أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار، أن العالم يمر اليوم بمرحلة دقيقة تعددت فيها التحديات والأزمات، في ظل تفاقم النزاعات والحروب، وتعمق الانقسامات الجيوسياسية، وتعثر مسارات تحقيق أهداف التنمية المستدامة، واستمرار أزمة مديونية الدول النامية، واتساع رقعة الفقر والجوع، والهوة بين دول الشمال والجنوب، إلى جانب الارتفاع غير المسبوق لموجات الهجرة واللجوء، وتواصل تأثيرات جائحة كوفيد-19، واستفحال أزمة المناخ.

ودعا الوزير خلال إلقائه بيان الجمهورية التونسية في الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك - إلى استنباط مقاربات ووسائل جديدة أكثر فاعلية، في التعاطي مع التحديات التي تواجهنا اليوم، وإلى تعزيز التعاون والتضامن الدوليين، على أساس المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة.

وأكد أهمية الالتزام الفعلي بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي واحترام حقوق الإنسان من الجميع دون تسييس، مشيرا إلى أن ذلك هو سبيل إعادة بناء الثقة بين البلدان ودعم تعددية الأطراف، وتحقيق الأمن والسلم والتنمية.

وأوضح أنه في هذا الإطار، نتطلع إلى أن تكون هذه الدورة نقطة تحول تاريخي وانطلاقة جديدة لمنظومة العمل متعدد الأطراف والتعاون الدولي.

وقال إن هناك مئات الملايين من سكان العالم معلقة آمال كبيرة على أجندة 2030 للتنمية المستدامة، إلا أن النتائج المحققة إلى حد الآن، جاءت وللأسف الشديد دون المأمول. وأوضح دعم تونس للخطة التحفيزية التي اقترحها الأمين العام لإنقاذ أهداف التنمية المستدامة وما تضمنته من مقترحات عملية لتذليل صعوبات تمويل تنفيذها.

وثمن الوزير مبادرته بإنشاء مجموعة الاستجابة للأزمات العالمية بشأن الغذاء والطاقة والتمويل، للحد من تأثيرات الحرب في أوكرانيا على أسعار الغذاء والطاقة، مذكرا بدعوة رئيس الجمهورية، قيس سعيد، مؤخرا، بمناسبة قمة النظم الغذائية بروما، إلى إستحداث مخزون استراتيجي من الحبوب للعالم كله يتم اللجوء إليه عند الحاجة.

وقال إنه لا بد من الاعتراف بأنه بات من الواضح فشل النظام المالي الدولي، الذي تم وضعه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في توفير شبكة الأمان العالمية وضمان التمويل الميسر والمستدام للدول النامية والأقل نموا.

وأضاف أنه على العكس من ذلك، أصبح هذا النظام يخذلها، كما ساهم في تعميق الهوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، التي تجد نفسها اليوم أمام خيارات صعبة بين تخصيص أغلب مواردها لتسديد الديون وخدمات الدين، أو تغطية الاحتياجات الحيوية لشعوبها.

ودعا إلى إدخال إصلاحات جوهرية على المنظومة المالية الدولية وتغيير الحوكمة الاقتصادية العالمية، باعتبار ذلك أولوية قصوى لتجاوز الاختلالات والفوارق الراهنة، والتأسيس لنظام ناجع يستثمر في التنمية المستدامة والأجيال القادمة.

كما دعا إلى التعاطي المسؤول والجدي لتيسير استعادة الأموال المنهوبة بالخارج لفائدة شعوب الدول المتضررة، بما يعزز تعويلها على مواردها الذاتية، وإلى بحث سبل منع مثل هذه التجاوزات مستقبلا.

وقال إن ما يشهده العالم اليوم من توسع لتداعيات تغير المناخ وتدهور للنظم الإيكولوجية وتفاقم للكوارث الطبيعية، يحتم علينا جميعا ترتيب مجابهة هذه التحديات ضمن أعلى سلم أولوياتنا، وذلك على الرغم من عدم تسبب العديد من دولنا فيما آلت إليه وضعية الكوكب.

وثمن مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة بالدعوة لعقد قمة الطموح المناخي، مجددا في هذا السياق التأكيد على ضرورة مواصلة الجهود الدولية وتكثيفها لوضع الحلول اللازمة وتحمل كل الأطراف لمسؤولياتها، بما في ذلك لتوفير التمويل المناخي للبلدان الأكثر تضررا.

