٢٦ سبتمبر نت:
2024-12-26@02:19:22 GMT

المولد النبوي..محطة مهمة لتقييم أعمالنا

تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT

المولد النبوي..محطة مهمة لتقييم أعمالنا

تطل علينا ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل عام في 12 شهر ربيع الأول لتذكر كل المسلمين بنبيهم الكريم الذي حمل على عاتقه أعظم وأشرف رسالة عرفها التاريخ البشري والتي كانت فاتحة خير لعهد جديد تحول فيها الإنسان من كائن ضعيف مستعبد إلى رجل قوي مستخلف تعتز بحريته وكرامته.

هذه الذكرى الخالدة في ذاكرة الأمة الإسلامية هي قيمة عظيمة نستلهم منها الموجبات للأعمال الطيبة لذلك يجب ألا تمر مرور الكرام وأن لا يكتفي المسلمين بمجرد الفرحة والاحتفال بها وهو الأمر الذي أصبح روتينياً يتكرر كل عام , بل يجب أن تُعطى هذه الذكرى المزيد من الاهتمام وأن تكون محطة سنوية يقف عندها المسلمون جميعاً ليتزودوا بها من معين صاحبها الوقود اللازم لانطلاقتهم المنشودة إلى الأمام محققين لأمتهم المجد والقوة والعدالة والعلم والمعرفة في كل مجالات الحياة وليعودوا إلى سابق عهدهم في تربع عرش الصدارة والقيادة والمجد بين الأمم ولذا فإن الاحتفاء والاحتفال بهذه المناسبة الكريمة يجب أن يكون ملهماً وموحياً وإيجابياً ومن المخجل جداً أن نحتفل بهذه الذكرى العزيزة على كل يمني وقلوبنا يملؤها الحقد والكراهية والبغضاء ضد بعضنا بعضاً , وكل فريق منا يضمر الشر للفريق الآخر ويتحين الفرصة تلو الأخرى للانقضاض على الآخر والقضاء عليه .

.

فلا تستقيم الامور أن نحتفي بسلامة الموقف الإنساني الا يماني لمولد سيد الخلق مع روح التسامح والتآزر والتلاحم وإنه لأمر عجيب أن نحتفل بذكرى من ألف بين القلوب وجمع بين النفوس ونشر التسامح والمحبة والعدالة والسلام ونحن نجري وراء المصلحة الشخصية ونعمل على إذكاء نار الفرقة والتشرذم والخصام فيما بيننا خدمة لأجندة الأعداء والمستعمرين الذين يحتلون أجزاء من يمننا الحبيب وما يدمي القلوب أن نرى من إخواننا اليمنين المرتزقة يقفون مع المحتل الذين في بلدانهم يدنسون كتاب الله ويحرقونه والقدس تأن من دنس الاحتلال ..  ما بالناء يقاومنا بالداخل قلوبنا متناحرة ونفوسنا متباعدة لا يجمعنا حبٌ ,بل البغضاء والغوغاء , نصفق للأعداء ونهتف باسمه ونحب الفتن والفرقة وتمزيق النسيج الاجتماعي وتقسيم اليمن ونشجع على استمرار الحرب ونقتل السلام .. وبعد هذا كله كلنا نحن اليمنيين أحزاباً وجماعات ومكونات ومذاهب وفرقاً تجمعنا هذه الذكرى العظيمة ويجمعنا اليمن الذي نرتزق من الأعداء على حسابه.. إنه لتناقض كبير !!

إذا كنا نريد حقاً أن نعطي هذه الذكرى الخالدة حقها في التكريم والتبجيل علينا قبل الاحتفاء بها أن نراجع حساباتنا ومواقفنا وأين تكون مصلحة الوطن في توجهاتنا واعمالنا لذى يجب أن نصفي قلوبنا من الأحقاد والضغائن والكراهية والبغضاء ونطهر السنتنا من كل أشكال الرياء والنفاق والكذب والبهتان , ونعود أقلامنا على الحق والحقيقة والصدق والفضيلة ونبعدها تماماً عن تقديس الأشخاص وتأليه الأشخاص والحكام وتبرير الجريمة والظلم والطغيان والعدوان الغاشم ..

