الجزيرة:
2025-01-23@14:42:56 GMT

قضايا النساء بين الأطروحات المتصارعة والغائبة

تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT

قضايا النساء بين الأطروحات المتصارعة والغائبة

تحضر الأفكار النسوية عند كل نقاش يتعلق بقضايا النساء، وتشكل هذه الأفكار حاجزا وهاجسا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي تعدها أطروحات دخيلة على ثقافتها وتهدد أنماط العلاقات الاجتماعية القائمة فيها؛ الأمر الذي دفع العديد من الدعاة والمفكرين والناشطين للتصدي لهذه الأفكار، بوصفها محاولة لفرض التغريب ومفاهيمه بالإكراه، وتخريب المجتمع عبر استهداف نواته الأساسية "الأسرة".

كما يتفق كثيرون في عالمنا العربي والإسلامي على أن الموجة النسوية والجندرية اخترقت حدودنا المادية والمعنوية، وأصبحت هاجسا حقيقيا يجب فهمه والتعامل معه بحكمة، خاصة عندما يرون نتاجها الأولي وحجم التغيرات العميقة التي تحدثها في النساء والشابات في مجتمعاتنا المحافظة، فقد تمكنت من حشد جمهور ومؤيدين، وإحداث تغيرات فكرية ونفسية، من دون أن تحظى بدراسة منصفة رصينة تسعى لتفسير أسباب هذا التأثير وقدرته على استقطاب المزيد والمزيد من النساء العربيات والمسلمات تحديدا.

من خطاب الشارع إلى التنظير الأكاديمي

يخطئ من يعتقد أن الحركة النسوية مجرد حركة اجتماعية تطالب بالمزيد من حقوق النساء، بل إن الخطاب الذي كان يشعل الحماس بين المحتجات من النساء تطور خلال 170 عاما، ونضج على يد العديد من الأكاديميين والمفكرين والفلاسفة من مختلف الجنسيات، ممن تأثروا بالأفكار السائدة والرائجة خلال تلك المدة وحاولوا إسقاطها على واقع النساء كجزء أصيل من المجتمع لا ينبغي تجاهله.

لقد نمت تلك الأطروحات منذ الموجة النسوية الثانية، وأنضحت معها الكثير من النظريات والتصورات التي وصّفت حال النساء على مر العصور، محاولة تفسير الأسباب التي أوصلت هذه الفئة إلى حالة من الهشاشة والضعف في الحقوق، كما قدمت هذه النظريات رؤيتها الخاصة لما يجب أن تكون عليه الأمور ابتداءً من النظرية النسوية الليبرالية إلى الاشتراكية والماركسية والتقاطعية ونظريات ما بعد الحداثة، وطرحت تصورات تُحسّن وضع النساء في العالم وتفعل أدوارهن ضمن إطار عادل من الشمولية والمساواة.

تعد النظريات والدراسات والكتب النسوية من أصعب المواد العلمية على القارئ المبتدئ أو المتوسط، لأنها تقدم سياقات ومفاهيم أكاديمية خالصة انتظمت وفق مناهج علمية يصعب مجابهتها من دون استخدام الأسلوب نفسه، والطريقة ذاتها في التفكير والكتابة العلمية التخصصية، رغم العديد من الفجوات التي اعترت تلك النظريات.

ولم يكن المسار العلمي والأكاديمي النسوي خلال هذه المدة تيارا واحدا، بل انقسم للعديد من المسارات الفرعية المتلاقية أحيانًا والمتناقضة أحيانًا أخرى، والذي خضع لوقفات وتقييمات وانتقادات وتطويرات طالت العديد من الأفكار والنظريات، وهو ما مكّنه من النمو والنضوج ليصبح واحدا من الفروع الأكاديمية المستقلة في الجامعات الأجنبية، ومسارا حاضرا في كافة الفروع التعليمية الأخرى، فغزا المناهج المدرسية والمنصات الإعلامية، وانسابت أفكاره بشكل ناعم ليصبح بعضها من المسلمات التي قد لا ينتبه كثيرون لإشكالياتها.

شعلة أطفأها الإهمال

غابت مشاكل المرأة في الدول العربية والإسلامية عن ميدان البحث والدراسات المعاصرة، واستوردت الجامعات الأفكار والنظريات الغربية بسياقاتها وفرضياتها من دون أي تمحيص، أو دراسة، أو تعديل، أو نقد لتناسب واقع مجتمعاتنا، وقدمتها كهيكل واحد لا يجوز انتزاع أي جزء منها أو استثناؤه أو حتى نقده.

