في الدولة وضرورتها.. عزمي بشارة أنموذجا
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
لا يكتفي د. عزمي بشارة في كتابه الجديد "مسألة الدولة: أطروحة في الفلسفة والنظرية والسياقات" الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2023، بتناول النقد الذي وجه إلى المفاهيم السابقة للدولة من منظور الفلسفة الأخلاقية والسياسية وعلم السياسة، ولا يكتفي أيضا بمراجعة السرديات المختلفة لنشوء الدول، بل يقوم بتقديم رؤية حول فلسفة الدولة من منظور نقدي إنساني، تأخذ بعين الاعتبار التوتر القائم بين المفهوم والواقع، لا سيما واقع البلدان العربية.
الدافع الأساسي لهذا الكتاب يكمن في أمرين رئيسيين، الأول الإسهام في بلورة مفهوم الدولة وبحث قضاياها الرئيسية، والثاني أن موضوع الدولة حاسما بالنسبة إلى الانتقال الديمقراطي، لأنه لا يمكن الوصول إلى تعددية ديمقراطية في ظل شروخ اجتماعية عميقة تجعل الدولة هشة وغير قادرة على إنشاء نظام ديمقراطي تعددي.
النقطة الرئيسية التي ينطلق منها الكتاب هي ضرورة تعديل التعريفات الرائجة للدولة، وذلك بالاستقراء من واقع الدول، حتى لا تكون الدولة كمفهوم، مجرد فعل تنظيري منفصل عن الواقع، فالدولة مفهوم، وهذا صحيح بمعنى أنها توجد في التصور، لكن الدول موجودة بالتأكيد، ففي الواقع توجد مؤسسات، وهي كيانات واقعية.
الدولة الحديثة هي نتاج صيرورة تمايزات في وظائف السلطة ومؤسساتها، لكن هذه التمايزات كانت موجودة قبل تشكل الدولة بوصفها كيانا قائما بذاته، ويتصوره السكان بوصفه شاملا للحاكمين والمحكومين معا، وهذه التمايزات هي نتاج صيرورة تفاعل نظم الحكم وآليات السيطرة مع تطور المجتمعات.
لا يمكن فهم الدولة المعاصرة من دون مكون المواطنة الذي أصبح الوجه الآخر للسيادة، ففهم السيادة على أنها السلطة العليا على إقليم وسكانه لم يعد كافيا، كما أن مصطلحات غامضة مثل سيادة الشعب، لا تفي بالغرض، لأنها لا تدخل في تعريف الدولة، بل في التأسيس لطبيعة نظام الحكم.ولذلك ينبهنا د. بشارة إلى مسألة عدم الخوض في الدلالات الأصلية للفظ دولة في اللغة العربية والتي تفيد التغيير والتبدل، والمشتق من دال ويدول، ومقارنتها مع دلالة مفردة STATE التي تعني السكون والاستقرار، لأن الاختلاف في معاني الألفاظ لا يفسر الفرق بين حال الدول العربية والدول الأوروبية.
أيضا، لم تعد تداعيات كلمة "دولة" العربية تثير معاني التغيير والتبدل في أذهاننا، بل العكس تماما، حيث انقلبت الدلالة إلى عكسها.
وينطبق الأمر على دلالة اللفظ باللغة الإنكليزية، فقد كان لفظ STATE يعني في الأصل حالة أو وضعا، وكلمات مثل مكانة STATUS، وطبقة اجتماعية وإقطاعة ESTATE مشتقة منها، وقد تحول لفظ STATE ليعني دولة، إذ مر عبر STATUS، وهو اللفظ الذي ميز مكانة الحكام من المحكومين، ولا شيء هنا يشبه بالسكون والرسوخ.
السيادة
تُعرف الدولة الحديثة وفق فرضية الكتاب بالسيادة، أي الحق الحصري في التشريع والولاية القضائية على إقليم ترابي محدد سياسيا، ويتطلب ذلك بالضرورة احتكار الاستخدام الشرعي للعنف، كما يتطلب وجود جهاز بيروقراطي يدير الحكم والشؤون العمومية.
لكن هذه الخواص غير كافية لتعريف الدولة الحديثة وتمييزها عن نظم الدول القديمة، فإذا كان الحق الحصري في التشريع والاستخدام الشرعي للعنف هي سمات موجودة في الدولة القديمة وإن بدرجات، فإن ما يميز الدولة الحديثة هو المواطنة باعتبارها تجسيدا للسيادة.
