أثـيـر – مـحـمـد الـعـريـمـي

في سبعينيات القرن الماضي حُطِمت أصفاد الجهل بنهضة مباركة عمّت سلطنة عُمان من أقصاها إلى أقصاها، ولأن العلم أحد أعمدة بناء الأمم وتقدمها، كان السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه- مؤمنًا بأن العلم السبيل الأوحد لتقدم الأمة العُمانية، وأكد ذلك بقوله “المهم هو التعليم، ولَو تحت ظلال الشجر”.

وفي تلك الفترة الزمنية كان من النادر أن نسمع أو نشاهد مُعلمة عُمانية، إلا أن هناك امرأة عُمانية نزلت من قمم الجبال إلى السهل لتتعلم وتُعلِّم فيما بعد وتسهم في نهضة عُمان، حتى تعلو على يديها أجيال وأجيال وتصل بهم إلى قمم العلم والمعرفة.

هي المعُلمة العُمانية خضرة بنت سالم بن رجب -رحمها الله -التي ولُدت في عام 1944م في ولاية طاقة بمحافظة ظفار، وتتلمذت على يد مشايخ أجلاء في ظفار، ولم يكرّمها العلم بمكارم الأخلاق فقط بل مدّها بالقوة والشجاعة، فلم يثنها تهديد بالقتل أثناء حراستها لتفتيش النساء نتيجة الأحداث الدائرة آنذاك في المحافظة، فكانت مساهمة وبقوة في النهضة المُباركة.

قصة المعلمة العُمانية نسردها عبر “أثير” بالتواصل مع عائلتها لنسترجع مآثرها ونستذكر مواقفها وعزيمتها وشجاعتها، وقصة لقائها بالسلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله قراه – أثناء جولاته في المدارس آنذاك، وعلاقتها الوطيدة بالسيدة ميزون -رحمها الله- حتى وفاتها.

في أربعينيات القرن الماضي وُلدت المعُملة العُمانية خضرة في جبال ولاية طاقة، فبدأت تعليمها في أواخر الستينيات وكانت تدرس القرآن الكريم في صغرها وتعلمت على يد الشيخ سعيد بن سعد زعبنوت المهري، ثم تعلمت عند بعض من الأشراف في ولاية طاقة وكانت ذكية جدًا وسريعة الحفظ ولديها صوت جميل إذ كانت ترتل القرآن والمولد النبوي الشريف، لتقوم بعد ذلك بتدريس القرآن الكريم في طاقة ولا تأخذ أي مبالغ من الأطفال الفقراء.

وعند بداية النهضة المباركة وتقلد السلطان قابوس مقاليد الحكم في البلاد تحدث معها شيوخ ولاية طاقة ومن ضمنهم الشيخ عيسى خال السلطان قابوس سعيد – رحمهم الله – ، فطُلب منها الحراسة وتفتيش النساء عند مدخل ولاية طاقة لمنع المعونات عن المتمردين في تلك الفترة بالإضافة لعملها الصباح في تدريس القرآن الكريم، وهذا ما جعل الثوار يعلنون عبر إذاعة عدن (آنذاك) عن تهديدها بالاسم بالتصفية الجسدية، وفي أحد أيام مناوبتها شعرت بشيء مرتفع عن مستوى الأرض وإذا به لغم أعده الثوار لتفجيرها فتم إبطاله من قِبل الجيش.

بعد مواجهة المعلمة خضرة ذلك الموقف، قررت الذهاب والاستقرار في صلالة وطلب منها الشيخ عيسى تدريس الطلاب النازحين وأبناء الشهداء في شعبيات الرباط، وبعد افتتاح أول مدرسة نظامية في صلالة التحقت بها وأصبحت أول مُعلمة عُمانية في ظفار، حيث درّست المادة الإسلامية وخصوصًا التجويد وكانت هذه المدرسة مؤقتة في الشعبيات، ثم بدأت بالتدريس في أول مدرسة بصلالة وكان اسمها “مدرسة النور”، قبل أن يغير اسمها السلطان قابوس إلى “مدرسة النور بعد الظلام”.

