ألكسندر ديل فال يكتب: «نظام العالم».. الرؤية الواقعية «الويستفالية» والتفاضلية لهنرى كيسنجر
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
فى كتابه «نظام العالم» الذى نشر عام ٢٠١٦ وأعيد نشره عام ٢٠٢٣، يوضح هنرى كيسنجر - الذى تعدى عمره المائة عام والذى تنبأ بعالم متعدد الأقطاب مبنى على نموذج التوازن الويستفالي- أن النظام الذى أنشأته الدول الغربية فى الفترة ١٩٤٥-١٩٥٠ لا يثير «إجماعًا» خاصة داخل «الجنوب العالمى» والعالم غير الغربى عمومًا وليس فقط بين الأعداء الصريحين للولايات المتحدة والغرب.
وبالنسبة للخبير الاستراتيجى والدبلوماسى، فإن مفاهيم الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو حتى القانون الدولى تؤدى إلى تفسيرات متباينة داخل الدول والحضارات المختلفة، لدرجة أن أطراف النزاع تستشهد بها بانتظام كشعارات كثيرة فى صراعاتها المتبادلة.
وفى الحقيقة يعتبر ذلك صارما للغاية خاصة فيما يتعلق بالتأثير الملموس للنظرية «الغربية التبشيرية العالمية»، فهو يقيّم ربع قرن من الأزمات السياسية والاقتصادية (التى يُنظر إليها فى الجنوب العالمى على أنها ثمرة الغربيين) كما سلط الضوء على انهيار الليبرالية.. وهذا فى الحقيقة، نظام دولى يتمحور حول الغرب لصالح منطق إقليمى فوضوى من شأنه أن يشكك بشكل كامل فى الفرضيات المتفائلة للسنوات الأولى من فترة ما بعد الحرب الباردة.
وفى الوقت الذى يؤمن فيه بوجهة النظر المعاكسة تمامًا لفرضية فوكوياما بشأن «نهاية التاريخ» والانتصار المشترك للديمقراطية والتجارة الحرة الاقتصادية، يؤكد كيسنجر أن صعود الديمقراطية واقتصاد السوق لم يولد عالمًا عادلًا وسلميًا ومتكاملًا بشكل تلقائى وأنه على العكس من ذلك «لقد شهدنا اندفاعًا واضحًا فى عدة مناطق من العالم فى الاتجاه المعاكس، والذى سعى إلى بناء متاريس ضد سياسات الغرب المتقدم - بما فى ذلك جوانب معينة من العولمة - التى تتعرض للانتقاد لكونها تؤدى إلى الأزمات».
هذه الفكرة- التى تمثل الخيط المشترك والمحور الرئيسى لهذا المقال - تم تطويرها على مدى عقود من قبل الدبلوماسى الأمريكى الذى طبقها أيضًا منذ عام ٢٠١٤ على الصراع الأوكرانى الرهيب، ويرجع ذلك فى جزء كبير منه إلى طريقة «الانجراف المثالى» خاصة أنه كان من دعاة التدخل فى السياسة الخارجية الأمريكية، بمعنى أنه يعارض تمامًا نموذج «التوازن الويستفالى» الذى طالما دافع عنه حيث جعله موضوع رسالة الدكتوراة الخاصة به.
ويشير كيسنجر اليوم إلى أن «المنظمات السياسية والاقتصادية العالمية فى خلاف مع بعضها البعض» وتقترن هذه الملاحظة بملاحظة أخرى بموجبها «أصبح النظام الاقتصادى الدولى كوكبيًا، لكن هيكل السياسة العالمية لا يزال يعتمد على الدولة القومية».. ووفقا له، يتطلب السلام دائما قبول حقيقة مفادها أن «أى نظام دولى يجب، عاجلا أم آجلا، أن يواجه نتيجة اتجاهين يضران بتماسكه: إعادة تعريف الشرعية أو تعديل كبير فى ميزان القوى.
