فشل إستراتيجية المغالبة في مقاربة الهجرة بالمتوسط
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
اتفاق الشراكة مع تونس يمكن تعميمه ليشمل دول شمال إفريقيا التي تعاني وبإمكانيات محدودة في الحرب على المهربين.
أظهر الأوروبيون في الأيام الأخيرة تلاحماً في وجه موجات الهجرة
من الواضح أن أوروبا ليست متحدة حول مقاربة الشراكة مع دول جنوب المتوسط
أظهر الأوروبيون في الأيام الأخيرة تلاحماً في وجه موجات الهجرة القادمة من جنوب المتوسط، وخاصة من تونس وليبيا.
ومن حق الأوروبيين أن يتحركوا بما أوتوا من قوة للدفاع عن أمنهم القومي وحماية إيطاليا التي تمثل جدار الصد الأول في مواجهة اللاجئين، ولديهم أسباب كثيرة تجعلهم يتحركون بهذا الحماس، منها أن اقتصاداتهم لم تعد قادرة على تحمل أعباء جديدة، وأن أنظمتهم المجتمعية القائمة على الرفاهية القصوى لخدمة المواطن الأوروبي، باتت عاجزة عن أداء دورها في ظل ارتفاع أعداد المهاجرين وتمتعهم بالخدمات.
تضاف إلى ذلك المخاوف الأمنية وصعود اليمين الشعبوي الذي يعتقد أن حل أزمة أوروبا يكمن في طرد المهاجرين ووضع إستراتيجية لوقف تدفق أعداد جديدة.
لكن هذه الحقوق لا يمكن أن تتحقق بالمقاربة الأمنية وبعقلية المغالبة، بأن تفرض على دولة مثل تونس أن تنهض بدور أقصى من الجهد لمواجهة تدفقات قادمة من الجنوب، يكفيها أن تتفرغ لمنع هجرة الآلاف من شبابها الذين يغامرون بـ "الحرقة" بكل الطرق.
والدولة، أيّ دولة، مهما كانت حريصة ومتيقظة مئة في المئة فلن تقدر على أن تمنع تسلل القوارب نحو المتوسط، وهذا ما يحصل مع إيطاليا التي اضطرت الآن للاستنجاد بالشركاء الأوروبيين من أجل وقف موجات اللاجئين التي تضاعفت مرات ومرات في الأسابيع الأخيرة، بسبب التطورات الحاصلة في دول الساحل والصحراء.
ما تلام عليه أوروبا أنها تنظر بعين واحدة، وتعتقد أن تونس لا تقوم بما يكفي من أجل وقف هذه التدفقات، في حين أن الأمر مرتبط بالإمكانيات والظروف التي تعيشها.
لا تمتلك تونس الإمكانيات اللوجستية الكافية لمواجهة مهربي البشر، ولا الإمكانيات البشرية، وليس في وسعها مضاعفة ميزانية مهمة التصدي للهجرة لأن لديها تحديات اقتصادية واجتماعية أخرى كبيرة، وهي تعمل على ملاءمة إمكانياتها مع وضعها الداخلي في ظل أزمة مالية واقتصادية حادة من تأثيرات الكوفيد وآثار الأزمة الغذائية العالمية، فضلاً عن سوء إدارة داخلية متراكمة منذ ما بعد ثورة 2011.
كان يفترض أن تبادر أوروبا إلى دعم تونس بالفعل وليس بالقول، وتنفيذ مخرجات اتفاق الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وتونس في يوليو الماضي، والذي تعهد بموجبه الأوروبيون بدعم تونس بحوالي مليار دولار على أقساط بالتوازي مع درجة التزامها في الحرب على مهربي البشر.
لم يحصر الاتفاق تفاصيل الدعم في جانب الحرب على الهجرة السرية، بل طال تفاصيل اقتصادية واستثمارية أخرى ضمن رؤية تقوم على تقوية إمكانيات تونس الاقتصادية ودعم النظام حتى يكون قادراً على أداء مهامه على جبهة البحر.. وبشكل أوضح، فإن الأوروبيين باتوا على دراية كافية بأن تونس لن تنهض بدور حراسة البحر ما لم يتم دعمها على مواجهة أزماتها المختلفة.
