لجريدة عمان:
2025-04-28@07:15:02 GMT

المرآة الأيديولوجية

تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT

تخوض الكاتبة والناشطة اليسارية، نعومي كلاين، في كتاب صُدر لها حديثا بعنوان «Doppelganger» «الشبيه»، في التشابك الغريب بين الاستقطاب السياسي، والحقائق المعترض عليها، ووسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة في كل مكان والمميِّزة لعصرنا الحالي. وتبحث نعومي في «العالم المرآة» لنظريات المؤامرة والدعاية اليمينية المتطرفة عبر الإنترنت، لتقدم رؤى فريدة من نوعها عن الواقع الرقمي المرير الذي نعيش فيه.

ويُلمح عنوان Doppelganger إلى نعومي وولف، الكاتبة النسوية التي تحولت إلى مُنظِّرة المؤامَرات، والتي كثيرًا ما يقع الخلط بينها وبين كلاين. فخلال جائحة كوفيد-19، كانت وولف مدافعة قوية عن الأفكار المناهضة للقاح، وكثيرا ما كانت تظهر على منصات اليمين المتطرف بادعاءات مفادها أن تدابير الصحة العامة جزء من مؤامرة عالمية ماكرة. وعندما تقارن كلاين مسارها مع مسار وولف، فإنها تُظهر مستوى من الوعي الذاتي لم يكن واضحًا في أعمالها السابقة كما هو الآن، لتقدم بذلك نقدًا صريحًا للعلامة التجارية الشخصية التي طورتها على مر السنين.

وتتمتع كلاين، وهي أستاذة لشعبة العدالة المناخية في جامعة بريتيش كولومبيا، بسجل زاخر بالأعمال الناجحة تُغبط عليه. إذ تلقى أكثر كتبها مبيعا، التي تتناول قضايا مثل التهديد المتمثل في تغير المناخ، والدور المفرط للمال في السياسة الأمريكية، والقرار الكارثي الذي اتخذه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش بغزو العراق، صدى لدى قرائها الذين تتشكل غالبيتهم من الليبراليين.

ولكن كلاين تتطرق في كل كتاب من كتبها إلى أطروحة معيبة، مع أن صياغتها أصلية، وعنوانها لافت للانتباه، وتطبيقها جاذب للاهتمام. وخير مثال على ذلك، كتابها الأول «No Logo»، الذي نُشر في عام 1999، بعد وقت قصير من الاحتجاجات المناهضة للعولمة التي اندلعت أثناء اجتماع منظمة التجارة العالمية في سياتل. واستهدف الكتاب الشركات المتعددة الجنسيات التي استثمرت بكثافة في العلامات التجارية، بينما كانت تنقل عمليات الإنتاج إلى العمال ذوي الأجور المنخفضة في البلدان النامية.

ومن المؤكد أن بعض الشركات الأمريكية أصبحت ضخمة جدا ومخلة بقواعد المنافسة، الأمر الذي يستلزم وضع قواعد تنظيمية أكثر صرامة من تلك التي واجهتها في العقود الأخيرة. كذلك، لا تخلو حجة كلاين التي مفادها بأن الشركات الأمريكية تزدهر في ظل ثقافة استهلاكية مفرطة من الصحة. وفضلا على ذلك، تشكل الشركات المتعددة الجنسيات البارزة أهدافاً أكثر قابلية للتأثر سياسيا مقارنة مع الشركات الصغرى والأقل صيتا.

ومع ذلك، قد يجادل العديد من الاقتصاديين بأن الشركات المتعددة الجنسيات التي تنشط في الاقتصادات المنخفضة الأجور توفر للعمال الفقراء مستويات معيشية أفضل مما كانوا سيحصلون عليه في شركات أخرى. ولنأخذ على سبيل المثال النمو الاقتصادي في دول مثل بنغلاديش وفيتنام. ففي حين يحصل العمال في البلدان النامية على دخول منخفضة، فإن العمل في «مصنع استغلالي» لشركة متعددة الجنسيات يوفر لهم فرصاً أفضل من البدائل المحلية.

ومع أن هذا النقاش مألوف، إلا أن «No Logo» وضع تعريفا أصليا للعلامة التجارية باعتبارها جوهر المشكلة. ولكن هذا أمر بعيد كل البعد عن تحقيق الهدف، حيث أن الشركات الصغرى المجهولة التي لا تملك علامات تجارية راسخة، يمكن أن تكون عائقا أمام الاستدامة البيئية أو غيرها من الأهداف الاجتماعية، شأنها في ذلك شأن الشركات الكبرى التي تحمل الأسماء التجارية المعترف بها. وفي الواقع، غالبا ما تكون الشركات الكبرى مهووسة بسمعتها، مما يجعلها أكثر استجابة للضغوط التي يمارسها الناشطون. وغالبا ما تكون الشركات المتعددة الجنسيات البارزة هي التي تعمل على تعزيز المعايير البيئية ومعايير العمالة، وليس الشركات الصغرى.