وعند هذه النقطة يجري التمييز الجوهري بين الدولة والسلطة، فمن دون انتقال المحكومين إلى مواطنين لا يمكن الحديث عن الدولة، وإذا لم يحدث هذا الانتقال فسيبقى الوضع قائما بين رعية وسلطة حاكمة، لا دولة.
لا يمكن فهم الدولة المعاصرة من دون مكون المواطنة الذي أصبح الوجه الآخر للسيادة، ففهم السيادة على أنها السلطة العليا على إقليم وسكانه لم يعد كافيا، كما أن مصطلحات غامضة مثل سيادة الشعب، لا تفي بالغرض، لأنها لا تدخل في تعريف الدولة، بل في التأسيس لطبيعة نظام الحكم.
أيضا، ليست الديمقراطية شرطا للمواطنة، فالمواطنة هي وضعية الفرد القانونية في الدولة الحديثة، لكن المواطنة شرط الديمقراطية، وبهذا يعني بشارة بالمواطنة العضوية في الدولة والمساواة القانونية في المكانة، وهي لا تفترض المساواة الاجتماعية ولا الديمقراطية، ولا حيوية المجال العمومي، لكنها تضع الدول على مسار يقود إليها إذا توافرت الظروف والقوى الاجتماعية والسياسية التي تناضل لتحقيق هذه الأهداف.
يميز بشارة بسين شرعية الدولة (الحديثة) وشرعية الحكام، لا لأن ذلك من المسلمات، ولا لأنه يعكس الواقع في كل زمان ومكان، وهذا ليس صحيحا، بل لأسباب أربعة:
1ـ إن التمايز بين شخص الحاكم وجهز الحكم هو من مقدمات الدولة الحديثة.
2ـ إمكانية التمييز بينهما قائمة نظريا في مفهوم الدولة الحديثة ذاته.
3ـ من المفروض أن يميز الفاعلون السياسيون والاجتماعيون بين نظام الحكم الدولة إذا كان هدفهم تغيير نظام الحكم من دون المس بالدولة.
4ـ أصبح لدى المجتمع توقعات من السلطة تختلف عن توقعاته من الدولة.
كانت واجبات الدولة، حين كان المقصود بها الحكام، قليلة وغير قائمة على توقعات أو الالتزام بتحقيق توقعات منها لدى المجتمع، أما السلطات الحاكمة في العصر الحديث، فتدخل في علاقة تفاعلية مع المجتمع ضمن إطار يجمعهما، هو الدولة، وعلى ذلك فثمة توقعات من الناس والتزامات أيضا.
دول العالم الثالث
لم تنشأ الدولة العربية ودول العالم الثالث نتيجة لعملية مبكرة وتدريجية لمركزة السلطان والعنف، وسابقة على تأسيس الدولة الحديثة، فقد نشأت الدولة العربية ودول العالم الثالث إثر عملية مركزة قامت بها قوى أجنبية محتلة أو وصية، وحين قامت الدولة الحديثة دفعة واحدة، كان ثمة مصادر أخرى تقليدية أهلية للتشريع وجماعات مسلحة داخل الدولة، وقد تعاونت الدولة الحديثة ذات الشرعية التقليدية مع هذه الجماعات المسلحة (قبائل وغيرها) في بداية نشوء الدولة (العراق، الأردن، السعودية، المغرب) قبل ان تصطدم بها.
في آسيا وإفريقيا، اللتين تشهدان حروبا أهلية متكررة منذ نهاية حقبة الاستعمار، تُسلم جميع القوى السياسية الفاعلة تقريبا، بأن لا بديل من الدولة الحديثة في تنظيم عملية حكم إقليم وسكان.
ليست الديمقراطية شرطا للمواطنة، فالمواطنة هي وضعية الفرد القانونية في الدولة الحديثة، لكن المواطنة شرط الديمقراطية، وبهذا يعني بشارة بالمواطنة العضوية في الدولة والمساواة القانونية في المكانة
هنا، يركز بشارة في حالة دول العالم الثالث، بما فيهم البلدان العربية، على خطورة غياب الدولة، وخطورة وهم الاستغناء عنها، ونتائج هذا الغياب المروعة لناحية الفوضى التي تظهر آفات المجتمع كما حدث في بلدان الربيع العربي منذ عام 2011، كما يركز بشارة أيضا على مسألة تأسيس القدرة على التمييز بين الدولة والحكام ونظام الحكم، وهذه مسألة مهمة للغاية لأنها متعلقة بالحفاظ على استقرار الدولة، على الرغم من تغيير النظام.
