عربي21:
2024-06-29@12:48:59 GMT

في الدولة وضرورتها.. عزمي بشارة أنموذجا

تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT

لا يكتفي د. عزمي بشارة في كتابه الجديد "مسألة الدولة: أطروحة في الفلسفة والنظرية والسياقات" الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2023، بتناول النقد الذي وجه إلى المفاهيم السابقة للدولة من منظور الفلسفة الأخلاقية والسياسية وعلم السياسة، ولا يكتفي أيضا بمراجعة السرديات المختلفة لنشوء الدول، بل يقوم بتقديم رؤية حول فلسفة الدولة من منظور نقدي إنساني، تأخذ بعين الاعتبار التوتر القائم بين المفهوم والواقع، لا سيما واقع البلدان العربية.



الدافع الأساسي لهذا الكتاب يكمن في أمرين رئيسيين، الأول الإسهام في بلورة مفهوم الدولة وبحث قضاياها الرئيسية، والثاني أن موضوع الدولة حاسما بالنسبة إلى الانتقال الديمقراطي، لأنه لا يمكن الوصول إلى تعددية ديمقراطية في ظل شروخ اجتماعية عميقة تجعل الدولة هشة وغير قادرة على إنشاء نظام ديمقراطي تعددي.

النقطة الرئيسية التي ينطلق منها الكتاب هي ضرورة تعديل التعريفات الرائجة للدولة، وذلك بالاستقراء من واقع الدول، حتى لا تكون الدولة كمفهوم، مجرد فعل تنظيري منفصل عن الواقع، فالدولة مفهوم، وهذا صحيح بمعنى أنها توجد في التصور، لكن الدول موجودة بالتأكيد، ففي الواقع توجد مؤسسات، وهي كيانات واقعية.

الدولة الحديثة هي نتاج صيرورة تمايزات في وظائف السلطة ومؤسساتها، لكن هذه التمايزات كانت موجودة قبل تشكل الدولة بوصفها كيانا قائما بذاته، ويتصوره السكان بوصفه شاملا للحاكمين والمحكومين معا، وهذه التمايزات هي نتاج صيرورة تفاعل نظم الحكم وآليات السيطرة مع تطور المجتمعات.

لا يمكن فهم الدولة المعاصرة من دون مكون المواطنة الذي أصبح الوجه الآخر للسيادة، ففهم السيادة على أنها السلطة العليا على إقليم وسكانه لم يعد كافيا، كما أن مصطلحات غامضة مثل سيادة الشعب، لا تفي بالغرض، لأنها لا تدخل في تعريف الدولة، بل في التأسيس لطبيعة نظام الحكم.ولذلك ينبهنا د. بشارة إلى مسألة عدم الخوض في الدلالات الأصلية للفظ دولة في اللغة العربية والتي تفيد التغيير والتبدل، والمشتق من دال ويدول، ومقارنتها مع دلالة مفردة STATE التي تعني السكون والاستقرار، لأن الاختلاف في معاني الألفاظ لا يفسر الفرق بين حال الدول العربية والدول الأوروبية.

أيضا، لم تعد تداعيات كلمة "دولة" العربية تثير معاني التغيير والتبدل في أذهاننا، بل العكس تماما، حيث انقلبت الدلالة إلى عكسها.

وينطبق الأمر على دلالة اللفظ باللغة الإنكليزية، فقد كان لفظ STATE يعني في الأصل حالة أو وضعا، وكلمات مثل مكانة STATUS، وطبقة اجتماعية وإقطاعة ESTATE مشتقة منها، وقد تحول لفظ STATE ليعني دولة، إذ مر عبر STATUS، وهو اللفظ الذي ميز مكانة الحكام من المحكومين، ولا شيء هنا يشبه بالسكون والرسوخ.

السيادة

تُعرف الدولة الحديثة وفق فرضية الكتاب بالسيادة، أي الحق الحصري في التشريع والولاية القضائية على إقليم ترابي محدد سياسيا، ويتطلب ذلك بالضرورة احتكار الاستخدام الشرعي للعنف، كما يتطلب وجود جهاز بيروقراطي يدير الحكم والشؤون العمومية.

لكن هذه الخواص غير كافية لتعريف الدولة الحديثة وتمييزها عن نظم الدول القديمة، فإذا كان الحق الحصري في التشريع والاستخدام الشرعي للعنف هي سمات موجودة في الدولة القديمة وإن بدرجات، فإن ما يميز الدولة الحديثة هو المواطنة باعتبارها تجسيدا للسيادة.

وعند هذه النقطة يجري التمييز الجوهري بين الدولة والسلطة، فمن دون انتقال المحكومين إلى مواطنين لا يمكن الحديث عن الدولة، وإذا لم يحدث هذا الانتقال فسيبقى الوضع قائما بين رعية وسلطة حاكمة، لا دولة.

