مصر: تغير المناخ وضرورات الإدارة المتكاملة لموارد المياه
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
مصر: تداعيات تغير المناخ وضرورات الإدارة المتكاملة للموارد المائية
في بر مصر أدت معدلات الزيادة السكانية المرتفعة لتصاعدٍ غير مسبوقٍ في الطلب على المياه وضغوط هائلة على الموارد المائية المحدودة.
انخفض نصيب الفرد من الموارد المائية منذ التسعينيات إلى ما دون مؤشرات الإجهاد المائي العالمية واقترب تدريجيا من عتبة الندرة المائية المطلقة.
يظل الحل هو الإدارة المتكاملة للموارد المائية على نحو يسمح باستيعاب مدى تداخل وترابط العلاقة بين الأمن المائي والأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية المستدامة.
يتوقع أن تهدد الحرارة المرتفعة والأمطار غير المنتظمة والجفاف المتكرر الموارد المائية المصرية، مما سيؤثر سلبا على الإنتاج الغذائي ويعرض أرزاق المزارعين للخطر.
سعت الحكومات المتعاقبة لسد الفجوة بين الموارد المائية المحدودة وبين معدلات الاستهلاك والطلب باستراتيجيتين: واردات المياه الافتراضية وتوظيف المياه الجوفية.
تستورد المنطقة نحو 50 مليون طن من الحبوب سنويا منذ 2000 مما يوفر عليها 50 مليار متر مكعب من المياه العذبة التي كان سيتحتم استهلاكها في ري محاصيل الحبوب
لا إجابات سهلة لمعضلة المياه بمصر ويظل اتباع نهج متكامل لإدارة الموارد المائية السبيل الأمثل لتجهيز الحكومة والمجتمع المدني لطرح الأسئلة الصحيحة وابتكار استراتيجيات وحلول مستدامة.
* * *
في بر مصر، أدت معدلات الزيادة السكانية المرتفعة إلى تصاعدٍ غير مسبوقٍ في الطلب على المياه وضغوط هائلة على الموارد المائية المحدودة. فقد نما عدد سكان مصر بسرعة فائقة بلغ متوسطها حوالي 2 في المئة سنويا.
ورغم أن الحكومات المتعاقبة حاولت منذ خواتيم القرن العشرين السيطرة على معدلات الإنجاب، إلا إن إجمالي عدد المصريين من المتوقع أن يرتفع من 104 مليون نسمة في عام 2021 إلى 160 مليون نسمة في عام 2050.
وبعيدا عن التهديدات الوجودية التي أوجدها التعنت الإثيوبي في إدارة ملف سد النهضة وتداعياته المحتملة على نصيب مصر من مياه النيل التي لا بقاء لنا بدونها، ستضع الزيادة السكانية البلاد تحت ضغوط مضاعفة لتوفير احتياجاتها من المياه.
ليست معضلة الموارد المائية المحدودة بجديدة على مصر التي تواجه منذ عقود تداعيات الانفجار السكاني الذي تسبب في انخفاض نصيب الفرد من الموارد المائية وتدنيه منذ التسعينيات إلى ما دون مؤشرات الإجهاد المائي العالمية واقترابه تدريجيا من عتبة الندرة المائية المطلقة. ومع ذلك فإن الزيادة السكانية ليست هي السبب الوحيد لمعضلة المياه.
فالاستهلاك المنزلي والمحلي لا يمثل سوى نسبة ضئيلة لا تزيد عن 14 في المئة من إجمالي استهلاك المياه العذبة سنوياً في البلاد، كما أن الاستهلاك الصناعي والذي تطور خلال العقود الماضية لا يحتاج سوى إلى نسبة ضئيلة لا تزيد عن 7 في المئة.
أما نصيب الأسد من المياه فيذهب إلى القطاع الزراعي الذي يستهلك ما يقارب من 79 في المئة من الموارد المائية رغم الصغر النسبي لمساحة الأراضي الزراعية لإجمالي مساحة مصر.
ثم يضاف إلى ذلك ما لتغير المناخ من تداعيات محتملة في الحاضر والمستقبل القريب، وليس البعيد، على الموارد المائية. فالمتوقع هو أن تهدد درجات الحرارة المرتفعة ومعدلات هطول الأمطار غير المنتظمة ونوبات الجفاف المتكررة الموارد المائية المصرية على نحو إضافي، وهو ما سيؤثر سلبا على الإنتاج الغذائي في مصر وسيعرض أرزاق المزارعين المصريين للخطر.
فما العمل؟ على مدار العقود الماضية، سعت الحكومات المتعاقبة إلى سد الفجوة بين الموارد المائية المحدودة وبين معدلات الاستهلاك والطلب المتصاعدة من خلال استراتيجيتين رئيسيتين؛ واردات المياه الافتراضية والتوظيف المتزايد للمياه الجوفية.
فقد تحولت مصر منذ السبعينيات إلى واردات المياه الافتراضية باستيراد السلع الزراعية التي تحتاج لإنتاجها الكثير من المياه، وهي الاستراتيجية التي راجت في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث تستورد المنطقة ما لا يقل عن 50 مليون طن من الحبوب سنويا منذ 2000 وهو ما يوفر علينا حوالي 50 مليار متر مكعب من المياه العذبة التي كان سيتحتم استهلاكها في ري محاصيل كالقمح، والشعير، والأرز، والذرة.