وفى بعض الحالات، ينهار النظام لأن أحد عناصره الأساسية يتوقف عن أداء دوره أو يختفى وهذا ما حدث للنظام الدولى الشيوعى فى نهاية القرن العشرين مع تفكك الاتحاد السوفييتى. ويتابع فى حالات أخرى «قد ترفض القوة الصاعدة الدور الذى أسنده إليها نظام لم تصممه، وقد تعجز القوى القائمة عن إيجاد توازن لهذا النظام بشكل يأخذ فى الاعتبار صعوده.
وفى الحقيقة، كان ظهور ألمانيا يشكل تحديًا مماثلًا للنظام فى أوروبا فى القرن العشرين، الأمر الذى أدى إلى إندلاع حربين كارثيتين لم تتعافى منهما القارة بشكل كامل حتى الآن. وتطرح الأهمية المتزايدة للصين مشكلة هيكلية مماثلة للقرن الحادى والعشرين.
وفى نهاية عرضه، يطبق كيسنجر نظريته على الصراع الذى يلوح فى الأفق من ناحية، بين الولايات المتحدة وحلفائها، الذين لا يريدون التشكيك فى النظام الدولى الذى وضعوه بعد ذلك التاريخ واختفاء الاتحاد السوفييتى السابق، ومن ناحية أخرى، روسيا-البوتينية الوحدوية الإمبريالية الجديدة الانتقامية.
وأيضا «القوة الصاعدة»، الصين-شى جين بينج، التى تتمتع، على عكس روسيا، بالقوة السياسية والوسائل العسكرية والاقتصادية والتجارية والمالية والتكنولوجية لتحدى النظام الغربى الأمريكى فى نهاية المطاف والذى سيكون مخفيًا خلف النظام الليبرالى الدولى القائم.
ووفقا لاستنتاجه الحكيم والمستقبلى، الذى يمثل فى الواقع وصفة للسلام والتوازن «الويستفالى» وتجنبا للصدام بين القوى الناشئة والصاعدة يؤكد كيسنجر أن: «إقامة توازن بين عنصرى النظام- السلطة والشرعية- يشكل الحل الأمثل» والأساس الحقيقى لفنون الحكم.
كما أن حسابات القوة التى لا تحتوى على بعد أخلاقى من شأنها أن تحول أى خلاف إلى مواجهة، ولن يهدأ الطموح، وقد تضطر بعض البلدان إلى الانخراط فى تقييمات غير محتملة وبعيدة المنال بسبب التغير المستمر فى موازين القوى.
من ناحية أخرى؛ فإن المحظورات الأخلاقية دون الاهتمام بالتوازن تؤدى إلى حملات صليبية أو سياسات عاجزة تدعو إلى وقوع العديد من الاستفزازات. وهنا نذكر أن «رؤية كيسنجر القائمة على التوازن المزدوج (شرعية القوة وعدم التدخل بين الدول ذات السيادة) - متضمنة فى هذا المقطع من كتابه: «أن الأهمية العالمية لنظام وستفاليا كانت بسبب طبيعته الإجرائية- أى محايدة من حيث القيم.
وكانت قواعدها فى متناول أى بلد: عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وحرمة الحدود، والسيادة الوطنية، وتشجيع القانون الدولى. وفى الحقيقة، جسد «سلام وستفاليا» الحكم على الواقع وبشكل خاص حقائق السلطة والأرض وذلك فى إطار مفهوم النظام العلمانى الذى يحل محل مبادئ الدين.
هذه الرؤية للتوازن والمفهوم الواقعى النسبى للعلاقات الدولية والنماذج الجيوسياسية والجيوحضارية، شارك فيها فى فرنسا الجنرال والخبير الاستراتيجى بيير مارى جالوا، الذى نهدى له هذا العمل، والذى كان المحاور والصديق المميز لكيسنجر.
