إذا أردت البحث عن مشهد ينتصر فيه الشرير في رواية الحاضرين، فلن تجد أفضل من وقفة الطاووس التي أعقبت فوز نوفاك دجوكوفيتش بلقب ويمبلدون 2019؛ حيث يهتف جميع الحاضرين باسم روجر فيدرير، ويتفاعلون مع كل لقطة يتألق فيها، ويكاد يجن جنونهم مع نقطة المباراة التي يحصل عليها روجر لمرتين (1).

 

وأمام كل ذلك، يقف نوفاك بقلب مثلج، وأنفاس منتظمة، ويعود للمباراة ويفوز بعد إضاعة روجر فرصتين للحسم، ويقف واضعا يده في وسطه كالطاووس، ينظر للجماهير نظرة تحدٍّ بينما يحرك رأسه لأسفل ولأعلى، قبل أن يصرح تصريحه الأشهر: "عندما هتفت الجماهير روجر كنت أسمعها نوفاك" (2)!

 

في لقطة كتلك، ربما تدفعك نفسك لحسد نوفاك على تلك الصلابة؛ كيف لرجل أن يخرج من موقف صعب كهذا، وبينما تشجع الجماهير الحاضرة خصمه، يسمع في هتافهم ما يدفعه هو للأمام، وربما أيضا يقودك الفضول لمعرفة كيف نشأت تلك الصلابة لدى نوفاك دجوكوفيتش، وقادته للتربع على عرش التنس تاريخيا.

 

صلابة مبكرة

في عام 1999، وتحديدا في الرابع والعشرين من مارس/آذار، استيقظ الطفل الذي لم يتم بعد 12 عاما على وقع انفجار قوي أعقبه صوت تحطم الزجاج وصفارات الإنذار من الغارات الجوية (3).  كان ذلك اليوم هو بداية حملة مدتها 78 يوما لحلف "الناتو"، لمحاولة وضع حد للجرائم التي ارتكبها رئيس يوغوسلافيا آنذاك، سلوبودان ميلوسيفيتش، ضد الألبان العِرقيين في مقاطعة كوسوفو، تلك الأيام الـ78 التي كانت عائلة دجوكوفيتش وذووها تقضي لياليها في الملاجئ تحت الأرض للحماية من القصف (4).

 

في تلك الأجواء نشأ نوفاك، وبينما كان والده يحمل والدته التي فقدت وعيها مؤقتا بعد أن اصطدم رأسها بالمبرد عقب الانفجار الأول، كان نوفاك يختبر شعور الصلابة لأول مرة، وهو يبحث عن شقيقيه؛ ماركو، البالغ من العمر 8 سنوات، ودجوردجي، البالغ من العمر 4 سنوات، في منزلهما المظلم بعد انقطاع التيار الكهربي (5).

 

هذه الليلة احتلت جزءا كبيرا من ذاكرة نوفاك، لدرجة أنه وصفها في سيرته الذاتية، التي صدرت عام 2013، بالليلة التي غيرت حياته للأبد، حيث كتب: "عندما كنت في الحادية عشرة من عمري، كنت الأخ الأكبر، كنت أُحمِّل نفسي المسؤولية عن سلامة إخوتي منذ أن بدأت قوات الناتو قصف مدينتي بلغراد". (6)

 

هنا تدرك أن الصمود أمام عشرات الآلاف من الجماهير في ملعب تنس ليس بهذه الصعوبة التي تظنها، فرغم صعوبة التجربة التي عاشها، فإن نوفاك لم يمتلك رفاهية الصراخ كطفل في أحضان أمه، لأنه اضطر للتحلي بالصلابة من أجل إخوته. حين تشاهد مسيرة نوفاك منذ بدايتها وحتى تربعه على عرش التنس، يمكنك أن تفهم لماذا وصف تلك الليلة بأنها غيرت حياته، ويمكنك كذلك أن تستوعب "تطرفه السياسي" ولماذا لا يتوقف عن التعبير عن نفسه كصربي متعصب.

