ضد الحرب مع العقل
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
خالد فضل
إنّها الحرب ؛ تثقل القلب وتشغل العقل , وأجيال متساوقة من السودانيين/ات منذ استقلال بلادهم في منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي , ولدت وترعرعت وبعضها فارق الحياة الدنيا إلى دار الخلود.
كل هذه الأجيال ذاكرتها ذاكرة حرب , ودروب معاشها وحياتها ظللتها وخيمت عليها آثار الحروب الوطنية المستمرة , تهدأ حينا لتشتعل تارات أُخر , تبرم إتفاقية للسلام بين الأطراف الوطنية المتعاركة , وسرعان ما تندلع الحرب مرّة أخرى , في ذات المناطق أو في أماكن أخرى جديدة , لنفس الأسباب أو لأسباب أخرى .
وليت ماجدا يخبرني عن عقد واحد منذ1956م وحتى 2023م انقضى وكل أرجاء السودان تنعم بالسلام , وجميع السودانيين ينامون ويستيقظون على وقع الألحان!.
لا أعتقد أن أحدا يجهل تلك العقود المتطاولة من حروبنا الوطنية , حرب الجنوب , حرب الجبهة الوطنية ضد نظام مايو , حرب جبال النوبة والنيل الأزرق والشرق , حرب دارفور , وفي كل تلك الحروبات الخاسرة كانت النتائج , نقص في الأنفس والأموال والثمرات , وكسب لقادة الجيوش المتحاربة في المناصب والمواقع والإمتيازات , يصدق هذا على جوزيف لاقو مثلما ينطبق على جبريل إبراهيم , مثلما يصدق مع عبود زمان والبرهان الآن , ومع ذلك لم تتوقف الحروب في السودان , والكل يزعم أنّه إنما ينهض للحرب من أجل سواد عيون الشعب , يريد له الحياة الحرة الكريمة التي لم توفرها له أو تسعى لتوفيرها الحكومات ذات الغلبة العسكرية والإستثناء المدني لفترات بسيطة متقطعة.
فالحرب ظلّت تدور من يوم تولي إسماعيل الأزهري _عليه الرحمة_وظيفة رئيس البلاد (منتخبا ) إلى يوم البرهان الحالي إنقلابا , وما بينهما من عبدالله خليل و عبود وسرالختم الخليفة والصادق المهدي وسوار الدهب والبشير ( هؤلاء هم الرؤساء أو رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على حكم السودان حتى الآن ), وظلّ الجيش السوداني يجكم ويحارب في معظم هذه الفترات.أولا أدري ما هو القسم الذي يؤديه الفرد المنتسب لهذا الجيش جنديا أو ضابطا , وإن كانت فيه فقرة تقول ( وأن أحكم البلاد) , لأني أتصور أنّ قسم الجندية يشمل الزود والدفاع عن الشعب والتراب الوطني وصيانة الدستور , ولماذا يكون ضحايا الحروبات دوما هم الشعب والأرض والتراب الوطني والدستور ؟ وما بجيب سيرة الجنوب والرحمة والغفران لمحمد طه القدال .
وحتى في فترات الحكم المدني القصيرة المتقطعة ؛ والتي يفترض أنّها فترات هُدن مصونة من الحرب اللعينة , مع الأسف لم يتبدل واقع الإحتراب الوطني كثيرا , ولعل أفضل فترة هدأت فيها وتيرة المواجهات العسكرية الوطنية , أو قلّت حوادث وقوعها , هي فترة اتفاق أديس أبابا 1972م_1983م تخللتها حرب الجبهة الوطنية (فيما عرف شعبيا بغزو المرتزقة حسبما قالت أبواق الدعاية الحكومية العسكرية يومذاك) وما هم بمرتزقة في حقيقة الأمر ! ومؤخرا حقبة د. عبدالله حمدوك رئيس وزراء الحكومة الإنتقالية الذي انقلب عليه الثنائي العسكري الشريك في إدارة الفترة البرهان /حميدتي , فخلال فترة حمدوك ابرمت اتفاقية جوبا مع الفصائل المسلحة التي ضمها تحالف الجبهة الثورية , وأعلن قائدي الفصيلين المسلحين المحاربين عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد النور هدنة ووقفا لإطلاق النار استمر لثلاث سنوات تقريبا .
