، ارتفع متوسط ​​سعر حاوية الشحن في سنغافورة في مايو بنسبة 26 % مقارنة بأُكتوبر، قبل بدء العمليات اليمنية وبلغت أسعارُ تأجير الصناديق من شنغهاي إلى لوس أنجلوس ولونج بيتش في مايو نحو ضِعف معدل نوفمبر الماضي.

وتشير شبكةُ “سي إن بي سي” الأمريكية إلى أن أسعار الشحن البحري الفوري من الشرق الأقصى إلى الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة تتراوح بين 36 % إلى 41 % شهريًّا، وزادت شركاتُ النقل البحري من الرسوم الإضافية المعروفة باسم زيادات الأسعار العامة بنسبة 140 % تقريبًا، وفقًا للخريطة الحرارية لسلسلة التوريد الخَاصَّة بشبكة CNBC. وقد رفعت هذه التكاليف سعر حاوية البضائع التي يبلغ طولها 40 قدمًا إلى حوالي 12 ألف دولار.

لقد وقعت الولايات المتحدة في شر أعمالها، فمن أجل ألَّا يدفعَ الإسرائيليون عدةَ شيكلات إضافية على أسعار المنتجات حوَّلت واشنطن المشكلة إلى عالمية وقامت بعسكرة البحر الأحمر وصوَّرت التهديدَ في البحر الأحمر كتهديد للتجارة العالمية كلها وليس حصرًا بـ “إسرائيل”؛ ما دفع بشركات الشحن إلى تجنب البحر الأحمر، وقد أَدَّى ذلك إلى زيادة الوقت لكل رحلة، ومن أجل تلبية الطلب كان هناك الحاجة إلى مزيد من السفن، كما كان هناك حاجة للمزيد من الحاويات؛ فبينما كان يستغرق شحن الحاوية من الصين إلى أُورُوبا ما بين 7-10 أَيَّـام، باتت تأخذ في البحر ما بين 21-30 يوماً، مع زيادة في تكاليف الوقود والنفقات بقدر مليون دولار لكل سفينة، بحسب تقرير لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية.

وبحسب “سي إن بي سي” قال بول براشير، نائب رئيس سلسلة التوريد العالمية في شركة أي تي ​​إس لوجيستكس: “أجبر نقص الحاويات والقدرة المحدودة للسفن في الخارج الشاحنين على الانتقال إلى السوق الفورية للعثور على المعدات لتحميلها في المنشأ.. هذا يدفع الأسعار بشكل كبير إلى مستويات لم نشهدها منذ أزمة ما بعد كوفيد قبل عامين”.

وَأَضَـافَ براشير أن “الشحن يعاني أَيْـضاً من الاختناق في محطات الموانئ؛ بسَببِ أوقات الانتظار الطويلة والحاويات الفارغة لتحميل البضائع نادرة جِـدًّا”.

استمرارُ التضخم وارتفاعٌ ملحوظٌ في الأسعار:

وقد ارتفعت أسعار الكثير من المنتجات في الولايات المتحدة، لعدة عواملَ كان منها العملياتُ اليمنية، فيما تُنذِرُ حالة عدم اليقين بانتهاء المشكلة قريبًا بارتفاع مستوى التضخم وارتفاعات أكبر للأسعار خلال الأشهر القادمة، حَيثُ من المتوقع أن يصل سعر الشحن على الحاوية الواحدة من شنغهاي إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة 20 ألف دولار وقد يصل إلى أكثر من ذلك.

وبحسب تحليل نشر في صحيفة ناشيونال انترست في مايو الماضي فَــإنَّ التأثير الكامل للعمليات اليمنية يلقي بثقله على المستهلكين الأمريكيين، وتشكل زيادة تكاليف الشحن عبئًا غيرَ متناسب على القطاعات ذات هوامش الربح الضيقة، مثل الملابس والمواد الكيميائية، وحتى شركات الشحن نفسها.

ويشير التحليل إلى أن شركات التجزئة الكبرى مثل إتش آند إم، وتارجت، وول مارت تشعر بتأثيرات الاضطرابات في البحر الأحمر، كذلك فَــإنَّ المنتجين وتجار التجزئة المقيدين بهوامش ربح ضئيلة ولا يستطيعون شحن المنتجات في وقت أبكرَ من المعتاد لديهم خياراتٌ محدودة للتكيُّف مع تكاليف الشحن المتزايدة واضطرابات سلسلة التوريد، ويجب عليهم تمريرُ التكلفة الإضافية إلى المستهلك؛ مما يساهِمُ في الضغوط التضخمية الموجودة مسبقًا.

ولا يقتصرُ التأثيرُ على تُجَّارِ التجزئة وإنما يمتدُّ إلى المنتجين في المصانع وإلى مستودعات التخزين، وتُفرَضُ ضغوط على صناعات النقل بالشاحنات والسكك الحديدية.

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” بات بعضٌ من صُنَّاعِ الشحن يصفون أزمة البحر الأحمر باسم “كوفيد جونيور” أي نسخة ناشئة من كوفيد نسبةً للاضطرابات المماثلة أَيَّـام الوباء، حَيثُ يشكو المستوردون الذين يعتمدون على الشحن البحري من عودة مصدرٍ آخرَ من مصادر الضيق التي عانوا منها في ذلك الوقت؛ فشركات النقل تقوم بإلغاء الحجوزات المؤكّـدة بشكل متكرّر، بينما تطالب برسوم مناولة خَاصَّة ورسوم خدمة متميزة كشرط للحصول على الحاويات على السفن.

