أفقنا على فجر يوم صبي فيا ضحوات المنى إطربي

أتدرين يا شمسُ ماذا جرى سلبنا الدّجى فجرنا المختبي!

وكان النعاس على مقلتيكِ يوسوس كالطائر الأزغبِ

وسرنا حشوداً تطير الدروب بأفواج ميلادنا الأنجبِ

وشعباً يدوّي هي المعجزات مُهودي، وسيف المثنّى أبي

فولّى زمانٌ كعِرض البغيّ واشرق عهدٌ كقلب النبي

هكذا يصدح صوت الشاعر اليمني الراحل البصير عبدالله البردوني، في صبيحة يوم الثورة، السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، في قصيدة تاريخية طويلة بعنوان (ذات يوم)، وهو يخاطب الشمس مفشياً له سر هذا الضياء الذي أشرق على البلاد في وقت كان لا يزال النعاس يجثم على مقلتيها، موضحاً أنه يعود إلى فجر سلبه الثوار الأحرار من دجى النظام الكهنوتي المستبد، صانعاً أقوى المعجزات إن قورنت بأسوأ الأنظمة ديكتاتورية وعنصرية في تاريخ البلد قديماً وحديثاً، فكان يوم ميلاد هذا الشعب الذي خرج أفواجاً، ليطوي صفحة البغي أمام عهد أشرق كقلب نبي بصفائه ونقائه وطهارته على جميع أبناء الشعب ودون ان يستثني أحداً.

هذه ثورة 26 سبتمبر، التي جاءت تتويجاً لعديد انتفاضات ثورية تحررية، أطاحت بأسوأ الأنظمة الاستبدادية عالمياً في تلك الحقبة، وبالنسبة لليمنيين ليس كمثلها قديما وحديثا إلا نسخة الاماميين الجدد التي شهدتها البلاد عقب انقلابهم على النظام الجمهوري في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، مجسدين أنصع صور الحقد والانتقام من هذا الشعب، في محاولات لإعادته إلى تلك الحقبة، بل وأكثر سوءاً.

سنام أهداف الثورة

ثورة 26 سبتمبر، التي كان رأس سنام أهدافها المباركة، إعتاق وتحرر الشعب من النظامين (الامامي المستبد في شمال اليمن، والاستعماري في جنوبه)، ومخلفاتهما العنصرية والطبقية، وإزالة الفوارق والطبقات والامتيازات التي فرضها الاماميون المستبدون، بعد أن اغرق الشعب كل الشعب في وحل الأميّة، إلا من مدارس ما تسمى بـالكتاتيب "المعلامة" الخاصة بتعليم القراءة وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وعلى نفقة المجتمع نفسه.

وجل ما قدمه هذا النظام رغم ما يفرضه من ضرائب وزكاة على الشعب، وما يجني من ثروات البلاد، هو مدرسة الأيتام بصنعاء لتعليم القراءة والكتابة وبعض العلوم الفقهية، وهي حكر على بعض الايتام ومن يرغب الإمام بتعليمهم لابتعاثهم إلى خارج البلاد على أمل عودتهم لخدمته وحاشيته، وغالبيتهم كانوا من أبناء العائلات السلالية، إلا ما ندر، حتى جاءت ثورة 26 سبتمبر، واختزلت خدمات هذه المدرسة في الأيتام المستحقين من عوام الشعب وبدون تمييز طبقي، ونشطت أكثر من عام إلى آخر.

وعزز النظام الإمامي، مبدأ الجهل والتجهيل، بالخرافة، وغرس لدى الشعب قناعات مفادها أن قحط الزرع والضرع من غضبه أو رضاه وأبناء سلالته، وأن للسلالة قوى روحية تشفي المرضى، وتنبت ما في الأرحام، ولذا سادت الخرافة، وعم الظلم والفساد ومبدأ أنت وما تملك في خدمة "الإمام الحاكم"، وهو المبدأ الذي جددته هذه السلالة على يد مليشيا الحوثي المدعومة بشكل مباشر من النظام الإيراني.

