الصراع على الطاقة
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
◄ الطلب على مصادر الطاقة سيظل قائمًا مع سعي الدول لتأمين احتياجاتها
◄ عُمان تتقدم نحو مكانة رائدة في سوق الطاقة العالمي
◄ طاقة الهيدروجين الأخضر بوابة عُمان للانطلاق نحو المستقبل بكل ثقة
حاتم الطائي
مُنذُ عقود والعالم يُواجه أزمة موارد- والطاقة في القلب منها- لا تُخطئها عينٌ، وما الحروب والصراعات المُشتعلة في كل بقاع الأرض، إلّا انعكاس لما يموج به العالم من حروب تسببت في تدمير دول، ومعارك راح ضحيتها عشرات الآلاف، ومُؤامرات تُحاك من أجل الانقضاض على موارد الطاقة في الدول، مع تنامي الطلب العالمي على الطاقة، والحاجة الماسّة للاقتصادات الكُبرى لموارد الطاقة لإدارة عجلة الإنتاج فيها؛ إذ تسري الطاقة في شرايين ومفاصل الاقتصاد، وإذا ما انقطعت للحظة، توقف الاقتصاد وشُلت حركته وانهارت الدول.
وعلى الرغم من الأزمات المُتلاحقة التي تعصف بأسواق الطاقة، تأثرًا بالظروف الجيواستراتيجية أو الحروب أو الانهيارات المالية أو الأوبئة والأمراض الفتّاكة، إلّا أنَّ الطلب على الطاقة لم يتراجع يومًا، وأيضًا رغم ظهور واكتشاف وسائل جديدة لتوليد الطاقة، ومنها الطاقة المُتجددة والخضراء، لكن مصادر الطاقة التقليدية لم تتأثر.. وهذا يقودنا إلى خلاصة مُهمة ننطلق من خلالها إلى أفكار أعمق ورؤى ذات شمولية أوسع، ألَا وهي: أن الطلب على مصادر الطاقة؛ سواءً التقليدية (مثل: النفط والغاز والفحم) أو المُتجدِّدة (مثل: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر)، سيظل قائمًا وستحرص الاقتصادات الكبرى وغيرها على تأمين احتياجاتها وضمان وصول الإمدادات لها عبر طرق وآليات آمنة دون أي تهديدٍ.
ولذلك عندما نُمعِن التفكير في قضية الطاقة والصراع الدائر حولها، علينا أن نضع في الاعتبار مجموعة من النقاط، من منطلق كوننا في عُمان دولة مُصدِّرة ومُستهلِكة- بطبيعة الحال- للطاقة، لا سيما وأننا من مُنتجي الطاقة بكافة صورها؛ التقليدية والمُتجدِدة. وهذه النقاط أوضِّحها فيما يلي:
تتصدر قضية البحث عن الطاقة، قمة الصراع العالمي؛ إذ يسعى الجميع للحصول على طاقة آمنة ومضمونة المصدر، وهذا ما دفع دولًا بعينها إلى اللجوء لاستخراج النفط الصخري رغم تكلفته الكبيرة التي لا يُمكن مقارنتها بالنفط الأحفوري في دول الخليج على سبيل المثال. أضف إلى ذلك أن التوترات والصراعات الجيواستراتيجية أضرّت بشدة بحركة نقل الطاقة، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ توقفت إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وتقلصت بشدة مبيعات النفط الخام الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما تسبب في ارتفاع سعر البرميل، وسعي الدول الأوروبية للبحث عن مصادر بديلة لاستيراد النفط. لذلك وجدنا الولايات المتحدة تُلقي بثقلها في هذا المضمار، ليصل حجم صادرات النفط الأمريكية بشكل عام إلى أكثر من 3.4 مليون برميل يوميًا، بينما ارتفعت صادرات أمريكا من مُنتجات المصافي وعمليات التكرير لنحو 3 ملايين برميل يوميًا، وبذلك تُواصل الولايات المتحدة عملية التحول من كونها أكبر مستهلك للطاقة (النفط تحديدًا) لواحد من أكبر المُصدِّرين للنفط في العالم، في مفارقة تعكس إدراك الاقتصادات الكبرى لقيمة الطاقة وسوقها الآخذ في النمو بلا توقف.