وقال ديفيد رايش، صاحب شركة MSRF في شيكاغو، التي تقوم بتجميع سلال الهدايا لشركة وول مارت وغيرها من سلاسل المتاجر العملاقة: “كل شيء عبارة عن معركة للحصول على الحاويات. إنه أمر محبط”.

ويشتكي الموردون -بحسب الصحيفة- من أن شركات النقل تفرض “رسومًا إضافية في موسم الذروة” متصاعدة من شأنها أن تضيف ما يصل إلى 2400 دولار لكل حاوية، ورغم ذلك كَثيراً ما تقول شركات النقل إنها لا تملك مساحةً كافيةً على متن سفنها؛ الأمر الذي سيضطرُّ الموردين للجوء إلى الحجز في ما يسمى بالسوق الفورية، حَيثُ تتقلب الأسعار، وقد وصلت الآن إلى 8000 دولار.

ارتفاعُ أسعار الشحن الجوي:

منذ شهر مايو أُصيب تُجَّارُ التجزئة في الولايات المتحدة بالهلعِ؛ لاقتراب موسم الذروة الذي يمتدُّ من يونيو حتى سبتمبر، وسعيًا لمواجهة الموسم اتجهوا إلى تقديم الطلبات لموسم التسوق لعيد الميلاد للقدرة على الالتزام بعرضٍ موازٍ لحجم الطلب.

وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” قام مستوردون في الولايات المتحدة بنقل طلباتهم عبر الشحن الجوي بتكاليف مرتفعة جِـدًّا حتى لا يكونَ هناك تأخيراتٌ، لكن المشكلة هي أن قطاعَ الطيران ليس مستعدًّا ليحلَّ محلَّ الشحن البحري، ولا حتى تغطية نسبة بسيطة منه، وسرعان ما ظهر الضغط على هذا القطاع ووصلت أسعارُ الشحن الجوي إلى المستويات الحمراء، وفقًا لتقرير صادر عن شركة Scan Global Logistics.

وبحسب مقال نُشر في The Loadstar في 19 يونيو، أوضح بيير فان دير ستيشيل، نائب رئيس الشحن في Charter Broker Air Partner، أنه “سيكون من الصعب للغاية إن لم يكن من المستحيل العثورُ على سعة في طائرات كبيرة ذات رحلات عالمية”، مضيفا: ”لم أرَ الصناعةَ متقلِّبةً إلى هذا الحد في ما يقرب من 30 عاماً من عملي في مجال الشحن“.

انعدامُ الثقة بالقوَّة الأمريكية:

استمرارُ العمليات اليمنية ضد السفن الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية وتوسُّعُ نطاق الهجمات لأكثرَ من ستة أشهر أَدَّى إلى تراجُعِ الآمال بحَلٍّ قريبٍ للأزمة؛ فبحسب وكالة بلومبيرج الأمريكية يشيرُ تصاعُدُ العمليات اليمنية إلى أن تكاليف الشحن المرتفعة موجودةٌ لتبقى، كما تكشفُ الفعاليةُ المتزايدة لهذه العمليات إلى حدودِ قدرة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

ويقول جويتز ألبراند، رئيسُ قسم الشحن البحري في شركة DHL Global Forwarding Americas، إنه غيرُ متفائل بأن أسعارَ الشحن سوف تنخفض في أي وقت قريب.

وكما تقول صحيفة نيويورك تايمز فَــإنَّ أعظمَ المخاوف الآن هي أن الاختناقات العائمة قد تتحول إلى نبوءة تتحقّق بذاتها. ومع استيعاب المستوردين لحقيقة ارتفاع أسعار الشحن وازدحام الموانئ، فَــإنَّهم يبادرون إلى الطلب في وقت مبكر. وقد يؤدي هذا إلى زيادةٍ كبيرةٍ في الشحنات الواردة إلى الموانئ الكبرى مثل لوس أنجلوس ونيوارك وسافانا بولاية جورجيا، بما يتجاوز قدرة الشاحنات والسكك الحديدية والمستودعات.

إن الطريقَ إلى إنهاءِ هذه المخاوفِ وعودة الملاحة إلى وضعِها الطبيعي في البحر الأحمر هو طريقُ إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ورفع الحصار وإدخَال ما يحتاجُه أبناءُ غزة من غذاء ودواء، وبدونِ ذلك قد تتصاعَدُ العملياتُ بشكلٍ أكبرَ وعلى نطاقاتٍ أبعدَ، كما تؤكّـد صنعاء.

– المسيرة| زكريا الشرعبي

مقالات مشابهة

  • عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي
  • ميزة طال انتظارها من «واتساب».. الاتصال دون حفظ الرقم
  • إكرام بدر الدين يكتب: ثورة الضرورة
  • د. محمد حجازي يكتب: ثورة 30 يونيو بين حاضر ومستقبل أمة
  • صحيفة أمريكية: عمليات القصف المتكررة لم توقف هجمات اليمن
  • الأنبا ديمتريوس يكتب: 30 يونيو.. وعودة مصر لمكانتها
  • هبة عبد العزيز تكتب: ثورة 30 يونيو كانت بمثابة المخرج للمرأة المصرية من الوقوع فى فخ الجهل والتجهيل الذى مارسته الجماعة المحظورة
  • منير أديب يكتب: 30 يونيو.. والحفاظ على الهوية المصرية من التآكل
  • سلام عليك يا غزة فى كل حين
  • اقتصاد أمريكا القوي ليس محميًّا من تأثير العمليات اليمنية