أمضى الاتحاد الأوروبي الأشهر الأخيرة في الانتظار.. لم يبادر بتنفيذ الخطوات الأولى للدعم، وظل يراقب جهود تونس في مواجهة الهجرة، ويرسل بعض مسؤوليه بالانتقادات من دون أن يتدخلوا لضخ الأموال العاجلة التي تمكّن في الحد الأدنى من زيادة قدرات حرس السواحل على التصدي للهجرة.
وفي موقف متعال، ويعكس التناقض الأوروبي، قالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية آنا بيسونيرو خلال مؤتمر صحفي، الإثنين، في بروكسل إن "تونس لم تحصل حتى الآن على يورو واحد" من الاتحاد الأوروبي في إطار المذكرة، مشيرة إلى أن عملية الدفع "تستغرق بعض الوقت"، كما نوهت بأن الاتفاقية "لا تقتصر على الهجرة".
وهذا الكلام يعني نقل الاتفاق إلى مجالات أخرى تأويلية من بينها "مراقبة" حقوق الإنسان، كما جرى قبل أيام من خلال زيارة وفد من البرلمان الأوروبي كان يعتزم القيام بها إلى تونس، مع معرفة مسبقة بأن خلفية الزيارة أساسها الصدام مع الرئيس التونسي قيس سعيد في ظل موقفه المتشدد بشأن السيادة الوطنية، ورفض فكرة المراقبة مطلقا بما في ذلك خلال الانتخابات.
ليس الأوروبيون في وضع يسمح لهم بلعب دور الأستاذ، الذي لا يأتيه الخطأ من بين يديه ولا من خلفه. الوضع تغير وأوروبا في حاجة إلى شركاء للحد من موجات الهجرة، وهي في حاجة أيضاً إلى مقاربة أوسع لإخراج هذه القضية من بعدها الأمني الظرفي إلى معالجة أشمل تساعد فيها الدول التي تنطلق منها موجات الهجرة من جنوب الصحراء وشمال إفريقيا.. شراكة على أسس صلبة تخدم مقاربة الأمن القومي على المدى البعيد.
ونأمل أن يكون قرار الاتحاد الأوروبي تخصيص 127 مليون يورو مساعدات لتونس الجمعة يعبّر عن جدية في تنفيذ اتفاق الشراكة الأخير ليكون نموذجاً يمكن توسيعه ليشمل بقية دول شمال إفريقيا التي تعاني كل على حدة وبإمكانيات محدودة في الحرب على المهربين، وخاصة في مهمة إيواء وإعاشة عشرات الآلاف من الهاربين من حروب جنوب الصحراء وأزماته.
ومن الواضح أن أوروبا ليست متحدة حول مقاربة الشراكة مع دول جنوب المتوسط للتخفيف من تدفقات الهجرة، وأن إيطاليا هي التي تتحمس لهذا المسار بسبب الضغوط المباشرة التي تعيشها، وإلا لتمّ التسريع بتنفيذ الاتفاق مع تونس وفتح قنوات تواصل مع بقية الشركاء في شمال إفريقيا.
والحقيقة فما تقوله رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بشأن الاتفاق مع تونس هو خطاب واقعي، فهي تريد شراكة براغماتية بين دول الجنوب ودول الشمال، الكل يستفيد منها، واحد بالدعم المالي والاستثماري، والثاني بالمزايا الأمنية.. ليس مهماً موقع ميلوني في اليمين أو الوسط، المهم نتائج المقاربة وواقعيتها.
وقالت ميلوني إن الاتفاق الموقع بين الاتحاد الأوروبي وتونس، في يوليو الماضي، "لا يزال هو الحل الأكثر منطقية" للأزمة، مضيفة "نحتاج إلى إتمام هذا النموذج والحصول على الموارد الضرورية، وبعد ذلك يمكن أيضاً استخدام المخطط ذاته مع الدول الأخرى في شمال إفريقيا".
