قابض الأرواح مختبئ بين الأشجار.. محاولات انعاش إرث الاجداد تنتهي بالموت في ديالى
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
بغداد اليوم - ديالى
وسط أطلال بستان زراعي هلكت جميع اشجار الحمضيات فيه ولم يبق يضم سوى بعض اشجار النخيل النحيفة، تنتشر بقايا بقع دماء جافة لصبي عمره 16 سنة توفي يوم أمس الجمعة (22 ايلول 2023)، بانفجار عبوة ناسفة قديمة موضوعة أسفل كومة حطب ليسجل ضحية اخرى لعبوات نصبت في زمن تنظيم القاعدة قبل 15 سنة.
يحيى الربيعي من اهالي قرية ابو كرمة 30 كم شمال شرق بعقوبة أكد في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "قريته لوحدها قدمت من 200-300 شهيد بسبب عبوات الموت في البساتين التي زرعتها القاعدة وما تلتها من تنظيمات ارهابية ومنها داعش في محاولة لقتل البساتين وانهاء اي محاولة لاعادة زراعتها".
وأضاف، أن "كل سنة سنقدم دماء زكية بسبب رغبة الاهالي بالعودة الى بساتين الاجداد وعشقها للنخيل والحمضيات رغم ادراكهم بانه في اي لحظة تنفجر عبوة او لغم لتنتهي روح اخرى".
محمود الشمري مراقب امني قال ان "الوقف والتي تشكل قرية ابو كرمة احد قراه الرئيسية كان عبارة عن قطعة جحيم بعد 2006 لان البساتين شكلت نقطة رئيسية لانطلاق تنظيم الزرقاوي قبل مقتله واغلب العبوات التي تنفجر هي ارث تلك الفترة العصيبة لان المنطقة تحولت الى معقل كبير للقاعدة".
واضاف، ان "ابو كرمة من القرى القليلة جدا التي صمدت بوجه القاعدة رغم الامكانيات المحدودة"، لافتا الى ان "القرية قدمت من 500 الى 600 شهيد وجريح في مواجهة التنظيم الذي ارتكب جرائم بشعة بحق الاطفال ولمسنين ودور العبادة حتى البساتين قطع عنها المياه وقام بنشر الالاف من العبوات الناسفة التي لاتزال تحصد ارواح الابرياء".
واشار الى ان "العبوة التي انفجرت على صبي يوم أمس هي تأكيد على خطورة بعض البساتين واستمرار عبوات نصبت قبل 15 سنة في حصد ارواح الابرياء".
فيما اكد مدير ناحية ابي صيدا وكالة عبدالله احمد في حديث لـ"بغداد اليوم"، ان "حوض الوقف يشكل اكبر غابة نخيل ليس في ديالى بل العراق لانها متواصلة وتزيد مساحتها على 20 الف دونم تحيط بضفاف نهر ديالى لمسافة 23 كم".
واضاف، انه "رغم عمليات التمشيط الواسعة من قبل الهندسة العسكرية وفرق مكافحة المتفجرات للبسانين لكن تنفجر بين فترة واخرى عبوات والغام تؤدي الى سقوط ضحايا"، لافتا الى ان "الاهالي بحاجة ماسة للعمل في البساتين ما يستدعي جهودا اكبر في تأمينها وانهاء اي مخاطر تهدد حياتهم".
المصدر: بغداد اليوم
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: بغداد الیوم
إقرأ أيضاً:
الأطباء في غزة .. الخط الأول لإنقاذ الأرواح رغم انعدام الإمكانيات
بينما كانت الشابة ريم سعيد تجلس مع عائلتها في منزلها الصغير بمدينة غزة، تغيرت حياتها في لحظة. أصابت غارة جوية منزلهم، وأصيبت ريم بجروح بالغة في ساقيها. عندما وصلت إلى القسم الميداني في مستشفى الشفاء الطبي، كان النزيف شديدًا، وكانت فرصتها للبقاء على قيد الحياة ضئيلة.
لكن هناك، في غرفة عمليات بدائية تفتقر إلى معظم المعدات اللازمة، وقف الدكتور سامر غانم وفريقه الطبي مستعدين لتحدي المستحيل.
يقول الدكتور سامر لـ«عُمان»: «لم يكن لدينا سوى أدوات جراحية بسيطة ومولد كهربائي غير مستقر. كنا نعلم أن الوقت ليس في صالحنا». بعد أربع ساعات من العمل المتواصل، تمكن الفريق الطبي من إنقاذ حياة ريم، وأصبحت قصتها رمزًا للأمل في وجه المعاناة.
التحديات اليومية
يعاني الأطباء في غزة من نقص حاد في الموارد الطبية، حيث تُعد المستشفيات الميدانية خط الدفاع الأخير في وجه الكوارث الإنسانية. الدكتور أحمد السلمي، جراح عام يعمل في مستشفى الشفاء، يصف الوضع قائلاً خلال حديثه لـ«عُمان»: «نتعامل مع حالات حرجة يوميًا، ولكن المعدات الطبية الأساسية غالبًا ما تكون غير متوفرة. نضطر أحيانًا إلى استخدام أدوات بديلة أو تقنيات بدائية لإنقاذ الأرواح».