ومن المؤسف أن هذين الخبيرين الواقعيين والمتشائمين، مثل بنجامين باربر وجراهام أليسون - اللذين لاحظا أيضًا تمرد أمم وحضارات الجنوب وأوراسيا متعددة الأقطاب الصينية الروسية، ضد الولايات المتحدة و«الغرب العالمي».. هذان الخبيران كانا أيضا أقل تناقضًا أكثر من المثاليين، خاصة فيما يتعلق بخطر العودة إلى حروب شديدة الحدة فى أوراسيا وأوروبا بسبب عجز أمريكا «المتدخلة» والاتحاد الأوروبى «الأخلاقى» عن التفكير فى العلاقات الدولية. وذلك بطريقة مختلفة عن المبدأ العالمى الديمقراطى الشامل الذى يعتمد على سياسة التدخل كما يعتبر مبدأ منافقا فى نهاية المطاف، لأنه غالبًا ما يخفى شكلًا من أشكال الإمبريالية المعرفية الجديدة التى داخلها تخفى شكلًا من أشكال الإمبريالية المعرفية الجديدة ذات النطاق القتالى والعدائى.
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر ديل فال.. كاتب وصحفى ومحلل سياسى فرنسى. مدير تحرير موقع «أتالنتيكو». تركزت مجالات اهتمامه على التطرف الإسلامى، التهديدات الجيوسياسية الجديدة، الصراعات الحضارية، والإرهاب، بالإضافة إلى قضايا البحر المتوسط إلى جانب اهتمامه بالعلاقات الدولية.. يفكك، هنا، أفكار هنرى كيسنجر التى وردت فى كتابه «نظام العالم».
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: نظام العالم هنري كيسنجر فى نهایة
إقرأ أيضاً:
عودة الأشباح: كيف يرتعد نظام السيسي أمام صوت جيل زد في بروكسل؟
قنبلة الخوف في قلب السيسي في أروقة بروكسلحيث تتمايل أوراق الخريف في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2025، في شوارع بروكسل الهادئة، انفجر صوت يهز أركان نظام عبد الفتاح السيسي؛ لم تكن قنبلة تُلقى على موكب رئيسي، كما زُعم في بلاغه المزيف وكما روجت بعض الشائعات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، بل كانت قنبلة أقوى: صوت شبابي جريء، يتحدى الاستبداد عابر حدود. أنس حبيب وشقيقه طارق، الناشطان المصريان المقيمان في أوروبا، أصبحا رمزا لعودة "الأشباح" التي يخشاها النظام المصري.
اعتقال مفاجئ في 22 تشرين الأول/ أكتوبر، أثناء قمة الاتحاد الأوروبي-مصر، بناء على بلاغ رسمي من الرئيس السيسي نفسه، يتهمهما برصد خط سير الموكب وتهديد حياته. لم يكن التهديد قنبلة حقيقية، بل تهديد رمزي: كلمات حادة تنتقد الفساد والقمع، تنشر عبر الفيديوهات الحية التي تكشف فنادق الرئاسة الفاخرة بينما يئن الشعب تحت وطأة الغلاء.
هذه ليست مجرد قصة اعتقال عابرة؛ إنها مرآة تعكس هلع نظام دموي دكتاتوري يرى في كل شاب يرفع صوته شبحا لثورة 2011.
بنى السيسي إمبراطوريته على الخوف من "الإرهابيين" والمعارضين، يقدم بلاغا كيديا ضد أخوين لا يملكان سوى هواتفهما الذكية وإصرارهما على كشف الحقيقة. وكأن الرئيس، الذي ينفق مليارات على حراسة موكبه، يخشى أكثر ما يخشى: الشباب، خاصة جيل "Z" الجيل الذي يُرمز له بـ"GZ" في الشوارع المصرية، الذي لا يعرف الخوف، ولا يقبل الاستسلام.
في السطور القادمة، نبحر معا في تفاصيل العودة الدرامية لأنس وطارق، ونحاول تحليل كيف يعكس هذا الاعتقال خوفا نظاميا عميقا من الشباب الذي يهدد بإسقاط الجدران الرقمية التي بناها السيسي حول نفسه.
سنتحدث بجرأة، دون مواربة، عن نظام يقمع الأحلام ليحافظ على كرسيه، وعن جيل يصنع الثورة بتغريدة واحدة.
