صحيفة صدى:
2025-04-30@15:39:42 GMT

ألغاز اقتصادية تثري العقل !!

تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT

ألغاز اقتصادية تثري العقل !!

يبدأ علم الاقتصاد بفرضية هى أن كل السلوكات الإنسانية عقلانية، وبالطبع فإن هذه الفرضية ليست دائماً صحيحة بمعناها الحرفي، فمعظمنا يستطيع       أن يذكر استثناءات من بين أقرب الناس إليه.

بيد أن صحة الفرضية على نحو حرفي لا تعد شرطاً أساسياً للبحث العلمي، فمثلا إذا سألت عالم فيزياء كم من الوقت تستغرقه كرة البولينج لتهبط إلى الأرض إذا ألقيت بها من فوق سطح بيتك، عندئذ سيفترض مبدئياً أن بيتك قائم في الفراغ، ثم يبدأ بعد ذلك في إجراء الحسابات ليصل الى الجواب الصحيح.

وإذا طلبت من مهندس أن يتنبأ بمسار كرة بلياردو ضُربت من زاوية معينة، فإنه سيفترض مباشرة عدم وجود ما يسمى الاحتكاك، وإذا سألت عالم اقتصاد أن يتنبأ بالآثار المترتبة على ارتفاع قيمة الرسوم المفروضة على مبيعات البنزين، فسوف يفترض أن كل الناس عقلانيون ويمنحك جواباً أقرب ما يكون إلى الدقة.

ومما سبق نرى أن صحة الفرضية لا تقاس بلفظها وإنما بطبيعة نتائجها، وعلى ذلك المعيار يكون للعقلانية سجل جيد من النجاحات.

لذا ، تفترض العقلانية أن الناس يستجيبون للتحفيز، وهي مقولة تؤكدها كثير من الشواهد القوية، وتفترض أيضاً أن استعداد الناس لدفع المزيد في مقابل علبة كورن فليكس وزنها أكبر من استعدادهم لدفع المزيد في مقابل علبة وزنها أقل ، وأن العمال المهرة سيكسبون عادة أكثر من زملائهم الذين تعوزهم المهارة ،  وأن الأفراد المحبين للحياة لن يلقوا بأنفسهم من فوق جسر ، وأن الطفل الجائع سوف يملأ الدنيا صراخاً ليعلن عن احتياجاته، كل هذه الأشياء عادة صحيحة.

وعندما نفترض في الناس العقلانية، فإننا بذلك نتجاهل تماماً ميولهم، والمقولة اللاتينية ((إن أذواق الناس لا تخضع للمنطق)) إذ هي إحدى شعارات عالم الاقتصاد.

إذن ، كيف نتعامل مع هذه الظواهر؟ إن الإجابة المنطقية هي أن نقول:   ((لا يتصرف الناس بعقلانية طيلة الوقت، إنما في معظم الأحيان، ومبادئ علم الاقتصاد لا تنطبق على جميع التصرفات، إنما على بعضها، وتلك بعض الاستثناءات)).

أو هناك حل بديل، هو أن نتشبث بذلك الوهم الذي يفترض أن كل الناس يتصرفون بعقلانية طيلة الوقت، وأن نُصِر على ايجاد تفسيرات عقلانية – مهما كانت شاذة – لكل هذه التصرفات التي تبدو غير عقلانية.

إن كثيرا من المجتمعات الزراعية البدائية تشترك في صفة غريبة؛ فبدلاً من أن يمتلك المزارع الواحد قطعة واحدة واسعة من الأرض، تجده يمتلك عدة قطع صغيرة من الأراضي الزراعية المتفرقة في أنحاء القرية. وقد دار جدل طويل بين المؤرخين حول أسباب هذه الظاهرة التي يعتقد أنها السبب وراء الكثير من أوجه القصور، ومن الاحتمالات المطروحة أن يكون الميراث والزواج هما السبب، فمن جيل إلى آخر يجري إعادة تقسيم قطع الأرض التي تملكها العائلة بين الورثة، فتتحول إلى قطعة صغيرة، ثم تأتي مسألة الزواج، فتزداد قطع الأرض المملوكة للعائلة الواحدة تباعداً وانتشاراً. تعرض هذا التفسير لنقد شديد، فهو يقدم صورة من صور اللاعقلانية، إذا لم لا يتبادل المزارعون قطع الأرض فيما بينهم بصورة دورية بحيث يدمجون ممتلكاتهم ويعززون من قوتها؟

