الدكتور بنطلحة يكتب: برنارد لوغان وكشف التاريخ المفترى عليه
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء
يعنى علم التاريخ بتسليط الضوء على كل الأحداث التي عرفتها الحضارة الإنسانية، ويقوم بدراستها وتحليلها اعتمادا على أسس علمية محايدة بواسطة مؤرخين يسعون لإدراك الماضي وإحيائه.
ونجد أن دراسة التاريخ تساهم في الرفع من مستوى الوعي وتعميقه عند المواطن، لأنه يكون آنذاك في وضعية أفضل لتحديد خياراته المستقبلية والدفاع عن ثوابته وأراضيه.
ونجد أن المتأمل في النزاعات السياسية الدولية الراهنة، مثلا، يجد أن معظمها يتمحور حول «الحقوق التاريخية»، وهنا يكون المؤرخ الأكثر تأهيلا لتوصيف هذه المشاكل القائمة معتمدا على أسس منهجية دقيقة وركائز نقدية في التوثيق والتضمين والتحليل والتعليل والاستنباط والمقارنة، من أجل الوصول إلى نتائج واستنتاجات في إطار تجرد علمي.
إن ما ذكرناه سالفا نجده بشكل كبير في الأبحاث الأكاديمية للمؤرخ الفرنسي برنارد لوغان، التي تناولت جزءً من التاريخ المغربي بتجرد فكري ومنهج علمي، حيث أماطت اللثام عن الحقبة التي اقتطع فيها الاستعمار الفرنسي جزءً كبيرا من التراب المغربي. ومن هذه الأبحاث كتابه «تاريخ المغرب»، والذي ستتشرف كلية الحقوق بمراكش بتقديمه أثناء استضافتها للكاتب في درسها الافتتاحي يوم 6 أكتوبر المقبل، من أجل محاولة مناقشته وسبر أغواره.
إن هذا المؤرخ ينطلق من حقيقة تاريخية ثابتة، كون أن الجزائر لم تكن موجودة كدولة قبل 1962 لأنها انتقلت مباشرة من الاستعمار التركي إلى الاستعمار الفرنسي، وقد عملت فرنسا على بتر أجزاء من المغرب لتوسيع «الجزائر الفرنسية»، وذلك منذ 1870، أي بعد أربعين عاما من بدء الاستعمار الفرنسي في الإيالة الجزائرية التي كانت خاضعة للسلطة العثمانية، مشددا على أن تلك المناطق لم تكن أبدا جزائرية، ويؤكد أنه في مارس من سنة 1870 استولى الجنرال الفرنسي دو وينفين، قائد ولاية وهران، على عين الشعير قرب فجيج ومنطقة واد غير بنواحي بجاية، وهي مناطق كانت مغربية لأن نائب السلطان في فجيج كان قائدا مسؤولا عن تمثيل السلطة المركزية في واحات توات، ويضيف أنه في 5 غشت 1890، وبموجب اتفاقية سيرة، حددت فرنسا وبريطانيا مناطق نفوذهما في إفريقيا حيث رأت فرنسا أن بإمكانها احتلال المناطق المغربية في توات والقرارة وإيغلي وواد الساورة بناء على مخطط لربط غرب إفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط بواسطة السكك الحديدية العابرة للصحراء، وابتداء من دجنبر 1899 استولت فرنسا على عين صالح ومجموعة من واحات تيديكلت والغورارة بما في ذلك منطقة تيميمون التي تم احتلالها سنة 1901، وفي يونيو 1904 استولت القوات الفرنسية على رأس العين، وهذا ما تؤكده بالدليل الملموس العديد من الخرائط والاتفاقيات ورسومات الحدود،حيث اعتمد هذا المؤرخ على الأرشيف الفرنسي الذي يحمل اسم «مسألة الحدود».
وقد انطلق من حقيقة كون فرنسا هي من رسمت حدود الجزائر وهي من ألحقت مناطق مغربية بالجزائر الفرنسية، وأن النظام الجزائري الذي تنكر للعديد من التعهدات بعد نيل «الاستقلال» يحاول اليوم مأسسة الأساطير عبر التزوير والكذب والتلاعب بالتاريخ، لأن هذا النظام الهش والذي يحاول خطابه الرسمي أن ينتقد الاستعمار ومخلفاته، نجده يدافع بكل شراسة عن الحدود التي رسمها المستعمر!
إن النظام الجزائري يعلم جيدا أنه يزور التاريخ، ولايستطيع أن يجابه الحقائق التاريخية التي ترعبه، لذا هو يبحث عن شرعية مفقودة، وذلك عبر معاداة المغرب حيث أصبح ذلك عقيدة ثابتة لديه.
إن المغرب يرعبهم ويشكل لهم عقدة، لنظرا لكونه أمة عريقة ذات تاريخ طويل، بالمقابل لا يمكن الحديث تاريخيا عن أمة جزائرية أو شعب جزائري.
