عربي21:
2024-11-19@00:42:15 GMT

الصراع الأيديولوجي في الحرب العالمية الراهنة

تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT

ما من حرب، وبغض النظر عن حجمها، أو مكانها، أو أطرافها، إلاّ ويحمل طرفاها الأساسيان إلى جانب السلاح، وألوان الحصار الممكن، سلاحاً أيديولوجياً. وهو السلاح المعنوي، ذو البُعد المادي (موضوعياً)، الذي يستخدمه كل طرف في تسويغ موقفه وأهدافه، كما في نقد الطرف الآخر، بهدف عزله ودحره أخلاقياً وفكرياً (التحريض ضده).



وهذا ما طبق في كل حرب، واستخدم كسلاح بتار، بالرغم من طبيعته الأيديولوجية ـ الفكرية ـ السياسية.  أما في تقرير مصير الحرب فليس له الدور الحاسم فيه. لأن هنالك عوامل وأبعاداً أخرى هي التي تحسم، أكثر، كالسلاح والعديد والمعنويات القتالية، وحسن القيادة، وحالتي الفتوة والنهوض، أو التدهور والشيخوخة، أو العدل والحق أو الظلم، أو الأفضلية التاريخية، أو عكسها. ولكن ثمة نصيب مقدّر للبُعد التحريضي والأيديولوجي. ولا مفرّ منه.

لقد بلور كل من الصين وروسيا من جهة، وأمريكا والغرب من جهة ثانية، الموقف من الطرف الآخر (البُعد التحريضي النقدي) والموقف من النظام العالمي الذي يريد كل منهم تشكيله، على ضوء ما ستنتهي إليه هذه الحرب، أو امتداداتها إذا ما توقفت لسبب، أو آخر.

من جهة أمريكا وحلفائها شُنت "حرب" سياسية ـ إعلامية أيديولوجية ضد الصين وروسيا، باعتبار نظاميهما دكتاتورياً، وفردياً، مقابل النظام الديمقراطي الغربي. وهو السلاح الأيديولوجي نفسه الذي استخدم ضد الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة، والتي انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي 1991.

لقد بلور كل من الصين وروسيا من جهة، وأمريكا والغرب من جهة ثانية، الموقف من الطرف الآخر (البُعد التحريضي النقدي) والموقف من النظام العالمي الذي يريد كل منهم تشكيله، على ضوء ما ستنتهي إليه هذه الحرب، أو امتداداتها إذا ما توقفت لسبب، أو آخر.أما على مستوى ما تستهدفه أمريكا وحلفاؤها من نظام عالمي، فهو استمرار النظام العالمي القائم بكل أبعاده الهيمنية الأمريكية، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً، مع إضافة بُعد أيديولوجي جديد يراد فرضه على العالم. وهو ما عُبّر عنه بتكريس أيديولوجية "الميم" في العلاقات بين الجنسين الذكري والأنثوي، بالعلاقة التقليدية، والعلاقات التاريخية عموماً بينهما.

في الحرب الباردة خاض الاتحاد السوفييتي حربه الأيديولوجية بالاعتماد على أفضلية النظام الاشتراكي والأيديولوجيا الاشتراكية على النظام الرأسمالي الاستعماري ـ الإمبريالي ـ الاستعمار الجديد. ولكن هذا السلاح الأيديولوجي لم يكن لاعباً مؤثراً في الحرب الباردة، وانتهى بكارثة على الاشتراكية. بل بانتصار مدوٍ للأيديولوجية الليبرالية ـ الديمقراطية الرأسمالية الغربية. وقد وصل الوهم ببعض المنظرين باعتبار ما وصلته ديمقراطية الغرب ببعديها المادي والأيديولوجي شكّل "نهاية التاريخ" (فرانسيس فوكوياما).

على أن الحرب العالمية الجديدة الراهنة قد اتسّمت بطرح أيديولوجي ـ روسي مختلف عن الطرح السابق الذي مثله الاتحاد السوفييتي، وحتى مثلته حركات دول العالم الثالث في مرحلة الحرب الباردة السابقة كذلك، أو إلى حد ما.