في أحد الأيام كانت المعلمة خضرة تُمارس تدريسها في مدرسة النور بعد الظلام وصادفت زيارة السلطان قابوس بن سعيد للمدرسة، وكان السلطان يدخل الفصول ومن ضمن أسئلته يسأل المعلمات عن جنسياتهم وعندما وصل للمعلمة خضرة سألها عن جنسيتها وأجابته عُمانية فقال لها “ أهلًا بالعُمانية” وسألها على يد من حفظت القرآن الكريم فأجابته على يد الشيخ بن زعبنوت ففرح كثيرًا عند معرفته بوجود معلمة عُمانية، وجلس يحاورها ويحاور الطلاب وسألها ما إذا كان الطلاب قارئين وحافظين جزء تبارك وعم، فأجابته نعم فقام السلطان يقول السورة والطلاب يقرأون السورة التي أشار إليها، وكان الصف الوحيد الذي تأخر فيه وملامح الارتياح والفرح واضحة عليه، واستمرت في هذه المدرسة حتى انتقلت إلى مدرسة السعادة التي تقاعدت فيها.

حين تأسست جمعية صلالة تشرّفت الوالدة خضرة بأن تكون من المؤسسات واستدعتهن آنذاك السيدة الجليلة ميزون بنت أحمد المعشني لتحثهن على فعل الخير والحفاظ على الموروث الشعبي ومن يومها نسجت الوالدة خضرة علاقة قوية مع السيدة الجليلة ميزون وكانت تصطحبها معها في الجولات السياحية وتستدعيها إلى القصر بسبب فصاحتها وذاكرتها القوية وحفظها الأشعار القديمة وللمولد والمناسبات الدينية.

صالت وجالت الوالدة خضرة في ربوع ظفار وهي توزع للفقراء والمساكين والأيتام برفقة مجموعة من النساء موفدات من السيدة ميزون، وفي أحد الأيام كاد عطل فني في إحدى المروحيات العمودية أن يُسقط الطائرة ويودي بحياتها بقرب الحدود اليمنية بأواخر السبعينيات، حيث كانت برفقة أعضاء الجمعية في رحلة معتادة لتوزيع الهبات والعطايا من السيدة ميزون لأبناء وأسر الشهداء في المناسبات الوطنية والدينية.

أما عن كونها أول مُعلمة في سلطنة عمان، فأوضحت عائلتها لـ “أثير” بأنها كانت أول معلمة عمانية في ظفار ولديها بطاقة مُصدّقة وموقّعة من وزير التربية والتعليم آنذاك، وقد مضى على البطاقة سنوات مُسح بعض مما دون عليها نتيجة مرور عقود من الزمن ، أما حول الختم على بطاقتها كأول معلمة عُمانية فأجابونا : لا نعتقد ذلك؛ نظرًا إلى أن تلك الفترة لا توجد أختام من هذا النوع.

تقاعدت الوالدة خضرة عن العمل في 22 يناير 1997م، ورحت عن عالمنا في 19 يونيو 2018م، وأرادت عائلتها أن تُقدِّم رسالة عبر “أثير” قائلةً: نشعر بالفخر أنها أمنا، فقد زرعت فينا الأخلاق الحميدة وحفظتّنا القرآن الكريم، نِعم المعلمة ونِعم الأم فهي كانت وما تزال غالية في قلوبنا وكانت الأولى ولها الفضل في تعلُّم الكثير، فنسأل الله أن يجعل كل حرف علّمته في حياتها أجر وثواب ومغفرة لها.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: القرآن الکریم الع مانیة ع مانیة معلمة ع فی ظفار على ید

إقرأ أيضاً:

خطبة عيد الفطر 2025.. «التراحم ونشر الفرحة»

خطبة عيد الفطر 2025.. بدأ العد التنازلي لحلول أول أيام العيد، لذا يبحث العديد من المواطنين عن خطبة عيد الفطر 2025، المقرر إلقائها على المُصليين غدًا الإثنين.

خطبة عيد الفطر 2025

أعلنت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة عيد الفطر والتى سيتناول فيها أئمة وخطباء المساجد والساحات تقوية الروابط الاجتماعية والتراحم ونشر الفرحة والبهجة فى كل مكان، وجاء نصها:

خطبة عيد الفطر 2025

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي تجلى على قلوب عباده بالسعادة والسرور، والبهجة والحبور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا وسندنا وفخرنا وذخرنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، ندعوه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فإن من عظيم منن الله تعالى وعظيم آلائه سبحانه أن يشهدنا شهر رمضان المعظم الذي سعدنا فيه بالصيام والقيام والقرآن والإحسان، واستنارت فيه قلوبنا وعقولنا، وتجددت فينا معاني البذل والإكرام والرحمة، ثم أتم الله تعالى علينا نعمته وأكمل لنا منته بيوم عيد الفطر المبارك الذي يتجلى الله فيه على قلوبنا برحمته، فتشرق فينا شمس الفرحة، ويهل علينا هلال المسرة، وتضيء قلوبنا أنوار الألفة والمودة والمحبة، ويفتح الله جل جلاله لنا فيض عطاءاته وجميل فتوحاته بفضله وإكرامه "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"، أيها الكرام، إن يوم العيد هو يوم الجائزة والفرحة والبهجة والبشر والمسرة، فهنيئا لكم بالعيد.

