إستراتيجية إيران حيال أمريكا: فرق تَسُد
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
دعت المندوبة الأمريكية السابقة إلى الأمم المتحدة كولي عامري، الحزبين الأمريكيين الرئيسيين إلى الاتفاق حول سياسة موحدة تجاه إيران.
يمكن تطوير سياسة طويلة المدى بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي
وكتبت في صحيفة "ذا هيل" الأمريكية أن الوحدة بين الولايات المتحدة (جمهوريين وديمقراطيين) والدول الأوروبية في مواجهة روسيا كانت جديرة بالثناء وقد حققت نتائج.
أضافت الكاتبة أن مراجعة العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران منذ ثورة 1979، تظهر أن الولايات المتحدة لم يكن لديها سياسة متناسقة طويلة المدى تجاه إيران، لقد برزت إما سياسة جمهورية تجاه إيران أو سياسة ديموقراطية.. وكما قال أحد موظفي الكونغرس، إن السياسة تجاه إيران هي في الغالب للاستهلاك المحلي ووسيلة للإدارات والمشرعين لادعاء الفضيلة أمام ناخبيهم، وأوجب هذا الاصطفاف على الجمهوريين ألا يقبلوا بأي تسوية مع إيران وعلى الديموقراطيين أن يواصلوا المفاوضات بأي ثمن.. ولم يفز أي من الفريقين بجائزة.
موقف غريبالمرة الأخيرة التي شهدت فيها أمريكا مثل هذا الجمود المؤثر كانت خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، سنة 1945، اختار السيناتور آرثر فاندنبرغ، الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والمنتقد الصريح لمزيد من التدخل في أوروبا، الطريق المشترك بين الحزبين.. فبعد خطاب قوي في قاعة مجلس الشيوخ، اختار التعاون مع فرانكلين روزفلت وهاري ترومان لإنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة وخطة مارشال ومبدأ ترومان، ولا يزال تصريح فاندنبرغ الشهير عن أن السياسة الخارجية الموحدة "تسعى ببساطة إلى تحقيق الأمن القومي قبل المزايا الحزبية"، وأن السياسة يجب أن "تتوقف عند الحدود الوطنية"، يتردد صداه حتى هذا اليوم.
حسب عامري، إن المواقف الحزبية الحالية بشأن السياسة تجاه إيران هو موقف غريب، حيث تظهر استطلاعات الرأي لمؤسسة غالوب باستمرار أن ما يقرب من 75 في المئة من الأمريكيين، ينظرون إلى إيران التي تقوم بتطوير أسلحة نووية باعتبارها "تهديداً خطيراً" للولايات المتحدة: ليس تهديداً مهماً بل خطيراً.. اليوم تبلغ نسبة تأييد الأمريكيين لأوكرانيا نحو 60 في المئة، لكنها اقتربت قبل بضعة أشهر من 45 في المئة.
U.S. has not had a consistent long-term policy on Iran. We have either had a Republican Iran policy or a Democratic one. The Mullahs have achieved what has escaped Putin. A strategy of divide and conquer in the Western world pays dividends. https://t.co/AjU5llq6uL
— Goli Ameri (@goliameri) September 23, 2023 نشر الغسيل القذرإن الخلافات جزء طبيعي من عملية صنع السياسات في الأنظمة الديموقراطية.. مع ذلك، عندما يختلف الجمهوريون والديموقراطيون علناً، يقومون عملياً بنشر الغسيل القذر، ومن بين المشاهدين المهمين النظام الإيراني وهو الخصم الذي يفسر السجال باعتباره علامة على الفوضى في البيت الأمريكي، وهي نقطة ضعف كبيرة بنظر نظام استبدادي.
أحد الأمثلة على ذلك هو قيام إدارة أوباما بإبعاد الكونغرس عن المفاوضات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، وإرسال 47 عضواً في مجلس الشيوخ رسالة إلى البرلمان الإيراني تهدف إلى تقويض رئيس الولايات المتحدة.. في البيئة السياسية المستقطبة اليوم، أصبح احتمال التوصل إلى أي سياسة موحدة، خارجية أو داخلية، كئيباً.. ومع ذلك، فإن إيران ليست دولة منعزلة مثل كوريا الشمالية يمكن أن ينتقل ملفها من إدارة إلى أخرى.. هي على أعتاب تطوير سلاح نووي.