 

أكثر من "الموهبة" لن تجد لاعبا من المصنفين الأوائل قرر تعيين أسطورتين للعبة مدربين له سوى نوفاك (يمين الصورة)، الذي خاض رحلة قصيرة مع أندريه أجاسي، ورحلة أطول نسبيا مع بوريس بيكر (يسار الصورة). (مصدر الصورة: شترستوك)

بالمقارنة بين الثلاثي فيدرير ونادال ودجوكوفيتش، يظهر نوفاك وكأنه بلا نقاط ضعف بالمقاييس المباشرة؛ حيث يجيد الهجوم والدفاع والتبادلات والصعود على الشبكة، يمكنه مجاراة أي تنس بالأحرى، وهي الميزة التي لم يكتسبها بفعل الموهبة المباشرة، بقدر ما كانت ثمرة لسعيه نحو مراكمة الخبرات والتطور في كل المهارات ليصبح لاعبا متكاملا (7).

 

وبالنظر إلى نجوم الصف الأول في عالم التنس، لن تجد لاعبا من المصنفين الأوائل قرر تعيين أسطورتين للعبة مدربين له سوى نوفاك، الذي خاض رحلة قصيرة مع أندريه أجاسي، ورحلة أطول نسبيا مع بوريس بيكر. الأول لم يتوافق مع دجوكوفيتش، والثاني صرح "نولي" أنه تعلم منه الصلابة، تلك النقطة التي يعرف منذ اليوم الأول له أنه يحتاج إليها لتحويل الموهبة إلى منتج نهائي أكبر من مجموع أجزائه (8) (9).

 

الصبر أيضا كان أحد أهم أسلحة "نولي" في رحلته، حيث انتظر 5 سنوات من مسيرته الاحترافية ليحقق أول لقب غراند سلام في أستراليا 2008، وانتهى العقد بينما يمتلك نوفاك تلك البطولة اليتيمة مقابل 16 لروجر فيدرير، ثم بداية من 2010 بدأ الإعصار، وانتقلت الرحلة إلى بُعد آخر (10).

 

دجوكوفيتش هو أحد هؤلاء الذين يعيشون حياة احترافية بنظام دقيق، قد يبدو مبالغا فيه للبعض؛ هو ليس فقط الرجل الذي يتدرب بجد ويأكل بنظام غذائي وينام مبكرا، ولكنه رجل أراد تطويع كل شيء حوله لمنحه الطاقة اللازمة لاستكمال مشواره. نوفاك يمتلك معلما روحانيا، ويقوم بزيارات لهرم غامض في البوسنة من أجل الحصول على الطاقة، ويواظب على اليوغا من أجل الاسترخاء العقلي، ويتبع نظاما غذائيا فريدا، كان له الفضل الأكبر في ذلك الإعصار الذي انطلق من 2010، وهنا تكتشف أن السر دوما يكمن في التفاصيل (11).

 

قطعة خبز تصنع تسونامي

في صيف عام 2010 كان دجوكوفيتش في كرواتيا لخوض مباراة في كأس ديفيز، وأثناء التدريبات، كان يُجري مشاورات مع طبيبه وخبير التغذية إيغور سيتوجيفيتش، وطلب منه أن يمد ذراعه اليمنى بينما يضع يده اليسرى على بطنه، ثم قام الطبيب بالضغط على ذراع ديوكوفيتش اليمنى وطلب منه مقاومة الضغط (12).

 

ثوانٍ وأعطى سيتوجيفيتش لنوفاك قطعة من الخبز، ولم يطلب منه أكلها، ولكن وضعها على بطنه بيده اليسرى بينما يستمر الطبيب في الضغط على ذراعه اليمنى، وفي هذه اللحظة بدا أن ذراع دجوكوفيتش أضعف بشكل ملحوظ في مقاومة الضغط، وهنا وصل الرجل لاكتشاف غيّر حياة نوفاك 180 درجة، وهو أن نجم التنس الصربي لديه حساسية تجاه الغلوتين؛ البروتين الموجود في القمح وحبوب الخبز الأخرى ومنتجات الألبان (13).

