اجتمع زعماء العالم العام الماضي، كما يفعلون في كل سنة في نيويورك، حينها أطلق الأمين العام للأمم المتحدة ناقوس الخطر العالمي بشأن بقاء البشرية والكوكب. وهذا العام، دق ناقوس الخطر بصوت أعلى وبصورة أكثر خطورة، وكانت الرسالة أكثر إلحاحاً: استيقظوا واتخذوا الإجراءات اللازمة الآن.

وكان تقييم الأمين العام أنطونيو غوتيريش، الذي أدلى به بأسلوبه الجاد، يهدف إلى صدم المستمعين.

وقال: لقد أصبحنا "مضطربين". نحن نقترب من "الكسر الكبير". 

وسلط الأمين العام للأمم المتحدة الضوء على تصاعد الصراعات والانقلابات والفوضى حول العالم، وأزمة المناخ الآخذة في الارتفاع. وزيادة الانقسامات عمقا بين القوى العسكرية والاقتصادية، بين الشمال الأكثر ثراء والجنوب الأكثر فقرا، والشرق والغرب. بالإضافة إلى التحديات التي تفرضها القفزة الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي.

لقد تحدث غوتيريس كثيرا عن كل هذه القضايا. ولكن هذا العام، الذي وصفه بأنه "فترة انتقالية فوضوية"، كان خطابه أمام القادة أكثر صرامة وإلحاحاً. وبالنظر إلى خطاباته السابقة عن وضع العالم، يبدو من الواضح أنه كان يمهد الطريق لما يحصل الآن.

وفي أول خطاب له أمام زعماء العالم، في عام 2017، بعد توليه رئاسة الأمم المتحدة المؤلفة من 193 عضوا، أشار غوتيريش إلى "الخطر النووي" باعتباره التهديد العالمي الرئيسي.

وبعد ذلك بعامين، كان يحذر من انقسام العالم إلى قسمين، مع قيام الولايات المتحدة والصين بإنشاء شبكات إنترنت وقواعد مالية متنافسة للعملات وتجارة  واستراتيجيتيهما الجيوسياسية والعسكرية ذات المحصلة الصفرية". وحث على اتخاذ إجراءات صارمة "لتجنب الكسر الكبير".

ثم جاءت جائحة كوفيد-19  في أوائل عام 2020. ولم تحدث الاستجابة العالمية التي دعا إليها غوتيريش قط. إذ حصلت الدول الغنية على اللقاحات وتركت الدول الفقيرة تنتظر. وفي اجتماع الزعماء، العام الماضي، كانت رسالته بنفس خطورة رسالة هذا الأسبوع: "إن عالمنا معرض للخطر ومصاب بالشلل"، مضيفا "لقد وصلنا إلى طريق مسدود في خلل عالمي هائل".

وفي هذا العام، كانت رسالته إلى الرؤساء ورؤساء الوزراء والملوك والوزراء المجتمعين في قاعة الجمعية العامة الواسعة واضحة وصارخة.

وقال غوتيريش: "يبدو أننا غير قادرين .. على الاتفاق معا للاستجابة".

مستقبل العالم وأممه "المتحدة"

في قلب خطابات غوتيريش العديدة هذا الأسبوع، كان مستقبل الأمم المتحدة، وهي مؤسسة تشكلت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية لجمع الدول معا وإنقاذ الأجيال القادمة من الحروب. ولكن في عالم القرن الحادي والعشرين الذي أصبح أكثر ترابطا وأكثر انقساما أيضاً، فهل يمكن أن يحمل هذا التكوين نفس الأهمية؟

بالنسبة لغوتيريش، الجواب واضح: لا بد منه.

شهدت الحرب الباردة قوتين عظميين: الولايات المتحدة الرأسمالية والاتحاد السوفييتي الشيوعي. وعندما انتهت، كانت هناك فترة وجيزة من القطبية الأحادية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه إلى روسيا المهيمنة وجمهوريات سابقة أصغر. وهي الآن تنتقل إلى "عالم متعدد الأقطاب" أكثر فوضوية، وتخلق، كما يقول غوتيريش، فرصا جديدة لمختلف البلدان للقيادة.

سؤال يختبئ وراء خطابات الأمم المتحدة.. هل العالم قابل للحكم؟ لنعمل معا، اعملوا هذا وحدكم، "العالم على حافة الانهيار"، لكن المستقبل يمكنه أن يكون واعدا، هذه لقطات لما صرح به قادة العالم خلال اجتماعات الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، حيث اختلطت الحروب والصراعات بآمال تحسين الظروف تحت سقف واحد، لكتابة الفصل القادم من "حلم مشترك"، وفق تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس.

