بحوث علوم الاستمطار في الإمارات.. توجهات استباقية لضمان الأمن المائي محلياً وعالمياً
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
علياء المزروعي*
أخبار ذات صلة صقر غباش يهنئ رئيس مجلس الشورى السعودي باليوم الوطني الـ93 للمملكة سفير الإمارات لدى السعودية: اليوم الوطني السعودي احتفاء بشراكة الأخوةفي وقت يواجه فيه العالم العديد من التحديات المرتبطة بزيادة الطلب على الموارد الطبيعية والمائية التي يمكن وصفها بالمحدودة، ظهرت الحاجة إلى تأمين إمدادات مستدامة من المياه النظيفة ضرورةً ملحة في ظل الزيادة السكانية المطردة، وتأثيرات التغير المناخي على صور الحياة كافة.
أدركت دولة الإمارات في وقت مبكر جداً حساسية هذه التحديات ومدى تأثيرها على المناطق القاحلة وشبه القاحلة حول العالم، لا سيما أنها من الدول التي تعرف بمناخها الجاف، إذ يقل معدل هطول الأمطار عن 100 ملم سنوياً، بالإضافة لنسبة تبخر سطحي عالية ونسبة تغذية جوفية تقل بشكل كبير عن نسب استهلاك المياه في الدولة.
ودفعت هذه التحديات صناع القرار في الدولة للبحث عن حلول بديلة لرفد الموارد المائية وضمان استدامتها، باعتبار أن أمن المياه من أبرز مقومات الأمن الوطني، ومن أهم القضايا التي تشغل دول العالم، في ظل التغيرات المناخية وارتفاع متوسط درجة حرارة كوكب الأرض الذي بلغ أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق خلال شهر يوليو 2023، حسب بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. ومن هنا جاء إطلاق برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير ديوان الرئاسة، في عام 2015 كخطوة استباقية من دولة الإمارات لتحقيق أمن المياه العالمي، وذلك توافقاً مع استراتيجية الدولة للابتكار وأعمدتها السبعة التي تعد المياه واحدة منها.
وبصفته مبادرة بحثية دولية يديرها المركز الوطني للأرصاد في دولة الإمارات، يسعى برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار إلى تطوير العلوم والتكنولوجيا المتعلقة بالاستمطار، عبر تقديمه منحة مالية لدعم مشاريع مختارة من الباحثين الذين يقدمون أفكاراً بحثية مبتكرة تتوافق مع المجالات المحددة لكل دورة من دورات البرنامج، مع تقديم الدعم الفني واللوجستي لهم لتنفيذ جولات وتجارب ميدانية داعمة لمشاريعهم البحثية في هذا المجال، وصولاً إلى إيجاد حلول عملية تساهم في زيادة معدلات هطول الأمطار وتعزيز إمدادات المياه العذبة في دولة الإمارات وبقية دول العالم التي تواجه نقصاً في الموارد المائية وقد تستفيد من التقدم في علوم وتكنولوجيا الاستمطار.
ويقدم البرنامج منحة مالية تبلغ قيمتها 1.5 مليون دولار أميركي موزعة على 3 سنوات لكل مشروع بحثي مختار، حيث بلغت قيمة المنح المقدمة حتى الآن أكثر من 66 مليون درهم إماراتي (18 مليون دولار أميركي) لدعم 11 مشروعاً بحثياً مبتكراً
وفي إطار تشجيع البحوث العلمية المبتكرة في مجال الاستمطار، يركز البرنامج على الاستثمار في أحدث الأبحاث واستكشاف منهجيات وتقنيات جديدة تسهم في تعزيز جهود المجتمع العلمي نحو ضمان إمدادات مستمرة من المياه العذبة لسكان المناطق الجافة وشبه الجافة. كما يتم توجيه اهتمام خاص نحو تشجيع الممارسات المستدامة والصديقة للبيئة، والتي من شأنها تعزيز الإدارة المسؤولة للموارد المائية والحفاظ عليها للأجيال المقبلة.