وفي عام 2007، أصدرت كلاين The Shock Doctrine، وهو نقد للاقتصاد النيوليبرالي. وفي حين أن المناقشات التي تتناول دور الحكومة في الاقتصاد ليست وليدة اليوم، فإن مصطلح «الليبرالية الجديدة» مازال مبهما. وإذا كان يدل على الإيمان برأسمالية عدم التدخل البحتة ومعارضة أي تنظيم، فإن قلة قليلة من الاقتصاديين والسياسيين يرتقون إلى هذا المعنى. وقد تعني النيوليبرالية أن الهيئات التنظيمية لا ينبغي لها أن تتدخل إلا لمعالجة حالات إخفاق محددة في السوق مثل التلوث، والاحتكارات، وعدم تناسق المعلومات- وهي وجهة النظر التي تتفق بصورة أوثق مع النظرية الاقتصادية السائدة.

ويتجلى الحس الإبداعي للكتاب في كونه يركز على ادعاء كلاين بأن المحافظين الأمريكيين يستفيدون من الأزمات الوطنية لحشد الدعم الشعبي للسياسات التي لا يمكنهم سنها بطريقة أخرى. وأبرز مثال على ذلك، هو استغلال بوش و نائبه في فترة توليه للرئاسة، ريتشارد تشيني، للصدمة النفسية العميقة الناجمة عن الهجمات الإرهابية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001، في الولايات المتحدة لحشد الدعم للحرب في أفغانستان والعراق. ومن المثير للاهتمام أن بوش وتشيني رأيَا أيضًا في أعقاب أحداث 11 سبتمبر فرصة مناسبة لممارسة ضغوط من أجل تخفيض الضرائب.

ومع ذلك، هناك العديد من الأمثلة التاريخية لليبراليين الذين يستخدمون الأزمات لحشد الدعم الشعبي لأجنداتهم. فعلى سبيل المثال، استغل الرئيس الأميركي، فرانكلين روزفلت، الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي خلفتها أزمة الكساد الأعظم لتفعيل الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي أقرتها الصفقة الجديدة. وعلى نحو مماثل، استفادت إدارة باراك أوباما، بموجب منطق مفاده أن «عدم استغلال الأزمات أمر فظيع»، من أزمة الركود في الفترة 2007-2009 للتغلب على المعارضة الجمهورية الشرسة، وسن قوانين إصلاحات دود-فرانك المالية، وقانون الرعاية الميسرة.

وتجادل كلاين في كتابها الذي صدر عام 2014 بعنوان «This Changes Everything»، بأن الرأسمالية مسؤولة بالدرجة الأولى عن تغير المناخ، وتؤكد أن معالجة أزمة المناخ تتطلب إصلاحًا شاملاً للنظام الاقتصادي العالمي. ولكن في حين يمكن القول بأن التصنيع والنمو الاقتصادي يؤديان إلى انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، فإن الحقيقة هي أن الاقتصادات الاشتراكية الموجهة، مثل اقتصادات الكتلة السوفييتية السابقة، شهدت مستويات تلوث أعلى بكثير مقارنة مع نظيراتها الرأسمالية الغربية.

والأهم من ذلك أننا لا نحتاج إلى التخلي عن الرأسمالية لمكافحة تغير المناخ. بل على العكس من ذلك، يمكن أن تؤدي الاستفادة من الآليات القائمة على السوق، مثل ضرائب الكربون، وتصاريح الانبعاثات القابلة للتداول إلى تراجع تكاليف الانتقال إلى اقتصاد محايد للكربون، ومن ثم جعل التحول أكثر قابلية للتطبيق على المستوى السياسي. ويمكن أيضاً تسخير التجارة الدولية لصالح البيئة.

ولطالما ادعى منكرو تغير المناخ أن الحملة الرامية إلى تخفيف الانحباس الحراري العالمي هي مجرد حيلة يسارية لتوسيع حجم الحكومة ونطاقها. وفي حين أن حركة المناخ متجذرة بقوة في البحث العلمي وليس في أي أيديولوجية مؤيدة للحكومة، فإن حجة كلاين المناهضة للرأسمالية أعطت مصداقية عن غير قصد لمثل هذه الادعاءات. وتَعزز هذا التصور بدرجة أكبر عندما أدرج الديمقراطيون تدابير غريبة مثل ضمان الوظائف الفيدرالية في تشريع «الصفقة الخضراء الجديدة».