ولذلك عندما نتحدث عن الصراع على موارد الطاقة، فهذا يعني أهمية تأمين هذه الموارد ومساراتها؛ الأمر الذي يُحيلنا إلى النقطة الثانية والمُتمثلة في أمن الطاقة وأمن الممرات الملاحية؛ فمنذ سنوات تعرضت ممرات الملاحة العالمية لتهديدات وعادت إلى الأذهان أزمة "حرب الناقلات"، لكن سرعان ما نجحت القوى المؤثرة في تجاوز هذه الأزمة. إلّا أن ذلك لا يعني نهاية المخاوف المرتبطة بأمن الطاقة، فما زالت مسألة تأمين الدول المُستهلكة للكميات التي تحتاج إليها قضيةً محل نقاش، وما المساعي العالمية لشراء كميات هائلة من الغاز الطبيعي أو النفط عبر عقود طويلة الأجل، سوى انعكاس حقيقي لمخاوف أمن الطاقة. وهنا يتعين علينا في عُمان تكثيف الجهود لتأكيد دورنا في تأمين مصادر الطاقة، بفضل ما تزخر به عُمان من مقوِّمات قادرة على تلبية احتياجات الدول الكبرى من الطاقة؛ سواء من خلال مبيعات الغاز الطبيعي تزامنًا مع معدلات الإنتاج الإيجابية، أو مبيعات النفط، وكذلك صفقات الهيدروجين الأخضر.
وطاقة الهيدروجين الأخضر واحدة من مصادر الطاقة النظيفة والمُتجدِّدة التي تضع فيها عُمان قدمًا راسخة، بفضل ما تملكه من بيئة مُواتية لإنتاج هذا النوع من الطاقة، مع توافر وتخصيص الأراضي اللازمة وقدرتنا على إنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية ذات الجودة المرتفعة ومشروعات إنتاج الطاقة من الرياح، علاوة على الموقع الاستراتيجي الذي يتوسط طرق الملاحة الرئيسية حول العالم، وقدرة عُمان على الوصول السهل لأسواق آسيا المُتعطشة دائمًا للطاقة، وأسواق أوروبا والأمريكتين عبر قناة السويس، وكُلها عوامل تصب في مصلحة تعزيز إنتاج عُمان من الهيدروجين الأخضر. ولذلك تؤكد تقديرات وكالة الطاقة الدولية أن عُمان وفي غضون سبع سنوات من الآن ستحتل المركز السادس عالميًا والأول على مستوى الشرق الأوسط في إنتاج الهيدروجين الأخضر، باستثمارات قد تتجاوز 30 مليار دولار، مع قدرة عُمان على بيع الهيدروجين بأسعار تنافسية تقل عن نظيراتها في أمريكا وأستراليا.
ومن هنا تجب الاستفادة من إمكانيات عُمان في توليد الطاقة من المصادر المُتجددة، وفي المقدمة الشمس والرياح؛ حيث إن إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يحقق منافع اقتصادية عدة، أولها تعزيز التنويع الاقتصادي من خلال زيادة الإيرادات العامة غير النفطية، وتقليل الانبعاثات الكربونية ومن ثم ضمان الوصول للحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2050، إلى جانب تعزيز مكانة عُمان دوليًا باعتبارها مركزًا إقليميًا رائدًا لتصدير الطاقة النظيفة إلى مختلف دول العالم.
وفي هذا السياق، نأمل الإسراع في إنشاء مركز متخصص في الطاقة الشمسية، يتولى عملية إعداد البحوث والدراسات لتطوير هذا المورد المُهم، مع تقديم منح دراسية خارجية وداخلية مُتخصصة في الطاقة النظيفة والمُتجددة، الأمر الذي يضمن لنا توطين هذه الصناعة بالكامل، والاستفادة من الكفاءات الوطنية والعقول المُبدعة التي نراها في مدارسنا وجامعاتنا، وابتعاثهم إلى الخارج لدراسة هذه التخصصات الحيوية، ليعودوا إلى عُمان مُسلّحين بالعلم النافع والمتقدم، ونقل خبراتهم إلى الداخل. ولنا أن ننظر إلى المسابقات المتخصصة في مشاريع الطاقة النظيفة، وكيف أن أبناءنا وبناتنا في المدارس والجامعات يُبدعون في طرح أفكار قيِّمة تُعالج تحديات توليد الطاقة وتقترح حلولًا لتعزيز الإنتاج وبأسعار رخيصة وتنافسية. ونأمل أيضًا أن يتولى هذا المركز المُستقِل المُقترَح، مسؤولية إعداد الخطط والدراسات الكفيلة بالنهوض بهذا القطاع، ووضع استراتيجيات طويلة المدى، تستهدف الوصول إلى أعلى المراكز العالمية في إنتاج الطاقة.
