أكذوبة القومية والشعب الواحد: أزمات مجتمع هجين
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
في القراءة السريعة للتحوُّلات الجارية داخل «المُجتمع اليهودي» على أرض فلسطين، بعد عقود من إقامة الكيان الصهيوني على الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخيَّة وبالأخصِّ بعد العام 1990 وحتَّى العام 1995 حين قدِم إلى فلسطين نَحْوَ مليون ونصف من جمهوريَّات الاتِّحاد السوفييتي السَّابق، أنَّ «إسرائيل» ليست سوى كيان «هجين مُركَّب»، وقَدْ وضعت الأزمات الأخيرة هذا المُجتمع أمام حقيقته باعتباره مُجتمعًا قام كـ»كيان طافر» جاء في سياقات نتائج ما قبل وبعد الحرب العالَميَّة الثانية.
فــ»المُجتمع الإسرائيلي» هو عدَّة مُجتمعات هجينة ومُرَكَّبة على بعضها البعض، وهذا نتيجة طبيعيَّة لتجميع أعداد من اليهود وغير اليهود من شتَّى أنحاء الأرض. وكان الاعتقاد السَّائد هو أنَّ تعليم اللغة العِبْريَّة والثقافة اليهوديَّة سيكُونانِ أداة فعَّالة في تحقيق الاندماج وصولًا إلى تكوين «قوميَّة» و»شَعب واحد». وهي المراهنة التي انهارت، كما وأنَّها الأكذوبة المنافية للمنطق، فاليهوديَّة دين ولَنْ تكُونَ شَعبًا أو قوميَّة.
لكنَّ الحقيقة التي تنطق، تشير إلى أنَّ التمايزات بَيْنَ مُكوِّنات المُجتمع إيَّاه، قَدْ تعمَّقت بَيْنَ اليهود والعرب أصحاب الوطن الأصليِّين، وبَيْنَ اليهود أنفُسِهم ما بَيْنَ يهود غربيِّين (أشكناز)، ويهود شرقيِّين (سفارديم)، ويهود متديِّنين توراتيِّين شرقيِّين وغربيِّين، وكُلٌّ لهما حزبهما، وضِمْن كُلِّ فئة من هذه الفئات يوجد تسلسل هرمي تتابعي في تصنيف اليهود ودرجاتهم.
ويبرز ضِمْن التصنيف المتدرِّج ما يُسمَّى بـ»مُجتمع الحريديم» وهم المتديِّنون اليهود المتشدِّدون الذين يرفضون التعلُّم ويرفضون القيام بأيِّ خدمة عسكريَّة أو اجتماعيَّة ويعيشون عالة على الكيان وميزانيَّته. وهم الأسرع نُموًّا ديمغرافيًّا من بَيْنِ اليهود على أرض فلسطين.
ولا يفوتنا في هذا المجال للقول بأنَّ هناك أعدادًا وافرة ممَّن وصلوا من جمهوريَّات الاتحاد السوفييتي السَّابق إبَّان الهجرات اليهوديَّة الكبرى، ليسوا يهودًا، بل من منتحلي الهُوِيَّة اليهوديَّة، أو اليهود غير المتديِّنين، ويُصنَّفون ضِمْن النُّخبة الفنيَّة والعلميَّة، وهؤلاء ينظرون إلى «إسرائيل» بوصفها فرصة عمل مؤقَّتة بمجرَّد تغيَّرت الظروف فيها نَحْوَ الأسوأ، فهم مستعدُّون «للاستقالة» مِنْها والعودة إلى بلدانهم الأصليَّة وفق تقديرات الباحث الفلسطيني سلمان أبو أرشيد في دراسة له نشرها موقع (عرب 48) الإلكتروني.
إنَّ من مشاهد حالة التخبُّط في بنية «الكيان الإسرائيلي» واهتزازه المستمرِّ بالرغم من امتلاك «الكيان الإسرائيلي» لعوامل القوَّة العسكريَّة وحتَّى الاقتصاديَّة والصناعيَّة، ما يجري من تعديلات مُستمرَّة على الدستور ضِمْن الكنيست. وعلى سبيل المثال، ومن موقع المقارنة ودلالاتها القاطعة، نوردُ الآتي:
دخل دستور الولايات المُتَّحدة حيِّز التنفيذ في الرابع من آذار/مارس 1789، ومنذ ذلك الحين وعلى مدار 234 عامًا، تمَّ إدخال 27 تعديلًا فقط على الدستور. وفي إسبانيا تمَّ تعديل الدستور مرَّتيْنِ فقط منذ عام 1978، وفي فرنسا منذ عام 1953 تمَّت الموافقة على 15 تعديلًا على الدستور، أمَّا في إيطاليا منذ عام 1947 فتمَّ سنُّ 16 تعديلًا على الدستور. وفي «إسرائيل» وفقط بَيْنَ عامَيْ 1991 و2014، تمَّت الموافقة على 69 تعديلًا لقوانين أساسيَّة. وفي الكنيست الحالي، الكنيست الخامس والعشرين، تمَّ حتَّى الآن إقرار خمسة تعديلات على قوانين أساسيَّة في غضون نَحْوِ تسعة أشْهُر من تاريخ الكنيست.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
ali.badwan60@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: على الدستور الم جتمع م جتمع ا تعدیل ا
إقرأ أيضاً:
خبير اقتصادي: 80% من مساعدات غزة مصرية.. والشعب مستعد يقطع من قوته لأجل القطاع
أوضح الدكتور أحمد سعيد، خبير التشريعات الاقتصادية وأستاذ القانون التجاري الدولي، أن مساحة قطاع غزة صغيرة وتضم حوالي 2 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد سكان مصر نحو 110 ملايين.