من هما أنس وطارق حبيب؟ قصة الشابين اللذين أصبحا كابوسا
يبلغ أنس حبيب من العمر 27 عاما، ليس مجرد ناشط؛ هو صوت الشارع المصري الذي هُجِّر إلى أوروبا. نشأ في عائلة مصرية أصيلة، لكنه شهد الثورة المصرية وهو في سن المراهقة. طارق، شقيقه الأكبر بثلاث سنوات، كان الداعم الأول له في رحلة النشاط. معا، غادرا مصر بعد حملات الاعتقالات الجماعية، هربا من أجهزة الأمن التي لا تفرق بين ناشط وإرهابي. استقرا في هولندا، حاول النظام السخرية من أنس والإيحاء بأنه مهرج، أصبح أنس "برقوقة"، لكنه سرعان ما تحول إلى رمز للمقاومة الرقمية الشبابية وجيل زد.
نشاطهما بدأ بسيطا: تغريدات تنتقد الفساد، فيديوهات حية أمام السفارات المصرية في أمستردام وبروكسل. أنس، بلهجته الحادة، يفضح كيف ينفق السيسي مليارات على قصور رئاسية بينما يغرق الشعب في الديون، وصفقات غاز بعشرات المليارات مع العدو خلال حرب طاحنة ضد أهلنا في غزة.
في ليل 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، ليلة انعقاد القمة الأوروبية، نشر أنس وطارق فيديو مباشرا يكشف موقع فندق "راديسون كوليكشن" في بروكسل، حيث يقيم السيسي.. "القزم المتعاص قاعد هناك، بينما يغلي البنزين في مصر ويجوع الشعب"، قال أنس في البث، محذرا من "شحاتين جعانين" يُجَنّدُون للتطبيل. لم يكن تهديدا جسديا، بل دعوة للاحتجاج السلمي.
هذه ليست مجرد عودة جسدية؛ إنها عودة للمعركة. بعد سنوات من المنفى، أصبحا ومجموعة كبيرة من الأحرار وجها لوجه مع نظام يمتلك جيشا من الجواسيس الرقميين.
وفقا لتقارير من منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش"، تم اعتقال آلاف الشباب مثل أنس منذ 2013، لكن جيل "Z" يختلف: هم أبناء الإنترنت، يعرفون كيف يتجاوزون الرقابة بـ"VPN" وتيليجرام. أنس ليس وحيدا؛ هو جزء من شبكة "Gen Z" التي أطلقت حملات مثل #حملة_300، مطالبة بإسقاط الديون وإنهاء القمع.
في مصر، يُشار إليهم بـ"GZ" اختصارا لـ"جيل Z" الجيل الذي ولد بعد 1997، ويرفض الاستسلام لنظام يسرق أحلامه.
هذه العودة تذكرنا بقصص أخرى: الشاب الذي اعتُقل أمام سفارة مصر في لندن عام 2023، أو الصحفية التي غرّدت عن تعذيب سجناء سياسيين وممارسات وحشية ضد المعتقلين السياسيين فأُجْبِرَتْ على الفرار.
أنس وطارق ليسا استثناء؛ هما قمة جبل جليد الشباب الذين يهددون بإعادة إشعال الثورة، وإذابة جبل جليد الخوف والقمع الذي أقامه السيسي وعصابته
تفاصيل الاعتقال: بلاغ كيدي يفضح هلع الرئيس
دعونا نعود إلى 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، يوم القمة الأوروبية- المصرية في بروكسل؛ السيسي يصل بموكب محشو بالحراس، ويستقبله أفراد تم جلبهم من دول أوروبية أخرى للتهليل أمام الكاميرات وكأنه محبوب الجماهير، ليتحدث عن "الشراكة الاستراتيجية" مع أوروبا عبر ملفات الهجرة غير الشرعية وملفات أخرى يستطيع ملأ جيوبه ببعض المليارات من اليوروهات بها، بينما يخفي تحت الطاولة ديونا تجاوزت 160 مليار دولار. في اليوم نفسه، يُقدَّم بلاغ رسمي من الجانب المصري باسم الهيئة الرئاسية والسيسي نفسه إلى الشرطة البلجيكية، يتهم أنس وطارق برصد خط سير الموكب، وتخطيط لتهديد، وربما رمي قنبلة، وإن كانت الشائعات مبالغة، إلا أن التقارير الرسمية تتحدث عن "تهديد للحياة".