إذا كنا نريد أن نعطي هذه الذكرى الاحتفائية زخماً فعلينا أن نجعلها محطة مهمة لتقييم أعمالنا ومحاسبة أنفسنا على ما بدر منا من أعمال وأفعال , وأن نجعلها فرصة للعودة للصواب والتصالح والتسامح فيما بينا وبداية حقيقية الفتح صفحة بيضاء للتعامل فيما بيننا تعاملاً إيجابياً بناءً خالياً من كل أشكال الرياء والنفاق وأن نحب بعضنا بعضاً حباً صادقاً نقياً لا تشوبه شائبة ينبع من القلب لا من أجل مال أو مصلحة شخصية , بل من أجل الأخوة والفضيلة والقيم والأخلاق .. يصير فينا طبعاً لا تطبعاً , وحين يسود هذا الحب بيننا نحن اليمنيين ستتحقق المصلحة العامة والمنفعة الشاملة والخير الدائم لشعب بأجمعه ووطن بأكمله .. ولأن صاحبها سيد المرسلين الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين خصنا من بين المسلمين جميعاً بالكثير من المزايا والتي منها الحكمة والإيمان ورقة القلوب ولين الأفئدة والقوة والشكيمة لذلك فإن هذه الذكرى تقتضي منا نحن اليمنيين أكثر من غيرنا أن نكون عند حسن ظن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم بنا وأن نتمثل بما وصفنا به  قولاً وعملاً سلوكاً وممارسة .. علينا أن نجرد عقولنا من القساوة ولتصبح لينة نتقبل الآخر ونحترم رأيه , ونكره الشر والتدخلات الخارجية في السيادة والقرار الوطني .. وان نبغض ونواجه العدوان , ونحب الخير , وعلينا أن نرقق قلوبنا وأن نجعلها واسعة رحبة تفيض بالتسامح والمودة والرحمة , وأن نفعل الحكمة في كل قراراتنا ومواقفنا وقضايانا وأن نكون مؤمنين حقاً ظاهراً وباطناً ..

إن هذه الذكرى تقتضي من السياسيين أن يفوا بالعهود وأن ينفذوا التزاماتهم الوطنية تنفيذاً صادقاً برغبة وإخلاص وأن ينسوا خلافاتهم وأن يحبوا هذا الوطن من أعماق قلوبهم وأن يظهروا علامات هذا الحب في أفعالهم وأعماقهم ..

وتقتضي هذه الذكرى من الإعلاميين وغيرهم من أرباب الكلمة أن يدا فعوا عن صاحبها صلى الله عليه وآله وسلم ويدحضوا افتراءات الأعداء الغربيين والكتاب الحاقدين ببيان أخلاقه وشمائله الكريمة وسيرته الطاهرة النقية الساطعة التي لا يستطيع أن ينكرها إلا جاحد .. فهذا واجبهم الذي ينتظرهم .. عليهم أن يصدقوا الناس فيما يقولون وأن يؤدوا رسالتهم الإعلامية بصدق وإخلاص , فالكلمة أمانة , والأمانة تستوجب الوفاء بها وأن يكون الاحتفال بالقيم النبيلة وبالخيرات ألتي تعم النفوس والسلام الاجتماعي لأن هذه واحدة من التعاليم السمحاء فان الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ظل يبحث على الخير وعلى العطاء وعلى السلام مع النفس والسلام مع المجتمع .. وهذه هي فحوى رسالة الإسلام المحبة والاستقرار والتعايش الإيجابي الإنساني بين الأمم والشعوب اللهم أجز عنا سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله خير ما جازيت نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه .. اللهم يارب محمد وآل محمد صل على محمد وعلى آل محمد واجز محمداً ما هو أهله يا أكرم الأكرمين . نتابع القراءة بإذن الله سبحانه وتعالى

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: صلى الله علیه هذه الذکرى

إقرأ أيضاً:

الذكرى السابعة والعشرون لرحيل الجاوي.. سيرة التكوين ومنجز الشاعر 

 