وقال إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تفاقمت في منطقة انتمائنا الجغرافي بسبب ضعف مستويات التنمية في العديد من دول قارتنا الإفريقية، وطول أمد النزاعات، وآثار التغيرات المناخية، فضلا عن استغلال الشبكات الإجرامية لهشاشة وضعيات آلاف الأشخاص وبحثهم عن فرص حياة أفضل للمتاجرة بهم، سواء في دول جنوب البحر الأبيض المتوسط أو شماله أوفي دول جنوب الصحراء.

وأكد ضرورة اعتماد مقاربة شاملة لمعالجة مسألة الهجرة غير الشرعية، تقوم على القضاء على أسبابها العميقة، لا على معالجة نتائجها، مشددا مجددا على تحمل كل الأطراف من بلدان المصدر والعبور والمقصد والمنظمات الإقليمية والدولية، لمسؤولياتها في ذلك.

ودعا إلى استكمال مسار المؤتمر الدولي حول التنمية والهجرة الذي انطلق من روما بمبادرة تونسية-إيطالية.

وقال إن تونس دأبت على التعاطي مع مسألة الهجرة غير الشرعية بما يتوفر لديها من إمكانيات، بكل مسؤولية، انطلاقا من تمسكها الثابت بمنظومة حقوق الإنسان واحترامها لالتزاماتها الدولية.

وأكد في المقابل أن تونس لن تقبل بالتوطين المبطن للمهاجرين غير الشرعيين، كما أدان كل استغلال سياسي أو إعلامي لا مسؤول لمعاناة ضحايا الهجرة غير الشرعية خدمة لأجندات سياسية.

وقال إن تونس لم تكن بمعزل عما شهده العالم ويشهده من تحديات طالت تأثيراتها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، موضحا عزم بلاده رغم الصعوبات الظرفية، على تجاوز هذه التأثيرات وتعزيز قدراتها على الصمود والاستدامة، بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء والشركاء، مع الحفاظ على مبادئ وثوابت السياسة التونسية واستقلال القرار الوطني.

وأكد المضي في مسار الإصلاح وتكريس الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد من أجل تصحيح وتعزيز تجربتنا الديمقراطية وأداء مؤسسات الدولة، ووضع حد للتعاطي السياسي اللامسؤول لما يزيد عن عقد من الزمن، وذلك استجابة لتطلعات الشعب التونسي التي عبر عنها صراحة في 25 يوليو 2021; وهو متمسك بها إلى حين استكمال هذا المسار الإصلاحي رغم كل الصعوبات والضغوطات.

وأعرب عن حرصه على رفع قدرات الدولة على مواجهة التحديات القائمة، على غرار تداعيات الأوضاع الإقليمية والدولية، ونقص التمويل، وتأثيرات التغيرات المناخية، ومخلفات جائحة كوفيد-19 - التي كانت تونس سباقة بمبادرة رئاسية إلى الدعوة لتفعيل التضامن الدولي في مواجهتها عبر اعتماد قرار مجلس الأمن 2532 (2020)، بالاشتراك مع فرنسا.

وأشار إلى مواصلة العمل على تعزيز الإدماج والتمكين الاقتصادي للمرأة والشباب، وتوسيع مشاركتهما في كل مجالات الشأن العام وفي دوائر اتخاذ القرار، والسعي إلى تحقيق الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر والأزرق، وتعزيز التحول الرقمي، علاوة على تأمين حماية اجتماعية دامجة للأفراد وضمان التوزيع العادل لعائدات النمو.

ودعا الشركاء إلى التفاعل البناء مع مسارات الإصلاح والتحديث القائمة وإلى دعم جهود التعافي الاقتصادي لبلادنا، من منطلق ترابط المصالح والمصير المشترك والتقييم السياسي الذكي.

وأكد ضرورة مواصلة الإصلاح والمضي قدما في مسارات إعادة التنشيط الجارية بشأن المنظمة الأممية، موضحا أنه في هذا الإطار، انخرطت تونس بفاعلية في مسارات تنفيذ تقرير الأمين العام "خطتنا المشتركة".

وهي تتطلع إلى أن تكون قمة المستقبل، مناسبة لتجديد التزام الجميع بالمبادئ المشتركة، من أجل بناء مستقبل آمن ومستدام للبشرية جمعاء.

وأوضح أن هذا يقتضي، إرساء نظام عالمي جديد أكثر توازنا، لا ترتيب تفاضلي فيه للدول، لأنه كلما غاب العدل إلا وزاد الفقر واندلعت الحروب وتفاقم الإرهاب.

