- النصر على ألمانيا يصنعه أفارقة فقراء ومنسيون

- آلة الحرب الجهنمية تزحف على أرض بِكر وبشر مسالمين.

تأكل الحروب أبناءها ثم تطالب هل من مزيد وهكذا دارت مكائن الحروب من حول العالم وهكذا جسّدتها عشرات الأفلام وخاصة أفلام الحربين العالميّتين الأولى والثانية وما رافقهما من أحداث كارثية وقصص إنسانية وما تزال السينما تبحث عن قصص وموضوعات من أوراق الحربين تجد طريقها إلى الشاشات من حول العالم.

ويقدّم لنا المخرج الفرنسي ماثيو فاديبيد واحدة من بين تلك القصص المحملة بكثير جدا من المعاني الإنسانية ومظاهر التعسف ما بين الماضي الاستعماري لفرنسا وبخاصة مستعمراتها الإفريقية وبين السعي لتحقيق انتصارات على تل من جماجم الأبرياء من أبناء تلك المستعمرات.

شاهد مثلا كيف تعيش تلك القرية السنغالية الوديعة والفقيرة أيامها هادئة رغم شظف العيش وإذا بها تواجه بخيول الجيش الفرنسي تطارد أبناء القرية من يستطيع منهم حمل السلاح فإما التجنيد في الحرب أو رصاصة في الرأس أو الظهر.

تزحف تلك الآلة الجهنمية على أرض بكر وبشر مسالمين، لكن الحرب تصرخ مطالبة بوقودها من البشر لكي تزداد تسعيرا، وها نحن في أثناء الحرب العالمية الأولى وفي إحدى المعارك تتواجه فرنسا مع ألمانيا على الحدود ويتجلى النزاع على احتلال تلّة يليها فتح ثغرة تحلق الهزيمة بأحد الطرفين.

في المقابل هنالك أسرة سنغالية صغيرة يتم انتزاع الولد الشاب الوحيد ثيرنو من أجل الحرب -يقوم بالدور الاسان ديونغ- فلا يجد والد الشاب باكاري -يقوم بالدور الممثل عمر سي-، سبيلا لإنقاذ ابنه سوى الالتحاق معه في الحرب نفسها وهنا سوف نفتح تلك الصفحات المنسية والأكثر إيلاما.

في بناء سردي – سينمائي متماسك سوف ننتقل مكانيا من تلك القرية إلى الثكنات والخنادق ومع ذلك الانتقال سوف نتحوّل فعليا إلى سرد سينمائي يتعلّق بيوميات المتحاربين وفي مستوى سردي آخر وهو الأهم والمتعلق بتخطيط الأب منذ اللحظة الأولى لتهريب ابنه وانتشاله من مخالب تنين الحرب الذي لا يرحم.

اليوميات الحربية محمّلة بحبكات ثانوية تزيد من تصعيد الدراما الفيلمية فلا يعود الصراع مقتصرا على الحتمية الدرامية التي تمثلها المواجهة المصيرية بين ألمانيا وفرنسا بل الحبكات الثانية التي سوف تكرس الحياة اليومية للجنود الأفارقة الذين يقودهم شاب فرنسي متهور – يقوم بالدور الممثل جوناس بلوكيه، زجّه أبوه في الخط الأول للمواجهة ليقينه أنه شخص فاشل ولن يستطيع أن يكون ضابطا ناجحا ولهذا يكون أقصى طموحه هو نيل رضا والده وإثبات كفاءته ولو أبيد كل أولئك الجنود الأفارقة.

بهذا تصبح التلّة ليست هدفا حربيا لكلا الطرفين المتحاربين بل هدف إثبات الذات لدى ذلك الضابط، ومن جهة أخرى هي النقطة التي عندها أو بعدها يكمن الموت المحقق وهو ما يخشاه عمر سي على ابنه ولهذا يجب عليه أن يسارع قبيل الوصول إلى ذلك الكابوس الفظيع أن ينتزع الابن من نقطة المواجهة الحاسمة فكيف إذا تمت ترقية الفتى وصار قائدا لفصيل من الجنود وصارت تطربه أناشيد النصر ويزهو بالرتبة التي يحملها على كتفه.