النقص لا يتوقف عند المعدات الطبية بل يمتد ليشمل الأدوية الأساسية مثل المسكنات والمضادات الحيوية. الدكتور فؤاد الحسن، طبيب طوارئ، يضيف لـ«عُمان»: «في إحدى المرات، اضطررنا إلى تقسيم جرعات الدواء بين المرضى، وهو خيار مؤلم لكنه ضروري. التحدي الأكبر هو اتخاذ قرارات صعبة في ظل هذه الظروف». كما أن المستلزمات اليومية، مثل الضمادات والقفازات، غالبًا ما تكون على وشك النفاد، مما يجبر الفرق الطبية على التفكير بطرق مبتكرة لتعويض هذا العجز.
إلى جانب نقص المعدات، يواجه الأطباء انقطاعًا متكررًا في التيار الكهربائي، مما يجعل من المستحيل الاعتماد على الأجهزة الحيوية مثل أجهزة التنفس الصناعي ومعدات التصوير بالأشعة.
تقول الدكتورة ليلى جابر، طبيبة تخدير: «في إحدى العمليات، انقطع التيار الكهربائي فجأة، واضطررنا إلى استخدام كشافات الهواتف المحمولة لاستكمال العملية. تلك اللحظة كانت من أصعب ما مررت به في حياتي المهنية». في بعض الحالات، يتم تشغيل مولدات الكهرباء يدويًا، وهو ما يستهلك وقتًا وجهدًا كبيرين في خضم العمليات الجراحية الطارئة.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر القيود المفروضة على دخول المساعدات الطبية إلى غزة بشكل كبير على قدرة المستشفيات على توفير الخدمات الأساسية.
يروي الدكتور محمود علي، مدير أحد المستشفيات الميدانية: «بعض المعدات التي نحتاجها بشدة يتم تأخير دخولها لأسابيع، وأحيانًا تصل بعد فوات الأوان بالنسبة لبعض المرضى».
ظروف العمل الميداني: بين الإحباط والتحدي
مع اشتداد حرب السابع من أكتوبر، أصبحت المستشفيات في غزة رمزًا للمأساة الإنسانية، وتحول الأطباء بأيديهم العارية إلى خط الدفاع الأول للحياة. المستشفى الأوروبي، الذي كان من بين أكثر المراكز الطبية تجهيزًا، تعرض لقصف جزئي، مما أدى إلى فقدان معظم معداته.
يقول الدكتور محمد الهمص، المتحدث باسم المستشفى لـ«عُمان»: «كنا نتعامل مع أكثر من 200 إصابة يوميًا، بينما تقلصت مساحتنا الفعلية للعمل إلى أقل من نصف ما كانت عليه بسبب الأضرار».
في مستشفى الشفاء، وُضع المصابون على الأرض بسبب امتلاء الأسرة. يصف الممرض خالد عطية الوضع قائلًا لـ«عُمان»: «كنا نعمل وسط الفوضى، لا توجد مساحة كافية حتى للحركة. كان علينا اتخاذ قرارات صعبة حول من يحصل على العلاج أولاً».
أجهزة التهوية القليلة كانت تُخصص للحالات الأكثر حرجًا فقط، بينما يُترك الباقون ليصارعوا الألم. في إحدى الحالات، كان على الأطباء إجراء عملية بتر في غرفة غير مهيأة بسبب عدم توفر غرفة عمليات متاحة. «كنا نعلم أن هذه ليست بيئة مناسبة لإجراء جراحة، لكن البديل كان خسارة حياة المريض»، يروي الدكتور عبد الرحمن الحاج، جراح العظام.
الضغط النفسي والجسدي
العمل في هذه الظروف يفرض ضغطًا نفسيًا هائلًا على الأطباء والممرضين. الدكتور سامي منصور، اختصاصي طوارئ، يحكي لـ«عُمان»: «عندما تستقبل عشرات المصابين دفعة واحدة بعد غارة جوية، تجد نفسك في معركة ضد الزمن. كل ثانية قد تعني حياة أو موت». رغم ذلك، يواصل الأطباء العمل لساعات طويلة دون راحة، مدفوعين بإحساس عميق بالمسؤولية.
الساعات الطويلة ليست التحدي الوحيد. فالأطباء يواجهون أيضًا نقصًا في الدعم النفسي والتدريب لمساعدتهم على التعامل مع الضغط المستمر. تقول الدكتورة ليلى قاسم: «العمل في هذه البيئة يؤدي إلى استنزاف نفسي كبير. في بعض الأحيان، أعود إلى المنزل وأجد نفسي غير قادرة على النوم بسبب التفكير في المرضى الذين لم أتمكن من إنقاذهم».
