الكهرباء وزيادة الاستهلاك، والشكوى من ارتفاع الفواتير أصبحت من الملفات الوطنيَّة. ونقول وطنيَّة؛ لأنَّها تلامس بشكلٍ مباشر حياة ومعيشة كُلِّ إنسان على هذه الأرض الطيِّبة، وطنيَّة لأنَّها تؤثِّر في الصحَّة والسَّلامة العامَّة. وطنيَّة؛ لأنَّ الكهرباء أصبحت من متطلَّبات الحياة الآمنة والملزمة، والتي لا يُمكِن الاستغناء عَنْها أبدًا.

وطنيَّة؛ لأنَّ الحديث حَوْلَها قضيَّة تؤثِّر على الرأي العامِّ الوطني.
لذا هي من المواضيع التي تحتاج إلى إعادة نظر ووقفة جادَّة من قِبل الجهات ذات الاختصاص والتداخل، ولا أقصد هنا الجهات المعنيَّة بالكهرباء فقط، بل وحتَّى من قِبل الجهات التي ستتحمل ما ستُخلِّفه تبعات هذه القضيَّة على الأفراد والمُجتمع من الناحية الاجتماعيَّة والنَّفْسيَّة، بالإضافة إلى الجوانب السِّياسيَّة والأمنيَّة وغير ذلك من الانعكاسات الخطيرة، خصوصًا أنَّها ـ وللأسف الشديد ـ تركت خلْفَها أُسرًا تراكمت عَلَيْها الديون، ودخل بعضها السِّجن، وأخرى أصبحت تجتمع في غرفة واحدة تجنُّبًا لعدم تشغيل أكثر من مكيِّف وقت الصَّيف، وثالثة لا يعْلَم إلَّا الله بحالها.
يكفي تأكيدًا على ذلك ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي من صوَر ومقاطع فيديو لأُسر وأشخاص يستغيثون من آثارها على حياتهم الخاصَّة، بالإضافة إلى القضايا التي تتداولها أروقة المحاكم. وما يزيد الطِّين بِلة فيما يتعلَّق بملف فواتير الكهرباء وتبعاتها بأنَّ الأصوات المتضرِّرة مِنْها لَمْ تَعُدْ تلك التي يقلُّ دخلها الشهري عن 500 ريال عُماني، بل أصبح اليوم يعاني مِنْها مَن راتبه حتَّى ألف ريال عُماني وأكثر ممَّن لدَيْهم أفراد أُسر كبيرة، خصوصًا أنَّ متطلَّبات الحياة قَدْ أصبحت مرهِقة في ظلِّ ارتفاع الأسعار والضرائب والتزامات التعليم وغيرها ممَّا أنت مُلزم به ولا مفرَّ مِنْه مِثل فواتير الماء والهاتف والإنترنت وتأمين المَرْكبات والعلاج ومستلزمات المنزل اليوميَّة.
هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك ارتفاع منسوب السخط والامتعاض المُجتمعي المتزايد بسبب ما خلَّفته فواتير الكهرباء وتبعاتها على المُجتمع، وتحميل الحكومة مسؤوليَّة الإجراءات والتصرُّفات غير المقبولة من وجهة النظر المُجتمعيَّة والتي تقوم بها الشركات المعنيَّة بالكهرباء في مختلف مراحلها، لدرجة أنَّ بعض الأصوات أصبحت تُشير إلى قَبول الحكومة لتصرُّفات شركات الكهرباء بالرغم من تلك المعاناة وارتفاع الأصوات المطالبة بالتدخُّل لوقفِ أو معالجة بعض الشكوك والمطالبات المُجتمعية التي يفترض عدم تركها لتتفاقم وتتوسَّع ممَّا سيؤثِّر على ثقة المُجتمع في الحكومة.
وما يفاقم الأمْرَ سوءُ وامتعاضُ وجود الكثير ممَّا يتداوله المُجتمع ولا يجد له ردًّا أو تصريحًا ينفي حقيقة انتشار الإشاعات، خصوصًا حَوْلَ توقُّف الدَّعم أو وجود استغلال أو تلاعب بالتسعيرة، يضاف إلى ذلك وجود فواتير على منازل مغلقة وعدَّادات تعمل بطريقة غير قانونيَّة ومبالغ تؤخذ في غير محلِّها، وما إلى ذلك، وكُلُّ ذلك من وجهة نظر المُجتمع تتحمله الحكومة وعلى رأسها مجلس الوزراء الموقَّر.