وعلى الرغم من أن استراتيجية واردات المياه الافتراضية قد تبدو للوهلة الأولى أسلوبا ذكيا لتوفير الموارد المائية المحدودة، إلا أنها تستنزف الإمكانات المصرية في وقت تعصف فيه الأزمات الاقتصادية بالبلاد كما أنها تضعها تحت رحمة قوانين العرض والطلب الدولية وتداعيات الأزمات العالمية عليها (الارتفاعات الهائلة في أسعار الحبوب في بدايات الغزو الروسي لأوكرانيا) وتعرض أمن المجتمع الغذائي وسيادة الدولة للخطر.
أما الاستراتيجية الأخرى التي تتبعها مصر لسد العجز في الموارد المائية فهي الاستخدام المتزايد للمياه الجوفية التي راحت طبقاتها، وفقا لعديد الدراسات العلمية، تجف تدريجيا وترفع من مؤشرات الإجهاد المائي (من حوالي 104 في المائة في عام 2000 إلى 141 في المائة في عام 2021)، وثبت من ثم عدم استدامتها.
ومع أن مصر توسعت خلال السنوات الماضية في عمليات تحلية وتدوير وإعادة استخدام المياه على نحو قلص من الفجوة بين المعروض والمطلوب مائيا، إلا أن البديل الوحيد للتغلب على التحديات الراهنة والمستقبلية المرتبطة بالنمو السكاني المتسارع وآثار تغير المناخ، ومع الأمل في الوصول عما قريب إلى حل توافقي بشأن سد النهضة الإثيوبي، يظل هو الإدارة المتكاملة للموارد المائية على نحو يسمح باستيعاب مدى تداخل وترابط العلاقة بين الأمن المائي والأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية المستدامة.
على سبيل المثال، يمكن للإدارة المتكاملة للموارد أن تعلل التكاليف المائية التي يحتاجها استصلاح الصحراء وتحويلها لأراضٍ زراعية لضمان الأمن الغذائي وكذلك التكاليف المائية للتوسع في إنتاج الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية التي تستهلك ألواحها الكثير من المياه.
غير أن النهج المترابط في التعامل مع الموارد سيلزم في الحالتين باستخدام مياه تم استخدامها من قبل عبر عمليات التحلية والتدوير حماية للموارد المحدودة من المياه العذبة.
لا توجد إجابات سهلة فيما خص معضلة المياه في مصر. ومع ذلك، يظل في اتباع نهج متكامل لإدارة الموارد المائية السبيل الأمثل لتجهيز الحكومة والمجتمع المدني بشكل أفضل لطرح الأسئلة الصحيحة وابتكار الاستراتيجيات والحلول الأكثر استدامة.
*د. عمرو حمزاوي باحث بجامعة ستانفورد، أستاذ العلوم السياسية المساعد سابقا.
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر النيل المجتمع المدني الإجهاد المائي تغير المناخ سد النهضة الإدارة المتكاملة الموارد المائية المياه الجوفية الإدارة المتکاملة الزیادة السکانیة المیاه العذبة من المیاه فی المئة على نحو فی عام
إقرأ أيضاً:
وزير الري يؤكد أهمية مشروع تحديث المنظومة المائية والتحول للري الذكي
أكد وزير الموارد المائية والري الدكتور هاني سويلم، أن مشروع تحديث المنظومة المائية والتحول للري الذكي، يهدف لتحسين كفاءة استخدام وإدارة الموارد المائية المتاحة لأغراض الزراعة وتحسين الإنتاجية الزراعية بمناطق الدلتا والصعيد في مصر، كما يهدف إلى استخدام تقنيات الري والممارسات الزراعية الذكية لمساعدة المزارعين على رفع كفاءة استخدام المياه وزيادة الإنتاجية المحصولية وتعزيز الأمن الغذائي بتقنيات ذكية مناخيا.
جاء ذلك خلال اجتماع عقده وزير الموارد المائية والري مع عدد من قيادات الوزارة، لمتابعة تقدم سير العمل في مشروع تحديث المنظومة المائية والتحول للري الذكي، والجاري تنفيذه بالتعاون بين الوزارة والحكومة الإسبانية.
وقال الدكتور سويلم، إن المشروع سيدعم عملية الرقمنة في متابعة منظومة الري لمساعدة المزارعين على الاستخدام الفعال للموارد، كما يعزز المشروع من التبادل المستمر للمعرفة حول أنظمة الري الإسبانية.
وأضاف أن وزارة الري وضعت خطة طويلة الأجل لتحقيق الإدارة المستدامة للمياه، مع السعي لتبادل الخبرات والاستفادة من الممارسات الناجحة في مجال المياه، مثل الاستفادة من الخبرات الإسبانية في مجالي الري الحديث والري الذكي، بالإضافة إلى التجارب الإسبانية الناجحة في تفعيل روابط مستخدمي المياه، والتي تسعى مصر للاستفادة منها لمواجهة التحدي الخاص بتفتت الملكية الزراعية بالشكل الذي يعزز من النهج التشاركي في إدارة المياه على مستوى الترع الفرعية، وتحسين عملية تخطيط وإدارة المياه واتباع مبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية لرفع كفاءة استخدام مياه الري وزيادة الاستفادة من مياه الصرف الزراعي والحفاظ على نوعية المياه.
ووجه الدكتور سويلم، بمتابعة تنفيذ أنشطة ومكونات المشروع المختلفة طبقا لخطة العمل الموضوعة والإطار الزمني المعتمد لتنفيذ مكونات المشروع.
اقرأ أيضاًوزير الري يبحث مع مسئول بالبنك الأوروبي للتنمية تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية
وزير الري يؤكد حرصه على تعزيز التعاون مع نيجيريا في إدارة الموارد المائية
وزير الري يتفقد المشروع المصري لمقاومة الحشائش المائية في أوغندا