النقد التحريضي السياسي ـ الاقتصادي الأيديولوجي تمثل في نقد النظام العالمي، ليس باعتباره رأسمالياً، وإنما باعتباره نظاماً أحاديّ القطبية، تستأثر فيه أمريكا بالهيمنة العسكرية والمالية على العالم، وذلك بالرغم من أن العالم يتسّم بتعدّد القطبية على مستوى عالمي. ومن ثم فهو ظالم ويتناقض مع مصالح كل دول العالم، كبيرها ومتوسطها وصغيرها.

هذا التحريض يهمّ دول العالم بأسره، بما في ذلك الدول الأوروبية، والدول الكبيرة والمتوسطة والصغيرة الأخرى، من حلفاء أمريكا في هذه الحرب. لأن احتكار أمريكا لموقع الدولة الكبرى المهيمنة، والمنفردة في السيطرة العسكرية والاقتصادية والمالية والسياسية، يلحق أضراراً متعددة، ولا سيما في الاقتصاد والمصالح المالية. فعلى سبيل المثال، عندما تفرض أمريكا على العالم كله احتكار الدولار في المعاملات المالية، وتجعله المرجع الوحيد، كما كان الذهب سابقاً، معياراً للنقد العالمي.

فمن هنا يكون التحريض ضد الأحادية الأمريكية قضية لا تخصّ بلداً ما بعينه، أو كتلة دولية بعينها، أو نظاماً اقتصادياً وسياسيا، أو أيديولوجياً بعينه، وإنما يمسّ قضية تهم مصالح كل الدول غير أمريكا، عملياً وموضوعياً. وهي قضية لا تستطيع أمريكا، أو يستطيع أحد حلفائها الدفاع عنها، إلاّ وهو تابع، مستلب، لا يضع مصالحه العليا في المقدمة.

هذا يعني أن الهدف الروسي ـ الصيني الذي يُراد تحقيقه من وراء هذه الحرب، يشكل مصلحة عالمية، وليس بقضية خاصة، كما كان الحال في الحرب الباردة في الصراع مع المعسكر الاشتراكي. ولكن حلفاء أمريكا، ولأسباب تاريخية، وربما، مستقبلية، يقبلون بالتبعية لها.

الحرب العالمية الجديدة الراهنة قد اتسّمت بطرح أيديولوجي ـ روسي مختلف عن الطرح السابق الذي مثله الاتحاد السوفييتي، وحتى مثلته حركات دول العالم الثالث في مرحلة الحرب الباردة السابقة كذلك، أو إلى حد ما.القضية الهامة الكبرى التي تتبناها الصين وروسيا، فهي المطالبة بإقامة نظام دولي متعدد القطبية عالمياً وإقليمياً، ويخضع إلى إرادة جماعية وإلى القانون الدولي، وإلى مبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة، عدا هيكلية تشكيلها، وما يتمتع به مجلس الأمن من امتيازات، وما تتحكم فيه أمريكا من خلال مقرها في نيويورك، ونفوذها العالمي من سيطرة على هيئة الأمم. وقد أصبحت منحازة مشلولة، مزدوجة المعايير، وهي تحت الهيمنة الأمريكية.

هنا أيضاً ثمة مصلحة عالمية لأغلب دول العالم في بناء نظام عالمي جديد على أسس تعدد القطبية والقانون الدولي، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتصحيح هيكلته، ورفع يد الهيمنة الأمريكية عنه، بما في ذلك نقل مقره.

القضية الثالثة التي ستخسرها أمريكا في صراع الحرب العالمية الراهنة، بما يتعدى الحرب في أوكرانيا بالطبع، تتمثل في الارتكاز إلى تهمة الدكتاتورية الموجهة ضد نظامي الصين وروسيا. وذلك لأن، عكس موقف المعسكر الاشتراكي في الحرب الباردة، لا تسعى روسيا أو الصين في اتخاذ، أي من نظاميهما نموذجاً عالمياً، أو فرضه على العالم. فموضوع النظام الصيني، أو الروسي، شأن خاص بكل منهما. وتصر الصين، كما روسيا على أن من حق كل شعب، وكل دولة اختيار النظام الخاص به أو بها. هذا وليس من حقه أن يفرضه على أحد غيره، كما يقتضي القانون الدولي، ومبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة.