تعاملت الشرطة البلجيكية، التي لا تُعْرَفُ بالتساهل مع التهديدات الأمنية، بصرامة، تقتحم غرفة الأخوين في فندق متواضع، وتحتجزهما لساعات طويلة.
القصة تتكشف عبر وسائل الإعلام: أحمد موسى، الإعلامي المقرب من النظام، يكشف "تفاصيل" الاعتقال: "كانا يرصدان الطريق للاعتداء" على السيسي.
لكن أنس، روى في 29 تشرين الأول/ أكتوبر، الحقيقة: "السيسي عمل بلاغ كاذب، وتم الإفراج عنا بدون شروط. سنقاضيه بتهمة البلاغ الكيدي".
الأخوان كانا يخططان لاحتجاج سلمي أمام الفندق، لا أكثر. فيديو أنس الحي يظهر الفندق فقط، مع تعليق ساخر: "هنا يقيم اللص بفلوس الشعب"؛ لا قنابل، لا أسلحة؛ فقط كلمات.
هذا البلاغ ليس الأول، فالنظام يستخدم "الإرهاب" كغطاء لقمع المعارضة. في 2023، اعتُقِلَ المئات أمام السفارات بتهم مشابهة. لكن هنا، في قلب أوروبا، تفشل الخطة: السلطات البلجيكية تُفْرِج عنهما بعد تحقيق، معتبرة الاتهامات مبالغة. هاشتاج #كلنا_أنس_وطارق يتصدر منصة إكس مع آلاف التغريدات تدعم الأخوين. أنس يرد مباشرة: "طلعناك من الباب الخلفي لابس نقاب، كان قدامك 6 أيام تتحرك دبلوماسيا عشان تاخذنا، لكن فشلت لأن الشعب معنا".
هذا الفشل يفضح النظام: ينفق ملايين على جواسيس، لكنه يرتعد من فيديو واحد. الشائعة عن "القنبلة" انتشرت كالنار في الهشيم، لكنها كانت مجرد دعاية لتبرير الاعتقال. الحقيقة أقسى: السيسي يخشى ليس المتفجرات، بل الشفافية التي تكشف فساده.
موقف النظام: هلع من جيل "Z" الثورة الرقمية التي لا تُقْهَرْ
يعيش النظام المصري نوعا من الخوف، ليس خوفا شخصيا، بل هلعا وجوديا. وصل السيسي إلى السلطة عبر انقلاب 2013، وبنى نظامه على ثلاثة أعمدة: الجيش، والإعلام، والقمع. لكن جيل "Z" يهدد الثلاثة.
في مصر، يشكل "Gen Z" نحو 25 في المئة من السكان؛ شباب يولدون مع الإنترنت، يعرفون التضليل من بعيد. هم ليسوا كآبائهم في 2011؛ هم أسرع، وأذكى، وأقل خوفا.
النظام يرى في أنس وطارق رمزين لهذا الجيل. حملات مثل "#GenZ002" التي أطلقها أنس، تجمع آلاف الشباب لمطالب اقتصادية: خفض أسعار الوقود، وإنهاء الديون، وأخرى سياسية وحقوقية مثل الحرية للمعتقلين والإفراج عنهم، وإلغاء صفقات الغاز مع الاحتلال.
في تغريدة، يقول أحد النشطاء: "السيسي يغلي البنزين ويجوعنا، ثم ينفق على مطبلين في أوروبا". هذا الجيل لا يثق بالإعلام الرسمي؛ يعتمد على إكس وتيك توك، حيث ينتشر الفيديو الذي فضح فندق السيسي بملايين المشاهدات.