منذ سنة 2000، تم فرض، وإعادة فرض عقوبات على إيران بسبب سعيها للحصول على التكنولوجيا النووية وإثارة الفوضى الإقليمية، فرضت كل إدارة منذ عهد أوباما ما بين 60 إلى 75 عقوبة على إيران إلى جانب خمسة قوانين أصدرها الكونغرس و12 أمراً تنفيذياً وأربعة قرارات للأمم المتحدة.. ومع ذلك، قطعت إيران شوطاً أبعد في قدراتها النووية.
تحذير شديد اللهجةطالب الاتفاق النووي إيران بالحفاظ على مستوى تخصيب عند 3.67 في المئة.. وهي الآن تخصّب بنسبة 60 في المئة وتدعي أنها وصلت "بشكل عرضي" إلى 84 في المئة، وكان من المفترض أن يكون لديها 5060 جهاز طرد مركزي، أما الآن فقد أصبح لديها ما يقرب من 13 ألف جهاز.
#US #Iran policy shouldn’t depend on which party is in power - both #Republicans and #Democrats https://t.co/v06o6KKZhM pic.twitter.com/lgKbgSwvDw
— Ultrascan HUMINT (@ultrascanhumint) September 23, 2023وكانت لديها منشأة واحدة فقط للتخصيب، ولكن بعيداً من أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية قامت ببناء منشأة أخرى تحت الأرض يُزعم أنها منشأة بحثية، وجاء التقرير ربع السنوي الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية مصحوباً بتحذير شديد اللهجة، من أن تصرفات إيران وفشل المناقشات الثنائية "يؤثر بشكل خطير على قدرة الوكالة على تقديم ضمانات، بشأن الطبيعة السلمية لبرنامج إيران النووي".
لا تلوموا ترامبأضافت الكاتبة أنه غالباً ما يتم إلقاء اللوم في المغامرة النووية الإيرانية على إدارة ترامب لسحبها الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لكن ما قد لا يعرفه البعض هو أن إيران تراجعت عن اتفاق محتمل توسط فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سنة 2019، في مقابل البقاء دولة خالية من الأسلحة النووية إلى الأبد، أمكن لإيران السيطرة على عائداتها النفطية مع رفع العقوبات.
وفي استطلاع للرأي أجراه مؤخراً تحالف الأمريكيين الإيرانيين للشؤون العامة، لا يؤيد 85 في المئة من الأمريكيين الإيرانيين العودة إلى الاتفاق النووي.. هذا لأنهم على دراية بعقلية وتاريخ بعض الملالي، ولا يعتبرونهم شركاء موثوقاً بهم أو صادقين في التفاوض.
ما يريده النظاميعتقد بعض المحللين والمراسلين أن إيران ليست مهتمة بالتحول إلى قوة نووية، بل بالاقتراب كثيراً من العتبة النووية.. إن التباطؤ عند العتبة يعني أن تكون طهران على بعد شهر واحد من التحول إلى دولة نووية، ثمة 32 دولة حول أنحاء العالم تمتلك تكنولوجيا نووية سلمية لم تصل "بصورة عرضية" إلى تخصيب بنسبة 84 في المئة.. بوجود شعب يعارضها بشكل مباشر، يدرك النظام أن القدرة النووية هي تذكرته إلى الديمومة، حيث أن لديه أمثلة حية عن مصير دول أخرى طمحت إلى امتلاك أسلحة نووية.
عرّف فاندنبرغ السياسة الخارجية بين الحزبين بأنها "إجماع تم تطويره من خلال التشاور بين الرئيس ووزارة الخارجية وقادة كلا الحزبين في الكونغرس"، ويمكن تطوير سياسة طويلة المدى بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي بشكل تعاوني عبر الاستفادة من جميع أدوات السياسة الخارجية، بما فيها الدبلوماسية الذكية والعقوبات والدبلوماسية العامة مع الشعب الإيراني والمفاوضات ذات العواقب والردع والعمل العسكري الدفاعي إذا لزم الأمر.
ما يريده الشباب بالنسبة إلى الشباب الإيراني الذي يمثل نقطة ضعف النظام، لا يوجد جمهوريون أو ديموقراطيون.. إنهم يبحثون عن الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية التي على الرغم من التحديات الأخيرة التي تواجهها، لا تزال منارة مضيئة من الحرية.. في الختام، ذكرت الكاتبة أنه بمجرد أن تتوحد واشنطن حول سياسة طويلة الأمد تجاه إيران، قد يذيق القادة الأمريكيون النظام طعم الدواء الخاص به، وسيكون بإمكانهم محاولة تطبيق تجربة إستراتيجية "فرق تسد" على مختلف فروع الحكومة الإيرانية.المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الملف النووي الإيراني الولایات المتحدة بین الحزبین تجاه إیران فی المئة
إقرأ أيضاً:
من سيصمد في معركة عض الأصابع التجارية بين أمريكا والصين؟
قال كبير مراسلي أمريكا الشمالية في شبكة "بي بي سي"،جون سودوورث، إن الحرب التجارية الأمريكية الحالية لم تعد مواجهة متعددة الجبهات مع العالم، بل تحولت إلى صراع مباشر بين الولايات المتحدة والصين، في ساحة مألوفة للرئيس دونالد ترامب.
