الموقع بوست/ خاص:

خسر اليمن شمالا وجنوبا أكبر مشروع اقتصادي في القرن 21، بعد استبعاده من طريق التجارة الجديد التي أعلنت عنها السعودية بداية الشهر الجاري الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، لكنها ستبقى حاضرا بشكل فاعلا في مشروع الصين العملاق "الحزام والطريق".

 

ويمر الطريق التجاري الجديد من الهند عبر مضيق هرمز والخليج العربي والإمارات، مرورا برا من السعودية إلى البحر المتوسط وأوروبا، حيث تشارك السعودية في هذا المشروع الولايات المتحدة والهند والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، لمناهضة مشروع الصين.

 

وفي 10 سبتمبر الجاري، وقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الهند، مذكرة تفاهم بشأن مشروع إنشاء ممرٍ اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بينما اتفق مع نيودلهي ضخ استثمارات قيمتها نحو 100 مليار دولار، في أكثر من 50 اتفاقية، ضمن هذا المشروع الاقتصادي الضخم.

 

وأكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمة له على هامش أعمال منتدى الاستثمار السعودي الهندي في 10 سبتمبر الجاري إن الممر الاقتصادي الرابط بين الهند وأوروبا مرورا بالسعودية، "سيحقق المصالح لمختلف الشركاء"، حيث جاء تتويجا لما تم العمل عليه في الأشهر الماضية لبلورة الأسس التي بنيت عليها هذه المذكرة.

 

وكان قادة العالم أعلنوا على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي عن الاتفاق إنشاء مشروع ممر للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط.

 

وأضاف بن سلمان أنه سيتم تطوير البنى التحتية التي تشمل السكك الحديدية وربط الموانئ وزيادة مرور السلع والخدمات وتعزيز التبادل التجاري بين الأطراف المعنية ومد خطوط أنابيب الطاقة".

 

اليمن ليس طرفا بالصراع العالمي

 

ويقول استاذ الاقتصاد في جامعة تعز الدكتور محمد قحطان إن الطريق الجديد لن تجاهل اليمن، بسبب أنها ليس طرفا في الصراع العالمي على طرق التجارة العالمية، لكنها تستهدف الوقوف ضد المشروع الصيني "الحزام والطريق" الذي تعمل الصين على تنفيذه.

 

ويضيف "قحطان" لـ"الموقع بوست" أن الطريق الاقتصادي الجديد المدعوم من أمريكا يتجاهل الممرات التي اختارتها الصين لمشروعها الدولي العملاق، مشيرا إلى أن مشروع الصين يمر في اليمن أما المشروع الأمريكي فقد بني على أساس طرح مشروع جديد يمر في مناطق أخرى غير مناطق المشروع الصيني.

 

أضعاف الموانئ اليمنية

 

ويؤكد أن اليمن مع المشروع الأمريكي سيفقد أهمية موقعها الجيو استراتيجي المطل على ممر التجارة الدولي "باب المندب"، لان  التجارة الدولية من الهند فدول الشرق الأوسط، بما فيها دول الخليج وصولا إلى أوروبا فامريكا لن تكون بحاجة لطريق باب المندب، ما سيضعف أهمية الموانئ اليمنية.

 

ويشير استاذ الاقتصاد إلى أن الصين لن تترك مشروعها العملاق، لكنها ستسرع في تنفيذه، حتى سيكون للموانئ اليمنية وممر باب المندب أهمية في هذا الإطار وهو المشروع الأكثر أهمية.

 

وتوقع انه المشروع الأكثر واقعية والذي يمكن أن يتحقق قبل أن يرى المشروع الأمريكي النور، بينما في  حالة تنفيذ المشروعين فإن اليمن لن تخسر شيئا بل ستظل أهمية موانئها والممر الدولي الذي تطل عليه قائما.

 

مخاوف أمنية وسياسية

 

ويرتبط استبعاد اليمن من طريق التجارة الجديد الذي أعلنت عنه السعودية ويربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا بدوافع سياسية  ومخاوف أمنية، بفعل أن البلاد لاتزال يمر بأزمة سياسية وصراع مسلح يجعل منه بيئة طاردة للاستثمار، وفق أستاذ علم الاجتماع السياسي عبدالكريم غانم.

