د.على الدين هلال يكتب: المثقفون العرب وقضايا الهوية
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
شهدت القاهرة خلال الفترة من ١٧-١٩ سبتمبر ٢٠٢٣ ندوة فكرية هامة بدعوة من المجلس الأعلى للثقافة بمِصر ومؤسسة الفِكر العربى بلُبنان، وذلك لمُناقشة الموضوعات التى أثارها التقرير الثانى عشر للتنمية الثقافية الذى أصدرته المؤسسة. شارك فى المُناقشات باحثون من المغرب وموريتانيا وتونس وليبيا والإمارات ومِصر ولُبنان.
وشغلت قضية الهُوية حيزًا من مُناقشات الندوة وذلك بحُكم التأثير الذى تُمارسه قضايا وسياسات الهُوية فى العالم والمنطقة العربية. توافق المُشاركون على ازدياد الاهتمام السياسى والبحثى بقضايا الهُوية فى مختلف الدول والمجتمعات، واستحضر أحد المُتحدثين عبارة فرانسيس فوكوياما من أنه إذا كان القرن العشرين هو قرن الصراع بين اليسار واليمين، فإن القرن الحادى والعشرين هو قرن الصراع حول الهُوية، وأنها ماثلة فى كثير من السياقات كالصراع السياسى الراهن فى الولايات المُتحدة وصعود الأحزاب الشعبوية فى أوروبا.
واتفقوا أيضًا على أن الهُوية ليست مسألة ثقافية وحسب وإنما لها أسبابها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأنها ليست جامدة أو ساكنة ولكن يتغير مضمونها باختلاف الظروف والأوضاع. ويدُل على ذلك أن مطالب جماعات الهُوية اختلفت من فَترة لأُخرى.
ركز البعض على الهُوية كأحد جوانب الصراعات السياسية والحروب الأهلية فى البلدان العربية، ومن أمثلتها سوريا ولُبنان واليمن وليبيا والعراق والسودان. حدث هذا عندما هيمنت مجموعة إثنية واحدة على مقاليد الحُكم واستخدمت موارد الدولة لصالحها. حدث أيضا عندما تأسست الاختلافات بين الأحزاب والقوى السياسية على عوامل اثنية وطائفية ومذهبية.
ازداد الأمر خُطورة عندما نشأت ميليشيات عسكرية على أساس من الهُوية الدينية كما هو الحال فى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» خلال سيطرته على مساحات كبيرة من العراق وسوريا. فلم يكتف التنظيم بفرض رؤيته على المُجتمع بالقوة، وإنما مارس أبشع صنوف التمييز تِجاه أبناء الأديان والمذاهب الأُخرى. ومن ذلك، ما قام به داعش تجاه المسيحيين والأيزيديين فى العراق.
واهتم آخرون بتأثير المُحاصصة الطائفية على تطور الديمُقراطية وبناء المؤسسات السياسية وأشاروا إلى خبرة كُل من لُبنان والعراق حيث تتوزع مناصب الدولة العُليا بين ممثلى الطوائف المُختلفة وأن ذلك يؤدى إلى تكريس الروح الطائفية باعتبار أن الطائفة أو المذهب هى الطريق إلى تقلُد المناصب العامة أو الترشُح لمقاعد البرلمان. يكون من شأن ذلك تراجع قيمة المواطنة والولاء للدولة.
أشار فريق ثالث إلى دور العوامل الخارجية وبالذات إلى تأثير الغزو الأمريكى فى العراق عام ٢٠٠٣ وإعادة بناء نظام الحُكم على أسس المُحاصصة الطائفية، وأن الدول الاستعمارية عادة ما تتبع سياسة «فرق تسُد»، فقربت إحدى الطوائف منها ومنحتها فرص اقتصادية وسياسية أكبر وذلك على حساب الطوائف الأُخرى.