لقد ظهر على الساحة الفكرية قبل عقود عدد من المؤلفات الإسلامية الدسمة، التي أصّلت فكريا وشرعيا لعدد من قضايا النساء، ولم تكن مجرد ردة فعل على خطابات غربية بقدر ما كانت تأصيلا للصورة التي يقدمها الإسلام للمرأة، والرد على بعض الشبهات الرائجة، إلا أن هذه المؤلفات مضى عليها عقود ولم تستثمر أفكارها كما يجب ولم تجد من يحملها ويطورها، بل تراجعت هذه الجهود الفكرية المنصفة المعتدلة وطغى نوع آخر من الدراسات التي حظيت بالتغطية الإعلامية نظرا لأفكارها الإشكالية، وأعادت التعاطي مع قضايا المرأة من منظور ضيق متشدد؛ متجاهلة التحديات والإشكاليات والأطروحات الجديدة؛ فسيطرت على المشهد كأنها القول الإسلامي الوحيد حول قضايا النساء.

وإلى جانب ذلك، دارت الأطروحات الإسلامية الدارجة حول الأحكام الفقهية، وأهملت -إلى حد ما- التغيرات والتحديات المعاصرة، فلم تقدم تصورات واقعية متكاملة بديلة، بل ظل الحديث عن تكريم المرأة في الإسلام وحقوقها المختلفة هو المحور الوحيد الذي تدور حوله كافة النقاشات المتعلقة بالنساء من دون أي مجازفة في الخوض عميقًا بالعديد من التحديات الجادة والحساسة، أو توضيح كيفية إنزال هذا التكريم وتعزيز تلك الحقوق على أرض الواقع.

الفجوة بين النظرية والواقع والتطبيق

لقد أفرز الواقع الجديد عشرات الأسئلة والقضايا المعقدة التي لم ينبر أحد للإجابة عنها أو البحث فيها بعمق واحترافية، وأثيرت العديد من المسائل التي أصبحت أكثر تأثيرا في حياة المرأة؛ كإشكالية القوامة الجائرة للرجل في بعض الحالات، وتحول المرأة إلى معيل بوجود الرجل وتخاذله عن مسؤولياته، أو اضطرار النساء للدخول إلى سوق العمل في ظروف غير نموذجية، بالإضافة إلى مشاكل الزواج والطلاق والتعدد والوصاية والإنفاق والحرمان من الميراث والتعدي على الحقوق والتعنيف الأسري وغيرها من عشرات المشاكل التي لم يطور أحد تصورات عملية نافعة لها.

دارت أغلب الأطروحات الإسلامية الدارجة في حلقة مفرغة من الصعب إنزالها واقعيا حاليا، وقدمت الحل الإسلامي لمشاكل المرأة الذي ارتكز أساسا على توافر شروط لازمة من صلاح المجتمع وانضباطه بالأحكام الشرعية وبالأخلاق، وارتكزت على مبدأ التكافل العائلي والاجتماعي في كفاية احتياجات النساء المختلفة، ودور القضاء الإسلامي العادل في إنصاف المظلومين، وهي شروط لم تعد محققة في واقعنا الحالي، فلا يمكن التعويل حاليا على صلاح المجتمعات ولا على أخلاق الزوج، أو الأب، أو الأخ، أو رب العمل، خاصة مع تراجع الوازع الأخلاقي العام وغياب واضح لدور القضاء والحكومات والقوانين في إنصاف المظلومين.

وفي هذه الساحة متلاطمة الأمواج، تمكنت الأفكار النسوية -لا سيما مع نشوء فرعها "النسوية الإسلامية"- من التسلل بعمق، وإثارة الكثير من الجدل واستغلال بعض القضايا والأحكام الإسلامية وتقديمها كأنها ثغرات ومواطن ضعف في التصورات الإسلامية لواقع المرأة، مستفيدة من غياب الأطروحات الرصينة المعاصرة، خالطة بين النص وإشكالية التطبيق، وبين النص والعرف، وبين النص والتفسيرات الضعيفة أو الشاذة؛ في محاولة لتحميل الدين المسؤولية وراء تردي أوضاع المرأة المسلمة.

بين اللظى واللهيب

لقد كان على المرأة العربية والمسلمة أن تتحمل أشكالا من الظلم والقهر التي ألبست لبوس الدين في كثير من الأحيان، وترضى به، بل وتدافع عنه حتى لا تتهم برفضها أو تمردها على الدين الإسلامي وعدم رضاها عن أحكامه، بل وأجبرت في بعض الأحيان على تقبل بعض الأحكام الشاذة والأقوال الضعيفة التي جعلت من قهرها وضعفها أمرا عاديا ومقبولا، وعندما حاولت أن ترفض هذا الواقع أو ترفع صوتها لم تلق أي آذان مصغية، بل واجهت الاتهامات المتنوعة بفسادها وقلة دينها و"علمانيتها" و"نسويتها" ورغبتها في هدم الدين والأسرة والمجتمع.

