لجريدة عمان:
2025-02-04@10:03:52 GMT

نوافذ: أديبة الفيسبوك!

تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT

قد يبدو هذا العنوان لأول وهلة مستفزا، ويوحي بحديث سلبي عن هذه الأديبة، خاصة إذا ما تذكرنا عبارة أمبرتو إيكو الشهيرة عن كون «أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى»، والتي يمكن أن نضيف إليها واثقين مطمئنين أنها أدوات تمنح أيضا صك «الأديب» أو «الأديبة» لفيالق أخرى من هؤلاء. بيد أنني اخترت هذا العنوان لأثبت أن لقاعدة إيكو شواذ، وأن هذا الفضاء الإلكتروني الأزرق يمكن أن يخرج منه أيضا أدباء موهوبون ومتحققون.

الحديث هنا عن الأديبة العمانية عزة الحسيني التي ليس لها -على حد علمي- أي كتب منشورة، رغم أنها تنشر على صفحتها في فيسبوك منذ سنوات نصوصا أدبية رفيعة، يندرج بعضها في خانة الشعر، والبعض الآخر في تصنيف القصص القصيرة جدا، وبعضها الثالث يحار المرء في تصنيفه فيكتفي بالقول إنها نصوص أو شذرات أدبية جميلة. تعلمنا عزة هنا درسا بليغا هو أن الأدب يمكن أن يكتب ببساطة إذا ما تعاملنا معه بالبساطة ذاتها، ولا أقصد بالبساطة هنا الاستسهال أو نظر الكاتب بتقديس إلى كل ما تخطه يده بالقلم أو على لوحة المفاتيح، وإنما هي البعد عن التكلف وعدم ربط الكتابة بطقوس مفتعلة، إنها أقرب إلى ما يمكن أن نسميه «كتابة الحياة».

توقظ عزة في منشورات منتظمة حياتها اليومية مع أمها وزوجها وأختها وبناتها اللاتي تطلق عليهن أحيانا أسماء مستعارة، وتستعيد ذكرياتها مع أبيها وأخيها الراحليْن، كل ذلك بنصوص بديعة ودون الوقوع في فخ التوثيق المجاني للواقع المعيش. تكتب مثلا: «يشبه قلبي الكيس الذي تجمع فيه أمي بقايا الخبز لطيورها وتعلقه بعيدا عن متناول الجميع، لكنها تجده فارغا في كل مرة»، وتكتب في نص آخر: «أول هدية حصلت عليها من أبي كانت حصالة فخارية من سوق فنجاء. كان يجب علي حينها أن أدخر عمره، وأتعهد أمام القدر بأنني لن أكسرها!»، وتقول في نص ثالث: «كانت الساعة تشير إلى الواحدة حين رزقت بطفلتي ومات أخي في اللحظة ذاتها، فلم أعلم هل أطلق صرخة في وجه الموت أم الحياة. ولكنني قلت حينها: آه، هذا ما أذكره جيدا».

وإذا ما علمنا أن نصوص عزة الحسيني عن غياب الأب والأخ تتكرر كثيرا في صفحتها أدركنا أنها تمارس الكتابة كنوع من ترميم النفس، إنه لا يعنيها - أو هكذا أتصور- أن تكتب نصا جميلا يعجب القراء بقدر ما تتوخى «الاحتماء بالفن» إذا ما استخدمنا تعبير الكاتب الأمريكي كورت فونيجت الذي ينصح الكاتب أنْ «احتم بالفن، أنا لا أمزح على الإطلاق، إنها الطريقة الإنسانية لجعل الحياة أكثر احتمالا. مارس الفن دون أن تهتم إن كنت تفعل ذلك بشكل جيد أو سيء، الفن هو الطريقة الصحيحة لجعل روحك تنمو وتزدهر».

هذه الممارسة المستمرة أفضت بها إلى كتابة قصص قصيرة جدا جميلة، تتميز ليس فقط بروحها الشعرية العالية ولغتها المكثفة وإنما أيضا بالقفلات المدهشة، وهذه الميزة الأخيرة هي أصعب ما في كتابة هذا النوع من القصص، ولا يجيدها إلا القصاصون المتمكنون. لنتأمل مثلا قصة لها بعنوان «فقيد» كتبتْها على لسان رجل لن نعرف شخصيته إلا في آخر سطر:

«لدى خالتي ولد وحيد فقدته في حادث سير. حين نجتمع في منزل العائلة تنظر إلى وجه أختي وتقول: لقد أوت عيناه الطيبتان في وجهك اللطيف. تلمس قارب ابن خالتي الذي يسبح بسعادة على وجهه فتقول: يا إلهي هذا قارب ابني لم يغرق مطلقا، حتى إن ذاكرتي ليست إلا شراعا لشكل ابتسامته. ترتحل عيناها نحو يد أخي لتقول: أصابعه الطويلة هذه أحفظها جيدا كحبل يطلب مني التشبث به حتى لا أضيع في بقايا العمر.

توجه نظرها إلي فتطلق تنهيدة طويلة: لقد استثمر كل ما تبقى منه فيك أنت يا عزيزي، كان يحبك جدا أتمنى أن يكون لقاؤكما أبديا في الفردوس. أنا العالق في صورةٍ منسية وضعتْ على شق جدار بيت العائلة».

تتألف هذه القصة من 110 كلمات. خلال الــ99 كلمة الأولى يهيأ لنا أن «الفقيد» هو ابن الخالة، لكننا حين نفرغ من قراءة الــ11 كلمة الأخرى المتبقية نكتشف أن ثمة فقيدا آخر جدير بعنوان القصة؛ هو ساردها الذي لم يكن إلا صورة في جدار!.

إن نصوصا كهذه تجعل الفيسبوك مكانا للمبدعين، مثلما هو مكان لأولئك الذين غضب عليهم إيكو. غير أن الفرح بنشرها في هذا الفضاء الأزرق لا يعني على الإطلاق الدعوة إلى أن تظل حبيسة الفيسبوك، بل إنني على العكس تماما أدعو كاتبتها إلى نشرها في كتب، فذلك أحفظ لها وأبقى. ولعزة الحسيني في «المنتديات» الإلكترونية عبرة، فكم قرأنا فيها نصوصا جميلة قبل نحو ربع قرن، ثم ظهر الفيسبوك وإخوته من وسائل التواصل الاجتماعي فصارت هذه المنتديات بكل ما فيها من نصوص أثرا بعد عين. ومن يدري فقد يختفي الفيسبوك أيضا ذات يوم حاملا معه إلى النسيان كل ما كتبه الحمقى والمبدعون.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن

إقرأ أيضاً:

نائب: لا يمكن الانكسار فى ظل وجود رئيس وجيش قوى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعلن  النائب طارق عبد العزيزرئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس الشيوخ ،بإسمة وبإسم برلمانية الوفد الوقوف جنبا إلى جنب خلف القيادة السياسية ,الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كافة المواقف التى يتخذها لحماية الامن القومى المصرى,والحفاظ على حقوق الأخوة الفلسطنيين فى وطن مستقل ,وإتفاقية عادلة تحقق الامن والأمان للشعب الفلسطينى.

وشدد "عبدالعزيز"على رفضة للتهجير ودعم الدولة المصرية فى ذلك 
الموقف  قائلا : نقدم كل الدعم والتأييد والمؤازرة بشأن ما تتعرض له الدولة المصرية الآن.
وأوضح "عبدالعزيز":  أن  مجلس الشيوخ  كان سباقا وأول من أصدر بيانا في شأن ما تتعرض له الدولة المصرية الآن وتابع: " ياما دقت على الرأس طبول، فلن ننكسر في ظل وجود رئيس قوي وعظيم وجيش عظيم".

واستطرد فى كلمتة أمام الجلسة العامة لمجلس الشيوخ  اليوم الأحد لمناقشة الطلب المقدم من النائب سامح محمد أنور عصمت السادات بشأن دراسة الأثر التشريعي للمادة 29 من القانون رقم 95 لسنة 1992 الخاص بإصدار قانون سوق رأس المال على نشاطي الاستثمار المباشر ورأس المال المخاطر، والمادتين (46 مكرر 2، 50) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، فيما يتعلق بالحوافز والمعاملات الضريبية للنشاطين سالفي الذكر. "أما بالنسبة للدراسة فهى امتداد لدور مجلس الشيوخ في قياس الأثر التشريعي للقوانين وما يقوم به المجلس به من دور مهم جدا، والحوار المجتمعي المحدود الذي أقامته اللجنة لأصحاب المصالح، اللجنة الاقتصادية كانت على رغبة شديدة أن يكون التشريع نابعا من الحوار المجتمعي".
وقال النائب: إن اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ بعد البحث والدراسة أثبتت أن القانون يحتاج لتعديل وقدموا في ذلك نموذج، بضرورة أن يتبع بسماع أصحاب المصالح ومن يعانون من مشاكل بسبب القانون، وهذا الأمر يدل على أن اللجنة الاقتصادية كانت على رغبة شديدة في عرض مشاكل أصحاب المصالح. 
وتساءل النائب عن سبب التفرقة بين شركات وأخرى في التعديل، حيث تضمنت المادة إضافة شركات التوظيف، وشركات التضامن.

مقالات مشابهة

  • مفكر استراتيجيي: مخططات ترامب لا يمكن التنبؤ بها
  • أكاديمي فرنسي: الأمل أيضا قد يقتل في غزة
  • وقود يومك.. 12 نوعا من الطعام يمكن تناوله فى إفطارك
  • النفقة بعد الطلاق: متى يمكن تخفيضها وما هي حقوق الزوجة قانونيًا؟ .. فيديو
  • إتفاق وقف النار في ميزان التقييم: هل يمكن افراغه من مضمونه؟
  • السفير حسام زكي: مخططات التهجير وهمية ولا يمكن تنفيذها
  • أذكار المساء ومتي ينتهي وقتها.. وهل يمكن قضائها؟
  • نائب: لا يمكن الانكسار فى ظل وجود رئيس وجيش قوى
  • كيف يمكن لترامب أن يكون صانع سلام؟
  • كيف يمكن للمرأة المساهمة في بناء مجتمع مثقف؟