كان هُناك تركيز أيضًا على تأثير السياسات التى اتبعتها حكُومات الدول العربية على إثارة صراعات الهُوية وعدم تهدئتها لأن هذه السياسات اتسمت بعدم العدالة فى توزيع الموارد والخدمات والسِلع بين الجميع، وعدم توافر قنوات المُشاركة السياسية بالشكل الذى يضمن وصول مطالب الجماعات الاثنية إلى الحكومة، وعدم إيجادها مساحات ومجالات العمل المُشترك بين كُل أبناء الوطن الواحد. فانغلاق أبناء كُل اثنية أو هوية وانكفاؤها على داخلها يؤدى إلى النظرة للآخرين بعين الريبة والشك وأحيانًا العداء، وهو ما سَماه الباحث اللُبنانى فريدريك معتوق ب «صناعة العدو». الحل أو السياسة الناجحة فى التعامل مع قضايا الهُوية يكون أساسًا بالاعتراف بالتنوع الاجتماعى والاختلافات الثقافية القائمة بين مُكونات المُجتمع واعتبارهم جميعًا أبناء وطن واحد، ثُم اتباع سياسات عامة تحقق العدالة فى فُرص التنمية والصحة والتعليم دون تمييز، وتوفير فُرص المُشاركة فى تولى المناصب العامة والتمثيل فى البرلمان، وهيئات المُجتمع المدنى بحيثُ يشترك الجميع باعتبارهم مواطنين فى مُختلف المجالات والمؤسسات لمواجهة التحديات التى يواجهها المُجتمع والدولة.
وتمت الإشارة إلى تجربة لى كيوان يو رئيس وزراء سنغافورة الذى حققت بلاده تجربة ناجحة فى إدارة التعددية الاجتماعية والثقافية وإيجاد بيئة التشارُك والتعاُون بين مكونات المُجتمع التى تنتسب إلى أصول مالاوية وهندية وصينية.
الهدف من كل هذه السياسات هو تأكيد قيمة المواطنة وشعور الجميع بالانتساب إلى وطن واحد ولكِن ذلك لا يتحقق بمُجرد إصدار قوانين وتشريعات، ولكِن بأن تُصبح المواطنة أساس المُعاملات اليومية بين الناس والموجهة لسلوك الأفراد فى علاقاتهم مع بعضهم البعض، فالمواطنة ليست مُجرد نص دستورى أو قانونى ولكن واقع معيش ومُمارسات اجتماعية يومية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: القاهرة المغرب الامارات الم جتمع اله ویة ل بنان
إقرأ أيضاً:
انطلاق فعاليات المؤتمر العلمي “اللغة العربية وأثرها في تعزيز الهوية الوطنية الجامعة” بالقنيطرة
القنيطرة-سانا
انطلقت اليوم فعاليات المؤتمر العلمي “اللغة العربية وأثرها في تعزيز الهوية الوطنية الجامعة” الذي أقامه اتحاد الكتاب العرب والاتحاد الوطني لطلبة سورية ومؤسسة أرض الشام في القنيطرة.
وأشار الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب إلى أن اللغة العربية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوحدتنا ووجودنا وقوميتنا وهي حافظة خصوصيتنا وحاملة قيمنا، لافتاً إلى أن اللغة العربية أثبتت فاعليتها في استيعاب ثقافات الأرض وعلومها، وداعياً إلى وضع خطط لتثبيت وتعزيز اللغة العربية إعلامياً وثقافياً وتربوياً لحفظها من التحديات والأخطار والاختراق الثقافي.
وتحدث الدكتور نبيل أبو عمشة في محاضرته عن أهمية النحو في صون اللغة العربية ورسم قواعدها.
ولفتت الدكتورة سناء الريس في محاضرتها “نظرات في تجديد النحو العربي” إلى أن تجديد النحو العربي هو موضع اهتمام الباحثين والمؤسسات التعليمية والثقافية.
وتحدثت الدكتورة منى داغستاني في محاضرتها التي حملت عنوان “اللغة العربية والبحث العلمي” عن تمكين اللغة العربية وتعزيز مكانتها بين لغات العالم في مجالات البحث العلمي.
وتناولت الدكتورة ريما الذياب موضوع الازدواجية اللغوية وإشكالياتها وسبل الحفاظ على الفصحى في ظل التطور السريع للمجتمعات.
غسان علي