لجريدة عمان:
2024-06-27@08:57:44 GMT

الشباب والمهارات الخضراء

تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT

تتهيأ دول العالم إلى الانتقال من بلدان معتمدة في اقتصادها على الوقود الأحفوري في غالبها، إلى اقتصاد أخضر، ولهذا فإن سوق العمل يتحوَّل تدريجيا نحو قطاعات مختلفة تتناسب مع هذا النوع من الاقتصادات، وبالتالي فإن تهيئة الشباب ودفعهم لفهم ذلك الانتقال وتحولاته، وتجهيزهم للانخراط والمشاركة الفاعلة في تلك التغييرات التحويلية في الاقتصادات والمجتمعات أمر بالغ الأهمية، ينبغي النظر إليه باعتباره أحد أهم مقتضيات المرحلة.

ولأن هذا التحوُّل في سوق العمل يأتي مدفوعا بتحديات كبرى تخُص أزمة المناخ وحماية البيئة، وهو أحد التحديات التي تؤثر بشكل مباشر في مرحلة ما يُسميه تقرير الشباب والوظائف الخضراء بـ (الانتقال العادل) إلى الاقتصاد الأخضر؛ ذلك لأن هذا الانتقال يحتاج إلى العديد من المهارات التي لابد أن تعمل عليها الدول لدعم التطورات العلمية والتقنية للشباب، بحيث يستطيعون المشاركة في القطاعات الناشئة والمتغيِّرة بتغيِّر بيئة الدولة والتحديات التي تواجهها، وهذه المهارات ترتبط بالقطاعات الخضراء التي تحتاج إلى تشكيل خصائص ديموغرافية لتطوير قدرات الشباب وتجاربهم.

ولعل أهمية التركيز على التعليم بدءا من التوعية بشأن أزمة المناخ والتحولات الاقتصادية في المجتمعات، وليس انتهاءً بتزويد الناشئة والشباب بالمهارات اللازمة وأفضل الممارسات والمعارف المتعلقة بالاقتصاد الأخضر، إضافة إلى ضرورة إشراكهم في صنع السياسات، خاصة تلك التي تستهدف دعم ازدهار الوظائف وإنعاش الاقتصاد من ناحية، ودعم الانتقال التحويلي إلى الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون من ناحية أخرى، والذي يتميَّز باستخدامه الموارد التي تحافظ على البيئة، فهو اقتصاد شامل واجتماعي، يتعلَّق بأنماط العيش ووسائل حماية البيئة.

إن المهارات الخضراء مسؤولة عن بناء مجتمع عادل اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا يهتم بالعالم البيئي من خلال تقليل تأثير النشاط البشري على الأنواع الحية الأخرى، وهي مهارات تعتمد على (مهارات حياتية واجتماعية وعاطفية شاملة)، تدعم القدرات التحويلية، وتسهم في تعديل السلوكيات الفردية والعوامل الهيكيلة التي قد تؤدي إلى تفاقم أزمة المناخ، ولهذا فإن تعديل هذه المهارات وتحويلها يعتمد على تلك السياسات والتشريعات والبرامج التي تفرضها الدولة فيما يُطلق عليه بـ «تخضير الاقتصادات» من أجل دعم القدرة على إدارة الموارد الطبيعية بشكل مستدام، وزيادة كفاءة الطاقات الحيوية.

يتأصَّل الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر في دفع السوق إلى فتح فرص وظيفية جديدة، وتحويل الوظائف الحالية إلى وظائف خضراء، التي تشمل الصناعات التقليدية بكافة أشكالها، التي تتميَّز بقدرتها على الحفاظ على الموارد الطبيعية، ولهذا فإن استخدام الابتكار والتقنية من أجل تطوير تلك الصناعات وفتح فرص جديدة ضمنها، سيدعم الانتقال ويمكِّن الفئات المستهدفة العاملة في تلك الصناعات وسيوجَّه الشباب إلى الاهتمام بتحويلها وتنميتها بما يتوافق مع المتغيرات الصناعية الحديثة، وضمان الحقوق وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع.