 

ويقول "غانم" لـ"الموقع بوست" إن مثل هذه المشاريع العملاقة يرتبط بها من بنى تحتية وسكك حديد وموانئ حديثة تلزم وجود استقرار سياسي واستتباب أمني غير متوفر في اليمن، الذي يصعب تحققه على المدى المتوسط والقريب.

 

ويؤكد أن الاعتبارات الأمنية ليست وحدها التي أعاقت انضمام اليمن إلى طريق التجارة الجديد، لكن تنامي الدور الإقليمي والدولي لكل من الإمارات والسعودية كان له تأثيره في هذا الجانب، نتيجة اعتماد هذه الدول التنمية والرفاهية الاقتصادية بديلا للديمقراطية والتغيير السياسي.

 

اتهامات بمعاقبة اليمن

 

ويتهم استاذ علم الاجتماع السعودي التحالف السعودي الإماراتي بسعيه بمعاقبة اليمن بتغيير وطموحات شعبه في التحول نحو الديمقراطية والدفع باتجاه تقويض الرفاهية الاقتصادية وتقويض أمن واستقرار البلدان الساعية نحو التغيير السياسي. 

 

ويمثل طريق التجارة الجديد بالنسبة لليمن استعادة لمكانته الحضارة، كحلقة وصل بين تجارة الشرق والغرب، وتفعيل موانئه   وموقعه الاستراتيجي المتحكم في أهم الممرات المائية في العالم، فنهضة اليمن قديمه وحديثه مرهونة بتفعيل دوره في الملاحة والتجارة الدولية، بحسب غانم.

 

ويتوقع "غانم" أن يطول المخاض العسير الذي تمر به اليمن جراء عدم ربطه بطريق التجارة الجديد، ليس جراء حرمانه من المكاسب الاقتصادية والفرص الاستثمارية الناجمة عن هذا المشروع بل كذلك لأن هذا الاستبعاد من شأنه أن يحد من اهتمام المجتمع الدولي بأمن واستقرار اليمن.

 

مشروع لجر السعودية

 

ويقول وزير النقل اليمني السابق صالح الجبواني إن الإعلان عن طريق التجارة الهندي عبر ثلاث دول عربية إلى إسرائيل وأوربا، من أجل ربط السعودية بإسرائيل عبر هذا المشروع بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة لجر السعودية للتطبيع مع إسرائيل.

 

ويضيف "الجبواني" في تغريدة له على "إكس" أن رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد يسعى أن تكون السعودية ممر للبضائع والبشر فقط لأن الطريق يمر في الصحراء، في إطار التنافس مع الصين ما يحد  جهود السعودية لان تكون قوة إقليمية كبرى بل قوة عالمية صاعدة ذو علاقات متوازنة ومتكافئة في الأغلب.

 

ويشير إلى أن استمرار الرياض في هذا المشروع سيأخذ من رصيدها الكثير أمام الدول العظمى وعلاقتها المتميزة مع الصين وإيران وتركيا، بينما لايزال لدى القيادة السعودية الوقت الكافي لمراجعة المشروع ومصالحها القليلة فيه وخسائرها الفادحة منه.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن السعودية طريق التجارة الشرق الأوسط الهند

إقرأ أيضاً:

كيف تحولت الجامعات اليمنية من صرح علمي إلى مراكز لبيع وتزوير الدرجات العلمية العليا لغير المتعلمين؟ (تقرير)

يشهد التعليم في اليمن تدميراً ممنهجاً مع سنوات الحرب، طال جميع مراحل التعليم، إلا أن الكارثة الحقيقية كانت بالتعدي على التعليم الجامعي والأكاديمي على وجه الخصوص.

 

فخلال السنوات الماضية، تحولت الجامعات الحكومية من صرح علمي إلى مراكز بيع وتزوير الدرجات العلمية العليا لمن هب ودب، سواء جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي أو عدن الوقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.

 

في إطار الصراع السياسي أيضا لم تكن الجامعات بمنأى عن ذلك، فقد منحت شهادات عليا بطرق غير قانونية، في غالبية الجامعات الحكومية، الأمر الذي أدى إلى انحدار المستوى الأكاديمي للجامعات، وتراجع الاعتراف بشهاداتها في العديد من الدول العربية والعالمية.