لا يمكن فهم الدولة المعاصرة من دون مكون المواطنة الذي أصبح الوجه الآخر للسيادة، ففهم السيادة على أنها السلطة العليا على إقليم وسكانه لم يعد كافيا، كما أن مصطلحات غامضة مثل سيادة الشعب، لا تفي بالغرض، لأنها لا تدخل في تعريف الدولة، بل في التأسيس لطبيعة نظام الحكم.

أيضا، ليست الديمقراطية شرطا للمواطنة، فالمواطنة هي وضعية الفرد القانونية في الدولة الحديثة، لكن المواطنة شرط الديمقراطية، وبهذا يعني بشارة بالمواطنة العضوية في الدولة والمساواة القانونية في المكانة، وهي لا تفترض المساواة الاجتماعية ولا الديمقراطية، ولا حيوية المجال العمومي، لكنها تضع الدول على مسار يقود إليها إذا توافرت الظروف والقوى الاجتماعية والسياسية التي تناضل لتحقيق هذه الأهداف.

يميز بشارة بسين شرعية الدولة (الحديثة) وشرعية الحكام، لا لأن ذلك من المسلمات، ولا لأنه يعكس الواقع في كل زمان ومكان، وهذا ليس صحيحا، بل لأسباب أربعة:

1ـ إن التمايز بين شخص الحاكم وجهز الحكم هو من مقدمات الدولة الحديثة.

2ـ إمكانية التمييز بينهما قائمة نظريا في مفهوم الدولة الحديثة ذاته.

3ـ من المفروض أن يميز الفاعلون السياسيون والاجتماعيون بين نظام الحكم الدولة إذا كان هدفهم تغيير نظام الحكم من دون المس بالدولة.

4ـ أصبح لدى المجتمع توقعات من السلطة تختلف عن توقعاته من الدولة.

كانت واجبات الدولة، حين كان المقصود بها الحكام، قليلة وغير قائمة على توقعات أو الالتزام بتحقيق توقعات منها لدى المجتمع، أما السلطات الحاكمة في العصر الحديث، فتدخل في علاقة تفاعلية مع المجتمع ضمن إطار يجمعهما، هو الدولة، وعلى ذلك فثمة توقعات من الناس والتزامات أيضا.

دول العالم الثالث

لم تنشأ الدولة العربية ودول العالم الثالث نتيجة لعملية مبكرة وتدريجية لمركزة السلطان والعنف، وسابقة على تأسيس الدولة الحديثة، فقد نشأت الدولة العربية ودول العالم الثالث إثر عملية مركزة قامت بها قوى أجنبية محتلة أو وصية، وحين قامت الدولة الحديثة دفعة واحدة، كان ثمة مصادر أخرى تقليدية أهلية للتشريع وجماعات مسلحة داخل الدولة، وقد تعاونت الدولة الحديثة ذات الشرعية التقليدية مع هذه الجماعات المسلحة (قبائل وغيرها) في بداية نشوء الدولة (العراق، الأردن، السعودية، المغرب) قبل ان تصطدم بها.

في آسيا وإفريقيا، اللتين تشهدان حروبا أهلية متكررة منذ نهاية حقبة الاستعمار، تُسلم جميع القوى السياسية الفاعلة تقريبا، بأن لا بديل من الدولة الحديثة في تنظيم عملية حكم إقليم وسكان.

ليست الديمقراطية شرطا للمواطنة، فالمواطنة هي وضعية الفرد القانونية في الدولة الحديثة، لكن المواطنة شرط الديمقراطية، وبهذا يعني بشارة بالمواطنة العضوية في الدولة والمساواة القانونية في المكانة
هنا، يركز بشارة في حالة دول العالم الثالث، بما فيهم البلدان العربية، على خطورة غياب الدولة، وخطورة وهم الاستغناء عنها، ونتائج هذا الغياب المروعة لناحية الفوضى التي تظهر آفات المجتمع كما حدث في بلدان الربيع العربي منذ عام 2011، كما يركز بشارة أيضا على مسألة تأسيس القدرة على التمييز بين الدولة والحكام ونظام الحكم، وهذه مسألة مهمة للغاية لأنها متعلقة بالحفاظ على استقرار الدولة، على الرغم من تغيير النظام.

وقد أعطى بشارة في أكثر من مناسبة أمثلة على ذلك، منها أن إسرائيل أجرت خمس انتخابات خلال السنوات الخمس الماضية من دون أن تتأثر مؤسسات الدولة التي بقيت تقوم بعملها رغم عدم وجود سلطة عمليا، في حين أن الانتخابات في مصر وتونس على سبيل المثال أدتا إلى احتراب سياسي اجتماعي أخذ في لحظات معينة أبعادا عنفية.