قَدْ يقول قائل: إنَّ شركات الكهرباء تؤكِّد عدم وجود خللٍ في العدَّادات أو أيِّ مشاكل فنيَّة وتقنيَّة يُمكِن أن تتسبَّبَ بالإشكاليَّات التي يتحدَّث عَنْها المواطن. وهنا نقول: حتَّى لو افترضنا أنَّ ذلك صحيح، يجِبُ أن يكُونَ بَيْنَ شركات الكهرباء وغيرها من الشركات التي تتداخل خدماتها وسلعها مع المواطن، طرف ثالث يسهُل التعامل معه، ويكُونُ جاهزًا للتدخُّل في أيِّ وقتٍ لحلِّ أيِّ خلافات أو شكاوى، بالإضافة إلى قدرته على نفي الإشاعات أو توفير وتأكيد بعض المعلومات.
نعم صحيح أنَّ هناك زيادة في استهلاك الكهرباء في فصل الصَّيف، ولكن ذلك الارتفاع طبيعي، فنحن نتحدَّث عن حرارة تزيد عن 40 درجةً مئويَّة، نتحدَّث عن إجازة طلبة، نتحدَّث عن أطفال وكبار في السِّن وأشخاص مرضى، فهل المطلوب من أفراد الأُسرة النَّوم في غرفة واحدة؟ هل المطلوب أن يستيقظَ الأفراد بالتناوب (بالشفت) لإغلاق المكيِّفات بَيْنَ الحين والآخر؟
والسؤال المنطقي الأهم لأصحاب القرار هنا، لكُلِّ مسؤول في هذه الأرض الطيِّبة: هل من المقبول أن يغلقَ مكيِّف لأُسرة صغيرة تسكن غرفة واحدة في الصَّيف من السَّاعة (8) ليلًا على أقلِّ تقدير حتَّى السَّاعة (8) صباحًا، ونحن نتكلم هنا عن (12) ساعة متواصلة من تشغيل المكيِّف؟ وهل ذات الأُسرة مطلوب مِنْها عدم تشغيل المكيِّف في وقت الظهيرة تحديدًا بَيْنَ السَّاعة 12 و3 من وقت الظهيرة في الصَّيف؟ يعني المكيِّفات في الصَّيف لا بُدَّ أن تعملَ على الأقلِّ (15) ساعة.
كيف بالأُسر الكبيرة التي لا مجال لدَيْها إلَّا بأن يعمل لدَيْها بَيْنَ (3 مكيِّفات إلى 5 مكيِّفات في ذات الوقت السَّابق في الصَّيف)؟ فنحن هنا نتكلم عن زوج وزوجة، نعم قَدْ ينام معهم أطفالهما الصغار، ولكن ماذا عن الأبناء الذكور الكبار، الإناث الكبار، الجد والجدَّة، عاملة المنزل؟
مجلس الوزراء الموقَّر، الكهرباء اليوم جزء لا يتجزَّأ من متطلَّبات الحياة مِثل الماء والغذاء، الكهرباء والماء حقٌّ وليس ميزة أو من الكماليَّات لِيستغنيَ عَنْها الإنسان وقت الاضطرار، خصوصًا في بلدٍ يستمرُّ فيه فصل الصَّيف لأكثر من 9 أشهر في بعض المناطق، فلنُحدِّث العاقل بما يعقل، هل نطالب المُجتمع بإغلاق المكيِّفات، خصوصًا، لأنَّها هي المتسبِّب الرئيس بارتفاع الاستهلاك؟ هل ترشيد الكهرباء بالنهوض في منتصف الليل من النَّوم لإغلاق المكيِّف لفترة والنهوض من جديد لتشغيله؟ هل المطلوب أن يجتمعَ أفراد الأُسرة الكبيرة في غرفة واحدة أو اثنتين حتَّى؟!
مجلس الوزراء الموقَّر، المُجتمع يدرك تمام الإدراك حجم الالتزامات والتكاليف التي تقع على كاهل الحكومة جرَّاء العديد من الضغوط والالتزامات الرسميَّة، مُقدّرًا الجهود المبذولة، شاكرًا لحكومته ما تقوم به من إجراءات لصناعة تلك الموازنة ما بَيْنَ المتطلبات المُجتمعيَّة والشَّعبيَّة وبَيْنَ الالتزامات الحكوميَّة، ولكن في ذات الوقت لا بُدَّ من إيجاد حلٍّ جذري لشكاوى المُجتمع حيال تحدِّيات الاستهلاك وارتفاع تكلفة الكهرباء والاستهلاك الحتمي المرتفع بسبب المكيِّفات في فصل الصَّيف خصوصًا.
أخيرًا أقول: الكهرباء أصبحت سلعة لا يُمكِن للإنسان الاستغناء عَنْها أبدًا، سلعة دخلت في نطاق الصحَّة والسَّلامة العامَّة، سلعة تؤثِّر على رخاء المواطن ومستوى معيشته (المادَّة 14 من النظام الأساسي للدولة رقم 6 لسنة 2021)، سلعة دُونَها لا يُمكِن أن يحصلَ الفرد والمُجتمع على حياة آمنة بمعناها الدَّقيق والشَّامل (المادَّة 22 من النظام الأساسي للدَّولة).

محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الم جتمع فی الص خصوص ا

إقرأ أيضاً:

متضامنون مع الكاتب الزعبي يناشدون النواب التحرك للإفراج عنه وعن معتقلي الرأي

#سواليف – خاص

وجه #متضامنون مع الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي ، #مناشدة لنواب المجلس العشرين والذين سيقسمون اليمين الدستورية يوم بعد غد الاثنين تحت القبة ، من أجل التحرك لدى السلطات الأردنية للإفراج عن الكاتب الزعبي وجميع #معتقلي_الرأي في #الأردن ، سواء الموقوفون على ذمة قضايا ، أو المسجونون بحكم قطعي.

وأكد المتضامنون في رسالتهم للنواب ، على حق المواطن في التعبير عن رأيه والذي كفله الدستور ، كما كفلته المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 

مقالات ذات صلة الأغذية العالمي: أسواق غزة مزرية والأسعار بلغت مستويات قياسية 2024/11/14

مقالات مشابهة

  • محكمة: مساعد نتنياهو سرّب وثيقة سرية للتأثير على الرأي العام بشأن مفاوضات الرهائن
  • هيئة الدفاع تسجل دعوى عمالية ضد قرار فصل الكاتب الزعبي من جريدة الرأي
  • باحث: «الإخوان» تستهدف السيطرة على الرأي العام من خلال الإعلام 
  • وجهة نظر الهريفي مع العمري عن مباراة المنتخب أمام اندونيسيا
  • ماسك يتوعد بتدمير الجهات التي اتهمته بالاتصالات مع روسيا
  • متضامنون مع الكاتب الزعبي يناشدون النواب التحرك للإفراج عنه وعن معتقلي الرأي
  • محمد المكي ابراهيم وعبير الامكنة
  • ما مصادر التمويل التي ستوفرها قمة المناخ "كوب 29"؟
  • خبيرة: الدولة المصرية تتصدى للمشككين .. ومدبولي ناقش شواغل الرأي العام
  • الحرب من وجهة نظرهن: الكاتبة الصحفية رشا عوض