 

في الحقيقة، بدأت العلاقة بين سيتوجيفيتش ودجوكوفيتش عن طريق المصادفة، إذ كان الطبيب -الذي لم يكن مهتما بالتنس- يجلس على أريكته، وبينما يبحث عن شيء مثير يشاهده، اقترحت زوجته مشاهدة مباراة دجوكوفيتش ضد جو ويلفريد تسونغا في ربع نهائي بطولة أستراليا المفتوحة نسخة 2010. وحين استقر الرجل على مشاهدة المباراة، كان نوفاك متقدما على تسونغا بمجموعتين مقابل واحدة، قبل أن يعانى من أزمات بدنية أفسدت النسق الذي يلعب به (14).

 

نوفاك عانى من صعوبة في التنفس وظهر وهو يتقيأ بعنف أثناء الاستراحة، خارت قواه وفاز بأربعة أشواط فقط في آخر مجموعتين ليحقق تسونغا الفوز لأسباب بدنية بحتة. في هذه اللحظة اشتبه سيتوجيفيتش أن صعوبات التنفس التي يعاني منها نوفاك كانت نتيجة لخلل في جهازه الهضمي مما أدى إلى تراكم السموم في أمعائه.

 

كان لدى والد سيتوجيفيتش ودجوكوفيتش أصدقاء مشتركون، ليصل بسهولة إلى نوفاك، وبعد ستة أشهر فقط من تلك الواقعة كان الطبيب يُجري اختباره بواسطة قطعة الخبز لتتأكد شكوكه، ويقترح على نوفاك مساعدته في وضع نظام غذائي مناسب لجسمه ويمكن أن يغير صحته ولياقته البدنية، وهو ما حدث بالفعل بعد خضوعه لفحوصات دقيقة (15).

 

أظهرت اختبارات الدم اللاحقة أن دجوكوفيتش عانى من حساسية شديدة مع القمح ومنتجات الألبان، وكان حساسا بدرجة أقل مع الطماطم، ولم يكن طلب التوقف عن تناول الخبز والجبن والتقليل من تناول الطماطم سهلا بالنسبة لشخص يمتلك والداه مطعم بيتزا، لكن نوفاك كان يضع مسيرته قبل أي رفاهية أخرى، لذلك وافق على الفور، وتحول إلى نظام غذائي نباتي بالكامل، بدون لحوم حمراء، أو منتجات ألبان، أو أي قطع خبز من تلك التي تجعل مقاومة ذراعه أضعف. ومنذ هذه اللحظة، تفوق بذراعه على الجميع (16).

 

في ذلك الوقت أيضا، قرر دجوكوفيتش تغيير أسلوب إرساله لأسباب طبية كذلك، حيث كان يلعب الإرسال بمرفق مفتوح أكثر من اللازم، وكان عليه تغيير الطريقة التي تسببت في إصابته في 2010، فضلا عن التآكل في السلسلة الحركية لذراعه وظهره وفخذه، ليحوِّل إحدى أبرز نقاط ضعفه إلى نقطة قوته الأولى؛ الإرسال الأول الذي يعرفه جيدا كل مَن واجه نوفاك بنسخة ما بعد 2010 (17).

.@DjokerNole breaks down the changes he has made to his serve. pic.twitter.com/8Ol2IYPNUh

— Graham Bensinger (@GrahamBensinger) May 17, 2020

هنا بدأت حقبة دجوكوفيتش، التي يحصد فيها كل شيء عدا فتات يتصارع عليه البقية، الإعصار والتسونامي كما سُمي، الذي بدأ بتحقيق 3 من أصل 4 بطولات غراند سلام في 2011، واستمرت الرحلة حتى تربع على عرش اللعبة بـ24 لقب غراند سلام، وهو الرجل الذي حقق لقب غراند سلام واحد فقط في 7 سنوات، قبل أن يكتشف وجها آخر للحياة بدون خبز ولبن (18)!

 

الشرير في الرواية

بالنظر إلى الجماهير التي تجمع بين اهتمامها بالتنس وكرة القدم، ستجد أن عشاق كريستيانو رونالدو غالبا إما يشجعون رافائيل نادال نظرا لصداقة الثنائي، وارتباط نادال بريال مدريد الذي يُعَدُّ رونالدو أسطورته وهدافه التاريخي، وإما يشجعون دجوكوفيتش، لأنه يُمثِّل النسخة الأقرب لصاروخ ماديرا في عالم التنس، اللاعب الذي يكرس حياته للرياضة، ويتمتع بسحر أقل من غريمه، ولكنه يسعى لإتقان كل جوانب اللعبة ليقارع السحرة ويتفوق عليهم.