وعلى عكس كتب كلاين السابقة، يتضمن كتاب Doppelganger الكثير من التأمل الذاتي. إذ بفحصها لأساليب اليمين المتطرف العدوانية التي تتحدى الحقائق، فهي تدخل في صراع مع قيودها الخاصة. إذ كتبت قائلة: على مدى سنوات كنت أقول لنفسي (وللآخرين) أنني أعارض العلامة التجارية، ولكن ها أنا ذا، أحاول إثبات ذاتي السيادية أمام نسخة أخرى مني «خارج العلامة التجارية»، في إشارة منها إلى «نعومي الأخرى».

وقد تكون هذه معلومة مهمة من Doppelganger.إذ عِوض الاكتفاء بالإشارة إلى المفاهيم الخاطئة الجامحة لدى خصومنا السياسيين، بوسعنا أيضاً أن ندرك بعض القيود التي نشترك فيها ونواجهها معاً. سواء كنا من اليمين أو من اليسار، مؤلفين أو قارئين، فإننا غالبا ما نعتمد كثيرا على العلامات التجارية، والشعارات، والعناوين الرئيسية، والتعميمات، والشخصيات، والفرق، والميمات، والمخططات. وإذا اعترفنا بميلنا الجماعي نحو التفكير القبلي وحتى التآمري، يمكننا أن نفهم لحظتنا الثقافية الحالية فهما أفضل.

جيفري فرانكل كان أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد وباحث مشارك في المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تغیر المناخ أن الشرکات فی حین

إقرأ أيضاً:

السبب وراء ارتفاع أسعار الشوكولاتة.. الحقيقة المرّة

شهدت أسعار الشوكولاتة ارتفاعا ملحوظا خلال الآونة الأخيرة، ما جعل من الصعب تجاهل هذا التغيير الذي طال منتجات محبوبة مثل الحلوى وكعك الأعياد ومسحوق الكاكاو.

فقد قفزت أسعار الكاكاو بنحو 300% خلال العام الماضي، وهذا انعكس بشكل حاد على أسعار الشوكولاتة هذا العام مقارنة بالعام الماضي.

وبحسب البنك الأميركي "ويلز فارجو"، ارتفعت أسعار الشوكولاتة في الولايات المتحدة بمعدل يزيد بـ5 أضعاف عن معدل الزيادة الذي سُجّل خلال عيد الحب لعام 2023.

فعلى سبيل المثال، صعد سعر لوح شوكولاتة "ريسيز هارتس" الكبير بنسبة 13% في فبراير/شباط 2024 مقارنة بالشهر نفسه من العام الذي قبله. وفي المملكة المتحدة، ارتفع سعر بيضة الشوكولاتة البيضاء "تويكس" من 5 إلى 6 جنيهات إسترلينية (ما يعادل 6.63 إلى 7.96 دولارات) في متاجر "تيسكو"، بينما تقلص وزن البيضة من 316 غراما إلى 258 غراما، وهذا أدى إلى قفزة بنسبة 47% في سعر الوحدة.

ورغم أن أسعار الكاكاو تراجعت بنحو 20% منذ بلوغها ذروتها في ديسمبر/كانون الأول 2024، فإن المستهلكين ما زالوا يدفعون أسعارا قياسية مقابل منتجات الشوكولاتة.

الشوكولاتة واحدة من العديد من المواد الغذائية التي تأثرت بتقلبات الطقس الناتجة عن تغير المناخ (شترستوك) ما الذي يقف وراء ارتفاع أسعار الكاكاو؟

بلغت أسعار الكاكاو مستويات غير مسبوقة، إذ وصلت عقود تداول نيويورك المستقبلية إلى 12.565 دولارا للطن في ديسمبر/كانون الأول 2024. وقد ساهمت عدة عوامل في هذا الارتفاع، أبرزها الطقس المتقلب الذي أضر بمزارعي الكاكاو في غرب أفريقيا، المنطقة التي تستأثر بغالبية الإنتاج العالمي.

إعلان

وتوضح أمبر ساوير، المحللة في "مركز الطاقة والمناخ"، أن ارتفاع أسعار الشوكولاتة لم يكن مفاجئا، مشيرةً إلى أن "الشوكولاتة واحدة من العديد من المواد الغذائية التي تأثرت بتقلبات الطقس الناتجة عن تغير المناخ، وهذه الظاهرة مرشحة للتفاقم مستقبلا".

من جهة أخرى، تسببت الأمطار الغزيرة عام 2023 والجفاف الحاد في 2024 بتدمير مساحات واسعة من محاصيل الكاكاو في غانا وكوت ديفوار، وهما دولتان تنتجان نحو ثلثي الكاكاو العالمي. كما سجل الإنتاج تراجعا ملحوظا في نيجيريا وإندونيسيا، وهما ثالث ورابع أكبر منتجين للكاكاو على التوالي.

تحديات إضافية: المناخ والقوانين البيئية

لم يكن المناخ العامل الوحيد وراء أزمة الكاكاو، إذ فرضت حكومات غرب أفريقيا قوانين صارمة لمكافحة إزالة الغابات، ما قيد قدرة المزارعين على توسيع مزارعهم، وأدى إلى انكماش العرض.

وتفاقمت الأزمة بفعل مشكلات أخرى مثل شيخوخة أشجار الكاكاو، فكثيرا منها لم يتم تجديده، وهذا تسبب في تراجع الإنتاجية عاما بعد عام.

أمراض فتاكة وهجرة نحو الذهب

بالإضافة إلى ذلك، يعاني مزارعو الكاكاو من تفشي فيروس "تورم حبوب الكاكاو"، الذي دمر محاصيل واسعة في كوت ديفوار وأدى إلى انخفاض حاد في الإنتاج.

وفي غانا، جذبت أنشطة تعدين الذهب غير القانوني عددا متزايدا من المزارعين بعيدا عن زراعة الكاكاو، وهذا قلّص المعروض وأدى إلى مزيد من الضغوط على الأسعار.

كيف يتعامل منتجو الشوكولاتة مع الأزمة؟

في مواجهة هذه التحديات، اتخذ منتجو الشوكولاتة خطوات متعددة للتكيف مع ارتفاع التكاليف. بعض الشركات نقلت الزيادة إلى المستهلكين عبر رفع الأسعار، في حين لجأ آخرون إلى تقليل محتوى الكاكاو في منتجاتهم أو استبداله بمكونات بديلة.

على سبيل المثال، طرحت شركة "نستله" نكهة البندق ضمن مجموعة "أيرو" في بريطانيا، بينما دخلت "كارغيل" في شراكة مع "فوياج فودز" لتوزيع منتجات خالية من الكاكاو.

إلى أين تتجه أسعار الكاكاو؟

يتوقع خبراء أن تظل أسعار الكاكاو متقلبة على المدى القريب. فرغم وجود توقعات بفائض إنتاجي محتمل خلال موسم 2024-2025، إلا أن المخاطر المرتبطة بتغير المناخ تبقى قائمة وقد تؤثر سلبا على استقرار الإمدادات.

إعلان

بالموازاة مع ذلك، تشير التقديرات إلى أن المنتجات البديلة للشوكولاتة قد تشهد رواجا متزايدا، ما قد يؤدي إلى تغير تدريجي في أذواق المستهلكين خلال السنوات المقبلة.

في المحصلة، يرتبط ارتفاع أسعار الشوكولاتة بجملة من العوامل المعقدة، بدءا من الطقس المتقلب والقوانين البيئية، مرورا بالأمراض النباتية، وصولا إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية مثل ازدهار تعدين الذهب. ومع استمرار الطلب العالمي على الشوكولاتة، يبدو أن هذا القطاع سيبقى عرضة للتقلبات خلال المستقبل المنظور.

مقالات مشابهة

  • موقع شحن بحري: تعميم لـ”قوات صنعاء” بعدم التعامل مع هذه الشركات 
  • الأمم المتحدة: الشعوب الأصلية تواجه أزمة المناخ لكن دون دعم
  • السبب وراء ارتفاع أسعار الشوكولاتة.. الحقيقة المرّة
  • اتمتة الغرف التجارية وتسجيل الشركات الكترونيا
  • الاتحاد الأوروبي يدرس تغيير الحد الأدنى لضرائب الشركات
  • حمدان بن محمد يشهد توقيع اتفاقيات شراكة مع منصة Ignyte لدعم الشركات الناشئة ورواد الأعمال
  • تقرير للبنك الدولي: 83% من الشركات المغربية خارج القطاع الرسمي
  • أزمة وقود خانقة في سقطرى.. والمواطنون يتهمون الشركات الإماراتية بالاحتكار 
  • الأسواق الأوروبية تفتتح على ارتفاع مع ترقب تقارير أرباح الشركات
  • «ترامب» الابن يزور سول الأسبوع المقبل للاجتماع مع قادة الشركات الكورية الجنوبية