وقد قطع البرنامج على مدى السنوات الماضية أشواطاً واسعة في تطوير القدرات المحلية ودعم الأبحاث المبتكرة في مجال علوم الاستمطار، واستهداف مجالات بحثية جديدة تسهم في الحد من تداعيات شح المياه محلياً وإقليمياً وعالمياً، حيث شكل التزام البرنامج باعتماد مستويات «الجاهزية التقنية» كشرط أساسي لتقييم مدى قدرة المشاريع البحثية المرشحة للحصول على منحته المالية، نقلة نوعية في جودة المخرجات، في الوقت الذي لعبت دوراً أساسياً في تصنيف البرنامج كمبادرة داعمة لجاهزية دولة الإمارات للمستقبل في مجال الأمن المائي بوجهٍ خاص، ودعم باقي الدول التي تواجه شح المياه بصورة عامة.
كما ساهم البرنامج في تشجيع الكفاءات المواطنة من ذوي التخصصات العلمية بالدخول والانخراط في المشاريع البحثية الخاصة بالاستمطار.
ويعكس هذا النهج الاستباقي التزام البرنامج الدائم بدعم الابتكار واستشراف تحديات وفرص المستقبل في مجال تعديل الطقس والأمن المائي، تحقيقاً لرؤية قيادتنا الرشيدة بتعزيز الأمن المائي في دولة الإمارات والمناطق الجافة وشبه الجافة الأخرى حول العالم. ومن خلال هذه الجهود، سيواصل برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار دعم المشاريع المبتكرة وتبادل المعارف اللازمة لضمان أمن المياه كأساس للتنمية في المناطق المعرضة لخطر الجفاف حول العالم.
وفي الوقت الذي تعمل فيه دولة الإمارات على تسريع وتيرة الجهود الرامية لمواجهة التحديات المناخية، وتقديم رؤيتها المستقبلية الداعمة للابتكار في قطاع الاستدامة من خلال استضافتها لمؤتمر الأطراف COP28 في نوفمبر المقبل، تؤكد النجاحات والإنجازات المتواصلة التي حققها البرنامج على الصعيد العالمي دوره المحوري كمركز إقليمي لإيجاد وتطبيق تقنيات جديدة في هذا الحقل العلمي الذي أصبح رافداً مهماً للأمن المائي العالمي.
*مدير برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: علوم الاستمطار الإمارات الأمن المائي دولة الإمارات الأمن المائی من المیاه فی مجال
إقرأ أيضاً:
فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
– لا يستطيع قادة الغرب وكيان الاحتلال إنكار أن هذه الحرب التي تشارف على نهايتها في قطاع غزة، كانت حربهم معاً، وأنه لولا حجم انخراط الغرب مباشرة فيها إضافة إلى التمويل والتسليح والاستنفار وجلب الأساطيل لما استطاع الكيان الصمود حتى هذه الأيام، ولا يستطيع أيّ منهم إنكار أنهم وضعوا ثقلهم معاً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ومالياً للفوز بهذه الحرب التي تدور على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً فقط، ما يعادل حياً صغيراً في أي مدينة كبرى، وأن الضربة الأولى في هذه الحرب يوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م كانت كافية لزعزعة عناصر قوة الكيان، ما أجبر الغرب كله على الهرولة إلى المنطقة بقادته وجيوشه وماله وسلاحه، واستنفار آلته الإعلاميّة والدبلوماسية لضمان أفضل مستويات الدعم والإسناد لجبهة الكيان بوجه غزة.
– تحوّلت الحرب قضية أولى على جدول أعمال الساسة والقادة والإعلام والشعوب على مساحة العالم، ورغم الخذلان العربي والإسلامي لغزة على مستوى الحكومات والشعوب، فقد نجحت غزة باستنهاض حلفاء لها يساندونها بجبهات قاتلت قتالاً ضارياً بلا هوادة، وتحمّلت تضحيات جساماً، خصوصاً في جبهتي لبنان واليمن، حيث تكفلت جبهة لبنان بإنهاء قدرات جيش الاحتلال على خوض حرب برية، وأجبرته على المجيء إلى وقف إطلاق للنار بدون مكاسب وهو يعترف ببقاء المقاومة على سلاحها، وما يعنيه ذلك من قبول مبدأ العودة إلى التساكن مع قوى المقاومة المسلحة على الحدود، رغم دروس الطوفان التي أجمع عليها قادة الكيان لجهة أن هذا التساكن يعني أن الخطر الوجودي على الكيان قائم وأن المسألة مسألة وقت، ومَن يقبل بالتساكن على الحدود الشمالية يقبل مثله على الحدود الجنوبيّة.