 

حين غابت الجماهير عن ملاعب كرة القدم بسبب فيروس كورونا أعلن رونالدو اشتياقه لصافرات الاستهجان وليس للتصفيق، بينما اعتاد دجوكوفيتش أن يشجع 90% من الجمهور الحاضر خصمه، خاصة لو كان روجر فيدرير هو الخصم فإنه يواجه قلب اللعبة ومشجعيها في صورة خصم، الأمر الذي كان يضايقه في البداية، حتى بات يألفه، ثم يصل إلى مرحلة أن تهتف الجماهير "روجر" فيسمعها "نوفاك" (19) (20).

 

في الحقيقة لم يكن دجوكوفيتش شيطانا، بل على العكس تماما، فهو الأكثر امتلاكا لروح الدعابة بين ثلاثي القمة، ولكنه في الوقت نفسه يمتلك ما يمكن تسميته بـ"الغل الرياضي"، الذي لا تعرف هل بدأ أولا فأصبحت الجماهير تشجع ضده، أم شجعت الجماهير ضده بدون سبب منذ اللحظة الأولى لأنه حاول إفساد ثنائية ممتازة مكتملة مثل فيدرير ونادال؟

 

مرت السنوات وأصبح هذا الغل التنافسي هو سلاح نوفاك، الذي منحه الصلابة الكافية ليقارع فيدرير ونادال ويتفوق عليهما في المواجهات المباشرة وفي الأرقام، ويصبح الرقم 1 في تاريخ التنس على مستوى الإنجازات والبطولات والأرقام والتصنيف، حتى وإن صبَّت الشعبية في صالح روجر فيدرير، لأن الأرقام لا يمكنها تحريك القلوب، والموسيقى تظل أمتع من صوت آلات المصانع حتى لو كانت الثانية أكثر إنتاجا، ومراوغة رونالدينيو التي ارتطمت في العارضة بعد ثوانٍ تبقى أكثر سحرا من عرضية حوَّلها أحدهم في المرمى الخالي.

—————————————————————————————-

المصادر

1 – نهائي ويمبلدون 2019 بين روجر فيدرير ونوفاك دجوكوفيتش

2 – نوفاك دجوكوفيتش: عندما هتف الجمهور "روجر" سمعت "نوفاك"

3 – نوفاك دجوكوفيتش: كيف تغلب طفل من بلغراد التي مزقتها الحرب على الصعاب – CNN

4 – المصدر السابق

5 – المصدر السابق

6 – السيرة الذاتية لنوفاك دجوكوفيتش

7 – لم يتفاجأ نوفاك ديوكوفيتش باستمراره في الفوز بألقاب جراند سلام، لذلك لا ينبغي لنا أن نكون كذلك

8 – العلاقة بين نوفاك دجوكوفيتش وأندريه أجاسي

9 – العلاقة بين نوفاك دجوكوفيتش وبوريس بيكر

10 – تفاصيل ألقاب الغراند سلام الـ24 لنوفاك دجوكوفيتش

11 – نظام حياة نوفاك دجوكوفيتش

12 – نوفاك ديوكوفيتش هو بالفعل أفضل لاعب في تنس الرجال – ومع 24 لقب غراند سلام، لا يزال يتعلم

13 – نوفاك دجوكوفيتش: الكشف عن النظام الغذائي لنجم التنس بعد التأثير على القرار بشأن لقاح كورونا

14 – المصدر السابق

15 – المصدر السابق

16 – المصدر السابق

17 – نوفاك دجوكوفيتش يشرح سبب تغيير حركة إرساله

18 – نوفاك دجوكوفيتش: إن لون ما أرتديه مهم جدا

19 – كل ما أردت دائما معرفته عن نوفاك ديوكوفيتش (ولكن لم يكن لديك الوقت لمعرفته)

20 – دجوكوفيتش: عندما هتف الجمهور "روجر" سمعت "نوفاك"

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: نوفاک دجوکوفیتش المصدر السابق لم یکن الذی ی

إقرأ أيضاً:

خبايا المشروع الإسرائيلي الذي سحق خمس غزة

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرا عن سعي جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى تحويل منطقة رفح بكاملها إلى منطقة عازلة، تبلغ مساحتها 75 كم مربع -أي قرابة 20% من مساحة قطاع غزة– بما فيها المدينة كاملة ومنع عودة سكانها البالغ عددهم نحو 200 ألف نسمة إليها بشكل دائم.