لكن الحجة الرئيسية التي يطرحها غوتيريش متجذرة بالتاريخ. ويقول إنه يعلمنا أن العالم الذي يضم العديد من مراكز القوة ومجموعات صغيرة من الدول لا يمكنه حل التحديات التي تؤثر على جميع البلدان. ولهذا السبب هناك حاجة إلى مؤسسات عالمية قوية، بحسب ما ذكره للزعماء، يوم الخميس، مشيرا إلى أن "الأمم المتحدة هي المنتدى الوحيد الذي يمكن أن يحدث فيه هذا".

والسؤال الكبير، الذي يركز عليه غوتيريش الآن بشكل مكثف، هو ما إذا كانت المؤسسة، التي وُلدت في عام 1945، وهو الوقت الذي كانت فيه أدوات معالجة الفوضى والانقسام بدائية، وأنه يمكن إعادة تجهيزها وتحديثها حتى تتمكن من التصدي لتحديات اليوم.

وأضاف "ليست لدي أي أوهام .. الإصلاحات هي مسألة قوة. أعلم أن هناك العديد من المصالح والأجندات المتنافسة. ولكن البديل للإصلاح ليس الوضع الراهن. والبديل للإصلاح هو المزيد من التشرذم. إنه الإصلاح أو التمزق".

بالتالي، هذه هي المعضلة التي تنتظر الأمين العام للأمم المتحدة: هل تستطيع 193 دولة ذات أجندات متنافسة إجراء إصلاحات كبرى؟

ولمواجهة هذا التحدي، دعا غوتيريش زعماء العالم إلى حضور "قمة المستقبل" في التجمع العالمي للأمم المتحدة، في سبتمبر المقبل، والتفاوض على "ميثاق من أجل المستقبل" في العام المقبل. وفي اجتماع عقد يوم الخميس للتحضير، قال للوزراء إن الاتفاقية "تمثل تعهدكم باستخدام كافة الأدوات المتاحة أمامكم على المستوى العالمي لحل المشاكل، قبل أن تطغى تلك المشاكل علينا".

وقال الأمين العام إنه يعلم أن التوصل إلى اتفاق سيكون صعبا، مستدركا "ولكن ذلك ممكن".

"انكسار" واضح

ويقول غوتيريش إن الوقت لا يسير لصالح الأمم المتحدة والدول التي تدعم عودة العمل العالمي الموحد. ولعل هذا هو السبب الذي يجعل كلماته تزداد خطورة كل عام.

ويشير إلى صراعات جديدة مثل أوكرانيا، وتوترات جيوسياسية أكثر حدة، وعلامات على "انهيار المناخ"، وأزمة تكاليف المعيشة والديون والتخلف عن السداد التي تربك المزيد من البلدان أكثر من أي وقت مضى.

وقال غوتيريش: "لا يمكننا أن نتقدم نحو الاتفاق بينما يتجه العالم نحو الهاوية .. يجب علينا أن نضفي طابعا عاجلا جديدا على جهودنا وإحساسا جمعيا بالهدف المشترك".

لكن القول أسهل من الفعل، كما توضح الاجتماعات رفيعة المستوى التي انعقدت هذا الأسبوع والأولويات والمشكلات التي تثيرها.

هل تستطيع جميع دول الأمم المتحدة البعيدة أن تتحد خلف هدف مشترك؟ ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيحدث في الأشهر الـ 12 المقبلة. بالتأكيد هناك دعم. ولنتأمل هنا وزير خارجية جزر البهاما، فريدريك أودلي ميتشل، الذي ألقى كلمة أمام التجمع العالمي الجمعة، قال فيها: "الآن، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى الأمم المتحدة".

وقال ريتشارد غووان، مدير مجموعة الأزمات الدولية بالأمم المتحدة، إن خطاب غوتيريش عن حالة العالم يتحدث عن "الحقيقة أمام السلطة" وكان تقييما صريحا وكئيبا بشكل خاص.

وقال غووان: "يبدو أنه يعتقد حقا أن النظام متعدد الأطراف مُعطَّل بأساسه"، مضيفا أن الأمين العام يبدو محبطا بعد سنوات من التعامل الصعب مع مجلس الأمن الدولي المُنقسِم، في إشارة إلى الانشقاق المتزايد بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مع روسيا والصين.