 

وأعلنت جامعة صنعاء منح القيادي الحوثي مهدي المشاط، رئيس ما يسمى المجلس السياسي، درجة الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف في العلوم السياسية، في تخصص النظم السياسية من كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء، بعد مناقشتها في القصر الجمهوري الذي تسيطر عليه الجماعة، مع التوصية بطباعة الرسالة وتداولها بين الجامعات العربية.

 

وجامعة عدن هي الأخرى كُشف عن تطابق بحثين علميين قدمهما باحثان لنيل درجة الماجستير والتي انتهت بعقد مجلس جامعة عدن يوم (25 فبراير 2025)، لمحاولة لملمة ما يمكن من شتات الفضيحة.

 

وأقر مجلس جامعة عدن، إلغاء درجة الماجستير التي منحت للقيادي في مليشيا الانتقالي المدعومة إماراتيا عبدالرؤوف السقاف، المعين وكيلا لمحافظة عدن لشؤون الشباب بعد جدل أثير مؤخرا نتيجة تطابق رسالة السقاف مع رسالة طالب سابقة بذات المحتوى.

 

تزوير وسرقة

 

وقال مجلس جامعة عدن، إنه تم إلغاء درجة الماجستير التي منحت للوكيل السقاف، والصادر في 11 فبراير 2025م، بالإضافة لعدم قبوله للدراسة مستقبلًا في أي كلية من كليات جامعة عدن.

 

وحين كشف أمر ذلك حاول مجلس جامعة عدن رد اعتبار جزء من تاريخ الجامعة العليمي العريق باعتبار أن ما وقع هو "انتهاك صارخ لمعايير البحث العلمي"، وبالإضافة إلى إلغاء الدرجة العلمية، قررت الجامعة منع السقاف من الالتحاق بأي من برامجها مستقبلًا.

 

وبشأن المحسوبية ووقوف نافذين وراء ذلك هو ما صرح به السقاف في تدوينه له، دافع فيها عن نفسه قبل قرارات الجامعة بالقول "ما زلت أنتظر نتائج التحقيق للجنة المشكلة من جامعة عدن لرسالتي العلمية والبحث العلمي الآخر"، في إشارة إلى رسالة اتُهم بالنقل عنها.

 

كما نشرت وسائل إعلام محلية بيانا منسوبا للأستاذ المشرف على البحث مثار الجدل، أكد فيه "الاختلاف" بين المذكورين في العناوين والمنهجية العلمية، زاعما أن "تشابه العناوين شائع في البحث العلمي".

 

فضيحتا جامعة صنعاء وعدن ادخلت الجامعتين قائمة الجامعات التي تبيع وتشتري بالتعليم الاكاديمي، وفتحت باب واسع أمام الباحثين عن الحقيقة وغيرها، لمعرفة حجم الدرجات العلمية التي منحت من الجامعتين بمستوياتها المختلفة والاشخاص المتورطين فيها.

 

تدمير ممنهج للتعليم في اليمن

 

وكما هو الحال في جامعة عدن، فقد منَحَت جامعة صنعاء أمس الأربعاء، قياديًا حوثيًا شهادة جديدة في الدراسات العليا، وذلك بعد أيام من منحها المشاط شهادة الماجستير.

 

ونشر قيادي حوثي يدعى "محمد علي أحمد المولد" ويعمل وزيرًا للشباب والرياضة في حكومة الجماعة غير المعترف بها، أنه حصل على شهادة دكتوراه جديدة بعد أيام قليلة من منح الجامعة شهادة الماجستير لمهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين.

 

وألغت الكويت الاعتراف بجامعة صنعاء الشهر الماضي أيضا، استجابة لتوصية مجلس الاعتماد الأكاديمي فيها.

 

ويخشى مراقبون أن يكون القرار الكويتي مقدمة لقرارات أخرى من دول الخليج خاصة السعودية التي يتوجه إليها غالبية الشباب اليمني المهاجر،

 

وأثارت الواقعتين غضب اليمنيين، خصوصاً في الأوساط الأكاديمية، التي عدّتها إساءة بالغة للبحث العلمي ولتاريخ جامعتي صنعاء وعدن.

 

مصدر أكاديمي رفض الكشف هويته تحدث لـ"الموقع بوست" عن المئات من الدرجات العليا في الجامعات اليمنية منحت لأشخاص غير متعلمين وبطرق غير قانونية، مشيرا إلى أن هذا التلاعب غير المسؤول أضرّ بسمعة الجامعات وأفقدها مكانتها، مما شكّل ضربة قاسية لمصداقية التعليم العالي في اليمن.