ووضعت المرأة العربية والمسلمة بين خيارين: إما أن تقبل الأطروحات السائدة التي لا تعالج قضاياها المعاصرة ولا تقدم حلولا للتحديات التي تواجهها في الواقع، وبين مسار فكري متكامل براق، مستورد من بيئات مختلفة وسياقات غريبة تدعمه الجامعات والحكومات والمنظمات الغربية، سوّق لنجاحاته وإنجازاته باحترافية، وقدّم حلولا عملية قانونية فُرضت على الحكومات بالضغط السياسي وبالتمويل.

ورغم تعثر السياق الفكري كاملا في عالمنا المعاصر، وعدم استطاعة المجتمعات العربية والإسلامية تقديم رؤيتها تجاه التغيرات الهائلة التي حدثت في القرن الحديث، لا سيما أن الظروف السياسية وأنظمة الاستبداد كانت من أهم الكوابح التي أعاقت تطوير الأفكار وأجبرت المجتمعات على استيرادها، فإن قضايا النساء تملك خصوصية تميزها عن كامل القضايا الأخرى لكونها تؤثر على مجتمعاتنا بعمق، وكونها أصبحت الثغور المكشوفة التي يمكن أن يتسلل من خلالها الدخلاء مستغلين عدم وجود دفاعات متينة أو مناعة ذاتية.

لا يمكن مواجهة جاذبية الطرح النسوي وحلوله من دون تطوير قدرتنا على مواجهة الحجة بالحجة ومقارعة النظرية بالنظرية، وتوليد حلول ذاتية غير مستوردة، يعترف معها المجتمع بذكوره وإناثه بوجود مشكلة ويسعون معا لمعالجتها من جذورها، ومن دون وجود تيار نسائي وسطي، متصالح مع هويته، يستطيع التقريب بين النظرية والواقع، وتطبيقها عبر مشاريع وقوانين وأنظمة وهيئات وجمعيات نافذة يمكن من خلالها تحقيق تغيير حقيقي مؤثر يحسن واقع المرأة في مجتمعاتنا ويدفعه نحو الأمام.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قضایا النساء العدید من من دون

إقرأ أيضاً:

«دبي لرعاية النساء »: 2024 عام استثنائي

دبي: «الخليج» 
أكدت شيخة سعيد المنصوري، مدير عام مؤسسة «دبي لرعاية النساء والأطفال» بالإنابة أن عام 2024 كان عاماً استثنائياً حافلاً بالإنجازاتِ التي ترجمت طموحات «أجندة دبي الاجتماعية 33» إلى واقعٍ ملموس.
وقالت: «نحنُ فخورون بتنظيم الاجتماع التشاوري لخطوط مساندة الطفل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تحت شعار «لكل طفل صوت»، حيث جمع الاجتماع أكثر من سبعين ممثلاً ومسؤولاً حكومياً، بهدف تعزيز الحوار وتبادل الخبرات لتطوير أفضل الممارسات في حماية حقوق الأطفال وضمان وصول أصواتهم إلى الجهات المعنية كما أطلقنا ملتقى «التربية وتحديات العصر» تحت شعار «لبناء أجيال الغد»، والذي ركز على تقديم أساليب التربية الحديثة لدعم الوالدية الإيجابية ورسم خارطة طريق لأسس التربية لتعزيز بناء مجتمع آمن ومستدام.
وأشارت إلى أهمية دعم المرأة من خلال مبادرات متنوعة، قائلة: «نظمنا بطولة البادل تحت شعار (نحن لها سند)، ضمن فعاليات الحملة البرتقالية العالمية، هذه الفعالية التي شارك فيها أكثر من 200 شخص، كانت رسالة مجتمعية مهمة لرفع الوعي بقضايا المرأة وتعزيز دورها»، مؤكدة أن المؤسسة لم تكتفِ بهذا الحد، بل استمرت في تقديم برامج مبتكرة مثل برنامج «العلاج النفسي» بمساعدة الحيوانات الأليفة، الذي حقق نجاحاً باهراً منذ إطلاقه، حيث استفاد منه 255 مستفيداً وتم تدريب 30 مختصاً لدعمه».
وفي ما يتعلق بتعزيز القيم الأسرية، قالت: «أطلقنا برنامج «الأسرة الإيجابية» الذي يهدف إلى تعزيز الحوار الأسري وترسيخ القيم العائلية، كما شمل البرنامج دليلاً شاملاً للوالدية الإيجابية وورش عمل تطبيقية هدفت إلى تمكين الأفراد وتعزيز التماسك الأسري».
كما تم إطلاق حملات مبتكرة مثل «اللطف يجعلنا أقوى» و«طفولتهم ليست محتوى للشهرة»، مشددة على أن هذه المبادرات تهدف إلى حماية الأطفال من السلوكيات السلبية والمخاطر الرقمية من خلال تعزيز الوعي بأهمية الحماية الإلكترونية
وفي إطار الجهود الرامية لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، أوضحت المنصوري قائلةً: «قدمنا حملة «نتعهد لأجلكم» بالتعاون مع الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب ضمن حملة تسوية أوضاع المخالفين، حيث استهدفنا النساء الأكثر عرضة لهذه الجريمة، كما نظمنا عدداً من المحاضرات الافتراضية بالتعاون مع وزارة الموارد البشرية والتوطين وبدعم من «يو بي أس» تناولت سبل الوقاية من الاستغلال والاتجار بالبشر مستهدفة، 43 مركز واستفاد منها أكثر من 1200 شخص من فئة العمالة المُساعدة.
وفي ما يخص التكريمات التي حصلت عليها المؤسسة، أعربت عن فخرها قائلة: «نحن فخورون بحصولنا على جوائز مرموقة مثل 'جائزة حسن ويراجودا للحماية 2023' من وزارة الخارجية الإندونيسية، وجائزة النيابة العامة للتميز، هذه الجوائز تعكس ريادتنا في مجال دعم النساء والأطفال». كما أكدت على أهمية الحضور الدولي للمؤسسة بقولها: «شاركت المؤسسة في الجلسة الثامنة عشرة للجمعية العامة لبرلمان البحر الأبيض المتوسط بمؤتمر البرتغال الدولي، حيث استعرضنا تجاربنا الرائدة في حماية ودعم الضحايا»،
وأضافت: إن التواصل المجتمعي كان جزءاً أساسياً من نجاحات المؤسسة هذا العام، إذ تم إطلاق قناة «برودكاست وعي» وحساباً على منصة تيك لتوسيع نطاق الوعي لكافة فئات المجتمع فضلاً عن تنظيم ورش عمل افتراضية تناولت موضوعات مهمة مثل مكافحة التنمر الإلكتروني وورشة «أدرك قيمتك» وورشة «لا تستهن بوجودك» التي تسلِّط الضوء على أهمية دور الأب في حياة الأبناء.
وعن الفعاليات المجتمعية الأخرى التي نظمتها المؤسسة، قالت: «شهد عام 2024 تنظيم فعاليات متنوعة مثل «اللطف يجعلنا أقوى» وجلسات قرائية لقصة «قلم الرصاص الذي اكتشف نفسه»، التي استفاد منها أكثر من 1000 طفل، كما نظمت المؤسسة ورشاً توعوية لتعزيز القيم الأسرية الإيجابية، استفاد منها أكثر من 960 شخصاً».
واختتمت شيخة المنصوري تصريحاتها بالإشارة إلى الشراكات الدولية والمحلية التي عززت مكانة المؤسسة، قائلة: «استقبلنا 24 وفداً من القنصليات والهيئات الدولية مثل القنصلية الأمريكية والقنصلية الإندونيسية ومكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة»، منوهة أن هذه الزيارات ليست فقط لتعزيز التعاون، ولكن أيضاً لتبادل أفضل الممارسات والخبرات، كما أكدت في ختام حديثها قائلة: «نحن ملتزمون بمواصلة جهودنا لتحقيق مجتمع أكثر أماناً ودعم رؤية دبي في تعزيز حماية النساء والأطفال من خلال تطوير برامجنا ومبادراتنا وفق أعلى المعايير الدولية وسنظل نبذل قصارى جهدنا لنكون صوتاً لكل طفل وامرأة».

مقالات مشابهة

  • بينهن محاميته العراقية.. تعرف على النساء المؤثرات في حياة ترامب
  • ضبط قضايا اتجار في العملة بـ9 ملايين جنيه خلال 24 ساعة
  • وزارة الداخلية تكشف قضايا غسل أموال بقيمة 85 مليون جنيه
  • ضبط قضايا إتجار فى العملة بقيمة 9 ملايين جنيه
  • إيران تتريث بتطبيق قواعد اللباس الإسلامي الصارمة على النساء
  • محاولات لإشراكها في الحكومة... كيف يكتمل المشهد السياسي من دون المرأة؟
  • «التوطين»: 27.5 % نمواً في شركات «الخاص»
  • «دبي لرعاية النساء »: 2024 عام استثنائي
  • ضبط 6 قضايا دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء
  • أبو شوصاء يكرم خريجات البرامج التدريبية بمركز القيادات النسوية بوزارة الشباب