لقد جذبت هذه المشكلة اهتمام عالم الاقتصاد والمؤرخ دون ماكلوسكي الذي يتمتع بقدرة فطرية متفردة على ابتكار التفسيرات الاقتصادية العبقرية، فبدلاً من أن يسأل: ((أي العادات الاجتماعية أدت إلى هذا السلوك غير العقلاني؟)) طرح ماكلوسكي سؤالاً آخر، فقال: ((لماذا يعد هذا السلوك عقلانياً؟)) وأوصلته الدراسة المتأنية إلى نتيجة هي أن هذا السلوك نوع من التأمين، فمثلاً في حالة حدوث فيضان في القرية، يتعرض المزارع صاحب قطعة الأرض الكبيرة للتدمير الشامل لممتلكاته، ولكن بتوزيع هذه الممتلكات، فإن المزارع يضحي ببعض الزيادة المحتملة في الدخل في مقابل أن يضمن ألا تمحى ممتلكاته تماماً بفعل كارثة ما. إن هذا السلوك لا يعد سلوكاً شاذاً، وإنما كل أصحاب العقارات المؤمن عليها في عصرنا الحالي ينهجون النهج ذاته.

إن الكثير من السلوكات التي يعتبرها الآخرون أمراً مسلماً به تثير حيرة علماء الاقتصاد.

 

للتواصل : [email protected]

 

المصدر: صحيفة صدى

كلمات دلالية: هذا السلوک

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: المدرسة الماتريديّة نشأت في بيئة ثقافيّة خصبة

أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم،  أن المدرسة الماتريديّة نشأت في بيئة ثقافيّة خصبة، شهدت تداخلًا وتفاعلًا بين اتجاهات فكريّة متباينة، وأن هذا المناخ كان حافزًا لظهور منهج عقلانيّ متماسك تميّز به الماتريديون، موضحًا أن المدرسة الماتريديّة قد طوّرت أدوات معرفيّة رصينة قامت على التأمل العقليّ والاستدلال المنطقيّ، حيث نظر أئمّتها إلى العقل بحسبانه وسيلة لا غنى عنها لمعرفة الله تعالى، بل واعتبروا النظر العقليّ واجبًا أوليًا على كل مكلّف، مؤكدين أن صحّة الخبر والحسّ لا تثبت إلا من خلال صدق العقل ذاته، وأنه تميّز برؤية عقلانيّة عميقة الجذور لا تكتفي بتلقّي النصوص، بل تبني المعرفة من خلال أدوات يمكن التحقق من صدقها ضمن المشترك الإنسانيّ العام، منوهًا إلى أن الماتريديّة أرست موقفًا معرفيًا متينًا يتكئ على ثلاث دعائم هي: العقل السليم، والحواس الظاهرة، والخبر الصادق، معتبرًا أن كل علم حقيقي لا بد أن يصدر عنها، وبالتالي فقد أسهم هذا الموقف المعرفي الماتريدي في بلورة رؤية تتسم بالموضوعيّة والانضباط، حيث ظل العقل فيها هو الأداة الأهم لفحص مصادر المعرفة الأخرى، مع وعي تام بحدود العقل نفسه، وحاجته إلى النقل في قضايا الغيب وما لا يُدرك بالتجربة.

 

جاء ذلك خلال كلمته بالمؤتمر العلمي الدولي «الماتريدية مدرسة التسامح والوسطية والمعرفة»، الذي تنظمه لجنة الشؤون الدينية بجمهورية أوزباكستان، في الفترة من 29 إلى 30 أبريل الجاري، في مدينة سمرقند بجمهورية أوزباكستان

وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن  الإمام الماتريديّ –رضي الله عنه– امتاز بمجموعة من الشمائل التّي جعلته يحتل مكانةً فريدةً في تراثنا العظيم، فلقد كان رحمه الله متحررًا من التعصب المذهبيّ، منصرفًا إلى البحث عن الحقيقة بتجرد، دون انقياد أو تقليد أعمى لآراء السابقين، كما امتاز  بنزعته الشموليّة في النظر والتحليل، حيث أظهر قدرةً فائقةً على الربط بين الجزئيات والكليات، وجمع الفروع تحت أصولها الكبرى، وهي قدرة تجلّت في تفسيره، وبرزت بوضوح في كتابه "التوحيد" ومن السمات اللافتة كذلك اهتمامه البالغ بالمضمون والمعنى، والتركيز على الجوهر والمقصد في تفسير النصوص، واللجوء إلى النكات البيانيّة أو اللفظيّة، إذا خدمت المعنى وأبرزت مغزاه، مؤكدًا بذلك أنّ الفكر لا قيمة له ما لم يرتبط بالعمل والتطبيق، ولذلك لم يكن تأثير المدرسة الماتريديّة حبيس بلاد ما وراء النهر فحسب، بل إن الأزهر الشريف بجامعه وجامعته  كان ولا زال يدرّس في أروقته العتيقة كتابي «العقيدة النسفيّة وتفسير أبي البركات النّسفيّ»، وكلاهما مدونات أصيلة في المذهب الماتريديّ.