وبحسب المؤرخين، وشهادة ضباط ومعمّرين عاشوا تلك الحقبة، بالنسبة لمن نجح عقبه في الإفلات من قيود الخرافة، وحاول ولو مجرد انتقاد النظام الكهنوتي -انذاك- وليس معارضته، فمصيره دجى الزنازين لعقود، وتلك القيود الفولاذية تكبل قدميه ومعصميه تشبكهما ببعض سلاسل حديدية، وعلى تلك الزنازين سجانون شداد غلاظ، لا يرى بعضهم الشمس إلا بالأسبوع والشهر مرة واحدة. ولذا كان ولادة الحركات الثورية حتمية بالنسبة لكل من حظي بفرصة تعليم ولو في (المعلامات) التي كانت تقام تحت الأشجار وفي كهوف الجبال القريبة من الأودية.

ولذا توجت هذه الانتفاضات الشعبية بثورة 26 سبتمبر، التي لم يكن مخاضها العسير حكراً على الضباط في جميع مراحلها، فزعامات قبلية كثيرة وكبيرة كانت ركناً أساسياً من أركان الثورة، سواء بالتخطيط أو المشاركة أو التمويل للثوار، أو ايوائهم، لا سيما والمشايخ القبليون من أكثر الذين تجرعوا مرارة هذا النظام الذي كان ينتزع منهم فلذات أكبادهم تحت ما يسمى "رهينة" والزج بهم في سجونه، لضمان ولاء هؤلاء المشايخ وعدم التمرد عليه.

ثــوّار وأبطال

ومن أبرز رجال ثورة 26 سبتمبر، محمد محمود الزبيري، احمد ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ، القاضي عبدالسلام صبرة، الفريق حسن العمري، محمد علي عثمان (الرهينة الذي تحول إلى ثائر)، علي عبدالمغني، عبدالله السلال، حمود بيدر، عبدالله الجائفي، وغيرهم الكثير.

أما قبلهم فأبرز ثوار الحركات التحررية، المقدم أحمد يحيى الثلايا، قائد الجيش في عهد الإمام أحمد حميد الدين، وهو القائد المدبر لحركة 1955 والإطاحة بحكم الإمام أحمد، إلا أنها باءت بالفشل ولم تستمر أكثر من 10 أيام، وكانت نهايتها إعدام الشهيد الثلايا في ميدان (الشهداء)، في مدينة تعز وهو قائل العبارة المشهورة "قبحت من شعب أردت لك الحياة وأردت لي الموت"، والتي جاءت ردا على اختيار الحاضرين ساحة الإعدام، عقوبة الإعدام للثلايا، حينما استخارهم الإمام، بين الإعدام أو العفو، وهي ردة فعل نتيجة عن خوف الشعب.

كذلك، الثوار الأبطال محسن حمود الهندوانة، عبدالله اللقية، ومحمد عبدالله العلفي، في محاولة اغتيال الإمام أحمد 1961، أثناء زيارته لمستشفى الحديدة (مستشفى الأحمدي)، أصيب على إثرها الإمام أحمد إصابات بالغة ومباشرة وسقط مضرجًا بدمائه، إلا أنه لم يمت وانما تظاهر بالموت. وهناك الكثير من الأبطال الذين شاركوا في مخاض هذه الثورة العظيمة في جميع الحركات التحررية، إلى أن نجحت صبيحة 26 سبتمبر 1926م.

القردعي.. شاعر وثائر

أما الزعامات ورجال القبيلة اليمنية، فكثر، ولكن أبرزهم الثائر علي بن ناصر القردعي المرادي، وينحدر من محافظة مأرب، وشيخ قبائل مراد، وأحد قادة ثور الدستور اليمنية عام 1948م، وتمكن من اغتيال الإمام يحيى حميد الدين في 17 فبراير 1948 في كمين نصبه في منطقة حزيز جنوبي صنعاء بطلقة نارية أردت الإمام قتيلاً. وكان شاعراً وفقيهاً وضابطاً وشيخ قبيلة.

وقد كان للإمام أحمد حميد الدين، والثائر علي ناصر القردعي، مساجلة شعرية، بعد نجاح الأخير في اغتيال الإمام يحيى، كان البدع للإمام أحمد بطريقة ما يعرف في اليمن بالزامل الشعبي، قال فيه متوعداً الثائر القرعي:

يا طير مهما طرت في جو السماء/ لا بد ما تنزل رضا ولا صميل

من وين با تشرب إذا جاك الضمى/ وان قلت ريشك يخزن الماء مستحيل

رد القردعي:

الطير حلف بالله وبالرب اقسما/ ما طاعكم لو تشعل الدنيا شعيـل

ما دام له جنحين حاكم محكما/ لا فك ريشه يقطع الخط الطويل


 

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: ثورة 26 سبتمبر الإمام أحمد

إقرأ أيضاً:

هل تؤسس ثورة غزة ضد حماس للسلام؟

في واشنطن وبروكسل والعواصم العالمية، لم يصدق الناس ما شاهدوه على شاشات الأخبار المتواصلة من شرق البحر المتوسط، إذ بمئات ثم آلاف المتظاهرين يحتجون ضد سطة حماس، للمرة الأولى منذ حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وربما المرة الأولى منذ تولي الحركة الحكم في القطاع.