محمد عبدالوهاب الشيباني

بين مولد عمر عبد الله السقاف (عمر الجاوي) في قرية الوهط، التابعة للسلطنة العبدلية في لحج، في العام 1938، وبين سفره ضمن بعثة طلابية للاتحاد اليمني في العام 1954 إلى القاهرة ضمت خمسة طلاب من قرية واحدة سيكون لأكثرهم شأن في تاريخ اليمن المعاصر في الشمال والجنوب، وهم: أبو بكر السقاف، ومحمد جعفر زين السقاف، وعمر الجاوي، ومحمد عمر إسكندر السقاف، وعلي عيدروس السقاف؛ تقتضي المقاربة الإشارة إلى التأثيرات المبكرة الثقافية والسياسية في وعي الطفل الذي بالكاد يقف على عتبة العاشرة من عمره وهو يتلقى تعليمًا نظاميًا حديثًا في عاصمة السلطنة العبدلية، مدينة الحوطة، وتحديدًا في المدرسة المحسنية العبدلية التي أسسها الأمير محسن بن فضل شقيق السلطان عبد الكريم فضل، واستقدم لها المناهج والمعلمين من مصر والسودان والعراق، وتخرَّج منها رواد العمل السياسي والثقافي في السلطنة والجنوب واليمن عمومًا. وبعد اعتراف المعارف المصرية بشهادة المدرسة “المحسنية”، بدأت معارف السلطنة بإرسال البعثات إلى مصر، لإتمام تعليمهم الثانوي والجامعي، كما يقول السلطان علي عبد الكريم في مذكراته.

بعيد ثورة يوليو المصرية في العام 1952، كانت “رابطة أبناء الجنوب العربي” هي الطرف السياسي الفاعل داخل السلطنة العبدلية، وكان السلطان علي يتخذ من رئيسها محمد علي الجفري مستشاره الأقرب. كما جعلت خلافات الرابطة العميقة منذ تأسيسها في العام 1950 مع الجمعية العدنية، السلطانَ والرابطة أقرب للخطاب العروبي الذي بدأ يسطع في العاصمة المصرية، في الوقت الذي احتمت فيه الجمعية العدنية بخطاب انعزالي تغذيه السلطة الاستعمارية، لهذا كان العديد من رموز الطبقة الوسطى في المحميات الجنوبية ومدينة عدن يتواجدون في صفوف الرابطة، حتى أولئك كانوا لاحقًا على رأس الأحزاب والتنظيمات اليسارية والقومية.

في تلك الفترة نشطت وبشكل لافت بعثات الطلاب اليمنيين من الشمال والجنوب إلى المدارس والجامعات والمعاهد المصرية، فكان للسلطنة بعثتها التعليمية، ومثّلها نادي شباب لحج، وحزب الرابطة، والأندية القروية في عدن، والأهم الاتحاد اليمني الذي تحصل على عديد من المنح إلى مصر في العام 1953 إبان رئاسة الشيخ عبد الله علي الحكيمي له. وكانت أول منحة تضم أسماء رائدة، منها: سعيد الشيباني، وفتح الأسودي، وأحمد الشجني، وعبد الوهاب عبد الباري، وعلي الدعيس، ومحمد عبد الملك أسعد. وفي العام الموالي كانت بعثته الثانية التي استوعبت السقاقفة الخمسة إلى جانب محمد عبد الولي وعبد الله حسن العالم، وانضم إليها في ذات العام محمد علي الشهاري، وسلطان أحمد عمر.

 

في قراءته للتكوين الباكر لمحمد عبد الولي في فترة القاهرة، وهو ما يمكن أن يُسقط على كل زملائه القريبين ومنهم عمر الجاوي وأبو بكر السقاف، يقول الدكتور علي محمد زيد في كتابه “الثقافة الجمهورية”:

 

“في سنة 1954 حصل على منحة للدراسة في مصر ومعه مجموعة من الطلبة الذين سيكونون فيما بعد من العاملين للتحرر من ظلام القرون الذي يهيمن على اليمن، ونجومًا في المجال الثقافي، مثل عمر الجاوي، وأبو بكر السقاف، وخالد فضل منصور، وأبو بكر باذيب. ومن الملاحظ أن المنحة الدراسية التي حصلوا عليها كانت إلى الأزهر، وأنهم أقاموا في مدينة البعوث الإسلامية في القاهرة.

