القوة المضطربة للسياسة الخارجية «النسوية»
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
في عام 2014، عندما أعلنت وزيرة الخارجية السويدية آنذاك مارجوت وولستورم أن بلدها سوف يتبع سياسة خارجية نسوية قوبلت الفكرة بتشكك. وتعرضت وولستورم لانتقادات من مؤسسة السياسة الخارجية عالميا بسسب نهجها «النضالي» العلني وبسبب الإدراك لسذاجة فهمها لحقيقة السياسات الواقعية. ومثلما ذكرت مقالة لمجلة ذي نيويوركر في عام 2015 فإن «دأب مجتمع الدبلوماسية، الذي تنتقى فيه الكلمات بعناية لكي لا تحمل أي إساءة، هو اجتناب -النسوية-».
انتقلت رؤية وولستورم إلى صدارة شيء أكبر من السويد. ففي أقل من عقد من الزمن، تبنت ست عشرة حكومة بشكل رسمي سياسات خارجية نسوية. بدأت الفكرة بداية محلية، بوصفها نهجا تتبعه بلدان شمال أوروبا لتمثيل حقوق المرأة على المسرح العالمي، ثم بدأ وضعها يتزايد بوصفها أداة عالمية للحكومات توضح التزامها بإعلاء أولوية البشر والكوكب على المعارك الدائرة لتحقيق هيمنة اقتصادية وعسكرية، وتؤكد التركيز على التعاون وعلى اكتساب القوة اشتراكا لا انفرادا.
مرت أربع سنوات قبل أن تتبنى الحكومات الأربع الأولى ـ في السويد ولوكسمبرج وفرنسا وكندا ـ سياسات خارجية نسوية. ومنذ عام 2020، مع وصول حكومات تقدمية إلى السلطة، تبعتها عشرات الحكومات في منطقة جغرافية أكثر تنوعا، ضمن أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. مع تنامي الحركة، وتوسع تركيزها من تحدي الديناميات الجندرية الراسخة إلى تمزيق الديناميات الكولونيالية التي لم تزل تسم العلاقات الدولية.
تتفاوت أشكال السياسة الخارجية النسوية في تطبيقها من بلد إلى بلد. فلقد تعهدت ألمانيا ـ وهي كبرى بلاد المجموعة من حيث المساعدات الخارجية ـ بأن ترفع تبرعاتها الموجهة إلى المساواة الجندرية بمقدار الضعف تقريبا. وكندا وسلوفينيا حققتا أو تجاوزتا هدف المساواة الجندرية في هيئتيهما الدبلوماسية أو على مستوى السفراء، في حين شكلت فرنسا وأسبانيا وكولومبيا هيئات من الناشطين النسويين لتقديم الاستشارات لحكوماتها. ووضعت الأرجنتين نسوية المتحولين في مركز كل من سياستها الخارجية والداخلية فاستحدثت منصب الممثل الخاص للتوجه الجنسي والهوية الجندرية. وبوحي من حركة «الحياة السوداء مهمة» شكلت هولندا لجنة لمراجعة العنصرية في وزارة الخارجية.
وهذا ليس محض كلام. فإعطاء الأولوية للنساء له تأثير ملموس في مساعدة البلاد على تحقيق أهدافها في السياسة الخارجية. ولقد انتهت دراسة عالمية أجراها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى أن مشاركة النساء في عملية صنع السلام قد زادت احتمالية دوام اتفاقيات السلام لما لا يقل عن عامين بنسبة 20%، وزادت احتمالية دوامها لخمسة عشر عاما بنسبة 35%. وتتناسب المساواة الجندرية اطرادا مع السلام الحدودي والاستقرار: فالبلاد الأكثر مساواة على المستوى الجندري أكبر احتمالا لأن تلتزم بالقوانين والمعاهدات الدولية وأقل احتمالا لأن تلجأ إلى العنف في رد فعل أول بحالات النزاع. ومن الناحية الاقتصادية، تبين لتقرير صدر 2015 عن مكينزر أن المساواة الجندرية الحقيقية في كل مكان من شأنها أن تزيد من إجمالي الناتج المحلي العالمي بما يصل إلى ثمانية وعشرين ترليون دولار.
ومن المؤكد أن هذه الحركة تواجه رياحا معاكسة، بدءا بما يعرف بالقوى المؤيدة للأسرة في روسيا وبولندا والمجر التي تعمل من أجل دحر حقوق النساء، وحتى قمع حرية المرأة في إيران وأفغانستان والحقوق الإنجابية وحقوق المتحولين في الولايات المتحدة. وفي حين أن السياسة الخارجية النسوية شهدت نموا هائلا في السنوات القليلة الماضية، فلا ضمان لتحقق المزيد من التقدم. فلو أن انتصارات انتخابية تقدمية هي التي أثمرت لنا هذه الحركة، فإن موجة انتصارات محافظة يمكن أن تجهز عليها بالسرعة نفسها.
وانظروا إلى السويد التي بدأ منها كل شيء. في عام 2022، بعد تغير الحكومة، أعلنت السويد أنها وإن بقيت ملتزمة بالمساواة الجندرية، فهي لم تعد تتبع سياسة خارجية نسوية صريحة وسوف تقلص ميزانيتها المخصصة لإقامة السلام وسوف تشدد قيودها المفروضة على الهجرة.