إن الصناعات التقليدية تشكِّل أحد أهم الأسس للصناعات الخضراء، ولهذا فإن عُمان اعتنت بها سواء من خلال تشجيع الشباب وتسهيل الاستثمار فيها ودعمه، أو من خلال تشجيع الابتكار وإدخال الوسائل التقنية التي تدعم الاستثمار الأخضر، وتؤدي إلى ازدهاره وتمكينه. ولقد أسهم ذلك في إنتاج العديد من المشروعات المستدامة التي تحافظ على الموارد الطبيعية، إلاَّ أن هذه الصناعات تحتاج اليوم إلى المزيد من الوعي والاهتمام، وربطها بمستقبل الدولة وقدرتها على تحقيق أهدافها، وذلك من خلال تمكين الشباب بالمهارات الخضراء التي توجههم نحو الاستثمار في تلك الصناعات.

تتوقع منظمة العمل الدولية مجموعة من المتغيرات التي تطرأ على سوق العمل وهي تتركَّز على فتح فرص عمل جديدة من خلال إدخال قطاعات خضراء جديدة مثل الزراعة الذكية وغيرها من القطاعات البيئية الواعدة، وتخفيض الوظائف المرتبطة بالوقود الأحفوري، إضافة إلى التحوُّل الوظيفي للتكيُّف مع النموذج الاقتصادي الجديد. إن هذه المتغيرات والتوجهَّات نحو الوظائف الخضراء التي تتزايد وفق مجموعة من المعطيات تتجَّه نحو القطاعات التقليدية والصناعات المرتبطة بها، إضافة إلى تلك الابتكارات المرتبطة بإنتاج الطاقة المتجددة، ولأن هذه الوظائف مرتبطة بقدرة أفراد المجتمع وخاصة الشباب، على امتلاك المهارات الأساسية، فإن ذلك يتطلَّب مواصلة العمل في تدريب الشباب وتأهيلهم بما يضمن إكسابهم لتلك المهارات.

ولقد تم أبراز دور المهارات الخضراء وقيادة الشباب للتحوُّل نحو الصناعات الخضراء صديقة للبيئة ومستدامة، في الاحتفال باليوم العالمي للشباب الذي اُحتُفل به في الثاني عشر من أغسطس الماضي، في دعوة أممية لتزويد الشباب بالمهارات والمعرفة من أجل المساهمة الفاعلة في (تشكيل مستقبل أنظف وأكثر اخضرارا وأكثر قدرة على التكيف مع المناخ)؛ فالمهارات الخضراء ضرورة أساسية في ظل شيوع التقنيات والتطورات الصناعية الضخمة، إذ لابد من استخدام التقنيات المستدامة المبتكرة، والطاقات المتجددة، وابتكار وسائل نقل نظيفة، وأنشطة صناعية تحافظ على البيئة؛ ولأن الشباب هم عصب الأمم وعمادها فإن تزويدهم بالمهارات اللازمة للمستقبل يرتبط بقدرة الدولة على بلوغ أهدافها، وتحقيق رؤيتها الوطنية، بما يدعم الاستدامة والعدالة الاجتماعية.

إن المهارات الخضراء تنطلق من مهارات عامة قائمة على التواصل وصنع القرار واتخاذه، وحل المشكلات؛ وهي مهارات أساسية قائمة على القدرات التحويلية، ولهذا فإن تغيير الممارسات التقنية والقيادية ومهارات التفكير التحليلي والابتكار ومعالجة المعلومات والبيانات، سيؤدي إلى تنمية المهارات الخضراء وتمكين الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، إضافة إلى ذلك فإن هذه المهارات تقود إلى التمكُّن من إتقان المهارات المهنية المرتبطة بالقيم والمعارف والمواقف التي يتطلَّبها تسهيل القرارات المستدامة.

يكشف تقرير (المهارات الخضراء العالمية 2023)، أنه ما بين عامي 2022 و2023 (ارتفعت حصة المواهب الخضراء في القوى العاملة بمتوسط قدره 12.3% في حين نمت حصة إعلانات الوظائف التي تتطلَّب مهارة خضراء واحدة على الأقل مرتين أسرع بمتوسط 22.4%)، الأمر الذي يكشف التسارع المتزايد في نمو الطلب على هذه المهارات من ناحية، وتزايد الوظائف الخضراء من ناحية أخرى؛ ذلك لأن سوق العمل يتسارع نحو التحوُّل، مما يتطلَّب السرعة في تهيئة الشباب وتطوير مهاراتهم بما تتطلبه المرحلة المستقبلية.