ورغم قصف إسرائيل المتواصل لأهداف داخل القطاع منذ خريف 2023 لكن المحللين والمراقبين يتوقفون على أسئلة ثقيلة ومنها، من يقف وراء الاحتجاجات، هل تقف جهة إقليمية أو دولية أو فريق فلسطيني؟ هل إسرائيل دبرت المسألة؟ أم أن المجتمع الغزاوي هو الذي أفرز تلك الظاهرة؟ وبعدها تأتي موجة ثانية من الأسئلة، هل ستتحول التظاهرات إلى شبه انتفاضة؟ هل تتوسع؟ هل ستطول؟ هل ستنهار أم ستنتصر؟ إن كان ذلك حاصلاً فما السيناريوهات ومستقبل غزة في خضم التطورات الإقليمية والحروب والعلاقات الدولية. ولعلها معادلة مترابطة بين إيران وميليشياتها، و"السابع من أكتوبر" وحملة إسرائيل رداً عليها، وعامي حرب، وثورة في غزة على حكامها. فلنحاول في هذا المقال أن "نقشر" الحال المعقدة الدموية في القطاع ونفهم ما يجري أو في الأقل ما نراه.

هل هنالك معارضة لحماس في غزة؟

بالطبع داخل كل مجتمع قوة مسيطرة وقوة تعارضها، حتى تحت الاحتلال. وهذا كان الوضع في الأراضي الفلسطينية منذ انتهاء الحرب الباردة، منظمة التحرير في الصدارة والحركات الإسلامية تنخر من تحت. ومع وفاة القائد التاريخي ياسر عرفات عام 2004، بدأت الحركة الإسلامية الفلسطينية في تمددها ولا سيما داخل غزة، معقل "الإخوان" التاريخي. ومع الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، بدأ صراع وسباق على السلطة، مر بمواجهة دموية انتهت بانقلاب عسكري قامت به حماس ضد فتح، عام 2007 لتسيطر على القطاع لعقدين ونيف، ودخلت فتح وآخرون صف المعارضة. لكن مع مرور الزمن خرجت من داخل المجتمع الفلسطيني مجموعات اجتماعية شبيهة باليسار الليبرالي، ومشاركة في عهد الإنترنت منذ ظهوره. وكانت حماس المسيطرة على القطاع منذ صيف عام 2007 بنت قوة خارقة بعد الانقلاب على فتح، جمعت في مساحتها الدعمين الإخواني والإيراني ما وضع "المعارضة الفتحية" ومعارضة المجموعات الليبرالية في موقف مستحيل، قبل حرب السابع من أكتوبر.

مع اندلاع المواجهة العسكرية بين القوات الإسرائيلية و"المقاومة الإسلامية" في غزة منذ الثامن من أكتوبر، بدأت رحلة الـ18 شهراً من الحرب المدمرة التي تخطت غزة إلى إسرائيل فلبنان، وسوريا، والعراق، واليمن إلى الداخل الإيراني. وهذه الحرب لم تكن كسابقاتها ولم تعد العودة إلى الستاتيكو هي الهدف عند الإسرائيليين.

كسر هيبة حماس والمحور

إن تدمير الآلة العسكرية لحماس ومن بعدها حزب الله في لبنان، وتصفية قيادات القوتين الميليشياوية في القطاع ولبنان هزت تدريجاً هيبة حماس، والميليشيات الأخرى داخل المنطقة. فلا إسرائيل تراجعت ولا الدول العربية "انتحرت" في سبيل إنقاذ الجيش الحمساوي. وامتدت الضربات الإسرائيلية إلى حزب الله الحليف الشمالي لحماس، وأقعدته استراتيجياً. واخترقت أسراب من المقاتلات الإسرائيلية الأجواء الإيرانية وضربت الدفاعات الجوية للنظام وقلمت أظافره، فتقلصت قدرة "الجمهورية الإسلامية" على حماية قطاع غزة، وأدركت القيادة الحمساوية أن "النجدة الخمينية والإخوانية" لن تصل، لا لغزة ولا حتى أطراف الدولة العبرية. ومن وسط الأنقاض والبيوت المدمرة بدأ الناس يتكلمون عن ضرورة وقف الحرب، ليتمكن فلسطينيو القطاع أن "يعيشوا" كبشر. ووصلت الحرب المدمرة إلى حدود انهيار الصبر لدى المجتمع المدني، فسقطت قدسية "المقاومة العسكرية" ضد إسرائيل وبدأت مشروعية "المقاومة السلمية" ضد حماس.