وأكد أن تقديم المساعدة لمليوني فلسطيني في غزة لا يمثل تحديًا كبيرًا لمصر، خاصة في ظل بناء 26 مدينة جديدة وامتلاكها للموارد والشركات اللازمة لإعادة إعمار القطاع.
عائلات محتجزين إسرائيليين في غزة: حان الوقت للتوصل لاتفاق يعيد ذوينا جميعا 100 شاحنة مساعدات إنسانية تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزةوأشار "سعيد" خلال حديثه في برنامج "في النور" على قناة "ctv"، إلى أن مصر هي المسؤولة عن 80% من المساعدات التي تصل إلى غزة، بينما لم تتبرع الدول العربية سوى بـ20% فقط. وأكد أن مصر لعبت دورًا حيويًا في منع حدوث مجاعة في القطاع، وهو واجب عليها.
كما أشار إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لن يشارك في إعادة إعمار غزة، حيث انسحب من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأونروا، ما يعكس توجهه لتقليل النفقات الأمريكية.
ولفت إلى أن غزة لا تحتاج إلى عمالة لإعادة الإعمار، إذ تتوفر فيها عمالة بناء ومهندسون، لكنها بحاجة إلى معدات ومواد، مشيرًا إلى أن تصدير هذه المعدات من مصر قد يؤدي إلى زيادة التضخم في قطاع العقارات.
وأضاف أن إعادة إعمار غزة لا تحمل أي فوائد اقتصادية لمصر، بل قد تشكل ضغطًا اقتصاديًا عليها، ومع ذلك، فإن مصر تقوم بذلك لمساعدة الأشقاء في غزة.
كما أشار إلى وجود حرب اقتصادية عالمية تستهدف مصر، من خلال استهداف السفن في قناة السويس، مما أدى إلى خسائر تقدر بـ7 مليارات دولار، موضحا أن هناك توجهًا غربيًا لإنشاء خط ملاحي جديد ينافس قناة السويس، مما قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد المصري.
وأكد أن دولة الاحتلال، بدعم أمريكي، تسعى لتفريغ غزة من سكانها بطرق متعددة، بينما تسعى مصر لإعادة إعمار القطاع لمساعدة الأشقاء، وليس لتحقيق مكاسب. وذكر أن من يروج لفكرة أن إعادة الإعمار ستعود بالنفع على مصر يجب أن يحدد الجهة التي ستتحمل تكاليف ذلك.
وشدد على أن مصر لم تتردد في إعادة إعمار غزة رغم الأعباء الاقتصادية، مؤكدًا أن الشعب المصري مستعد للتضحية من أجل مساعدة الأشقاء، مشيراإلى أن مصر تعاني من آثار اقتصادية نتيجة دعمها للدول العربية، بالإضافة إلى خسائر قناة السويس.
واختتم بالقول إن الأحداث الأخيرة في غزة تكشف عن عيوب في مجال حقوق الإنسان على المستوى العالمي، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي لا يدلي بتصريحات اقتصادية عشوائية، بل يسعى لتحقيق هدف تهجير الشعب الفلسطيني.
وأكد أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه ولا يسعى للهجرة، وأن مصر رفضت خطط تهجير سكان غزة مقابل مزايا معينة.
كما أضاف أن دولة الاحتلال تعمل كأداة للولايات المتحدة لإحداث الفتنة في المنطقة العربية وتحقيق مكاسب لها. وأكد أن الدول العربية لم تعلن حتى الآن عن تمويل إعادة إعمار غزة، ولم تقدم مساعدات كبيرة رغم الحرب، مشددًا على أن دعم مصر كان حاسمًا في منع حدوث مجاعة حقيقية في القطاع.
وأوضح أن مصر، رغم مشكلاتها الاقتصادية، تواصل دعم الأشقاء في غزة، وتسعى لإعادة إعمار القطاع من أجل تحسين حياة الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى مشاركة مصر في عدة حروب دفاعًا عن القضية الفلسطينية.