هذا الضغط يمتد إلى الممرضين والممرضات الذين يعملون جنبًا إلى جنب مع الأطباء. الممرضة سعاد خليل تقول لـ«عُمان»: «نحن نواجه مواقف صعبة يوميًا، مثل مشاهدة أطفال يعانون أو فقدان أحد المرضى أمام أعيننا بسبب نقص المعدات. لكننا نعلم أن دورنا مهم جدًا، وهذا ما يدفعنا للمضي قدمًا».
رغم هذه الظروف، يبدي الأطباء والممرضون روحًا عالية من التضحية والإصرار. الدكتور علاء أبو ناصر يختصر شعورهم قائلًا لـ«عُمان»: «نحن هنا لأننا نؤمن بأن لكل إنسان الحق في الحياة، بغض النظر عن الظروف». هذه الروح التضامنية تُعتبر العنصر الأساسي الذي يجعل النظام الصحي في غزة يصمد أمام كل هذه التحديات.
نجاح رغم المستحيل
إحدى أبرز القصص التي تسلط الضوء على شجاعة الأطباء في غزة تعود إلى الدكتور محمد توفيق، استشاري جراحة الشبكية والجسم الزجاجي من مصر، الذي تطوع للعمل في مستشفى غزة الأوروبي. في يوم واحد، أجرى الدكتور توفيق 33 عملية جراحية للعيون خلال 13 ساعة متواصلة، مستخدمًا غرفة عمليات وحيدة ومعدات شبه بدائية ومحدودة.
يوضح الدكتور توفيق لـ«عُمان» سبب إقدامه على ذلك: «الحالات التي دخلت في عيونها شظايا يجب إجراء العمليات لها في أقل من شهر، ولو انتظرت الحالة أكثر من ذلك، العين تتضرر بشكل كبير. في حالات كثيرة لها شهور منتظرة وغير قادرة توصل للخدمة، ونحاول على قدر الإمكان تنفيذ العمليات».
قصة أخرى تبرز بطولة الدكتورة هبة السعيد، اختصاصية أطفال، التي نجحت في إنقاذ حياة طفل حديث الولادة يعاني من اختناق حاد. تقول الدكتورة هبة أبو هلال لـ«عُمان»: «لم يكن لدينا جهاز تنفس صناعي يعمل، فاضطررنا إلى استخدام أنبوب يدوي للمساعدة في التنفس لمدة تزيد عن ساعتين. كانت تجربة مرهقة جسديًا، لكنها تستحق العناء».
العودة إلى الحياة من جديد
المرضى الذين واجهوا الموت وخرجوا أحياء يحملون شهادات تنبض بالأمل وسط المحنة. «لم أكن أتصور أنني سأعيش بعد إصابتي». يقول أحمد البنا، أحد الناجين من غارة استهدفت حي الزيتون في مدينة غزة. أُدخل أحمد إلى مستشفى ميداني مع إصابة بالغة في البطن، لكنه خرج بعد أسبوع معافى بفضل من الله و جهود الأطباء.
ريم، التي أُجريت لها عملية جراحية معقدة وسط ظروف قاسية، تُبين: «كنت أسمع صوت القصف وأنا تحت العملية. لم أعتقد أنهم سيتمكنون من إنقاذي، لكنهم فعلوا المستحيل».
محمد، طفل يبلغ من العمر 10 سنوات أصيب بشظايا في الرأس، يبتسم الآن وهو يلعب في ممر مستشفى الشفاء. والدته تقول لـ«عُمان»: «الأطباء هنا أبطال. لم يكن لديهم إلا معدات بسيطة، لكنهم أنقذوا حياة طفلي».
حلول مبتكرة
رغم التحديات، يسعى الأطباء في غزة إلى تطوير حلول مبتكرة. الدكتور إبراهيم عدنان، أخصائي جراحة عظام، يقول لـ«عُمان»: «نحن نتبادل المعرفة بشكل دائم ونتعلم من بعضنا البعض. أحيانًا نقوم بتدريب الفرق الميدانية على استخدام تقنيات بديلة للتعامل مع نقص المعدات».
إحدى هذه المبادرات كانت ورشة عمل نظمتها مجموعة من الأطباء لتعليم فرق التمريض كيفية استخدام مواد محلية الصنع؛ لتعويض نقص الضمادات الطبية. تقول الممرضة نادية أبو عيسى لـ«عُمان»: «تعلمنا كيفية الاستفادة من أبسط الأشياء لإنقاذ الأرواح. هذا التعاون يجعلنا نشعر بأننا لسنا وحدنا في هذه المعركة».
أيضًا يلعب المجتمع المحلي دورًا هامًا في دعم الفرق الطبية. فهناك مبادرات تطوعية لتوفير الأدوات والمستلزمات الطبية البسيطة. يقول الدكتور سامر غانم لـ«عُمان»: «دعم الأهالي يعطينا دفعة معنوية كبيرة. حتى في ظل أصعب الظروف، نجد أن التعاون هو مفتاح النجاح».