 معارضة حماس من أين؟

سيتم تجميع الوثائق ومعرفة جذور معارضة حماس خاصة منذ 2007، لكن انتشار مسيرات الغزاويين ضد السلطة الحاكمة في القطاع بات يسلط الضوء على بعض الظواهر الكامنة وراء التحركات الشعبية المتلاحقة. وأهم معارضي حماس وأولهم كانوا ولا يزالون أعضاء وأنصار حركة فتح، ومؤيدي السلطة الفلسطينية، الذين ذاقوا الأمرين من حماس، لا سيما إبان انقلاب عام 2007 وبعده. وبعد "السابع من أكتوبر" بنحو شهرين بدأ على الـ"سوشيال ميديا" ظهور لمجموعات من اللاجئين الخارجين من غزة باتجاه مصر وهم ينددون بتهور حماس، ومسؤوليتها عن الدمار والخسائر الفادحة للأهالي، إلا أن الجو العام للإعلام كان يعكس تأييداً لسلطة حماس، رغم المآسي على الأرض.

لكن ظاهرة أخرى بدأت تهز ثقة الناس في حكامهم، وهي الفيديوهات التي ظهرت عن تعذيب الميليشيات لفتيان داخل غزة متهمين بـ"السرقة"، بما فيه الطعام والخبز، وسربت تقارير عن تصفيات لمن عدتهم الحركة "جواسيس" بينما هم مجرد معارضين للحركة، ولهذه الحرب. وهنا تذمرت جماعات أكبر من المواطنين داخل القطاع من قمع حماس بحقهم. المعترضون حافظوا على امتعاضهم من إسرائيل بسبب القصف لكنهم بدأوا ينتقدون نظامهم، لا سيما أن حماس تنسق حربها مع النظام الإيراني.

انهيار الجسر

ومع انسحاب جماعة حزب الله، وبعدها سقوط نظام الأسد كلياً، أدركت المعارضة الغزاوية لحماس أن هذه الأخيرة لن تكسب المعركة، وأن إطالة الحرب باتت كارثة. وبحسب بعض المعلومات فإن التحضيرات للتظاهرات بدأت منذ أشهر، وإن هنالك هيئات تنسيق في الداخل تقف وراء المسيرات. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير إعلان الرئيس الأمريكي عن مشروع لنقل أهالي غزة إلى دول أخرى، بينما تُصلح المؤسسات ويُعاد الإعمار. وكان لهذه التصريحات أثر عميق خوفاً من ترك الأرض، بينما حماس تستمر في جهادها ولا تأبه بجهاد الناس الحياتي، فانفجرت الاحتجاجات وتوسعت.

مقالات مشابهة

  • لأول مرة.. الرئيس السوري يؤدي صلاة العيد في قصر الشعب بدمشق
  • صلاة العيد في قصر الشعب بدمشق لأول مرة في تاريخ سوريا الحديث (صور)
  • الآلاف يحتشدون في الجوامع والساحات العامة التي حددتها وزارة الأوقاف في مختلف المدن السورية لأداء صلاة عيد الفطر المبارك، وذلك في أول عيد بعد تحرير البلاد وإسقاط النظام البائد.
  • أسرار بدلة الزنجباري التي ارتداها رامز جلال في برنامجه.. فيديو
  • عفو عام عن رئيس غينيا الأسبق المدان بجرائم ضد الإنسانية
  • بث مباشر.. نقل شعائر آخر ليالي صلاة التراويح من مسجد الإمام الحسين بالقاهرة
  • أول صور من داخل حديقة الحيوان بالجيزة أثناء التطوير.. والافتتاح سبتمبر المقبل
  • هل تؤسس ثورة غزة ضد حماس للسلام؟
  • الرئيس السيسي يوفد مندوبا للتعزية في وفاة زوجة الراحل أحمد بهاء الدين
  • هكذا احياء اليمنيون يوم القدس العالمي