يرتبط الإشكال في الحالة العربية حسب بشارة في عدة أمور: قضايا الشروخ الاجتماعية العامودية، وهن مؤسسات الدولة غير الأمنية، تحول النظام الرئاسي المستبد في بعض الحالات إلى نظام شبه سلطان، ضمور المواطنة لناحية كونها الصلة بين الدولة والفرد متضمنة الحقوق والواجبات، تآكل ثقافة الدولة بمعنى ضعف تصور وجود مصلحة عمومية تخدمها مؤسسات الدولة، قرن الأنظمة السلطوية الولاء للنظام السياسي القائم بالوطنية وعدم الولاء بالخيانة الوطنية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه كتابه الدولة العربي المفاهيم كتاب عرب دولة مفاهيم مقالات مقالات صحافة رياضة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة الحدیثة العالم الثالث القانونیة فی نظام الحکم فی الدولة بشارة فی لا یمکن من دون

إقرأ أيضاً:

الجامعة العربية تتراجع عن تصنيف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية

أعلنت جامعة الدول العربية، السبت، تراجعها عن وصف حزب الله اللبناني بأنه "منظمة إرهابية" بعد 8 سنوات من إعلان الجامعة هذا التصنيف، وذلك في ظل تواصل القصف المتبادل بين الحزب وجيش الاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة.

وقال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي في تصريحات متلفزة غداة اختتام زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، إن "في قرارات الجامعة العربية، (سابقا) كان هناك تسمية لحزب الله أنه إرهابي وكان موجود ذلك في القرارات وكان التواصل معه منقطعا تأسيسا على هذه القرارات".

وأضاف أن "الدول الأعضاء في الجامعة توافقت أن هذه الصيغة (حزب الله منظمة إرهابية) لا تستخدم فهذا فتح الطريق أمامنا لأن نتواصل"، في إشارة للقاء مسؤولين بحزب الله خلال تلك الزيارة، دون كشف تفاصيل بشأن ذلك التوافق، حسب وكالة الأناضول.


وأرجع زكي  ذلك إلى "اعتبار أن هذه التسمية لم تعد موجودة"، مؤكدا أن "الجامعة العربية ليس لديها قوائم إرهابية وليس هناك جهدا مبذولا منها لتسمية كيانات في هذا الاتجاه".

وفي 11 آذار /مارس 2016، أعلنت جامعة الدول العربية تصنيف حزب الله "منظمة إرهابية"، مطالبة إياه بـ"التوقف عن نشر التطرف والطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم تقديم أي دعم للإرهاب والإرهابيين في محيطه الإقليمي".

وجاء التصنيف بعد أيام وقتها من تصنيف دول مجلس التعاون الخليجي في الشهر ذاته حزب الله اللبناني منظمة إرهابية.

وتأتي تصريحات زكي على وقع تصاعد التحذيرات الدولية من مغبة اندلاع حرب شاملة بين الاحتلال وحزب الله. وقبل أيام شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على أن "العالم لا يتحمل تحول لبنان إلى غزة أخرى"، معربا عن قلقه العميق إزاء التوترات المتصاعدة جنوب لبنان.

والجمعة، ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية أن زكي الذي وصل إلى بيروت، التقى رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة لحزب الله، النائب محمد رعد، وهو الاتصال الأول بين الجامعة العربية و"حزب الله" منذ أكثر من 10 سنوات، وفقا لصحيفة الأخبار اللبنانية.


وأجرى زكي في زيارة بدأها الثلاثاء "عددا من اللقاءات مع كل من رئيس مجلس النواب، نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، وقائد الجيش ومشاورات مع القيادات السياسية والبرلمانية شملت مختلف مكونات الطيف السياسي اللبناني"، وفقا لبيان صادر عن جامعة الدول العربية.

وبحثت اللقاءات "احتواء التصعيد الدائر في جنوب لبنان مع إسرائيل، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية بقطاع غزة، وإنهاء الشغور الرئاسي اللبناني الممتد منذ أكثر من 19 شهرا".

ومنذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تتواصل المواجهات على الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة بين الاحتلال من جهة وحزب الله وفصائل فلسطينية من جهة أخرى بوتيرة يومية، تزامنا مع العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • جامعة الدول العربية: لم نعد نصنف حزب الله منظمة إرهابية
  • الجامعة العربية تتراجع عن تصنيف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية
  • إصلاح نظام معلومات تأشيرة شنغن بهذه الدولة
  • برلماني: "30 يونيو" نقلت مصر إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة
  • قطاع الزراعة ثاني مصادر النقد الأجنبي ويمثل 15% من الناتج المحلي (فيديو)
  • «خزانة الكُتب» تعرض الإصدارات الحديثة لمركز أبوظبي للغة العربية
  • تطبيع الإعلام تطويع للسياسة!!
  • «برلماني»: ثورة 30 يونيو وضعت أسس الدولة المدنية الحديثة
  • "فاينانشال تايمز": إسرائيل تشارك في مفاوضات لتسليم أنظمة "باتريوت" إلى نظام كييف
  • «الشارقة للتراث» يُنظم النسخة الـ 17 من «بشارة القيظ»