ومع أن بعض الرسوم الجمركية الانتقامية التي فُرضت على دول متعددة جُمّدت مؤقتًا لمدة تسعين يومًا، إلا أن الرسوم العامة بنسبة 10 في المئة لا تزال قائمة، بينما واجهت الصين، التي تمثل نحو 14 في المئة من واردات الولايات المتحدة، إجراءات أكثر قسوة، وصلت فيها الرسوم إلى 125 في المئة.
وبرر ترامب هذا التصعيد برد بكين المحتمل بفرض رسوم نسبتها 84 في المئة على السلع الأميركية، واصفًا الخطوة بأنها تعكس "قلة احترام".
وبالنسبة له، فإن هذا التصعيد هو محاولة لاستكمال ما لم يُنجز خلال ولايته الأولى، بهدف إعادة صياغة النظام التجاري العالمي الذي اعتبر الصين مركزه الصناعي.
ويرى ترامب أن من الواجب قلب المفهوم السائد القائل إن تعميق العلاقات التجارية مع الصين هو مصلحة بحد ذاتها.
ويعود جذور هذا التوجه إلى ما قبل صعود ترامب السياسي، حين كانت معظم القوى العالمية ترى في توسيع التجارة مع الصين فرصة للنمو والربح، من خلال توفير سلع منخفضة التكلفة وتعزيز سلاسل التوريد العالمية.
وكانت الصين قد بدأت، بدعم من الدولة، تنفيذ خطة "صُنع في الصين 2025" لتزعم قطاعات صناعية استراتيجية، ما أثار قلقًا متزايدًا لدى صناع القرار في واشنطن.
ترامب، الذي دأب خلال حملته الانتخابية على اتهام الصين بتقويض الاقتصاد الأميركي، أطلق شرارة الحرب التجارية في ولايته الأولى، ما أدى إلى كسر الإجماع التقليدي بشأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ومع أن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن احتفظ بمعظم الرسوم الجمركية المفروضة، إلا أن التأثير على بنية الاقتصاد الصيني كان محدودًا.
ووفق سودوورث، فقد نجحت الصين في تعزيز موقعها، حيث تنتج اليوم 60 في المئة من السيارات الكهربائية في العالم، وتهيمن على 80 في المئة من بطاريات تلك السيارات، معظمها من شركات محلية.
ومع عودة ترامب إلى المشهد بتصعيد جديد في الرسوم الجمركية، تواجه التجارة العالمية واحدة من أعنف الهزات في تاريخها الحديث.
ويثير هذا المشهد تساؤلين محوريين بحسب سودوورث: هل ستقبل الصين التفاوض؟ وإذا قبلت، فهل ستوافق على تقديم تنازلات كبيرة تشمل إصلاح نموذجها الاقتصادي القائم على التصدير؟ من الصعب التنبؤ برد بكين، نظرًا لطبيعة النظام السياسي الصيني ورؤيته للتنمية الاقتصادية كجزء من مشروع سيادي وطني.
كما أن سيطرة الحزب الشيوعي على المعلومات تجعل من غير المرجح أن تنفتح الصين أمام الشركات الأجنبية بالشكل الذي تطالب به واشنطن.
ويبقى هناك سؤال ثالث موجه إلى الولايات المتحدة نفسها: هل ما زالت تؤمن بالتجارة الحرة؟ إذ يشير ترامب مرارًا إلى أن الرسوم الجمركية ليست فقط وسيلة لتحقيق هدف، بل هي سياسة اقتصادية بحد ذاتها، تهدف إلى حماية الصناعة المحلية وزيادة الإيرادات.
وفي حال رأت الصين أن واشنطن تسعى من خلال هذه الإجراءات إلى تحقيق مكاسب داخلية لا تفاوض بشأنها، فقد تجد أن لا جدوى من المحادثات.
وهو ما قد يُفضي إلى مواجهة طويلة الأمد على الهيمنة الاقتصادية بين القوتين العظميين، في مشهد عالمي جديد يحمل في طياته الكثير من المخاطر.