بالنسبة لكل أولئك الذين سئموا وجود علماء الجغرافيا السياسية فى مواقع التصوير، وتحليلاتهم غير الواقعية على الإطلاق، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الحرب الأوكرانية، لا يسعنى إلا أن أوصى بتحليلات باسكال بونيفاس، المتاحة على قناته على موقع «يوتيوب».. لقد جمعها للتو ونشرها فى كتاب صغير يتمتع بقراءة صحية ويتعارض بشكل جيد مع تيار التفكير السائد، حتى لو كنا نود أن يخوض فى المزيد من التفاصيل حول الحقائق فى تحليلاته.


فكرته الرئيسية والعامة هى أن المراقبة والتحليل الجيوسياسى للحرب الأوكرانية ليس عقلانيًا أوموضوعيًا ولكنه عاطفى فى الأساس. وأن هذا بالتالى يحكم علينا بإعادة إنتاج نفس الأخطاء مع نفس العواقب فى المستقبل على مواضيع أخرى «الصين وتايوان على سبيل المثال».
وفيما يتعلق بأوكرانيا، يفترض أن توسع حلف شمال الأطلسى شرقًا هو الذى دفع روسيا إلى غزو أوكرانيا لكنه يرفض التقليل من مسئولية فلاديمير بوتين ونظامه فى اندلاع هذه الحرب.. بل إنه يوضح على وجه التحديد أن هذه المسئولية «غير المبررة وغير المقبولة» سوف تمنع العودة إلى العلاقات الطبيعية مع روسيا، ما دام فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين «أو نظامه» على رأس هذه العلاقات. ويشير ويأسف لأنه من المستحيل الدفاع عن هذا التحليل المزدوج اليوم: «هل يمكننا أن نقول إن العالم الغربى ارتكب أخطاء فيما يتعلق بروسيا فى فترة ما بعد الحرب الباردة، وأن العدوان الروسى غير مقبول وروسيا، فى الوقت نفسه، غير مقبولة»، بالإضافة إلى العدوان، ارتكبت جرائم حرب متعددة؟ إنها الحقيقة.
هذا الكتاب لباسكال، والذى يحمل عنوان: «الحرب فى أوكرانيا، موجة الصدمة الجيوسياسية ضد تيار التحليلات العاطفية» يتكون من ثلاثة أجزاء:
يغطى الفصل الأول حتى الفصل الثالث؛ المشاعر التى تحيط بالتحليل الكامل لهذه الحرب. ويسلط بونيفاس الضوء بشكل خاص على الهيستيريا الكاذبة التى تستهدف أى شخص يجرؤ على التعبير عن فكرة أن روسيا «لا تتحمل ١٠٠٪ من المسئولية عن هذه الحرب»، حيث قال: «إن حقيقة تنصيب نفسك كعاطفى مناهض لبوتين تمنحك مكانة متخصص وخبير فى الشأن الروسي؛ حيث تسود اللعنة على المنطق والمعرفة!».. وهنا أود أن أعرب عن رأى ناقد إلى حد ما وهو أنه إذا لاحظ باسكال بونيفاس «التضليل» الذى يهيمن على وسائل الإعلام حاليا، فإنه لا يحاول تحليل وتفنيد سبب هذا الإجماع على هذا الرأى فى وسائل الإعلام.
أما الجزء الثانى «الفصول من الرابع إلى السادس» فيركز على الأسباب «الجيوسياسية» للحرب الأوكرانية. وهذه أفضل فصول الكتاب، وخاصة الفصلين الرابع والخامس. وبطريقة كلاسيكية للغاية، يستذكر بونيفاس نظريات زبيجنيو بريجنسكى الذى أراد فصل أوكرانيا عن روسيا لإضعاف الأخيرة، ثم يصف الطريقة التى «خسر بها» الغرب روسيا، قبل أن ينظر- بطريقة أقل إقناعا بكثير- كيف خسرت روسيا روسيا. أوكرانيا «المفقودة».
وفيما يتعلق بالكيفية التى خسر بها الغرب روسيا، يسلط بونيفاس الضوء على أهمية توسع منظمة حلف شمال الأطلسى شرقًا. ويصف ببراعة الحلقة المفرغة التى أدت إليها: «إن تضاعف المهام وانضمام الأعضاء الجدد، كما رأينا من مقر منظمة حلف شمال الأطلسى، كان سببًا فى خلق حلقة حميدة: فكلما زاد عدد الدول التى انضمت، كلما تعززت الديمقراطية. لكن هذا التمديد كان له أثر غير مقصود فى توتر روسيا. ولذلك كان من الضرورى تعزيز حلف شمال الأطلسى، الأمر الذى زاد من غضب روسيا. وهنا حدثت الحلقة المفرغة» فى هذا الفصل انتقاد غير مقنع لسياسة «المحافظين الجدد» الأمريكيين، الذين يتزينون بزخارف القيم العالمية، فى خدمة سياسة القوة.