وليست أوروبا وحدها التي عليها أن تنهض بدور فعال وتنفق الأموال الكثيرة لمقاربة تعقيدات ملف الهجرة، فدول جنوب المتوسط عليها أن تنظر إلى الموضوع من منظار أمنها القومي، وأن تقوّي التنسيق مع الأوروبيين لمواجهة التدفقات التي سيكون لها تأثير سلبي على المدى البعيد على دول مثل تونس وليبيا والجزائر.
لن تجد هذه الدول في المستقبل أيّ فرص لهجرة شبابها نحو أوروبا بما في ذلك الذين يغادرون بطرق قانونية وفي مهمات مطلوبة بكثرة حالياً.. بعد سنوات سيجدون أن طاقة الاستيعاب في أوروبا باتت أكثر من المطلوب، وأن أبواب "الحرقة" موصدة تماماً، وهو ما يعني أزمات إضافية وتعقيدات جديدة في الداخل.
الحملة الأمنية واسعة النطاق التي قامت بها تونس قبل أيام في محافظة صفاقس، لم تكن فقط رسالة طمأنة لأوروبا بأن تونس ملتزمة بما عليها في اتفاق الشراكة، ولكن أيضاً تأميناً من تونس لاستقرار إحدى أكبر محافظاتها أهمية جغرافياً واقتصادياً.
إن أسلوب المغالبة في إدارة أزمة الهجرة لن يفيد أوروبا ولا جيرانها العرب من جنوب المتوسط، لأنه سيسمح بالمزيد من التدفقات ويضاعف تأثيراتها السلبية، لكن الشراكة المتكافئة القائمة على التفاهم والتعاون السريعين هي الأقدر على تحقيق الهدف بأقل الخسائر.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الاتحاد الأوروبی اتفاق الشراکة شمال إفریقیا جنوب المتوسط الحرب على
إقرأ أيضاً:
الشخصية الليبية بين نقمة القبلية وجشع الغنيمة وقهر المغالبة!
لكل مجموعة بشرية طبيعة وتاريخ وواقع معاش تتأثر بمحيطها، ولذلك ليس من السهل فهم طبيعة شخصية أي مجتمع إلا من خلال دراسة العديد من الجوانب المهمة، منها المعقدة وأخرى متعددة ومتشابكة ومليئة بالمواقف والمشاهد والأحداث التاريخية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وظروف أخرى تتعلق بالأوضاع المحيطة والبيئة المعاشة، ولفهم الشخصية الليبية لابد من مراجعة تاريخية لنشأة المجتمع الليبي من حيث مكوناته وظروفه التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية أيضاً.
إذا أخذنا بفرضية دكتور وناس المتمحورة حول (الشخصية الليبية في القبيلة والغنيمة والغلبة) فإن منطلقات هذه الفرضية تدعم حقيقة عدم توازن الشخصية الليبية نتيجة لتضارب تلك المفاهيم، وما صاحب هذه الشخصية من مظاهر سلوكية سلبية لم تتخلص منها عبر عقود طويلة من الزمن، وزادت تجدراً نتيجة التشبث بالبداوة التي يغلب عليها طابع التحرر من القيود الإدارية والقانونية والأمنية، وغياب الرؤية الاستراتيجية أو العلمية لمواكبة التطورات السريعة في عالم السياسة والأمن والاقتصاد والاجتماع، وهذا بالتالي يفسر ضعف القدرة على المشاركة في البناء والتنمية واستشراف المستقبل.
وفي اعتقادي هذا ما تعاني منه الشخصية الليبية من خلال الواقع المعاش ومن خلال التجارب السابقة والأحداث الأليمة الجارية، ما يفسر جلياً ظاهرة الانقسامات السياسية التي يشوبها الغموض والتعقيد والارتباك وعدم الثقة في الآخر، بل نستطيع القول أن السلوك الفردي والجماعي في اطار الشخصية الليبية تاريخياً يغلب عليه طابع الأنانية الاجتماعية وطغيان نزعة القبيلة على قيم الدولة.