بينما أعلن جيش الاحتلال اكتمال حصار رفح، مع استمرار عمليات تفجير المنازل ومختلف المنشآت المدنية، وحديث الصحافة الإسرائيلية عن وجود كتيبتين من كتائب القسام في المنطقة المراد تدميرها.

ولهذا الاتجاه، إن صح، دلالات مهمة على توجهات الاحتلال المستقبلية بشأن القطاع، وتداعيات إستراتيجية على القضية الفلسطينية وعلى مصر.

View this post on Instagram

A post shared by قناة الجزيرة مباشر (@aljazeeramubasher)

محور فيلادلفيا 2

وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي أكدت في 11 فبراير/شباط، أن الجيش استكمل السيطرة على كامل محور "موراغ" وطوق مدينة رفح جنوبي قطاع غزة "بشكل كامل"، وأعلن عن تقدم كبير في العمليات البرية جنوبي قطاع غزة، حيث استكمل ما وصفه بـ"مأسسة محور موراغ"، وهو ممر بري يمتد شمالاً من الحدود مع مصر حتى أطراف مدينة خان يونس جنوبي القطاع.

وبحسب إذاعة الجيش، في منشور عبر منصة إكس، فإن "قوات من فرقتي 36 ولواء المدرعات 188، تمكنت من السيطرة الكاملة على المحور وتطويق مدينة رفح من كافة الجهات"، وأشارت إلى أن رفح باتت "محاصرة حصارا كاملا" من القوات الإسرائيلية.

إعلان

ولفتت إلى أن "المرحلة المقبلة تشمل عمليات تثبيت السيطرة داخل محور موراغ، والاستعداد لتوسيع التوغل داخل رفح، بهدف ضمها إلى منطقة العازل الحدودي، كمنطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية".

يأتي هذا الإعلان عشية عيد الفصح اليهودي، وسط ضغوط دولية متزايدة على إسرائيل بعدم شن عملية واسعة في رفح لمخاطر وقوع كارثة إنسانية.

في حين تستمر عمليات النسف اليومية للمربعات السكنية في المدينة، نقلت هآرتس شهادات جنود وضباط احتياط، أن جرافات "دي 9" (D9) تُستخدم لهدم كل البنية التحتية في رفح دون تمييز.

وتحولت عمليات الهدم إلى منافسة داخلية بين الوحدات الميدانية، وأن "فرقة غزة" في الجيش الإسرائيلي، أنشأت خارطة لونية تُصنف المناطق وفق نسب التدمير، ووُصفت رفح بأنها أصبحت غير صالحة للسكن.

"محور موراغ" باللون الأزرق، هو المحور الذي يفصل خان يونس عن رفح (الجزيرة)

وبينما كانت رفح مأوى لنحو 200 ألف فلسطيني، هي الآن مدينة شبه خالية ومدمّرة كاملا تقريبًا. ويُنظر إلى أي مدني يظهر في المنطقة على أنه "مخرب" ويُطلق عليه النار أو يُعتقل فورًا، بحسب شهادات جنود نقلتها هآرتس.

وأشارت الصحيفة إلى أن الهدف لا يقتصر على الاستيلاء على هذه المنطقة، وإنما تحويل غزة إلى جيب جغرافي داخل إسرائيل وإبعاد القطاع عن الحدود المصرية وزيادة الضغط على حركة حماس.

ووفقا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، صدر أمر بإخلاء 22 حيًا في محافظتي رفح وخان يونس، في 31 مارس/آذار، وبما يشمل مساحة قدرها 97% من محافظة رفح، وتغطي 64 كيلومترًا مربعًا.

ومن المنشآت الموجودة في هذه المنطقة مستشفيان ميدانيان و4 مراكز للرعاية الصحية الأولية و7 نقاط طبية وما لا يقل عن تسعة مطابخ مجتمعية نُقلت إلى خان يونس.