ولأن هذه المهارات ضرورة أساسية فإن على القطاعات التعليمية والثقافية والإعلامية بشكل خاص تركيز الاهتمام بالتوعية والتوجيه، وتقديم المعارف اللازمة للناشئة والشباب بشكل خاص، وتوجيه الدعم والتدريب والتأهيل من خلال برامج ومبادرات قادرة على تمكينهم ودعم مهاراتهم، وهو دور يجب أن يكون تكاملي بين القطاعات الحكومية والخاصة والمدنية بل وحتى الأفراد ممن لديهم القدرة والمنصات التي تمكنهم من المساهمة الفاعلة؛ فهذه المعارف والمهارات تُعنى بمستقبل الدولة ومستقبل رؤيتها، وعلينا جميعا العناية بالشباب ودعمهم، من أجل تحقيق الاستدامة والعدالة المجتمعية، حتى يستطيع الجميع المشاركة بوعي وقدرة وتمكين.

إن ما تقدمه عُمان من تجارب رائدة سواء في مشروعات الطاقة الحيوية، وتقنيات التكنولوجيا الخضراء وحتى ضمن مشروع المدارس الخضراء، يكشف الاهتمام المتزايد والأهداف الكبرى التي تطمح لبلوغها على مستوى العالم، ولهذا فإن علينا تضامن الجهود في الاهتمام بالمهارات الخضراء ومتطلبات تمكينها للأجيال الحالية والمستقبلية من أجل تهيئتهم للتحولات المنهجية التي يتطلبها الاقتصاد الأخضر؛ فالمهارات الخضراء باعتبارها مهارات تحويلية يجب أن يتم تأصيلها منذ الصغر للأطفال والناشئة حتى تتخذ صفة الممارسة الاجتماعية الفاعلة.

تتحوَّل الدول نحو الاقتصاد الأخضر إذا امتلك أبناؤها مهارات تمكِّنهم من تحقيق ذلك؛ فالاعتماد على العمالة الأجنبية حتى وإن كانت ممكَّنة، لن يوصلنا إلى استدامة حقيقية وإلى تنمية عادلة وفاعلة، وهي مسؤولية مجتمعية علينا جميعا العمل على تطويرها في أبنائنا وطلابنا وإخواننا، والتعاون مع المؤسسات والقطاعات في تمكينهم من ممارستها بما يُسهم في التنمية الوطنية المستدامة.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى الاقتصاد الأخضر المهارات الخضراء هذه المهارات إضافة إلى سوق العمل من ناحیة من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

الحرائق تهدد الأخضر واليابس في لبنان: إتكال على المبادرات الفردية والـ125

باكراً أتى الصيف هذا العام، حيث شهد شهر حزيران ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة، وتخطت في بعض الايام الـ40 درجة مئوية مع نسبة رطوبة وصلت الى 100%. 
هذه الدرجات المرتفعة التي لم يشهدها لبنان في تاريخه، رفعت نسبة المخاطر من اندلاع حرائق في الاحراج اللبنانية، ودفعت بفرق الاغاثة الى رفع مستويات التأهب الى المرحلة القصوى خوفاً من تفاقم الأزمات.

الدفاع المدني بأعلى جهوزية

من يتابع صفحات الدفاع المدني على مواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ ارتفاعاً كبيراً في نسبة العمليات لا سيما تلك المتعلقة بحرائق الغابات والمساحات الخضراء على كامل الأراضي اللبنانية، حيث يتعدى عدد المهام اليومية الـ50 مهمة.
الا ان الدفاع المدني أطلق تحذيراً في الايام الماضية من مخاطر ارتفاع نسبة الحرائق، وأرفق معها خريطة لبنان مع تظهير للأماكن الأعلى خطراً، (الصورة المرفقة) فكيف يستعد الدفاع المدني لمواجهة هذه المخاطر؟ سؤال حملناه الى رئيس قسم التدريب في الدفاع المدني نبيل صالحاني الذي أكد في حديث عبر "لبنان 24" ان عناصر الدفاع المدني في أعلى جهوزية لمواجهة اي حريق قد ينشب على اي بقعة من الاراضي اللبنانية، مشدداً على ان ازدياد عدد المتطوعين في الدفاع المدني سمح برفع الجهوزية والاستنفار.

واذ لفت الى انه وعلى الرغم من رفع العديد، الا ان الأزمة الاقتصادية حالت دون قدرة الدفاع المدني على تأمين كل احتياجاته اللوجستية لا سيما لناحية تصليح المركبات وتأمين استمرارية الصيانة لها، هذا فضلاً عن ان الميزانية المرصودة للدفاع المدني لا تلبي كل الاحتياجات.