ولكن على المدى القصير، لم يكن لدى الولايات المتحدة وأوروبا أى مصلحة فى دفع روسيا إلى أحضان الصين، ومع ذلك فإن هذا هو ما فعلته بالضبط. يؤكد بونيفاس أيضًا على ضعف أوروبا الذى ترك الولايات المتحدة - القوة المفرطة على حد تعبير هوبير فيدرين - لحل مسألة الأمن فى أوروبا. وهذا سؤال أساسى لمستقبلنا: متى سنتولى مسئولية أمننا؟
فى جزئه الثالث «الفصلين السابع والثامن»، يتناول بونيفاس الجوانب المباشرة للحرب: الطريقة التى حول بها زيلينسكى، رجل الإعلام الهائل، المشاعر العامة ليفرض روايته وإرادته: «إنه لا يلتمس ولا يتوسل؛ بل يطالب، ويقتحم، ويجعل من لا يلبى مطالبه يشعر بالذنب».. هو إذن يتصرف بشكل جيد. للحكم، ما عليك سوى إلقاء نظرة على طريقة تعامل إيمانويل ماكرون فى هذا الملف.. وبحسب بونيفاس فى كتابه: «لقد كانت النتيجة الأكثر مباشرة والأكثر كارثية؛ انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى ولم يستطع القادة الأوروبيون مقاومة صدمة الآراء فى مواجهة صور المجازر والفظائع وجرائم الحرب التى ارتكبها الجيش الروسى فى أوكرانيا بعقلانية، وهذا القرار كارثى، لكن الجميع يرحب به بالتأكيد على أنه إشارة. وفى المقام الأول، فهى إشارة تشير إلى أن القادة يواجهون صعوبة فى الدفاع عن مصالحهم، وأنهم يميلون إلى سياسات الاتصالات التى تحركها العاطفة أكثر من كونها رؤية طويلة الأمد».
وفى الختام، فإن بونيفاس، الذى يتطلع إلى المستقبل، يؤكد على الدور الجديد لبولندا، التى ستصبح بسبب هذه الحرب، الركيزة الأمريكية الجديدة للأمن الأوروبى، والتقسيم الجديد للعالم، «البقية»، بقية العالم الذى لم يعد يقبل ازدواجية الغرب وبطريقة ما، فإن هذه الحرب، أيًا كانت نتائجها، تمثل نهاية الهيمنة الغربية: «إن الغربيين الذين لا يتوقفون أبدًا عن دق المبادئ العالمية، التى رغم ذلك كثيرًا ما رأوها تُداس بالأقدام بينما يلعبون دور أبكم دور الحريات»، فى الواقع تعمل ضد مصالح العالم الغربى. كنت أتمنى أن ينهى بونيفاس كتابه بأن يرسم، ولو بضربات فرشاة واسعة، السيناريوهات المختلفة للخروج من هذه الحرب ولكنه بشكل عام كتاب جيد.. وبغض النظر عن بعض الانتقادات، فإن كتاب باسكال بونيفاس هذا منعش فى صدق تحليله، وصراحة كلماته.. وهذا أمر نادر جدا وسط البث المستمر للأخبار اليومية عن تلك الحرب.
Guerre en Ukraine، l'onde de choc géopolitique
 

معلومات عن الكاتب: 
فريديريك إيبارفييه.. باحث ومدير تنفيذى فى شركة فرنسية استراتيجية كبرى.. يعرض لنا أهم ما ورد فى كتاب باسكال بونيفاس حول الحرب فى أوكرانيا.


 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: فى أوکرانیا هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

مسلسل حكيم باشا.. صراع على «ميراث حرام» من تجارة الآثار

على مدار 30 حلقة، تدور أحداث مسلسل «حكيم باشا» فى «نجع الباشا»، مكان افتراضى من خيال المؤلف، فى محافظة قنا بصعيد مصر، حول شخصية «حكيم باشا»، كبير عائلة «الباشا»، التى تعمل فى تجارة الآثار، والذى وضع عمه كل أملاك العائلة فى يده، متجاهلاً أبناءه، نظراً لذكاء «حكيم»، الذى سانده فى التجارة، بعد أن ابتعد عن والده المزارع الصوفى، ليصبح كاتم أسرار عمه ومصدر ثقته، حتى سيطر على عزبة الباشا، وضاعف الثروة بذكائه.

يقوم «حكيم» بالتنقيب عن الآثار، ويكتفى ببيع كنوز المقبرة، بينما يحتفظ بالمومياوات والبرديات داخل مغارة، وضع المتفجرات فى مدخلها لمنع أى شخص من الاقتراب منها، كما أن «حكيم باشا» لديه زوجتان، «صفا»، حب عمره منذ الطفولة وابنة كبير المطاريد وحارس مغارته، و«ليزا» الإسبانية، التى التقى بها فى «دندرة»، وأحبته وتطبعت بطباع الصعيد وتحدثت لهجته، ولكنه لم يرزق بالأطفال، فأحب أبناء عمومته «سليم» و«عوف» و«مهرة»، المدللة عند والدها، والتى فاتها قطار الزواج، مما دفعها إلى اللجوء للسحر، لتطلق شرورها وحقدها على الجميع، خاصةً «حكيم». تتسارع الأحداث بمحاولة سرقة مغارة «حكيم»، عن طريق «واصل»، منافسه فى تجارة الآثار، الذى استعان بمجموعة من العناصر الإجرامية، إلا أن «حكيم» تمكن من الإمساك بهم، وقام بتسليمهم للشرطة، وفى الوقت الذى تستعد فيه عائلة «الباشا» للاحتفال بسبوع أحد الأحفاد، يستعد «واصل» وابنه، بالاتفاق مع «غراب»، تاجر آثار آخر، لفتح مقبرة أثرية، ويقوم «حكيم» بالإبلاغ عنهم، ليتم ضبط ابن «واصل»، ويقتل ابن «غراب».