في مسار سردي مواز وحبكة ثانوية أخرى يصل الأب إلى نقطة التحوّل التي لابد منها قبل وقوع الكارثة وتتمثل في الاختباء تحت جثث الجنود القتلى في وسط العربة التي تقلهم إلى خارج الجبهة لأغراض الدفن وبالتواطؤ مع جنود فرنسيين مرتشين لكنهم في واقع الأمر مخادعون ينتهون بمن يخدعونهم إلى الوشاية بهم لدى السلطات الفرنسية من جهة ويغنمون المال من جهة أخرى.

والحاصل أننا أمام سلسلة لا تكاد تنتهي من التحوّلات ما بين حرب طاحنة لا تبقي إلا عددا قليلا من الجنود السنغاليين وقائدهم الموتور وبين الأب الذي لا يعرف الاستسلام عن إزاحة شبح الموت عن مستقبل ابنه.

هذه الدائرة المكانية – والتعبيرية يشتغل عليها المخرج بعناية شديدة فيقدم لنا مشاهد تمت صناعتها ببراعة وهي امتداد لأرث طويل من المشاهد الحربية ومن ذلك مثلا تكريس الزوايا والأماكن الضيقة التي تكاد تخنق أنفاس الجنود وإظهار المعارك على أنها مجرد فعالية قطيع مستسلم لا سبيل أمامه سوى خيارين لا ثالث لهما فأما الفوز أو الموت.

يقف الأب مثلا في مشهد رفع المعنويات وهو يشهد نزق الابن وقد تحول إلى شخص آخر يشارك الضابط احتساء الكحول ويحلم يوما في الاندماج بالحياة الفرنسية ولربما أن يفوز بقلب فتاة فرنسية ولهذا تصبح توسلات ومحاولات الأب بلا جدوى ولا فائدة مع تصاعد حالات الهلع التي كان من علاماتها التساقط المستمر للجنود السنغاليين من أبناء تلك القرية والقرى المجاورة.

الذات الهائمة للجنود الذين أقصى أحلامهم أن يعودوا إلى عائلاتهم الفقيرة ترافقها ذات محطمة لضابط فاشل يبحث عن نجاح وخلاص، وهو من فرط لا مبالاة قياداته بقيادته يتركونه هو وجنوده الذين هم في نطاق السخرة، من دون أي إمداد يذكر حتى ننتقل إلى مفارقة درامية أخرى أشد مرارة عندما يدرك الضابط أن لم يبق عنده سوى عشرة جنود يريد أن يصول بهم على كتيبة ألمانية ضخمة تسيطر على التلّة.

حلم جنوني يريد الضابط استرجاع شيء من كرامته وعسى أن ينال وساما يوضع على تابوته وأما أولئك الجنود المساقون للموت فهم لا قيمة لهم لأنهم أصلا هم حطب الحرب، هذه الجدلية يكون الأب في وسطها ويدرك مرارتها ومغزاها وأنه وابنه وسائر أولئك الأفارقة موجودون في المكان الخطأ وأن تلك الحرب هي ليست حربهم بل حرب قوى غربية وهي حرب من أجل أمجاد البيض أنفسهم لكن لا سبيل لثني الابن عمّا هو سائر إليه بل إن ذلك الجندي الشاب يختصر خريطة الطريق وهو يخبر الأب أن لا سبيل للخروج من المكان فأما النصر أو الموت.

الثنائية الكارثية سوف تجهز على أولئك الجنود ومن خلالها يتم بناء المشاهد الحربية وصولا إلى المواجهة الحاسمة عندما يتقاتل الألمان مع الفرنسيين بالأيدي وبالسلاح الأبيض وهم يتمرغون في الوحول وبرك المياه المختلطة بدم الجنود وحيث لا سبيل لالتقاط الأنفاس أو البحث عن خلاص سوى الذهاب بالمواجهة الكارثية إلى نهاياتها.

وبموجب تلك النهايات يمضي بنا المخرج إلى ذروة الدراما الفيلمية محشّداً أدواته التعبيرية من حركات الكاميرا والمونتاج والخدع السينمائية ومشاهد التفجيرات حتى ينتصر بضعة نفر متبقين من السنغاليين من بينهم ذلك الفتى بينما هو يحتضن جسد والده وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بينما يعود الفتى إلى قريته وهو متوج بالنياشين ولكن من دون الأب.