وقال غووان: "في بعض الأحيان يبدو الأمر وكأن غوتيريش لم يعد يؤمن بالمؤسسة التي يقودها".

بالنسبة لغوتيريش، تمثل "قمة المستقبل" فرصة ولكنها تمثل أيضا نقطة فاصلة محتملة، بين مستقبل أكثر إشراقا ومستقبل أكثر بؤسا، بين فرصة للتقدم واحتمال إغلاق الباب.

أما بالنسبة لغووان، ستكون هذه "الفرصة الأخيرة لأعضاء الأمم المتحدة للعمل معا وإعادة التفكير في كيفية عمل النظام متعدد الأطراف".

وقد يمثل ذلك ذروة لا يمكن التغلب عليها بالنسبة لأكبر دبلوماسي في العالم.

ووصف مارك مالوك براون، رئيس مؤسسات المجتمع المفتوح والنائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة، أن خطاب غوتيريش الرئيسي أمام زعماء العالم بأنه "اعتراف شجاع وصريح بأن الأمم المتحدة معطلة، ولم تعد صالحة للغرض" الذي أنشأت لأجله.

وقال مالوك براون: "المشكلة هي أنه بسبب ذلك بالتحديد، لا يمكن لأحد أن يسمعه .. ربما يتحدث إلى غرفة فارغة". 

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: العام للأمم المتحدة الولایات المتحدة الأمم المتحدة الأمین العام زعماء العالم هذا الأسبوع لا یمکن

إقرأ أيضاً:

اجتماع إسرائيلي لتحديد مصير الهدنة في لبنان وإنذارات جديد لسكان الضاحية

أعلن الجيش الإسرائيلي للسكان المتواجدين في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت عن نيته قصف مبان وحددها في خرائط مرفقة مع هذا الإعلان وتقع في منطقتي “برج البراجنة” و”تحويطة الغدير”.

وفي إنذار آخر لنفس المناطق الموزعة في الضاحية الجنوبية، أعلن الجيش الإسرائيلي أنها ستتعرض لقصف وشيك وطالب السكان المتواجدين بالقرب ممّا وصفها بـ”منشآت ومصالح تابعة لحزب الله” بالإخلاء والابتعاد عنها فورا لمسافة لا تقل عن 500 متر.

ويعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، اليوم الثلاثاء، مشاورات أمنية، قبل أن يجتمع بالمجلس الوزاري المصغر في حوالي الساعة الثانية ظهرا بتوقيت غرينيتش، للمصادقة على الاتفاق المقترح لوقف الحرب في لبنان، وسط معارضة وُصفت بـ”الشديدة” من قبل رؤساء سلطات محلية في شمال إسرائيل، وأعضاء بالائتلاف والمعارضة.

وأجرى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، اتصالاً برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الإثنين، “ودعاه إلى إعلان الاتفاق المرتقب باسم لبنان، كون حكومته تمثل حالياً صلاحيات رئيس الجمهورية”.

كما ذكرت وسائل إعلام لبنانية، نقلا عن مصادر مقربة من رئيس البرلمان، أنه “سيتم انتخاب رئيس الجمهورية في البلاد خلال 60 يوما”.

وكان ميقاتي قد تبلغ من الموفد الأميركي، آموس هوكستين، رسميا موافقة الجانب الإسرائيلي على وقف إطلاق النار.

ومن المتوقع أن يدعو ميقاتي، الأربعاء، لعقد جلسة لمجلس الوزراء تعرض خلالها آلية تنفيذ القرار 1701 حسب الاتفاق، لمناقشة بنودها، ثم أخذ القرار بالموافقة عليها.

ويواجه التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في لبنان، معارضة داخل إسرائيل، حيث قال وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، في مقابلة إذاعية: “الحرب يجب أن تنتهي عندما نهزم الطرف الآخر”.

وأضاف: “رؤساء السلطات المحلية في الشمال محقون في معارضتهم للاتفاق. أحد أهداف الحرب هو إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. نحن نفوّت هنا فرصة تاريخية لإجبارهم على الركوع. يمكننا مواصلة سحقهم. هذا اتفاق على الجليد”.

وتابع: “من الواضح أن حزب الله سيعود ويتسلح. لا ننهي الحرب في منتصفها، يجب إخضاع حزب الله تمامًا. إنها فقط مسألة سنة أو سنتين قبل أن يعود حزب الله مجددًا إلى الواجهة”.