وعلى مدار الشهور الاثني عشرة القادمة، تواجه 3 بلاد ذات سياسات خارجية نسوية على الأقل انتخابات حاسمة: فالأرجنتين في أكتوبر، وهولندا في نوفمبر، والمكسيك في يونيو. وفي هذه البلاد وبلاد أخرى، تهدد قوى يمينية الأجندة النسوية، بمرشحين من أشباه دونالد ترامب، وخطاب تتزايد طبيعته العنصرية والمعادية للمرأة والشعبوية، ووعوده بالنكوص عن حقوق المرأة، أو فرص طالبي اللجوء، أو الالتزامات بالعدالة المناخية.
في يوم الأربعاء، خلال أسبوع الجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى وزراء خارجية دزينة من البلاد الممثلة لمجموعة الأمم المتحدة للسياسة الخارجية النسوية وطرحوا الإعلان العالمي الأول للسياسة الخارجية النسوية. التزموا بالعمل معا من أجل الدفاع عن «النساء والفتيات بكل ما لهن من تنوع» ومن أجل «صياغة سياسات خارجية نسوية» ومن أجل «تبادل أفضل الممارسات والدروس المستفادة في ما يتعلق بمختلف المناهج النسوية ».
وسوف يلزم أكثر من ست عشرة حكومة من أجل تغيير العالم. وبلدي ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ غائب غيابا سافرا من هذا النادي الذي قد يرى البعض أن هذا البلد هو الذي أسسه عندما قام بتعيين أول سفير متجول في العالم لقضايا المرأة العالمية قبل أكثر من عقد من الزمن.
من واشنطن إلى بيونس آيرس، يلوح في الأفق خطر جسيم يتمثل في أن هذه السياسات التقدمية التي تحققت إثر جهد جهيد يمكن التخلي عنها بسهولة، مشفوعة بالآمال في حماية أفضل للبشر والسلام والكوكب. ولكننا شهدنا هذا الأسبوع على الأقل نشوء تحالف يبذل كل ما في وسعه، وحيثما يستطيع، وطالما هو قادر. وهذا في حد ذاته خبر طيب.
ليريك طومسن المؤسسة والرئيسة التنفيذية لتعاونية السياسة الخارجية النسوية، وأستاذة مساعدة في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، وعضوة المجلس الاستشاري للأمن الدولي لوزير الخارجية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاسة الخارجیة من أجل
إقرأ أيضاً:
المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
أوضح المبعوث الأمريكي للسودان، توم بيرييلو، أن السبيل الوحيد لإنهاء معاناة السودانيين هو إنهاء الحرب وتمكين الشعب السوداني من اتخاذ قراراته بشأن مستقبله.
الخرطوم ــ التغيير
قال بيرييلو في منشور على منصة “إكس” إنه عقد اجتماعات مثمرة في بورتسودان مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، وقادة المجتمع المدني وفريق الأمم المتحدة الإنساني.
أكد أن الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوداني بشكل فوري، مشيرًا إلى أن السبيل الوحيد لوضع حد للمعاناة هو إنهاء هذه الحرب ومنح الشعب السوداني القدرة على تحديد مستقبله.
أوضح أن الرسالة التي تلقاها بوضوح من ممثلي المجتمع المدني الذين قابلهم في بورتسودان تنص على أن الجرائم التي تستهدف النساء السودانيات يجب أن تتوقف، ويجب حماية المدنيين.
وأضاف “نحن نتشارك معهم في حرصهم على إنهاء هذه الحرب، وإيقاف الفظائع التي ترتكب ضد المدنيين، وضمان سودان موحد وديمقراطي وسلمي.
ورحب المبعوث الأمريكي بالتحسينات الأخيرة في توسيع الوصول للمساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة، كأكبر دولة مانحة للمساعدات للسودان، ستبذل قصارى جهدها لضمان وصول الغذاء والماء والأدوية إلى الناس في جميع الولايات الثماني عشرة بالإضافة إلى اللاجئين.
و قال: “أعبر عن تقديري للجهود الأخيرة التي تهدف إلى تحسين تدفق المساعدات الطارئة لـ 25 مليون سوداني يعانون من المجاعة والجوع الحاد. يجب علينا الاستمرار في زيادة كميات الغذاء والدواء المرسلة من بورتسودان وأدري، وتوسيع نطاق رحلات الإغاثة إلى المناطق النائية”.
أشار إلى أنه استمع إلى الآراء التي طرحها العاملون في المجال الإنساني من الأمم المتحدة في بورتسودان، مضيفًا: “مع تقديم الولايات المتحدة لأكثر من نصف الدعم الإغاثي في السودان، أُقدِّر التقدم الذي تم إحرازه في جهود تقديم المساعدة للمجتمعات الضعيفة في مختلف أنحاء البلاد، وستستمر الولايات المتحدة في دعم جهود الشركاء لتوسيع نطاق الإغاثة الطارئة للسودانيين الضعفاء”.
الوسومالحرب المبعوث الأمريكي بورتسودان توم بريللو