وأوضح المفتي، أن المذهب الماتريدي، لم يكن يومًا مجرد منظومة فكريّة نظريّة، بل مثل امتدادًا عميقًا للروح الإنسانيّة في الإسلام، حيث نظر علماؤه إلى القيم الإنسانيّة كأصول عقديّة وأخلاقيّة يجب أن تغرس في الوعي والسلوك معًا، وقد تجلى هذا في حرص الإمام الماتريديّ في تفسيره لقول الله تعالى ﴿خلقكم مّن نّفس واحدة}، على تأكيد أنّ الأصل البشريّ واحد، وأنّ جميع الناس إخوة، مما ينفي أي مبرر للتفاخر بالأحساب والأنساب، وتكتمل هذه الرؤية في نقده العميق لظاهرة الكبر، التّي يراها وليدة الجهل بحقيقة النفس، حيث يقول رحمه الله "من عرف نفسه على ما هي عليه من الأحداث والآفات وأنواع الحوائج - لم يتكبر على مثله "وبهذا يرسّخ المذهب الماتريديّ مفهوم التواضع لا كفضيلة أخلاقيّة فحسب، بل كمعرفة وجوديّة نابعة من وعي الإنسان بضعفه وحاجته، ويعكس بذلك تفاعلًا حيًّا بين العقيدة والأخلاق، حيث تصبح المساواة والتواضع والعدل قيمًا متجذّرةً في رؤية الإنسان لذاته والآخر، مبينًا أن الوسطيّة-التّي نحن بصدد دراستها في هذا المؤتمر المهم- لا تعني أبدًا الوسط بين الهدى والضلال، وإنّما تعني الاعتدال في الفكر، والصدق في الاعتقاد، والتوازن في السلوك، والعدل في الحكم والشهادة، إنّها موقف أهل السنّة والجماعة الأصيل الذي يجمع بين «الروح والمادة»، وبين «العقل والنقل»، وبين «الحقوق والواجبات»، قال تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا﴾ [البقرة: 143]، قال الإمام الماتريديّ «وسطًا يعني عدولًا» في كل شيء؛ فالعدل هو الأوثق للشهادة على الخلق، والأجدر لقبوله.

 

واختتم المفتي حديثه بأن المدرسة الماتريديّة لم تقف عند حدود التسامح العقديّ، بل تجاوزته إلى التفاعل مع الفلاسفة والمتكلمين بنقد موضوعيّ هادئ، كما يظهر في أعمال النسفيّ وغيره، ممن جمعوا بين الإخلاص للأصول والانفتاح العقليّ، وبهذا كلّه تعدّ المدرسة الماتريديّة أنموذجًا أصيلًا في التعايش والتسامح، ومصدر إلهام فكريّ وأخلاقيّ يصلح للاهتداء به في عصرنا الراهن.

وقد أعرب  مفتي الجمهورية في ختام كلمته عن خالص شكره وتقديره للجنة المنظمة للمؤتمر وسعادته بالمشاركة في هذا الجمع العلمي المبارك، الذي حضره جمعٌ كبير من العلماء والباحثين من مختلف دول العالم، من بينهم فضيلة دكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي الديار المصرية الأسبق، والدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف وجمع كبير من العلماء.

مقالات مشابهة

  • شيخ العقل يحذر من مخططات لزعزعة الوحدة الوطنية في سوريا
  • مفتي الجمهورية: المدرسة الماتريديّة نشأت في بيئة ثقافيّة خصبة
  • مصدر أمني بدمشق لـ سانا: قواتنا بدأت عملية تمشيط واسعة في منطقة أشرفية صحنايا، بهدف إلقاء القبض على العصابات الخارجة عن القانون التي اتخذت هذه المنطقة منطلقاً لعملياتها الإرهابية ضد الأهالي وقوات الأمن
  • عالم آخر
  • هذه هي عصا الاقتصاد السحرية التي أخضعوا بها الشعوب
  • تحليل لـCNN: كيف دمر ترامب قوة اقتصادية عظمى في 100 يوم؟
  • وزير الثقافة: مسابقة آدم حنين فرصة حقيقية لإلقاء الضوء على تجارب فنية جديدة تثري الحركة التشكيلية
  • العراق بين عقلية الحكم وحكم العقل
  • السوداني: أهمية إسهام الشركات الإيطالية في النهضة الشاملة التي يشهدها العراق
  • «أبوظبي للكتاب».. يستحدث برامج وأركاناً تثري تجربة زواره