كما حذر رئيس حزب المعسكر الرسمي، بيني غانتس، من “تداعيات أي اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار مع حزب الله”، قائلاً: “التحدث عن وقف إطلاق نار مؤقت هو خطأ كبير. الانسحاب الآن سيعطي حزب الله فرصة لإعادة تنظيم صفوفه”.

وحدد غانتس 7 شروط رئيسية لاتفاق وصفه بـ”القوي”، معتبرا أنه “يمكن أن يغير الوضع الأمني على الحدود الشمالية من جذوره”. وتشمل البنود: “حرية عمل إسرائيلية كاملة، وفرض حظر دولي على تسليح لبنان، وتعزيز الجيش اللبناني، ونزع سلاح المناطق الحدودية مع تعزيز التواجد الإسرائيلي لحماية السكان، بما في ذلك نشر أنظمة دفاعية متطورة”.

وضمت البنود أيضا، “توسيع صلاحيات اليونيفيل، وآلية دولية للمراقبة بقيادة الولايات المتحدة للإشراف على تنفيذ الاتفاق، مع تقديم تقارير شهرية عن أي خروقات، واعتماد الاتفاق في الأمم المتحدة”.

ووفق الاتفاق، ستتوسط الولايات المتحدة والأمم المتحدة بين الأطراف حول قضية تعديل الحدود، لكن المناقشات بشأن ذلك ستجري فقط بعد وقف إطلاق نار يستمر لمدة 60 يومًا.

كما أنه سيتعين على إسرائيل ولبنان الإعلان عن تعيين ضابط من طرف كل منهما للانضمام إلى آلية المراقبة، كجزء من الاتفاق.

ومن المتوقع أن ينسحب حزب الله إلى المنطقة الواقعة شمال نهر الليطاني، وفقا لهيئة البث الإسرائيلية.

من ناحية أخرى، صرّح مسؤول إسرائيلي لوسائل إعلام محلية، أن الاتفاق مع لبنان “سيخفف من الضغوط الأميركية المتعلقة بقطاع غزة، وخصوصا تأخير شحنات الأسلحة”.

ووفقًا لمصادر سياسية، فإن تعهّد الإدارة الأميركية لنتنياهو يتمثّل في “وقف تعليق توريد أسلحة لإسرائيل تخضع حتى الآن لحظر، بسبب معارضة الرئيس جو بايدن لسياسات إسرائيلية”.

وتوقعت مصادر سياسية وصحفية قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، بعد الجهود التي بذلها الوسيط الأميركي في المنطقة، هوكستين.

وتضغط الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأعمال القتالية المستمرة منذ أكثر من عام بين “حزب الله” وإسرائيل، والتي تصاعدت خلال الشهرين الماضيين، مما أثار مخاوف من اتساع الصراع في المنطقة.

في غضون ذلك، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن المناقشات بشأن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله” “أحرزت تقدّما كبيرا”، وذلك بعد وقت قصير من قول مصادر لبنانية رفيعة المستوى، إن من المتوقع أن يعلن بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن هدنة “في غضون 36 ساعة”.

آخر تحديث: 26 نوفمبر 2024 - 15:06

مقالات مشابهة

  • بوتين: الأسلحة الروسية التي تفوق سرعتها أضعاف سرعة الصوت ليس لها مثيل في العالم، وروسيا تنتج صواريخ أكثر بعشرة أضعاف من جميع دول حلف “الناتو” مجتمعة وهي ستزيد الإنتاج بمقدار الربع
  • توقعات ليلى عبد اللطيف تثير الجدل.. كوارث طبيعية واعتزال فنانة مصرية
  • شرحبيل أحمد: النغم الذي يرقص في دواخلنا
  • غوتيريش: بعيدون أكثر من أي وقت مضى عن الأهداف الرئيسية لأجل فلسطين
  • ما الذي نعرفه عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان؟.. وهل سيؤثر على حرب غزة؟
  • بلدي الداخلية يناقش تقارير لجانه حول تعزيز الخدمات
  • غوتيريش يدعو لتحقيق السلام في أوكرانيا وغزة ولبنان والسودان
  • قبل اليوم المنتظر في السعودية.. خطاب وشكوى من العمال الأفارقة
  • اجتماع إسرائيلي لتحديد مصير الهدنة في لبنان وإنذارات جديد لسكان الضاحية
  • "مكتب الدولة" يستعرض خطاب "الشورى" حول مقترح تعديل قانون مجلس عمان