المؤرخ برنارد لوغان، يعطي درسا في جرأة العالم الذي يصدح بكلمة حق انتصارا للدفاع عن الحقائق التاريخية التي تحاول الدولة العميقة في فرنسا التستر عليها وذلك بعدم رغبتها في إخراج الأرشيف الفرنسي إلى العلن، إنهم يحاولون أن يغتالوا الحقيقة رفقة مستخدميهم بالجزائر، والطابور الخامس يحاول تزييف الأشياء والحقائق، لكن التاريخ عصي على التزييف لأن ذاكرته لن تمحى أبدا ولو حاول لصوص الليل والدجالون.
المصدر: مراكش الان
إقرأ أيضاً:
اليمن ينصع التاريخ
في السادس والعشرين من مارس، لا تُختتم ذكرى الصمود، بل تُفتح صفحة جديدة من الانتصارات. عقدٌ من الزمن مضى منذ بداية العدوان على اليمن، لكن المشهد اليوم مختلفٌ تمامًا؛ فاليمن لم يعد في موقع الدفاع، بل بات قوة ضاربة تُعيد رسم معادلات المواجهة الإقليمية، تتجاوز الحدود، تضرب العمق الإسرائيلي، وتتصدى للوجود الأمريكي المباشر في المنطقة بكل شجاعة.
في الذكرى العاشرة ليوم الصمود، أطلقت القوات المسلحة اليمنية عملية عسكرية نوعية استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان” وعددًا من القطع الحربية المعادية في البحر الأحمر، إضافةً إلى ضرب أهداف عسكرية دقيقة في يافا المحتلة. لم تكن هذه العمليات مجرد ردٍّ على العدوان الأمريكي، بل رسالة نارية مفادها أن اليمن لم يعد يقف في موقع الدفاع، بل بات يمضي قدمًا في حرب الردع المفتوحة، مدافعًا عن فلسطين وقضيتها العادلة بكل حزمٍ وإصرار.
اليوم، لم تعد المواجهة مقتصرة على التصدي للهجمات، بل تحولت إلى استراتيجية هجومية تُربك العدو وتقلب موازين القوة. اليمن، الذي ظن البعض أنه ساحة مستباحة، بات قوةً قادرةً على ضرب أعتى التحصينات العسكرية للعدو، في البحر والبر، ليُثبت أنه طرفٌ رئيسي في معادلة الصراع.
إن اليمن لم يعد هدفًا مستباحًا، بل قوة تفرض إرادتها على الأرض، وتعيد رسم خارطة المواجهة بقبضةٍ من نارٍ وصواريخ. لم تعد معادلة الردع تقتصر على البحر الأحمر، بل امتدت إلى عمق الكيان الصهيوني، لتصل نيرانها إلى قلب تل أبيب. أي تصعيد جديد من قوى العدوان لن يُقابل إلا بردّ أشد قسوة، حيث لم يعد الردّ محدودًا، بل أصبح استراتيجية متكاملة تُوجه الضربات حيث تؤلم العدو أكثر، في البحر، والجو، والبر. هذه ليست عمليات عابرة، بل جزء من معركة كبرى تُخاض بإرادةٍ لا تلين، لتحجيم الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وإعادة التوازن إلى المنطقة وفق معادلة قوة جديدة، عنوانها: اليمن الذي لا يُقهر.
ومع استمرار العمليات العسكرية وتحقيقها نجاحات نوعية، يتجه التصعيد إلى مرحلة جديدة، فاليمن لم يعد في موقع من يكتفي بالرد، بل أصبح قوة مبادرة تُعيد رسم معادلات الردع في المنطقة. استهداف “ترومان” لم يكن مجرد تحذير، بل رسالة واضحة بأن المصالح الأمريكية لم تعد آمنة، وأن الوجود العسكري الأمريكي نفسه أصبح في مرمى النيران. المرحلة المقبلة ستشهد تكثيفًا للضربات، حيث باتت القوات المسلحة اليمنية تمتلك القدرة والإرادة على توجيه ضربات أكثر دقة وإيلامًا، تجعل العدو يعيد حساباته، وتؤكد أن الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة لم تعد أمرًا مسلّمًا به.
وختاماً ..يوم الصمود هذا العام ليس مجرد ذكرى، بل إعلانٌ عن مرحلةٍ جديدةٍ من المواجهة، حيث أصبح اليمن لاعبًا محوريًا في معادلة القوة الإقليمية. وبينما يستمر العدوان على غزة، يثبت اليمن أنه حاضرٌ في المعركة، لا بالشعارات، بل بالضربات الموجعة التي تهزّ العدو وتخلخل حساباته.
النصر لليمن ولكل أحرار الأمة.. والمواجهة مستمرة.