الأمر الذي يعني أن تهمة الدكتاتورية ساقطة من أساسها، ولا تشكل قضية للتداول العالمي، أو لتغطية أحادية القطبية.

بل أن المبدأ الذي تدافع عنه الصين، بقوة، وتأخذ به روسيا، هو التشدد في اختيار كل شعب من شعوب العالم، لما يريده من نظام له ولبلده، استناداً إلى حضارته وتاريخه ومعتقداته ومصالحه. فالنظام العالمي متعدّد القطبية يدعو، في ما يدعو، إليه يتجه إلى تكريس هذا الحق للجميع عالمياً.

هذا المبدأ يتناقض مع الاستراتيجية الغربية منذ نشأتها المعاصرة حتى اليوم. وقد دأبت على فرض نظامها الحداثي والرأسمالي على كل العالم، وذلك على أساس مركز وأطراف تابعة.

الهدف الروسي ـ الصيني الذي يُراد تحقيقه من وراء هذه الحرب، يشكل مصلحة عالمية، وليس بقضية خاصة، كما كان الحال في الحرب الباردة في الصراع مع المعسكر الاشتراكي. ولكن حلفاء أمريكا، ولأسباب تاريخية، وربما، مستقبلية، يقبلون بالتبعية لها.فنحن هنا في هذه الحرب العالمية في صراع أمام استراتيجية تريد فرض هيمنتها على كل العالم عسكرياً واقتصادياً ومالياً وسياسياً و"أخلاقياً"، بحيث يستمر النظام العالمي على أساس استعماري امبريالي، وعالم تابع وخاضع، فيما المطلوب إقامة عالم متعدد القطبية خاضع لمبادئ القانون الدولي، والمبادئ الخاصة بالمساواة بين الشعوب، وحق كل شعب في اختيار نظامه وحضارته، وقيمِه اختياراً حراً.

الأمر الذي يعني أن الاستبداد العالمي هو الذي تمثله أمريكا، كما تجلى في النظام العالمي الذي ساد طوال القرن العشرين حتى اليوم، مقابل نظام يفترض به أن يكون أقرب ما يمكن من العدالة والمساواة والحرية. أو في الأقل لا يكرر النظام الاستبدادي العالمي، أو يعيد إنتاج استبداد مثل ما هو قائم اليوم.

ومن ثم فإن أسلحة الأيديولوجيا، وما يتعلق بأهداف الحرب العالمية الراهنة، ونتائجها هي، في هذه المرة، وبصورة خاصة، ليست في مصلجة أمريكا وحلفائها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الصين الصراع روسيا امريكا الصين روسيا رأي صراع مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة رياضة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الحرب الباردة النظام العالمی الحرب العالمیة الصین وروسیا على العالم دول العالم هذه الحرب من جهة

إقرأ أيضاً:

هل تستطيع أمريكا الحد من نفوذ الصين في العراق؟ - عاجل

بغداد اليوم -  بغداد

علقت لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، اليوم الاثنين (18 تشرين الثاني 2024)، على إمكانية الولايات المتحدة الامريكية للحد من نفوذ الصين في العراق.

وقال عضو اللجنة مختار الموسوي، لـ"بغداد اليوم"، إن "العراق بلد صاحب سيادة وهو من يتحكم في علاقاته الخارجية سواء السياسية والاقتصادية وغيرها، ولا يمكن السماح للولايات المتحدة الامريكية في التدخل بهذا الامر وتحدد مع من العراق يكون علاقات اقتصادية وغيرها".

وأضاف ان "الصين بلد شريك ومهم للعراق خاصة بالجانب الاقتصادي والاستثماري وبمختلف المجالات، ولا يمكن للولايات المتحدة الامريكية التأثير على تلك الشراكة او العمل على الحد من النفوذ الصيني بالقطاعات التي تعمل بها في العراق، فهذا الامر العراق يرفضه رفضاً قاطعاً".

هذا وكشفت وسائل اعلام دولية، اليوم الاثنين (18 تشرين الثاني 2024)، عن صراع محتدم بين الولايات المتحدة والصين للاستحواذ على النفط العراقي.