الخوف واضح في الردود: وصف أنس بـ"إخواني" رغم استقلاليته، وحملات ترويجية مدفوعة من ميزانية الدولة، الإعلاميون مثل أحمد موسى يصرخون "الإرهاب"، مع حشد أنصار السيسي بشكل مدفوع الأجر، من إقامة وتنقلات وإعاشة.
هذا الهلع يعبر عنه السيسي بإطلاق وزارة داخليته، فينزل عناصرها إلى الشوارع المصرية لتفتيش هواتف الشباب والمارة.
في السياق الأوسع، يعكس هذا الاعتقال فشل النظام في احتواء الشباب. البطالة بين "Gen Z" تصل إلى 30 في المئة، الغلاء يأكل الرواتب، والقمع يُبْعِد الأحلام.
أنس يمثل هذا: شاب هرب من التعذيب، لكنه يعود للمعركة. وقالت مغردة: "أنس وطارق يواجهان النظام بكل أدواته، بينما البعض يظن التطبيل حماية للوطن".
الخوف هنا ليس من قنبلة، بل من فكرة أن الشباب يمكن أن يغيروا التاريخ دون دماء.
لنعد إلى الرقم: في 2011، كان الشباب 60 في المئة من المتظاهرين؛ اليوم "Gen Z" يشكل 70 في المئة من المحتجين الافتراضيين. النظام يعرف ذلك، لذا يقدم بلاغات كيدية، يُجند جواسيس، يقمع الإنترنت.
لكن كما قال نظام المهداوي: "أنس لم تحظَ قصته باهتمام إلا عندما أوقفته الشرطة، وهذا شهادة بطولة". الهلع يأتي من إدراك أن الثورة الرقمية لا تُقْهَر باعتقالات.
السياق التاريخي: من ثورة 2011 إلى "Gen Z" 2025
لنفهم هذا الخوف والهلع لدى النظام، يجب العودة إلى 2011. الثورة المصرية كانت انتفاضة شبابية: ميدان التحرير مليء بوجوه تحت الـ30.
السيسي، الذي قاد الانقلاب، وعد بالاستقرار، لكنه أحضر قمعا أسوأ: 60 ألف سجين سياسي، آلاف المهاجرين، "Gen Z" الذين كانوا أطفالا حينها، شهدوا الخيانة: الفقر يرتفع، والحريات تختفي.
ففي 2025، يعود الشبح. حملات مثل #حملة_300 تجمع الملايين، مطالبة بإسقاط الديون الخارجية.
أنس، ينشر فيديوهات عن "اللصوص في القصر". النظام يرد بقوانين الإرهاب، لكن أوروبا تمنع الترحيل؛ حقوق الإنسان لا تقبل بـ"بلاغ كيدي".
شهادات من إكس تؤكد: "أنس يعود للاعتصام أمام السفارة فور الإفراج"، رغم محاولات البلطجية. هذا الإصرار يُرْعِبُ النظام الذي يعتمد على الخوف. لكن "Gen Z" يقول: "نحن إيد واحدة ضدكم".
في الخارج، يصبح المنفى سلاحا. أنس يُحرك الرأي العام الأوروبي، يطالب بمقاطعة السيسي. هذا يهدد الشراكات الاقتصادية، حيث تعتمد مصر على مساعدات أوروبية. الاعتقال فشل لأنه أبرز التناقض: رئيس يدعي الديمقراطية، ويقمع المواطنين في الخارج.
الخاتمة: عودة لا تُنْسَى.. ثورة قادمة
عودة أنس وطارق ليست نهاية؛ إنها بداية. النظام الذي يرتعد من تغريدة، يعترف بضعفه "Gen Z" بجرأتهم، يثبت أن الخوف ليس في القنابل، بل في الكلمة الحرة. السيسي قد يقدم بلاغات، لكن الشعب يرد بصوت أعلى. دعوة للشباب: استمروا، فالتاريخ معكم. مصر تنتظر ثورتها الثانية، وأنس وطارق هما الشرارة.
في النهاية، كما قال أنس: "نحن إيد واحدة". الخوف نظامي، لكن الأمل شبابي. وهذا يكفي لتغيير كل شيء.