إذا سلمنا أن الشخصية الليبية تقوقعت في دائرة قيم (القبيلة – والغنيمة – والغلبة – والفزعة) فلابد أن نشير إلى أسباب تشبث الشخصية الليبية بهذه المفاهيم والسلوكيات وفهم الدوافع التي حدت من سرعة تطور الشخصية الليبية ووضعها في قوالب حضارية رغم الأحداث والمعاناة، ورغم تسارع وتيرة التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني، علاوة على ذلك التسارع الدراماتيكي في حركة التطور المعرفي والفكري والثقافي الذي شهده العالم المعاصر إلا إن الشخصية الليبية لم تتكيف وتنصهر مع تلك المعطيات وشاب كيانها درجة من الغموض والجمود.
تناولت بعض الدراسات تحليل الشخصية الليبية أهمها دراسة للدكتور “وناس” الذي بلور في تفسيره وتحليله للشخصية الليبية عوامل ثلاثة لتفسير السلوك والشخصية الليبية، هي ثالوث “القبيلة والغنيمة والغلبة ولإيثار”.
أما المرحوم عبد الحميد البكوش 1996م، فقد حصر تحليله للشخصية الليبية في عامل “الانتماء”، ولكنه لم يحدد كيفية ووجهة الانتماء، ولم يربط بين الارتباط التكويني للانتماء المكاني والانتماء البشري، وفي السياق ذاته، هناك دراسات تناولت الهوية الوطنية دون التركيز على الشخصية الليبية التي هي أساس الهوية الوطنية والأساس لبناء الدولة واستقرارها ونموها وتنميتها وأمنها والدفاع عن مقدراتها.
ولما كانت الشخصية الليبية تفتقد في اعتقادي إلى الاستقرار وعدم توازن مفاهيم الهوية والانتماء والحقوق والواجبات التي تعتبر من اهم مقومات الموطنة.
ونتيجة للظروف التي مرت بها ليبيا عبر التاريخ وبمراحله غير المستقرة وغير الآمنة التي بلورت الشخصية الليبية في قالب يعوزه الشعور بالسلم الاجتماعي والثقة في الآخرين، ويتضح ذلك جلياً في التشبث بالقبيلة والمغالبة في غياب قيم ومفاهيم الحقوق والواجبات الوطنية، وفي غياب العدالة الاجتماعية وتغليب السلوكيات والأدبيات القبلية والمناطقية والجهوية، الأمر الذي أسس لحالة من الفوضى وتقييد قيام الدولة الوطنية المدنية.
وعلى الرغم من تأصيل الشخصية الوطنية عبر مراحل مؤرخة من تاريخ ليبيا حول قضايا عليا مثل الكفاح والنضال وتحرير ليبيا من الاستعمار واشتراك اطياف المجتمع وتشاركهم لقيم واهداف تحررية وبنوية اهمها الاستقلال وبناء الدستور وتأسيس قواعد وملامح الدولة الليبية، لعلها كانت قيم مشرفة تبنتها الشخصية الليبية الا أنها سرعان ما سيطرت قيم وسلوكيات لها جذور وتفاسير ومرجعيات تاريخية قديمة قدم تنقلات الجماعات البشرية من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمان والماء والغذاء والكساء فبرزت قيم القبيلة والمغالبة وعدم الثقة في الآخرين، الأمر الذي شتت جهود بناء الدولة المدنية الوطنية وأخر عوامل تهيئة المناخ الملائم لها، فحرمت الشخصية الليبية من فرص الارتقاء الحضاري لمستوى الفهم العميق لقيم الوطنية وحقوق وواجبات المواطنة، وإعلاء مبادئ القانون والعدالة والتعايش السلمى وتقديم مصالح الوطن العليا فوق مصالح الجميع.