لا شك أن هذه التراجيديا الحربية في شكلها وبنائها ونسيجها السردي تنتظم ضمن سلسلة أفلام أو سينما الحرب لكنها تلامس بكل وضوع نوع من التغوّل اللاإنساني الذي شهدته مستعمرات فرنسا السابقة وكما كانت مستعمرات فرنسا وإسبانيا وكما تم تجنيد الهنود من أجل توسيع إمبراطورية بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس كذلك فعلت فرنسا وكان هذا الفيلم محمّلا بمصداقية المعاناة والمشاعر الإنسانية فضلا عن النتائج المأساوية لتلك الحروب التي لا ترحم والتي يساق من أجل تسعيرها الأبرياء.

************************

إخراج/ ماثيو فاديبيد

تمثيل / عمر سي – في دور الأب باكاري، الاسان ديونغ – الإبن ثيرنو، جوناس بلوكيه في دور الضابط

سيناريو / اوليفيه ديمانغل وماثيو فاديبيد

المشاركات/ شارك الفيلم في مهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة وعُرض ضمن تظاهرة نظرة ما.

التقييم: 83% في موقع روتن توماتو و3.3 من أصل 5 نقاط في الموقع الفرنسي ألوسين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لا سبیل من أجل

إقرأ أيضاً:

تأكيدا لموقف أُعلن منذ بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟

سلمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الأسيرات الإسرائيليات المفرج عنهن ضمن صفقة التبادل واتفاق وقف إطلاق النار، شهادات تتضمن قرارات بالإفراج، وهو ما يعكس الموقف الذي أكدته كتائب القسام طوال شهور الإبادة بأن أسرى الاحتلال لن يفرج عنهم تحت النار وأن ذلك لن يتم سوى بقرار منها.

وبثت "كتائب القسام" مشاهد مصورة من تسليم الدفعة الأولى من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، ضمن المرحلة الأولى، وظهر فيها عملية تسليم هدايا تذكارية وقرارات إفراج.


وتأتي هذه الخطوة لتشابه ما كان حكرا على الاحتلال الإسرائيلي بإصدار شهادات إفراج للأسرى الفلسطينيين بعد عناء طويل ليتعمد إذلالهم بالإجراءات الإدارية أو القضائية طويلة الأمد.



وعن هذا، علق الصحفي الفلسطيني صهيب العصا، قائلا: "لهذه الورقة وقع كبير في نفوس الأسرى الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة؛ ينتظر الأسير شهورا وسنوات للحصول على ورقة من بضعة سطور بالعبرية عنوانها قرار إفراج".

"قرار الإفراج"
لهذه الورقة وقع كبير في نفوس الأسرى الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة؛ ينتظر الأسير شهورا وسنوات للحصول على ورقة من بضعة سطور بالعبرية عنوانها "قرار إفراج"
تهتم المقاومة بالتفاصيل وتسلم الأسرى الإسرائيليين "قرار الإفراج".. قرار من المقاومة pic.twitter.com/9R9clbUPJo — صُهيب العصا | SUHEIB ALASSA (@SuAlassa) January 19, 2025
وترمز ورقة الإفراج التي أصدرتها المقاومة إلى النهاية القانونية لفترة الأسر والتأكيد على أن مصير الأسرى بيد المقاومة وحدها وهو ما يعزز موقفها في ميدان المفاوضات بعد فشل الاحتلال طوال 15 شهرا من إنهاء ملف الأسرى الإسرائيليين.

وحظيت خطوة كتائب القسام بتفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، فقال حساب باسم طارق: "القسام معطي الأسيرات شهادات تخرّج اللي فكر بالموضوع فنان أقسم بالله".

القسام معطي الأسيرات شهادات تخرّج
اللي فكر بالموضوع فنان اقسم بالله ???????????????? pic.twitter.com/LlLDjeC4Dh — طارق العرموطي (@tareq_alarmouti) January 19, 2025
وقال حساب آخر يحمل اسم محمود: "الأسرى يبدو أنهم منحوهم شهادات بالشرف الذي نالوه وكذلك صورا تذكارية".