– نجح اليمن بتحدّي القوة الأمريكية والغربية البحرية بكل ما لديها من حاملات طائرات وسفن حربية ومدمرات وغواصات، وفرض إرادته رغماً عنها منجزاً حصاراً بحرياً على ميناء إيلات حتى تمّ إقفاله، وتسببت صواريخ اليمن وطائراته المسيّرة بتأكيد ما فرضته صواريخ لبنان وطائراته المسيّرة، لجهة عجز القبة الحديديّة بكل تقنياتها المتطورة رغم تدعيمها بشبكة صواريخ ثاد الأمريكية، فبقي المستوطنون يهرولون بمئات الآلاف إلى الملاجئ، وسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية، وفشلت كل محاولات إخراج اليمن من موقعه كجبهة إسناد لغزة، بل إن أحد أسباب السير باتفاق ينهي الحرب كان اليقين بأن هذا هو الطريق الوحيد المتاح للتخلص من العقدة اليمنية وما تسببه لواشنطن وتل أبيب من إحراج.
– عوّضت التداعيات التي ترتبت على حرب غزة عالمياً عن الخذلان العربي والإسلامي، مع ظهور حركة الجامعات الغربية بحيويتها وحضورها المميز، وتطورها نحو إطلاق مد ثقافي فكري تاريخي لإثبات الحق الفلسطيني بكامل التراب الوطني الفلسطيني، وتوسّعت حركات المقاطعة الاقتصادية، وتسبّبت بتغييرات هيكلية في شبكة علاقات الشركات العالمية الكبرى بالكيان، وامتلأت شوارع عواصم الغرب بالملايين تهتف بالحرية لفلسطين، كما شهد العالم إعادة تموضع سياسية ودبلوماسية ونهوض حركة مساءلة قانونية بوجه جرائم الكيان ووحشيته، رغم التهديدات الأمريكية بالعقوبات، فقطعت دول علاقاتها بالكيان وأغلقت سفاراتها لديها وسحبت سفراءها من عاصمته، واعترفت دول أخرى بالدولة الفلسطينية، وذهبت دول لمقاضاة الكيان أمام المحاكم الدولية، وتحرّكت المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قادة الكيان.
– عادت القضية الفلسطينية إلى وهجها كقضية دولية إنسانية وقانونية، لكن أيضاً كقضية استراتيجية يتوقف على حلها بصورة يقبلها الشعب الفلسطيني استقرار الشرق الأوسط، وتالياً سوق الطاقة واستقرار العالم، ولم يعُد العالم كما لم تعُد القضية الفلسطينية بعد هذه الحرب كما كان الحال قبلها، وهكذا حقق الطوفان أهدافه، وكانت عيون العالم على الطريقة التي سوف تنتهي من خلالها الحرب، لتحديد سقوف السياسة ومقدار القوة التي سوف ينجح الفلسطينيون في انتزاعها في ظل الضوء الأخضر الممنوح للكيان بتدمير كل ما يتصل بالحياة في غزة، وها هم يفرضون اتفاقاً لا يطال سلاح مقاومتهم، ولا يمنح الاحتلال أي امتيازات أمنية وجغرافية في قطاع غزة، ويجد أنه مجبر على إعلان انتهاء الحرب، وسوف يكون سقف تباهي حكام واشنطن وتل أبيب بما أنجز في غزة ولبنان واليمن هو ما قاله أنتوني بلينكن عن إنجازات أميركا وإسرائيل في لبنان، وسقفها إبعاد حزب الله عن الحدود، وقطع إمداده عبر سورية، لكن قوته باقية ولذلك فالإنجاز كما يقول إنه تمّ حرمان حزب الله من تشكيل تهديد راهن؛ بينما بعض الحمقى والمهابيل في لبنان يحتفلون بأن نزع سلاح حزب الله على الطاولة، وهكذا سوف يقولون عن غزة، تحييد التهديد الراهن؛ بينما يحتفل بعض مهابيل وحمقى الأجهزة في السلطة الفلسطينية بالحديث عن هزيمة المقاومة وحتمية نزع سلاح المقاومة.. ويبقى الأهم ما تقوله واشنطن وتل أبيب لا ما يردده أيتام الوحدة 8200، إن القضية هي منع التهديد اليوم وليس آلة القوة وأسباب القوة، لكن ماذا عن الغد، والاحتلال لن يحلم في أي منازلة مقبلة، وهي مقبلة حكماً، ما يشبه ما ناله في هذه الحرب ولم ينجح بتحقيق النصر؟.
رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية