عندما يحاضر الطائفيون بالعروبة والقومية!
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
عندما يحاضر الطائفيون بالعروبة والقومية!
التقسيم ليس قادماً فحسب! بل صار أمراً واقعاً. فلن يعود أحد ليعيش تحت سلطة النظام مرة أخرى.
هذا النظام هو الذي زرع الفرقة داخل البيت الواحد والعائلة الواحدة والحارة الواحدة والقرية الواحدة والمدينة الواحدة.
هل ترك النظام جهة في العالم إلا وباع لها قطعة من سوريا ليحافظ على حكم العصابة التي حرقت الأخضر واليابس كي تبقى جاثمة على صدور السوريين؟
من قال لكم إن هذه هي حدود سوريا؟ أليست حدود سايكس بيكو وهم من رسموها بقلم رصاص؟ لماذا نقدس تلك الحدود بسذاجة منقطعة النظير؟
من يسمع أبواق ذلك النظام وهي تتهم الآخرين بالانفصال عن سوريا يأخذ الانطباع أن النظام الذي يمثلونه هو رمز الوحدة العربية ولم الشمل العربي.
هل تركت العصابة للصلح مطرحاً مع مكونات الشعب السوري لتعود سوريا واحدة موحدة؟ هل الشمال السوري الذي يؤوي 6 ملايين نازح ومهجر ومشرد قد يعود إلى حكم العصابة الطائفية الفاشية؟
* * *
كلما انتفضت منطقة في العالم العربي مطالبة بأبسط حقوقها الإنسانية، يخرج لها أبواق الأنظمة القومجية الهمجية لشيطنة المطالب الوطنية والتهرب من المسؤولية والاستحقاقات الشعبية بشماعة الانفصال والمؤامرة الجاهزة، ويبدأون يوجهون للمنتفضين فوراً تهمة الانفصال عن الوطن وتمزيق الدولة وتنفيذ أجندات خارجية.
مع العلم أن الذي مزق أوطاننا وشرد شعوبها وحوّلها إلى ملل ونحل متناحرة هي تلك الأنظمة العربجية التي رفعت شعارات الوحدة العربية المزعومة وأولئك الطغاة القومجيون الذين جعلوا الشعوب تكفر بأوطانها وتفكر حتى باللجوء إلى الشياطين الزرق للخلاص من الظلم والطغيان اللذين تتعرضان لهما تحت حكم تلك الأنظمة التخريبية. رمتني بدائها وانسلت.
اليوم مثلاً يتهمون المنتفضين في السويداء بأنهم انفصاليون، مع أن النظام الفاشي هو الذي باع سوريا بالجملة والمفرّق للغزاة والمحتلين كي يحموا عرشه الذليل، وهو الذي يدق الأسافين بين مكونات الشعب السوري على أسس طائفية ومذهبية وعرقية ومناطقية منذ مجيئه إلى السلطة قبل عقود كي يعيش على تناقضات الشعب ومخاوفه وصراعاته.
إن من يسمع أبواق ذلك النظام وهي تتهم الآخرين بالانفصال عن سوريا يأخذ الانطباع أن النظام الذي يمثلونه هو رمز الوحدة العربية ولم الشمل العربي، بينما هو الذي زرع الفرقة داخل البيت الواحد والعائلة الواحدة والحارة الواحدة والقرية الواحدة والمدينة الواحدة.
وهو الذي يتحالف مع «ألد أعداء العرب» ضد كل العرب والمسلمين، وهو الذي رفع شعارات عروبية كبيرة بينما كان من وراء الستار يحكم على أسس ما قبل طائفية. وكلنا يتذكر كيف وقف حافظ الأسد مع إيران ضد الشقيق والجار العراقي أثناء الحرب الإيرانية العراقية.
واليوم كلنا يعرف من سلم المنطقة الشرقية في سوريا لبعض الأحزاب الكردية لقاء تحالفها معه في بداية الثورة لقمع وسحق حراك الشعب السوري. ولا ننسى طبعاً مئات المحاولات الدنيئة لدق الأسافين بين السهل والجبل في الجنوب السوري كي لا يتحد أهالي السويداء ودرعا في وجه العصابة الحاكمة بدمشق. ولا ننسى أيضاً أن النظام مزق الطائفية العلوية نفسها إلى أفخاذ وعشائر متصارعة.
كم هو مُضحك ذلك «الشبيح» الأسدي التابع للإيراني والروسي والكردي والأفغاني والإسرائيلي والأمريكي والصيني وهو يتهم بقية السوريين بالانفصال والعمالة.
أيها البهارزة أنتم من رهنتم ثروات سوريا لعشرات السنين، وقسمتموها الى أشلاء متناثرة ثم تتهمون الآخرين الآن بالانفصال؟ من الذي مزق الجسد السوري إرباً إرباً أيها العملاء غيركم؟ ولا ندري ماذا سيبيع بشاركم للصينيين بعد زيارته الأخيرة للصين.
هل تركتم جهة في العالم إلا وبعتم لها قطعة من سوريا كي تحافظوا على حكم العصابة التي حرقت الأخضر واليابس كي تبقى جاثمة على صدور السوريين؟
واليوم في الوقت الذي يتهم فيه الشبيحة ثوار السويداء بأنهم انفصاليون، تدرس العصابة الحاكمة خارطة التقسيم التي وُضعت 2012 وهي تحدد معالم (سوريا المفيدة) وتقضي بضم الساحل وحمص ودمشق كي تنفصل عن سوريا القديمة وتصبح سوريا الأسد الجديدة.
لكن والعلم عند الله، فهذا المشروع لن ينجح، لأن الساحل السوري سيصبح من نصيب قوى خارجية جديدة، بدليل أن آلاف الهكتارات من أراضي الساحل السوري بيعت لوكالات دولية بإشراف القصر الجمهوري سنعرفها لاحقاً. ولا داعي للفضائح الآن.
وبالرغم من أن الجميع بات يعرف من الذي يفتت سوريا فعلياً ويبيعها، إلا أن الإعلام السوري لا يمل من ترديد الأسطوانة المشروخة التي تتهم كل من يصرخ بوجه النظام بأنه انفصالي وعميل.
وهل تركتم للصلح مطرحاً أصلاً مع مكونات الشعب السوري كي تعود سوريا واحدة موحدة؟ هل تعتقدون أن الشمال السوري الذي يأوي حوالي ستة ملايين نازح ومهجر ومشرد يمكن أن يعود إلى حكم العصابة الطائفية الفاشية؟
مستحيل وألف مستحيل. لن يعود هؤلاء إلا بعد رحيل العصابة وتشكيل نظام سوري لكل السوريين. وما ينطبق على الشمال ينسحب على الشرق السوري الذي أصبح اليوم كياناً مستقلاً وبتأييدكم ودعمكم.
وطالما أن الحل العادل ليس متاحاً في سوريا فتوقعوا من كل المناطق التي ذاقت الويل والعذاب من عصابتكم أن تستقل وتنفصل وترعى مصالحها بنفسها. لقد صار لكم 53 سنة وأنتم تدعسون على البلاد والعباد تحت كذبة الوطن. ماذا تركتم من هذا الوطن أصلاً؟
هذا الوطن هو وطنكم أنتم وليس وطن السوريين. الوطن حيث يعيش الإنسان بكرامة وبحبوحة فوق أي أرض وتحت أي سماء بعيداً عن إجرامكم. ولا أحد يلوم السوريين، حتى لو تعاملوا مع القرود في سبيل ذلك، كما يقول الدكتور علاء الدين العلي.
ويضيف العلي في هذا السياق: «إن أكثر من يستفيد من كذبة (وحدة الأراضي السورية) هو النظام المجرم، وأن كل من لا يزال يتحدث عن وحدة سوريا هو إما قومجي مفضوح، أو معارض يحمل شهادة دَرْوَشة سياسية. إن التقسيم ليس قادماً فحسب! التقسيم صار أمراً واقعاً. لن يعود أحد ليعيش تحت سلطة النظام مرة أخرى. ثم من قال لكم إن هذه هي حدود سوريا؟ أليست حدود سايكس بيكو وهم من رسموها بقلم رصاص؟ لماذا نقدس تلك الحدود بسذاجة منقطعة النظير؟
هذه الحدود لا أشتريها بقشرة بصل طالما أن النظام مدعوم إلى هذه الدرجة وباق بالسلطة رغماً عنا، لذلك فإن أي أرض من سوريا نقتطعها ونعيش فيها بكرامة وبحبوحة هي سوريا بالنسبة لنا، وليذهب الذين يتهموننا بالانفصال إلى الجحيم» حسب الدكتور العلي.
والسؤال الأهم للمجموعة الحاكمة: هل أنتم فعلاً تغارون على وحدة سوريا وأراضيها، أم إنكم تريدون فقط قطعة من الذبيحة السورية وليذهب الباقي إلى الجحيم؟ إن ما فعلتموه بسوريا لا يدل مطلقاً على أنكم سوريون أصلاً، فلو كنتم سوريين لما فعلتم الأفاعيل بهذا الوطن الجريح وشعبه المسحوق.
*د. فيصل القاسم كاتب وإعلامي سوري
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سوريا الطائفية العروبة القومية بشار الأسد حافظ الأسد سايكس بيكو الوحدة العربية الشعب السوری أن النظام هو الذی
إقرأ أيضاً:
سوريا التي وقعت في الكمين
في الساحل السوري وقعت سوريا كلها بكمين مدبّر أطاح بطموحات بناء سوريا على أسس جديدة، كمين تم تصميمه من قبل فاعلين إقليميين ودوليين، عبر أدوات سورية، انتهى بجراح عميقة طالت جميع السوريين والعرب المتعاطفين معهم، ولم ينته عند صورة الأم المذهولة في الساحل على مقتل أبنائها، فيما القتلة ينكلون بروحها وروح سوريا ومستقبلها.
ليس سرا أن ما حصل كان ثورة مضادة، تبدأ بسلخ الساحل السوري، وتحويله في مرحلة لاحقة إلى قاعدة ومنطلق للانقضاض على سوريا. القائمون المحليون على هذا المخطّط شرحوا بما فيه الكفاية وكشفوا عن آلياتهم التنفيذية "المجلس العسكري" وأهدافهم من وراء ذلك" تحرير سوريا"، وإعادة الزمن السوري إلى الوراء.
وخلف هذه اللعبة وقفت أطراف خارجية كثيرة، بعضها أعلن عن نفسه، وبعضه الآخر انتظر نجاح الخطة، ليعلن بصراحة وقوفه مع الطرف المنتصر، لكن فشل المخطط وهشاشة وضعف الروافع المحلية له دفع إلى تراجع المشغلين الخارجيين وطي بياناتهم التي جهزوها لإعلان مرحلة جديدة في سوريا.
خلف هذه اللعبة وقفت أطراف خارجية كثيرة، بعضها أعلن عن نفسه، وبعضه الآخر انتظر نجاح الخطة، ليعلن بصراحة وقوفه مع الطرف المنتصر، لكن فشل المخطط وهشاشة وضعف الروافع المحلية له دفع إلى تراجع المشغلين الخارجيين وطي بياناتهم التي جهزوها لإعلان مرحلة جديدة في سوريا
لكن، هل تجاوزت سوريا الكمين؟ وهل انتهت المخاطر؟ حتى بعد أن أجرت إدارة دمشق تفاهمات مع الهياكل والأطر في شمال سوريا وجنوبها، ما زالت سوريا في عين الاستهداف لأكثر من سبب:
أولا: ما زالت سوريا هدفا للتقسيم، فإسرائيل تعلنها صراحة وجهارا، عن عزمها استقطاع جنوب البلاد، وقد بدأت بالفعل التأسيس لوجود طويل الأمد يشمل أربع محافظات سورية، درعا والقنيطرة والسويداء وريف دمشق، ولن تتراجع إسرائيل عن هدفها ما دامت لم تتشكّل مقاومة ضدها تستنزفها وتدفع حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة والمنتشية بانتصاراتها في المنطقة إلى إعادة حساباتها.
ثانيا: النوايا الإيرانية والروسية غير مطمئنة وستبقى عامل خطورة مرتفعة في المديين القريب والمتوسط؛ فإيران ترى أن هناك إمكانية لإعادة سيطرتها على سوريا، ويمكنها بعد التقاط أنفاسها على إثر الحرب الإسرائيلية على لبنان، إعادة تنظيم صفوف فلول الأسد وتدعيمهم بقوى مليشياوية عراقية ولبنانية، في ظل حالة الفوضى التي تعيشها القوات السورية والتأخر في عملية تنظيمها وهيكلتها.
ثالثا: الإشكالية السورية المتمثلة بموت الوطنية السورية وإعادة إحياء الهويات الماقبل دولتية لدى جميع الأطراف، والحاصل في سوريا أن الأطراف السورية تنظر للواقع السوري من منطلق وجود أطراف منتصرة وأخرى مهزومة، بل ترى أن هذا وضعا طبيعيا سائدا في المشرق العربي كله وقد تعايشت معه مختلف المكونات؛ فالمنتصر المنتعش بانتصاره يحق له تقرير ما يشاء، والمغلوب لا يملك إلا التخريب وانتظار لحظة تغير المعادلات وانقلاب موازين القوى، ولن تكون سوريا استثناء عن هذا الواقع.
رابعا: الإدارة الخاطئة للصراع والتنوع الإثني والطائفي واختيار السياسات المناسبة لذلك والأدوات التي يمكنها بالفعل تسيير هذا الواقع المعقّد، هذه الإدارة لا تتماشى مع وضع بلد مثل سوريا خارج لتوه من أتون حرب مديدة ويسعى إلى كسب ثقة العالم الخارجي الذي يضع سوريا تحت المجهر، ويحاول بعض الفاعلين الدوليين مقايضة السلطة الجديدة وابتزازها، تحت عناوين وشعارات عديدة.
قد تكون المواجهة الساخنة انتهت، وفشلت الكمائن التي قام بها الفلول لبداية ثورة مضادة، لكن ما من شيء يؤشر الى احتمالية تراجع الخطر، والأصح أن الخطر يتجمع في غرف العمليات التي جرى إنشاؤها في العراق ولبنان وحتى في قاعدة حميميم وتل أبيب
قد تكون المواجهة الساخنة انتهت، وفشلت الكمائن التي قام بها الفلول لبداية ثورة مضادة، لكن ما من شيء يؤشر الى احتمالية تراجع الخطر، والأصح أن الخطر يتجمع في غرف العمليات التي جرى إنشاؤها في العراق ولبنان وحتى في قاعدة حميميم وتل أبيب. لدى هذه الأطراف الكثير لتخسره إن استقر الوضع في سوريا، سينتهي حلم السيطرة على هذه البلاد والأحلام التي جرى بناؤها طيلة السنوات الماضية؛ فلن تكون هناك إيران الكبرى التي يمتد نفوذها من قزوين إلى المتوسط، وستظهر روسيا بعد نهاية الحرب الأوكرانية وبرود جروحها دبا جريحا لن يطول الوقت قبل أن يخسر قواعده في أفريقيا التي بناها على صدى سمعة جبروته في سوريا، كما لن تكون هناك إسرائيل الكبرى، التي يجب عليها أن تتحضر لواقع مختلف بدأت مؤشراته في الظهور على شكل صراعات سياسية ومجتمعية هائلة داخل الكيان.
بالطبع، لا يمكن مواجهة كل هذه المخاطر وإفشالها بدون ترتيب البيت الداخلي السوري، والذي يبدأ من إعادة تنظيم قوى الجيش والأمن على أسس حديثة وليس على أسس أيديولوجية ولائية، وإيجاد صيغ سياسية مقبولة ومنطقية، عبر توسيع قواعد المشاركة وإشراك جميع السوريين، بأطيافهم وطوائفهم وعرقياتهم، في إدارة البلاد، والمحافظة على مؤسسات الدولة وتطويرها لتستطيع رفع البلد من القاع الذي وصلت له، باستثناء ذلك ستبقى سوريا عرضة لفخاخ كثيرة وستفقد الأمهات أبناءها في صراعات عبثية لا فائز فيها.
x.com/ghazidahman1