ويتلقى «حكيم»، الذى يجسد شخصيته الفنان مصطفى شعبان، مفاجأة أثناء الاحتفال، تقلب حياته رأساً على عقب، بظهور «غزل»، التى تحمل طفلاً بين يديها، وتبلغه بأنه ابنه الذى حملت به أثناء فترة زواجهما عرفياً بالقاهرة، وتربك المفاجأة الجميع، خاصةً زوجتيه وأبناء عمومته وأعمامه، الذين ظهر لهم وريث يهدد ثرواتهم وممتلكاتهم، فتقرر «مهرة» مواصلة الضغط على الأب لسحب ممتلكاته من «حكيم»، بعد أن زرعت مخاوف ضياع أموال الأسرة، وبعد أن أصبحت «غزل» سيدة المنزل، إلا أن «حكيم» يرفض رد الممتلكات إلى عمه، ويتعهد له بأن تسير الأمور كما كانت، إلا أن حياته تتغير تماماً، ويقرر تصفية عداواته لحماية ابنه الذى أصبح محور حياته، الأمر الذى يشعل نار الغيرة فى قلوب الجمبع، خاصة بعد وفاة العم، ويتحد الأعمام الثلاثة مع أبناء العم الراحل، ويتفقون فيما بينهم على التخلص من الطفل، ويحيكون المؤامرات لذلك، بقيادة «مهرة».

وبينما تحاول «غزل» الانفراد بالقصر، خوفاً على طفلها من عائلة «الباشا»، يقرر «حكيم» طرد أبناء عمه، ويطلق زوجتيه، ويتفاجأ الجميع باشتعال النيران فى غرفة الطفل، الذى يلقى مصرعه، ويتبين أن الحريق بتدبير من «المعلم غراب»، الذى تسبب «حكيم» فى مقتل ابنه، أثناء مطاردة الشرطة، وينهار «حكيم» ويعترف بانتصار أعدائه عليه، كما تفقد «غزل» عقلها، وتفاجئه باعترافها بأن الطفل ليس ابنه، وأن كل ما حدث كان مؤامرة دبرتها «مهرة»، لإقناع والدها بسحب أموال العائلة من «حكيم» وتوزيعها على أبنائه.

وبينما يجتمع أفراد العائلة على مائدة الطعام، تقرر «غزل» الانتقام من الجميع، بوضع السم فى الطعام، فى الوقت الذى يذهب فيه «حكيم» إلى والده المزارع، ليبلغه بقراره ترك المال الحرام، ويفاجأ بموت الجميع عند عودته، بينما يحيك «واصل» و«غراب» خطتهما للسطو على المغارة، بمعاونة أحد العناصر الإجرامية، وحين تعلم «صفا»، زوجة «حكيم» الأولى، وحب عمره، بأمر الخطة، تخبره بذلك، ليقوم بإبلاغ الشرطة، التى تتمكن من إلقاء القبض على المجرمين، ومصادرة المقتنيات التى يحتفظ بها «حكيم» داخل المغارة، ليتخلص من ماضيه، ويعود لحياة الزراعة مع والده البسيط، ويرزق بطفل، وتنتهى الأحداث بـ«حكيم» أثناء قيامه بزراعة أرضه، بمساعدة ابنه، ويحيط بهما حب زوجته ورضا أبيه.

مقالات مشابهة

  • محمد مغربي يكتب: تداعيات «DeepSeek».. انقلاب في عالم الذكاء الاصطناعي
  • مسلسل «ظلم المصطبة» يرصد سطوة التقاليد العرفية في الريف
  • «ياسمين»: «لم أفقد الأمل» وأتمنى عدم عودة الهجمات على قطاع غزة
  • جندي من جيش الاحتلال ينتحر بعد مشاركته في الحرب على غزة
  • بريطانيا: روسيا مصدر تهديد أبعد من أوكرانيا وعلينا مواجهة هذا التحدي
  • ترامب: روسيا لديها الأفضلية في مفاوضات السلام مع أوكرانيا
  • ترامب: روسيا "في موقع قوة" في المفاوضات بشأن أوكرانيا
  • «بوليتيكو»: ملاحقة ترامب لأعدائه السياسيين المفترضين وتقديمهم للمحاكم العسكرية بالونة اختبار
  • مصطفى شعبان.. نجم الدراما المتجدّد
  • مسلسل حكيم باشا.. صراع على «ميراث حرام» من تجارة الآثار