كما يستوجب نظرة جديدة وشاملة لمفهوم الأمن والسلام، تركز على الأسباب العميقة لعدم الاستقرار ونزعات العنف والحروب.

وبشأن فلسطين، قال الوزير إن استمرار المظلمة التاريخية والمعاناة المسلطة على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 7عقود من الاحتلال، بكل ما رافقها من اضطهاد وتنكيل; أمر غير مقبول بكل المقاييس القانونية والأخلاقية والإنسانية، كما هو الشأن بالنسبة إلى صمت المجموعة الدولية على إمعان سلطات الاحتلال في الاستهتار بقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، وإصرار سلطات الاحتلال على التمادي في سياساتها العدوانية ومخططاتها الاستيطانية.

ودعا مجددا مجلس الأمن والمجموعة الدولية ككل إلى تحمل مسؤولياتها لحمل سلطات الاحتلال على احترام قرارات الشرعية الدولية، لتحقيق تسوية سلمية عادلة وشاملة على أساس المرجعيات الدولية المتفق عليها، تنهي الاحتلال وتضع حدا لمعاناة الشعب الفلسطيني، وتمكنه من استرداد حقوقه المشروعة وتجسيم دولته المستقلة ذات السيادة والمتصلة جغرافيا، على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف، كما دعا إلى تمكين دولة فلسطين من العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وجدد التأكيد على التزام تونس الثابت بمواصلة تقديم كل الدعم للأشقاء الليبيين ومساعدتهم على التوصل إلى تجاوز الخلافات وتحقيق تسوية سياسية عن طريق حوار ليبي - ليبي بمساعدة الأمم المتحدة; تعزز الوحدة الوطنية وتحفظ سيادة ليبيا واستقلالها.

ورفض الخيارات العسكرية، ولكل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لليبيا، المباشر منها وغير المباشر.

ودعا إلى تضافر الجهود الأممية والدولية لإيجاد حلول سياسية للأوضاع في كل من سوريا واليمن; تنهي معاناة شعبيهما الشقيقين وتعيد إليهما الأمن والسلم، وتحفظ سيادتهما واستقلالهما ووحدتهما الترابية.

كما تدعو تونس إلى وقف التصعيد في السودان الشقيق والاحتكام إلى الحوار لتجاوز الأزمة.

كما دعا إلى تضافر الجهود الأممية والدولية لمساعدة إفريقيا على التخلص من الأزمات المتتالية، التي لم تتسبب قارتنا في الكثير منها، ونؤكد على أهمية إضفاء بعد أخلاقي أكبر في التعاملات الاقتصادية، مراعاة مصالح البلدان الإفريقية.

وفي ختام كلمة تونس أكد أن الجميع اليوم في مفترق الطرق وفي ساعة الحقيقة، باعتبار حجم وجسامة المخاطر والتحديات غير المسبوقة التي لا تستثني أحدا وتهدد حاضرنا ومستقبل الأجيال القادمة.

وقال إن خياراتنا المبنية على الذكاء وبعد النظر، ومدى التزامنا بإنسانيتنا، وإيماننا بمصيرنا المشترك، وتمسكنا بميثاق الأمم المتحدة وبقيم التضامن والتعاون بروح من المسؤولية، ستكون حاسمة لإعادة المصداقية لمنظومة العمل متعدد الأطراف.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: تونس العالم التنمية المستدامة الفقر والجوع التعاون الدولي الهجرة غیر الشرعیة الأمم المتحدة وقال إن

إقرأ أيضاً:

معهد تريندز الدولي للتدريب ومدرسة جنيف للدبلوماسية يطلقان برنامجاً تدريبياً متقدماً للدبلوماسية الدولية

 