وبين يومي 31 مارس/آذار و1 أبريل/نيسان، أشارت التقديرات إلى نزوح نحو 90 ألفا من رفح، وهم الآن مشتتون في مدينة خان يونس ومواصي خان يونس ودير البلح.

إعلان

ويضيف التقرير، أن مستودع المركز السعودي للثقافة والتراث، قُصف في غارة جوية إسرائيلية شُنت على شرق رفح، في 3 أبريل/نيسان، وأسفر هذا القصف عن تدمير المستودع واحتراق جميع منصات تحميل اللوازم الطبية، البالغ عددها 1600، وكان من المقرر، أن تؤمّن الاستجابة لاحتياجات المرضى والمصابين، وفقًا لرئيس مجلس إدارة المركز.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد أعلن مطلع أبريل/نيسان الجاري، أن الجيش سيسيطر على محور "موراغ"، كما سيطر سابقا على محور "فيلادلفيا"، البالغ طوله 14.5 كيلومترا على طول الحدود الجنوبية لغزة مع مصر.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، عن تسجيل مصور لنتنياهو قال فيه: "نسيطر على محور موراغ، الذي سيكون محور فيلادلفيا الثاني".

المقاومة في رفح

ونقل مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت يوسي يهوشع، أنه رغم إعلان الجيش الإسرائيلي في سبتمبر/أيلول 2024 "حسم لواء رفح"، فإن الزيارات الميدانية الأخيرة لرئيس الأركان أكدت استمرار نشاط كتائب حماس في المدينة، مع إقرار الجيش، أن 75% من الأنفاق لا تزال قائمة، وأن رفح لم تُحسم عسكريًا، كما أُعلن سابقًا.

وأشار مراسل إذاعة الجيش الإسرائيلي دورون كادوش إلى الطريقة التي تُعرّف بها قيادة المنطقة الجنوبية جاهزية كتائب حماس في المنطقة، وذلك بوصف محور موراغ بأنه "يقسم بين كتائب رفح وخان يونس". وبحسب الجيش الإسرائيلي، لا تزال هناك كتيبتان فعالتان في رفح من أصل أربع، وفي خانيونس هناك 3 كتائب فعالة من أصل أربع.

وأمس الجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي إصابة جندي من لواء غولاني بجروح خطِرة في معارك جنوبي قطاع غزة، كما أعلن إصابة ضابط بجروح في اشتباكات مسلحة في رفح، موضحا، أن 3 مسلحين فلسطينيين أطلقوا النار تجاه قوة من جيش الاحتلال في رفح.

كما نقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن مصادر عسكرية، أن قائد قوات القنص التابعة لحركة حماس في كتيبة تل السلطان في رفح جنوب قطاع غزة قُتل في غارة جوية حديثة، وبحسب جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن قائد القناصة، أحمد إياد محمد فرحات، كان مسؤولا عن التقدم وتنفيذ العديد من الهجمات على القوات الإسرائيلية في غزة وضد الاحتلال.

أحرونوت: الزيارات الميدانية الأخيرة لرئيس الأركان تؤكد استمرار نشاط كتائب حماس في مدينة رفح (الفرنسية) المعنى السياسي والتداعيات

تتمثل تداعيات هذه الخطوة إن تمت بأمور منها:

إعلان 1- عزل غزة سياسيا واقتصاديا وأمنيا عن مصر وعمقها العربي، وقطع شريان الحياة الوحيد لغزة مع العالم. 2- التراجع النهائي عن فكرة التخلي عن قطاع غزة، التي كانت وراء قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون بالانسحاب منها عام 2005، وتعزيز التوجه إلى ابتلاعها جغرافيا والتخلص من سكانها، بتهجيرهم من منافذ أخرى إذا بقيت مصر على موقفها الرافض لاستقبالهم. 3- تغيير في جغرافيا غزة، وتعزيز تحويلها إلى معازل سكانية منفصلة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق يمنع بقاء الاحتلال داخل القطاع. 4- تدمير مدينة سكنية تدميرا كليا، والتهجير القسري الدائم لقرابة مئتي ألف فلسطيني.

ويشير تقرير مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، إلى أن "إصدار القوات الإسرائيلية بشكل متزايد أوامر الإخلاء -والتي هي في الواقع أوامر تهجير- أدى إلى النقل القسري للفلسطينيين في غزة إلى مساحات متقلصة باستمرار، حيث لا تتوفر لهم سوى فرص ضئيلة أو معدومة للحصول على الخدمات المنقذة للحياة، بما فيها المياه والغذاء والمأوى، وحيث يظلون عرضة للهجمات".

كما أن طبيعة ونطاق أوامر الإخلاء يثيران مخاوف جدية من نية إسرائيل إخلاء السكان المدنيين من هذه المناطق بشكل دائم بهدف إنشاء "منطقة عازلة، ويُعدّ التهجير الدائم للسكان المدنيين داخل الأراضي المحتلة بمثابة نقل قسري، وهو انتهاك جسيم لاتفاقية جنيف الرابعة، وجريمة ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي، بحسب مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

5- تقليل نسبة كبيرة من المساحة الصالحة للزراعة في غزة، إذ تعد المنطقة التي يعبرها "محور موراغ" سلة غذاء القطاع، وأدى احتلالها إلى ارتفاع أسعار الخضار والمواد الغذائية. 6- بقاء قوات إسرائيلية بشكل مكثف على حدود مصر إلى أجل غير مسمى، في انتهاك دائم لاتفاقية السلام الإسرائيلية المصرية. إعلان

وقد تكون تسمية نتنياهو المحور الجديد "فيلادلفيا 2" رسالة مبطنة لمصر، بمعنى أن هناك واقعا جديدا مستداما سيصبح فيه محور فيلادلفيا داخل الأراضي الفلسطينية وخاضعا للسيطرة الإسرائيلية.

السيناريوهات المستقبلية  نجاح الاحتلال في إقامة منطقة عازلة لأمد طويل. فشل المشروع بفعل المقاومة الفلسطينية والرفض المصري والدولي، ولطبيعة الموقف الأميركي دور مهم في هذا الصدد. أن يكون الأمر مجرد ورقة ضغط لتحسين شروط أي تسوية مستقبلية في الأسابيع المقبلة، وهو ما يتسق مع الأنباء المنقولة عن ترامب، ومبعوثه ستيف ويتكوف بشأن قرب التوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار.

وكذلك ما نقلته صحيفة معاريف الإسرائيلية عن وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس أثناء زيارته رفح، إن إسرائيل "أقرب إلى صفقة" من التصعيد العسكري. وتحليل مراسلها "آفي أشكنازي" بأن السيطرة على رفح هي وسيلة ضغط سياسي على حماس لقبول صفقة رهائن تشمل وقف إطلاق النار.

وختاما؛ فمن شأن نجاح الاحتلال في إبادة رفح، أن تزداد شهيته لاستهداف مناطق أخرى في القطاع وخارجه بذات السيناريو، وهو ما سيدفع باتجاه المزيد من تعقيد الصراع العربي الإسرائيلي ويقوض أسس الموقف العربي الداعي إلى حل الدولتين، واتخاذ الصراع أبعادا أكثر جذرية على المستوى الشعبي، وهو ما سيؤثر بلا شك على الموقف الرسمي، أو يزيد الهوة بين المواقف الشعبية والرسمية العربية، ويقلل من فرص الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في مستقبل المنطقة.

مقالات مشابهة

  • كاساس يودع الجماهير العراقية ويصوب على مسؤولين في الاتحاد
  • ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟
  • حسام غويبة: فوز المصري على بتروجت أسعد الجماهير
  • شقيق فهد المولد يطمئن الجماهير: حالته مستقرة وندعو لشفائه.. فيديو
  • مدرب دهوك: سنخطف لقب البطولة الخليجية للأندية ونُسعد الجماهير العراقية
  • حماس: فوجئنا بأن المقترح الذي نقل لنا يتضمن نزع سلاح المقاومة
  • كريستيانو رونالدو يُبهر الجماهير بهدف عالمي ويقود النصر للفوز على الرياض
  • أسامة نبيه: هدفنا اسعاد الجماهير المصرية وإعلان قائمة منتخب الشباب غدًا
  • خبايا المشروع الإسرائيلي الذي سحق خمس غزة
  • صنع في العراق.. ما الذي يعيق عودتها للسوق المحلية؟