 

وكشف المصدر عن قائمة طويلة بأسماء مسؤولين وأبناء مسؤولين وقيادات منحوا رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه من جامعتي صنعاء وعدن، وجامعات يمنية أخرى، دون حصولهم على شهادات الثانوية والابتدائية او الجامعية الـ "بكالوريوس".

 

تسليع الدرجات العلمية

 

وفي الشأن ذاته حذّر الدكتور منصور المنتصر، الأكاديمي بجامعة صنعاء، من خطورة انهيار التعليم العالي في اليمن، ومنح الشهادات العليا بطرق مخالفة للقانون.

 

في حديثه لـ "الموقع بوست" إن "الوضع رديئ جدا في إصدار الشهادات العلمية بهذه الكثافة والسرعة الفائقة في كل الجامعات اليمنية، وليس عدن وصنعاء وحسب حتى الجامعات الناشئة في مأرب وإب والمحويت والبيضاء وذمار وغيرها ناهيك عن الجامعات الخاصة".

 

وقال "أغلب الرسائل عناوين صحفية أو مقالات وموضوعات لا ترقى للدراسات العلمية القائمة على المنهج العلمي والتقييم الأكاديمي التي يمكن لأي باحث أن يتحقق من الرسائل باتباع نفس النماذج والنظريات".

 

وأضاف الدكتور المنتصر "تخيل رسالة حول تناول فلان في شعر علان أو أسرار سورة الفاتحة عند الفقيه الفلاني، وحتى في المجال العلمي مكررة ونماذج العينة لا يمكن التطبيق عليها في ظل تردي المعامل البحثية ونقص المواد لتطبيق التجارب العلمية".

 

وأشار الأكاديمي بكلية الإعلام في جامعة صنعاء إلى أن هناك نقطة هامة جدا وهي البيئة البحثية مقموعة الحريات في ظل الصراع، والمجتمع غير مؤمن بالبحوث في الوقت الراهن لتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية"، حد قوله.

 

وأكد المنتصر أنه لا بد من تشديد الإجراءات وتفعيل اللوائح والقوانين المنظمة للدراسات العليا في كافة الجامعات اليمنية مع مراعاة الوضع الراهن في تقييد عملية التسجيل، واخضاع المتقدمين للتقييم في اختبار أولي لمدى جدية المتقدم وقدرته في خوض التجربة البحثية، واشتراط اللغة الانجليزية واجادة أدوات البحث العلمي من خلال دورات تأهلية إلزامية.

 

وقال "لا يخفي على أحد وضع الأكاديميين والإداريين المعيشي وانقطاع الرواتب، والذين أصبحت الحاجة للمستحقات والمكافآت تدفع الإنتاج السريع، وهنا يكمن الخطر بحيث تسلع الدرجات العلمية مقابل عائد بسيط تعود للمشرف والإداريين".

 

ودعا الأكاديمي المنتصر إلى إعادة النظر في عملية التسجيل والتشديد عليها، لأنها مكافحة للواهمين والطامحين في الحصول على الرتب بغض النظر عن العلم والبحث العلمي.

 

 


مقالات مشابهة

  • العلاقات الهندية المتنامية مع الولايات المتحدة وتأثيرها على العلاقات مع الصين
  • مودي: الهند والاتحاد الأوروبي يعملان لإبرام اتفاق التجارة الحرة
  • أول تعليق من الحكومة اليمنية على دعوة السعودية لضم اليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي ..
  • هذا جديد إنجاز الطريق الرابط بين تندوف والزويرات
  • كيف تحولت الجامعات اليمنية من صرح علمي إلى مراكز لبيع وتزوير الدرجات العلمية العليا لغير المتعلمين؟ (تقرير)
  • بدعم من دولة كويت اختتام مشروع العيادة الطبية المتنقلة تُحقق إنجازًا استثنائيًّا في اليمن
  • شراكة بين «أبوظبي للاستثمار» وهيئة الترويج الإيطالية لتعزيز التجارة الثنائية
  • السعودية تفتتح أولى مراحل مشروع المسار الرياضي
  • تقرير..ترامب بدأ حربه الجديدة على الصين
  • الصين تتصدر العالم في التجارة الإلكترونية .. تفاصيل