صالحاني تمنى على المواطنين ان يكونوا أكثر وعياً عند تمضية يومهم في الطبيعة، خصوصاً وان 99% من الحرائق هي من فعل الانسان سواء عن قصد او غير قصد.
وشدد على ان كل المهام يتم تأمينها بالحد الأدنى الموجود لدى العناصر، مؤكداً التنسيق المستمر مع عناصر الجيش لا سيما لناحية اخماد الحرائق في المناطق الوعرة التي يصعب الوصول اليها بالآليات.
ورداً على سؤال عن القدرة على تأمين المياه المطلوبة لعمليات إخماد الحرائق في ظل الشح الحاصل في المياه، أكد صالحاني انه وعلى الرغم من ان موارد المياه مؤمنة الا ّانه في كثير من الاحيان قد نحتاج الى كميات اضافية يتم تأمينها بالتعاون مع البلديات وصهاريج التوزيع.

المجتمع المدني والجمعيات مستعدون للمساعدة

في المقابل، وكما في كل عام، تكون الجمعيات والمجتمع المدني على اهبة الاستعداد لمساندة عناصر الدفاع المدني والجيش في اخماد الحرائق، وفي هذا الاطار، يشير رئيس جمعية "الأرض" بول ابي راشد الى انه في ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد منذ العام 2019، تجد الدولة نفسها عاجزة عن مواجهة الحرائق، أسوةً بالعديد من المشاكل الأخرى التي تعاني منها خصوصاً على وقع تراجع أداء البلديات، وهجرة الشباب، وازدياد مسببات الحرائق المفتعلة على وقع قلة الامكانيات المادية لتصليح آليات الدفاع المدني وتجديد المعدات.

أبي راشد اعتبر في حديث عبر "لبنان 24" انه وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي يبذلها شباب وشابات الدفاع المدني المتفانين بالخدمة والعطاء، يبقى هناك دور أساسي على الدولة ان تقوم به يتمثل أولاً بالالتفات لهم ولمراكزهم ومعداتهم، والعمل على تجهيز مراكزهم بآليات خاصة بحرائق الغابات كسيارات الدفع الرباعي ومعدات محمولة، متمنياً لو ان المغترب اللبناني يعمل ايضاً على دعم هذه المؤسسة من كل النواحي.
كما الاغتراب، كذلك الساكنون في لبنان، يتابع ابي راشد، لديهم دور كبير اذ المطلوب منهم الدفاع عن غاباتهم بكل الوسائل وتفادي مسببات الحرائق ودعم الدفاع المدني حيث يمكن وتجهيز القرى البعيدة عن مراكز الدفاع المدني بمعدات اولية للتدخل السريع.

وعن المهام التي تقوم بها الجمعيات والمجتمع المدني، اكد ابي راشد ان "جمعية الارض لبنان" التي يترأسها، تقوم بتقديم معدات فردية ( مخابط) للبلديات او الجمعيات المحلية كما تقوم بالتوعية لتفادي مصادر الحريق، مشدداً على انه لدى الجمعية مواقع خاصة تراقب من خلالها الاحراج من اجل التدخل السريع لاطفاء الحرائق فيها بالتعاون مع شبكة من المتطوعين.

وعليه، تبقى المهمة الاساسية على عاتق المواطن الذي يجب عليه ان يبقى حذراً في التعامل مع البيئة في ظل موجة الحر التي تضرب البلاد، والسعي الى التبليغ سريعاً على الرقم 125 عند نشوء اي حريق قبل توسعه. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • فرض رسوم على التكنولوجيا النظيفة الصينية يهدد التحول الأخضر
  • الجزيرة نت تحاور محمد نجيب أبو زيد خبير البناء الأخضر المستدام
  • شراكة استراتيجية بين مبادرة «المشروعات الخضراء» والأمم المتحدة
  • جامعة القناة تعلن عن تنظيم خطة تدريبية خلال الصيف لرفع المهارات الأساسية
  • الأطفال وثقافة الحرب
  • الحرائق تهدد الأخضر واليابس في لبنان: إتكال على المبادرات الفردية والـ125
  • ورشة عمل حول الاستثمار الأخضر في ليبيا
  • بنك تنمية المهارات يحتفل بتخرج مشروع تدريب وتأهيل الشباب في الأقصر
  • الأسر المنتجة ببقيق تحترف الصناعات الوطنية والمهارات المختلفة
  • الجزائر والإتحاد الأوروبي يكثفان التبادل بين الخبراء في مجال الهيدروجين الأخضر