وذكرت وسائل الاعلام، أن "الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى الحد من النفوذ الصيني في العراق، والذي أخذ بالتوسع خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع سيطرة شركات صينية على عقود نفطية كبيرة".

وأضاف ان "واشنطن تحاول إلى منع بكين من الاستحواذ على الفرص الاستثمارية والسيطرة على الاقتصاد العراقي، خاصة وأن العراق أحد أبرز المستوردين من الصين، وأعلن في السنوات الأخيرة عن فرص استثمارية عديدة".

المخطط الاستراتيجي في الحزب الجمهوري، جون عكوري، يقول إن "رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، لم يعش أبداً خارج بلده، وبالتالي ليس لديه ولاء خارج الحدود العراقية، وآمل أن يكون أساسياً في تحريك العراق إلى الأمام".

ويضيف أن "التنمية والاستقرار في العراق تجعلانه مرشحا للعب دور أساسي، ليس فقط في المنطقة، وإنما في أجزاء أخرى من العالم"، مبينا ان "الإدارة الأمريكية السابقة جعلت السياسة نحو العراق في قاع القائمة، وهذا سمح للصين وإيران باستغلال الفجوة والفراغ. آمل أن نرى دوراً مختلفاً مع الإدارة القادمة".

وتمتلك كيانات صينية نسبة تتجاوز 46 في المئة في حقل الرميلة النفطي في العراق، أكبر الحقول العراقية إنتاجا للنفط، والثاني عالميا، كما تدير شركات صينية أخرى نحو 34 في المئة من احتياطيات العراق المؤكدة، إضافة لثلثي الإنتاج الحالي، وهي أرقام تشير إلى نفوذ صيني متنام على إنتاج النفط العراقي.

من جانبه، أكد مدير مبادرة العراق في المجلس الأطلسي، عباس كاظم، أن "الولايات المتحدة بحاجة إلى دراسة العوامل التي تجعل الصين ناجحة في العراق، والعوامل الأخرى التي تجعلها غير منافسة أيضاً، هذا هو مكان البداية الذي نحتاج إليه، وإدارة ترامب ليست جديدة، بل حكمت أربع سنوات، لذلك أعتقد أنه يستطيع أن يعيد حسابات واشنطن وكيف تصبح دولة لها قدرة اقتصادية منافسة للصين ولدول أخرى".

وضاف انه "ومن الصحي أن تكون للعراق علاقات متعددة مع دول أخرى، وبإمكان واشنطن تقديم الكثير للعراق، إن طُبعت العلاقة بينهما اقتصادياً، وأعتقد بأنه لن تكون للولايات المتحدة فرصة اقتصادية في العراق، ما دامت تمزج السياسة بالاقتصاد".

وطبقا لأرقام منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ومنذ توقيع اتفاقية 2019 بين العراق والصين، ارتفعت صادرات النفط العراقي للصين نحو 20 في المئة، ووصلت في 2023 إلى أكثر من مليون برميل نفط يومياً، وتصدرت بكين قائمة مستوردي ذهب العراق الأسود.

 

مقالات مشابهة

  • خبير دولي عن تصريحات الحرب العالمية: ناقوس خطر بشأن مستقبل الاستقرار الدولي
  • أحمد الليموني يكتب: لماذا الصين؟!
  • هل تستطيع أمريكا الحد من نفوذ الصين في العراق؟
  • الكرملين: أمريكا تصب الزيت على النار في أوكرانيا
  • هل تستطيع أمريكا الحد من نفوذ الصين في العراق؟ - عاجل
  • روسيا باقية في سوريا.. اسألوا نتنياهو
  • اتحاد المستأجرين: الأجرة في العقود القديمة من باب النظام العام الذي لا يجوز مخالفته
  • أمريكا: الصراع في أوكرانيا سينتهي بالمفاوضات
  • صراع لا ينتهي.. نتائج الانتخابات الأمريكية تشغل العالم.. ونهج ترامب فى التعامل مع الصراع قد يغير مسار التاريخ بالنسبة للبلاد
  • تحليل: سياسة ترامب أمريكا أولا تدفع الصين بسرعة نحو الزعامة العالمية