الأسرى...
يبدو انهم منحوهم شهادات بالشرف الذي نالوه وكذلك صور تذكارية...
???? وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرًا رَشدًا… pic.twitter.com/dfow8QxLM8 — مَحْمُودْ سَالِمْ الْجِنْدِي (@DrMahmoudSalemE) January 19, 2025
أبو سمير عوامة: لو سمحتم هدوووء، أسيرات يوم السبت القادم عندهن امتحان فاينل ميداني، علشان يوخذن شهادة التخرج. pic.twitter.com/dlvfZ6KOGy — مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) January 20, 2025
فيما قالت بسمة: "طب وربنا اللي عمل الشهادات دي دماغه عاليه ومتكلفه.. شهادات تخريج الاسيرات حُسن سير وسلوك".

طب وربنا اللي عمل الشهادات دي دماغه عاليه ومتكلفه.. شهادات تخريج الاسيرات
حُسن سير وسلوك ????????✌️????#الاسيرات_الثلاث pic.twitter.com/D9BjBWgMvq — بسمه حمزه (@BsmhHmzh10734) January 19, 2025
وقال حساب يحمل اسم تامر: "صاحب الفكرة مطلوب للعالم، تخيل أنه بفضل تلك الفكرة، استطاع جذب جميع وسائل الإعلام العربية، والغربية، والعبرية إلى مشهد ابتسامة الأسيرات أثناء خروجهن من الأسر واستلامهن شهادات التخرج".

صاحب الفكرة مطلوب للعالم.

تخيل أنه بفضل تلك الفكرة، استطاع جذب جميع وسائل الإعلام العربية، والغربية، والعبرية إلى مشهد ابتسامة الأسيرات أثناء خروجهن من الأسر واستلامهن شهادات التخرج.

أضفى جاذبية جديدة ومثيرة للفيديو، ليكون مثالًا على التفكير خارج الصندوق pic.twitter.com/2dHWvQtwWC — Tamer | تامر (@tamerqdh) January 19, 2025
وتشمل الصفقة في مرحلتها الأولى تحرير 290 أسيرا من المحكومين بالمؤبد؛ وتضم أيضا جميع الأشبال والنساء وعددهم 95 شخصا، بينهم 87 أسيرة. 


ويتألف الاتفاق من 3 مراحل، تبلغ مدة كل منها 42 يوما، وتشمل المرحلة الأولى الإفراج عن 33 إسرائيليا محتجزين في قطاع غزة من أصل 98، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، وذلك مقابل الإفراج بالمرحلة الأولى عن مئات الأسرى الفلسطينيين.

وتتضمن المرحلة الثانية من الاتفاق عودة الهدوء وتبادل المزيد من الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، دون الكشف بالمرحلة الراهنة عن الأعداد من الطرفين، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل من قطاع غزة. 

وتركز المرحلة الثالثة من الاتفاق على إعادة إعمار قطاع غزة على مدى 3 إلى 5 أعوام، وتبادل جثث ورفات الموتى والشهداء، وفتح جميع المعابر أمام حركة الأفراد والبضائع.

مقالات مشابهة

  • الجنود الأوكرانيون في دونيتسك يطالبون بأسلحة إضافية لمواجهة الهجمات الروسية المستمرة
  • ماغرو زار المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان: من دون الأبحاث يستحيل أن نتوقع التطورات التي تحصل في العالم
  • سمير فرج: مصر تتعرض لحروب الجيلين الرابع والخامس
  • عمر مرموش يصبح أغلى لاعب مصري في التاريخ
  • زيلنيسكى يؤكد ضرورة وجود قوات أمريكية حال نشر قوة دولية لحفظ السلام ببلاده
  • مصطفى بكري يهنئ رجال الشرطة بعيدهم الـ 73: «تحية لكل ضابط وجندي»
  • إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة  الإسرائيلية على غزة .. تقرير
  • «فيتش»: وقف الحرب في غزة يقلل المخاطر الجيوسياسية التي تواجه مصر والأردن
  • تأكيدا لموقف أُعلن منذ بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • تأكيدا لموقف أُعلن من بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