أبوظبي – الوطن:
أعلن معهد تريندز الدولي للتدريب (TITI) عن إطلاق برنامج “الدبلوماسية الدولية 2025” بالشراكة مع مدرسة جنيف للدبلوماسية والعلاقات الدولية (GSD)، في خطوة تهدف إلى تطوير المهارات القيادية وتعزيز الكفاءات في مجال الدبلوماسية الدولية، وفقاً لأفضل الممارسات العالمية.
ويجمع البرنامج بين التحصيل الأكاديمي المعتمد والتدريب العملي الذي يمكِّن المتدربين من مواجهة تحديات الساحة الدولية بفاعلية.
ويسعى برنامج “الدبلوماسية الدولية 2025″، الذي يمتد على مدار ثماني ساعات جامعية معتمدة، إلى تطوير مهارات الدبلوماسيين وصناع القرار والمختصين في الشؤون الدولية، وتعزيز مهارات التفكير النقدي والتحليلي، وتعميق الفهم للعلاقات الدولية، وزيادة الوعي بالقانون الدولي والمعاهدات. كما يركز على موضوعات متعددة، مثل قضايا الاستدامة، وحوار الحضارات، وتعددية الأطراف، والصحة العالمية وغيرها.
ويشمل البرنامج دراسة محاور مهمة، من بينها ثروة الأمم والتفاوت في الدخل، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وعلاقات القوى الكبرى، والمنظمات الإقليمية والتكامل.
وأعرب الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لمركز تريندز عن سعادته بإطلاق هذا البرنامج بالشراكة مع مدرسة جنيف للدبلوماسية، والتي تعد من أبرز المؤسسات الأكاديمية في مجال العلاقات الدولية، موضحاً أن هذا التعاون يعكس التزام مركز تريندز بتوفير برامج تدريبية متخصصة تساهم في تطوير الشباب من الكوادر الوطنية وتزويدهم بالمعرفة اللازمة للمشاركة الفاعلة في صنع المستقبل والمساهمة فيه، والتعامل مع القضايا الدولية برؤية استراتيجية.
وأضاف الدكتور العلي أن هذا البرنامج يمثل نقلة نوعية في التدريب المهني، حيث يوفر للمشاركين فرصة استثنائية لفهم أعمق للقضايا الحيوية التي تؤثر على العلاقات الدولية، وسيساهم في بناء جيل جديد من الدبلوماسيين القادرين على تحقيق رؤية مستقبلية.
وقال الدكتور محمد العلي إن خريجي البرنامج، سيحصلون عند إتمامه على شهادة معتمدة من معهد تريندز الدولي للتدريب ومدرسة جنيف للدبلوماسية والعلاقات الدولية (GSD)، وتحمل اعتماد عدد من المؤسسات الدولية المرموقة وهي EDUQUA، AGEP، وSGS.
بدوره أشار الباحث سلطان الربيعي، رئيس معهد تريندز الدولي للتدريب إلى أن برنامج الدبلوماسية الدولية يشكل إضافة نوعية إلى محفظة برامج تريندز التدريبية، معرباً عن ثقته بأن هذا البرنامج سيحقق أهدافه في تطوير مهارات المشاركين وتعزيز قدراتهم على التحليل واتخاذ القرار، مبيناً أن تريندز يسعى من خلال هذا البرنامج إلى توفير منصة تفاعلية للمشاركين للتبادل المعرفي وتكوين شبكات علاقات واسعة.
بدورهما رحَّب الدكتور كولوم ميرفي، رئيس مدرسة جنيف للدبلوماسية، والدكتور راكيش كريشنان، المدير العام للمدرسة، بهذا التعاون، وأكدا أن البرنامج سيعزز التعاون الأكاديمي ويساهم في بناء قدرات المواهب الشابة في مجال الدبلوماسية. وأعربا عن ثقتهما في أن البرنامج سيحقق نجاحًا كبيرًا وسيسهم في تطوير القطاع الدبلوماسي في المنطقة.


مقالات مشابهة

  • السوداني: العراق تمكن من مواجهة التحديات التي حصلت في المنطقة
  • WSJ: هذه هي التحديات التي تواجه حكام سوريا الجدد
  • بادى يستمع لتنوير حول التحديات التي تواجه مسيرة الإستقرار بالمنطقة الغربية
  • خالد الغندور يوجه نصيحة لـ إمام عاشور: حافظ على النعمة التي تعيش فيها
  • معهد تريندز الدولي للتدريب ومدرسة جنيف للدبلوماسية يطلقان برنامجاً تدريبياً متقدماً للدبلوماسية الدولية
  • رئيس الوزراء يستعرض عددا من التحديات التي تواجه بعض المستثمرين وسبل حلها
  • وزير الإسكان يلتقى مجموعة من المطورين العقاريين لمناقشة التحديات التي تواجه القطاع العقاري وبحث فرص التعاون المشترك
  • رئيس الوزراء يؤكد ضرورة العمل على تذليل التحديات التي تواجه القطاع السياحي
  • دعوى قضائية أمريكية ضد طبيبة في نيويورك وصفت دواء للإجهاض لسيدة في ولاية تكساس التي يحظر فيها ذلك
  • خبير في العلاقات الدولية: استمرار المجازر الإسرائيلية بغزة رغم الضغط الدولي