ويبقى القول.. إنَّ الجهود المُتواصلة التي تبذلها مؤسسات الدولة، تؤكد أننا ماضون على الطريق الصحيح من أجل الاستفادة من قطاع الطاقة النظيفة والمُتجددة، لكن في الوقت نفسه نأمل تسريع وتيرة الخطى وتعميق القطاع، من خلال إنشاء المركز المستقل الذي نقترحه، خاصة وأن التوقعات الدولية تُشير إلى أننا سنحتل مكانة رائدة في أسواق الطاقة العالمية في غضون العقود القليلة المُقبلة، ما يمهّد الطريق أمام تطور اقتصادي غير مسبوق، من بوابة الطاقة النظيفة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الهیدروجین الأخضر الطاقة الشمسیة الطاقة النظیفة مصادر الطاقة من الطاقة
إقرأ أيضاً:
سلوفاكيا ترفض استخدام الأسلحة الأمريكية لضرب روسيا وتحذر من تصعيد دولي
أكد وزير الدفاع السلوفاكي روبرت كالينياك رفض بلاده استهداف قوات كييف للعمق الروسي باستخدام صواريخ أمريكية الصنع، معربا عن قلقه من حدوث استفزاز قد يؤدي لتصعيد النزاع العسكري دوليا.
وقال كالينياك في مقابلة مع وكالة "برافدا" السلوفاكية للأنباء: "أخشى ما أخشاه أن يكون التصعيد (تصعيد الصراع في أوكرانيا) قد ارتفع جدا لدرجة أنه إذا ما حدث أي نوع من الاستفزاز.. فلن يكون من الممكن الضغط على المكابح"، مشيرا إلى أن "الانهيار قد يحدث بفعل تصرفات دول الناتو".
وأضاف: "لذلك، نحن في سلوفاكيا كنا غير موافقين من حيث المبدأ على هذا الإذن (من إدارة الرئيس جو بايدن) بتنفيذ ضربات في عمق الأراضي الروسية باستخدام صواريخ أمريكية بعيدة المدى".
ولفت كالينياك إلى أن "الضربات التي تنفذها كييف باستخدام أسلحة أوكرانية الصنع لا تهدد بعواقب دولية واسعة النطاق وبتصعيد الصراع، كما هو الحال عند استخدام القوات المسلحة الأوكرانية للأسلحة المصنعة في الغرب"، مشيرا إلى ان استخدام الأسلحة الغربية "يمكن تفسيره على أنه انخراط الدول الغربية في الصراع، مؤكدا أن "تورط الناتو المباشر في هذا الصراع أمر شديد الخطورة".
ويربط كالينياك الأمل في إنهاء الصراع بوصول إدارة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب "يمكنه التأثير بشكل حاسم على الوضع في أوكرانيا"، مضيفا: "نحن جميعا ننتظر انتهاء هذا الصراع، هذه هي رغبتنا الشديدة".
ووفقا للوزير السلوفاكي، في حال وفاء ترامب بوعده بحل الصراع، يجب "توقع وقف إطلاق النار، والهدنة وبدء المفاوضات، على الأقل في الأشهر الثلاثة إلى الستة الأولى بعد توليه منصب الرئيس الأمريكي". ولم يستبعد الوزير أن تضطر أوكرانيا إلى "التخلي عن جزء من الأراضي".
وفي معرض حديثه عن القيود الغربية، أشار الوزير إلى أنها تلحق الضرر بسلوفاكيا وأوروبا بأكملها، لأنها تبطئ التجارة والتنمية الاقتصادية.
يذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد أكد الليلة الماضية ضرب أوكرانيا أهدافا في مقاطعتي كورسك وبريانسك الحدوديتين جنوب غربي روسيا بصواريخ "أتاكمس" الأمريكية، و"ستورم شادو" البريطانية، وصدّ الدفاعات الروسية لها بنجاح.
وأعلن بوتين توجيه الجيش الروسي ردا على ذلك ضربة دقيقة وشاملة بصاروخ "أوريشنيك" البالستي فرط الصوتي المتعدد الرؤوس.
وحذر بوتين الغرب من أن جميع أنظمة الدفاع الجوي في العالم غير قادرة على اعتراض هذا الصاروخ الأسرع من الصوت بعشر مرات، وأن موسكو ستضرب المواقع العسكرية في الدول التي تستخدم أسلحتها ضد روسيا.
ولفت إلى أن الجانب الروسي سيحذر هذه الدول من الضربات الروسية قبل توجيهها، وأن الإنذار سيشمل المدنيين ومواطني الدول الصديقة، لأسباب إنسانية.
وقد ضرب الجيش الروسي الليلة الماضية مصنع "يوجماش" العسكري التحترضي في مقاطعة دنيبرو بيتروفسك شرق أوكرانيا ودمره بالكامل، في أول ضربة موجعة بهذه الشدة لنظام كييف ورعاته حذرت منها روسيا مرارا.
بدوره أشار المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إلى أن الرسالة التي وجهها الرئيس فلاديمير بوتين للغرب وأعلن فيها ضرب أوكرانيا بصاروخ "أوريشنيك" تعني أن أي قرارات غربية متهورة “لن تبقي بلا رد”.