إن شيوع قيم ومفهوم المغالبة والقبيلة على قيم ومفهوم الانتماء للوطن، وتقديم قيم ومفهوم الغنيمة على مفهوم العدالة الاجتماعية، عوامل اسهمت في بناء شخصية غير متزنة وغير مستقرة وليس لها ثقة في الآخرين، بالمقابل، من خلال قراءة معمقة لتاريخ ليبيا القديم والمعاصر، نلاحظ تردد الشخصية الليبية في قراراتها المتعلقة بالمسامحة والمصالحة والعدالة الانتقالية، وهي بطبيعة الحال ليست مطلقة، بل انها تحددت بفعل الظروف المعيشية والاوضاع السياسية والامنية غير المثالية التي شاعت في تلك الحقب من تاريخ ليبيا، وذلك يرجع أيضاً إلى غلبة قيم وسلوكيات ومفاهيم المغالبة والأنانية والقبلية، وفي غياب تام أو عدم القدرة على الاستيعاب أو الشعور بالمساواة والمشاركة والعدالة في الحقوق والواجبات، وإن كانت هناك محاولات للخروج من هذه الاشكاليات والسلوكيات والخروج من ثوب القبيلة والغنيمة والمغالبة، إلا أنه سرعان ما تطفوا تلك القيم الهدامة لقواعد وهياكل الدولة والممزقة للحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي على محاولات الانتقال إلى مجتمع حضاري متماسك ومتعايش سلمياً يسوده قيم الدولة والمواطنة والعدالة ووحدة الاهداف نحو السيادة والاستقرار والتنمية والبناء، ولعل تلك المظاهر تسببت في تراكم السلبيات والتقلبات وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي.
للأسف الشديد لازالت الشخصية الليبية متأثرة بعوامل يغلب عليها قيم ثالوث الجهل “القبيلة والغنيمة والمغالبة”، ويتضح ذلك جلياً في الصراعات السياسية الدائرة حالياً، ويمكننا مشاهدة ذلك في الممارسات السياسية والانقسامات والحروب الدائرة نتيجة المحاصصة غير العادلة والناتجة عن قيم متجذرة في الشخصية الليبية منهجها وممارساتها المتأسسة على قيم “القبيلة والغنيمة والمغالبة”، وبالنتيجة، يمكن تفسير تمترس الكثيرون في مناصبهم بسلاح ونفوذ قبائلهم وابناء عمومتهم وشركاء مصالحهم لعدم ثقتهم في نوايا الآخرين تجاههم أو لعدم ثقتهم في قدرة مؤسسات الدولة على تأمين حياتهم وبقائهم، فتمارس القبيلة وظيفة الدولة لتوفير الحماية وتنصيب وتأمين وضمان بقاء واستمرار ابنائهم واقاربهم في مواقعهم التي لا سلطان للقانون والدولة والضمير عليها، بقائهم في مناصب تحقق لهم ارضاء القبيلة وتعظيم الغنيمة في ضل غلبة النفود والسلاح، ومع غياب معايير الدولة والوطن للثواب والعقاب، استشرى الفساد في مؤسسات الدولة ومفاصلها، بسبب ممارسة قيم “الغنيمة” المتجذرة في العمق التاريخي للشخصية الليبية، وسيبقى الحال في تقديري على ما هو عليه، إن لم يتأزم ويزداد سوأً، إذا لم نتوصل إلى حل متغيرات معادلة العلاقة الحرجة لثالوث الجهل “الغنيمة، المغالبة، القبيلة”، وقلب الظروف والاوضاع لبناء نموذج عصري لثالوث البناء “مواطنة،، مصالحة،، عدالة ومصارحة”.
إن من مظاهر فشل الدولة عدم قدرتها على بسط سيطرتها وفرض سطوتها وسلطانها على مؤسساتها ومقدرات وثروات شعبها، وتهيئة المناخ المحفز على محاكاة قيم المغالبة والغنيمة والقبيلة مع الواقع والاوضاع الهشة في ليبيا، فاستقوى غانمي ثروات البلاد بسلاح ونفوذ قبائلهم وشكلوا مراكز قوى خارج دائرة فعل المترهلة، فسيطروا على مواقع الدولة وموانئها ومنافذها وخزائنها ومناطقها، بل سيطروا على مراكز وشخوص صنع واتخاذ القرار بغلبة وقوة الأقوياء وبسط نفوذهم وسطوتهم على الضعفاء والجبناء ممن ليس لهم للوطن انتماء أو ولاء، الأمر يتطلب إلى وقفة جادة في إطار التنمية السياسية وبناء الشخصية الليبية الوطنية، وهذا يحتاج الى دولة وطنية مدنية مستقرة يسودها القانون والعدالة الاجتماعية ، وتوزيع عادل للثروة، ودستور يحتكم إليه الشعب بعد تغييب قيم المغالبة والغنيمة والقبيلة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.