ألا يعتبر تاريخنا في العراك الوطني المسلح مدعاة للتأمل والإعتبار ؟ أليس من الأوفق إجالة البصر وتشغيل البصيرة مرات ومرات قبل الإنسياق وراء عاطفة عابرة ؟ أو شهوة في حكم ووظيفة , إنّ دعاة وقف الحرب الدائرة الآن بين المكون العسكري السوداني (الجيش/ الدعم السريع) هم في تقديري الأكثر اتساقا من ناحية أخلاقية وفكرية وعقلانية , ودعاة الحرب وطبولها وأبواقها هم الأقصر قامة من أصحاب الدعوة الأولى , ولهذا تجد الأخيرين يكذبون ويفترون على الناس , ويسوقونهم إلى الهاوية بدعاوي هلامية , بل يتعدى الأمر ذلك إلى محاولات كتم الأصوات المسؤولة من أصحاب الضمائر اليقظة , من دعاة العقل ونبذ الحرب , فتراهم يهددون الأستاذة رشا عوض رئيس تحرير صحيفة التغيير الألكترونية بالقتل , ويتربصون بالأستاذ الجميل الفاضل ليغتالوه , بئس ما يصنعون , وهو دليل قاطع على بطلان حججهم في تأييد الحرب , وحسد منهم وغيرة ضارة من أصحاب الدعوة المجيدة لوقف الحرب , تلك القيمة العقلية والفكرية والأخلاقية والإنسانية التي يعجزون عن بلوغها , فطريق الوعي وأداته العقل ليست ميسورة على كل حال , والمبدئية الإنسانية والوطنية درجة عالية لا يطالها من أدمنوا الإنحناء أمام رغائب أنفسهم طمعا عند حاكم باطش أو خوفا من نور ساطع يكشف عوراتهم في عهد حكم وطني ديمقراطي واعد .
لا للحرب ملايين المرات , ضد الجهل والتخوين والإرهاب , نعم للسلم والوعي والعقل .
الوسومالحرب خالد فضل
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحرب
إقرأ أيضاً:
«شؤون الكنائس بفلسطين»: الحرب الإسرائيلية تسلب فرحتنا بعيد الميلاد
وجّهت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين، ممثلة برئيسها عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رمزي خوري، اليوم، رسائل إلى رؤساء الكنائس والمؤسسات المسيحية حول العالم، بمناسبة حلول عيد الميلاد المجيد، في وقت يستمر فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للعام الثاني على التوالي. وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية وفا.
وأكد خوري في رسائله المتطابقة تحيات الرئيس محمود عباس لكنائس العالم، معبرًا عن أمله في أن يكون العام المقبل أفضل وخالٍ من الحروب، وأن يعم السلام والاستقرار في المنطقة.
غياب مظاهر العيد عن فلسطينوأشار خوري إلى المعاناة الكبيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الأراضي المقدسة، خاصة في بيت لحم مسقط رأس السيد المسيح، التي تغيب عنها مظاهر العيد هذا العام بسبب الجرائم الإسرائيلية، مضيفا أنّ هذه الجرائم أسفرت عن تدمير العديد من العائلات في غزة، بالإضافة إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو مليوني شخص، في ظل مجاعة تلوح في الأفق نتيجة لتوظيف إسرائيل للمساعدات الإنسانية كسلاح للسيطرة على المدنيين.
وأوضحت اللجنة أنّ الحرب الوحشية ليست جديدة، بل هي استمرار لحرب مفتوحة منذ 76 عامًا، استهدفت خلالها الكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات الفلسطينية، ودمرت البنية التحتية للبلاد، وحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية.
معاناة الفلسطينيينوتطرقت الرسائل إلى المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في جميع المحافظات، حيث يسود الظلم والاحتلال الإسرائيلي في كل مدينة وقرية ومخيم للاجئين، بما في ذلك بيت لحم، التي تحولت من أرض السلام إلى أرض المعاناة. كما أُسرِفَت أفراح عيد الميلاد، وسُرِقَت براءة الأطفال وكرامة الإنسان.
وتحدثت الرسائل عن معاناة أطفال غزة الذين عبروا عن حزنهم وقلقهم بمناسبة عيد الميلاد، معربين عن رغبتهم في العودة إلى مدارسهم، التي دُمرت جراء الحرب، لتزيين شجرة الميلاد والاحتفال بعيدهم.
انتهاك المعايير الدوليةوشددت اللجنة على أنّ الممارسات الإسرائيلية جزءا من خطة ممنهجة تستهدف قتل الفلسطينيين وتشريدهم، وتدمير ممتلكاتهم، وتدنيس مقدساتهم، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والمعايير الإنسانية.
واستنكر خوري في رسائله الصمت العالمي تجاه هذه الانتهاكات، وتقاعس المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته في حماية حقوق الإنسان في فلسطين. داعيا المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقيادته في سعيهم لتحقيق العدالة والسلام، وتنفيذ القرارات الدولية، ومحاسبة مجرمي الحرب، ووضع حد للمعايير المزدوجة التي تهدد حقوق الفلسطينيين. مؤكدا أن تطلعات الشعب الفلسطيني للعيش في حرية وكرامة، وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، هي تطلعات مشروعة ينبغي أن تتحقق.