خطبة عيد الفطر 2025

أيها الكرام، عشنا- بحمد الله- رمضان محملا بأنوار الهداية، فأشرقت علينا شموسه، فصمنا نهاره، وتشرفنا بقيام ليله، وتلونا كلام الله جل جلاله، وامتدت أيادينا بالصلة والمرحمة، نزل الإنسان في رمضان إلى أعمق معاني إنسانيته فاستخرج جواهرها، وإن أجل ثمرة يخرج بها الإنسان من شهر رمضان أن يعيش القرآن الكريم في كل أحواله، فيصير القرآن العظيم ممزوجا بالعقل إذا تفكر، ممزوجا باللسان إذا نطق، مسبوكا في السلوك إذا سعى وتحرك.

أيها الكرام، فلتشع أنوار القرآن الكريم في بواطننا، فتستنير ألبابنا، وتتحرك عقولنا، وتتجدد هممنا، وهكذا «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ليدارسه بالقرآن، وقد كان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»، وهذا شأن الصالحين من هذه الأمة إذا تجلت أنوار القرآن على ظواهرهم وبواطنهم انعكس هذا في مسلكهم إنسانية ورحمة وبذلا ورقيا، واستلهمت من النموذج النبوي الشريف معايشة القرآن في كل أحوالهم، فتحركوا أيها الكرام بالقرآن لصناعة الحضارة وبناء الإنسان، وحولوا كل كلمة فيه إلى برنامج عمل لاحترام الإنسانية وبذل الخير للدنيا.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وبعد: فيا أيها الكرام املأوا الدنيا سرورا وبهجة، أشيعوا في بيوتكم وطرقكم وأوساطكم أسمى معاني الفرحة بالعيد، واجعلوا احتفالكم بالعيد تطبيقا عمليا لمعاني الجمال والحسن الذي ورثتموه من القرآن العظيم، انثروا الجمال في الدنيا، في مظهركم، في ملبسكم، في طيب روائحكم، في سمتكم، في أخلاقكم، في جوهركم سريان ماء الورد في الورد، ليكن عيد المسلمين رقيا وبذلا وإحسانا للخلق، فإن الأعياد ميزان تحضر الأمم ورقي المجتمعات.

عباد الله، إن العيد فرصة عظيمة لتقوية الروابط الاجتماعية عبر صلة الرحم وتقوية العلاقات والمحبة والود بين الناس بتبادل التهاني والتزاور، فتزاوروا، وتراحموا، واجبروا خواطر خلق الله. عيدكم سعيد مبارك ميمون، وكل عام وأنتم بخير، اللهم املأ أيامنا بالسرور والهناء والأعياد، وانثر السعادة في بلادنا يا أكرم الأكرمين.

اقرأ أيضاًموعد صلاة عيد الفطر 2025 في جميع محافظات مصر

أماكن ساحات ومساجد صلاة عيد الفطر 2025 في الجيزة

أماكن ساحات ومساجد صلاة عيد الفطر 2025 في القاهرة

مقالات مشابهة

  • إذاعة القرآن الكريم.. 61 عاما من الريادة والتألق
  • جلالة السلطان يؤدي صلاة عيد الفطر في جامع السلطان قابوس الأكبر ويتقبل التهاني
  • ابتهاجا بالتشريف السامي ..أهالي بوشر ينظمون احتفالا شعبيا
  • محافظا ظفار ومسندم يؤديان صلاة العيد في صلالة وكماز
  • بالفيديو.. جلالة السلطان يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك
  • التراحم والفرحة.. نص خطبة عيد الفطر 2025
  • خواطر رمضانية
  • خطبة عيد الفطر 2025.. «التراحم ونشر الفرحة»
  • يؤدي فيه جلالة السلطان صلاة العيد.. أبرز المعلومات عن جامع السلطان قابوس الأكبر
  • جلالة السلطان يهنِئ المواطنين والمقيمين بحلول عيد الفطر السعيد