وقد أعطى بشارة في أكثر من مناسبة أمثلة على ذلك، منها أن إسرائيل أجرت خمس انتخابات خلال السنوات الخمس الماضية من دون أن تتأثر مؤسسات الدولة التي بقيت تقوم بعملها رغم عدم وجود سلطة عمليا، في حين أن الانتخابات في مصر وتونس على سبيل المثال أدتا إلى احتراب سياسي اجتماعي أخذ في لحظات معينة أبعادا عنفية.
يرتبط الإشكال في الحالة العربية حسب بشارة في عدة أمور: قضايا الشروخ الاجتماعية العامودية، وهن مؤسسات الدولة غير الأمنية، تحول النظام الرئاسي المستبد في بعض الحالات إلى نظام شبه سلطان، ضمور المواطنة لناحية كونها الصلة بين الدولة والفرد متضمنة الحقوق والواجبات، تآكل ثقافة الدولة بمعنى ضعف تصور وجود مصلحة عمومية تخدمها مؤسسات الدولة، قرن الأنظمة السلطوية الولاء للنظام السياسي القائم بالوطنية وعدم الولاء بالخيانة الوطنية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه كتابه الدولة العربي المفاهيم كتاب عرب دولة مفاهيم مقالات مقالات صحافة رياضة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة الحدیثة العالم الثالث القانونیة فی نظام الحکم فی الدولة بشارة فی لا یمکن من دون
إقرأ أيضاً:
وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي يبحثون الخطة العربية بشأن غزة في جدة
الرياض - يجتمع وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي الجمعة 7مارس2025، في مدينة جدة السعودية، لمناقشة خطة عربية لإعادة بناء غزة من دون تهجير الفلسطينيين اعتمدها القادة العرب الأسبوع الحالي في القاهرة لمواجهة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأثار ترامب ذهولا عندما اقترح الشهر الماضي سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإعادة بناء المناطق المدمّرة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد ترحيل السكان البالغ عددهم 2,4 مليون إلى مكان آخر، خصوصا مصر والأردن، من دون خطة لإعادتهم.
تبنّى القادة العرب خلال قمة طارئة في القاهرة الثلاثاء خطة طرحتها مصر لإعادة إعمار غزة تلحظ عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.
لكنّ وزارة الخارجية الأميركية قالت الخميس إن الخطة المصرية بشأن غزة "لا تلبّي تطلّعات" ترامب.
وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إن بلاده، وهي وسيط رئيسي في محادثات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ستسعى للحصول على دعم الدول الإسلامية لخطتها لإعادة إعمار غزة في قمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة "حتى تكون خطة عربية وخطة إسلامية".
وأفاد محللون وكالة فرانس برس بأن منظمة التعاون الإسلامي مستعدة لدعم الخطة العربية على نطاق واسع كبديل لاقتراح ترامب بالسيطرة على غزة.
ومن المتوقع أن تضيف القمة التي تجمع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي البالغ عددهم 57 دولة ثقلا إلى الخطة العربية، التي "تحتاج مصر إلى دعم واسع النطاق لها"، بحسب الخبيرة في مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة رابحة سيف علام.
وقالت إنّ القمة تهدف "لمحاولة بناء تحالف موسع يرفض التهجير"، مضيفة أن الدعم الواسع أمر بالغ الأهمية للترويج لمثل هذا الحل أمام "الأميركيين والمجتمع الدولي".
وحدّت خطة ترامب الدول العربية في شكل نادر، حيث استضافت السعودية أيضًا زعماء عرب قبل أسبوعين لمناقشة البدائل.
وأشار عمر كريم، الخبير في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنغهام البريطانية إلى أنّ اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في جدة سيعمل على "تأكيد أوراق اعتماد القيادة السعودية" و"الإشارة بشكل أكبر إلى الوحدة داخل العالم الإسلامي".
وأضاف "ستكون الدول الإسلامية الأكبر مثل إندونيسيا وتركيا وإيران حاضرة هناك، وسيضيف تأييدها المزيد إلى الخطة العربية".
كذلك، أعلن القادة العرب في القاهرة إنشاء صندوق ائتماني لتمويل إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته الحرب، وحضوا المجتمع الدولي على المشاركة فيه لتسريع هذه العملية.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، التقى قادة عرب ومسلمون في الرياض وطالبوا إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة كشرط مسبق للسلام الإقليمي، في حين أدانوا الجرائم الإسرائيلية "المروعة" في غزة التي مزقتها الحرب.
Your browser does not support the video tag.