 

وحين وصلوا إلى مصر للدراسة كانت القاهرة في حالة غليان سياسي وثقافي؛ فهي السنة التي تحقق فيها جلاء القوات البريطانية من مصر، وزوال آخر مظهر من مظاهر الاستعمار البريطاني لمصر، وهي أيضًا السنة التي حُسم فيها الصراع بين قيادة الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة 23 يوليو 1952 وأنهوا الملكية وأقاموا الجمهورية على أنقاضها، لصالح صعود نجم جمال عبد الناصر بدعوته إلى القومية العربية. وتوِّج هذا الصعود لمكانة مصر ولزعامة جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس سنة 1956، واستعادة مصر للسيادة عليها، ونجاح الدبلوماسية المصرية في التصدي للعدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على بور سعيد، وانسحاب القوات المعتدية. وكان للاتحاد السوفيتي السابق ولحركة عدم الانحياز دور مهم في دعم صمود مصر وتصديها للعدوان.

 

وكان المتوقع أن يقع الطالب وزملاؤه إما تحت تأثير التيار الإسلامي بفعل دراستهم في الأزهر، أو تحت تأثير الحركة الناصرية التي كانت في أوج صعودها، حتى حققت أكبر إنجازاتها بتوحيد مصر وسوريا وقيام “الجمهورية العربية المتحدة” سنة 1958، محققة حلم أجيال من القوميين العرب بوحدة أبناء الأمة العربية في دولة واحدة وتحت علم واحد، لكنهم فاجأوا الجميع بانتمائهم لليسار، واقترابهم من الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في مصر المعروفة اختصارًا بـ “حدتو”، وهي حركة يسارية سرية شارك ضباط منتمون إليها في تنظيم الضباط الأحرار الذي فجر الثورة في مصر، ومن أشهرهم خالد محيي الدين، ويوسف صديق.

 

وفي هذه الفترة برز مجموعة من زملائهم في الدراسة في القاهرة وفي حركة اليسار، مثل محمد أنعم غالب، وعبده عثمان، وإبراهيم صادق، وهي المجموعة التي تولت قيادة “مؤتمر الطلبة اليمنيين الدائم في مصر”، وأصدرت بيانًا ما يزال يعد وثيقة تاريخية تجاوزت غموض حركة الأحرار المعارضة، وظل هذا البيان وثيقة تاريخية مهمة تمسكت به المجموعة اليسارية التي كتبته وأصدرته وناضلت في سبيل تحقيقه، وكان عمر الجاوي أكثر من اعتبره رسالة حياته كلها حتى غادر الحياة دون أن يتخلى عن قناعاته الوحدوية، على الرغم من التراجعات والانهيارات السياسية التي شهدتها البلاد”؟

 

أمام هذه الجزئية توقف أيضًا الدكتور أحمد القصير في كتابه “إصلاحيون وماركسيون” حين قال:

 

“أسهمت الحركة الطلابية اليمنية في مصر بدور اتسم بالريادة فيما يتعلق بقضية الوحدة اليمنية، فقد طرحت تلك الحركة مفهوم الوطن الواحد ووحدة التراب اليمني، وكانت أول حركة سياسية يمنية تضم جميع أبناء اليمن الطبيعي. كانت التنظيمات السياسية اليمنية تعمل، في ذلك الوقت، في إطار واقع يقوم على تجزئة البلاد وتقطيعها ما بين الاستعمار والإمارات في الجنوب والإمامة في الشمال، غير أن الحركة الطلابية اليمنية تجاوزت، منذ إنشائها هذا الواقع على مستوى كل من الفكر والممارسة… كما أسهمت أعداد ليست قليلة -من المنتمين إليها- بفعالية في النشاط العام الذي كان يجري في مصر وفي تلك التطورات ذاتها؛ وكان ذلك من خلال انضمامهم إلى منظمة (الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني) المصرية المعروفة باسم (حدتو)؛ وهو ما أكسبهم معرفة ونضجًا وأغنى تجربتهم. وكان قادة الحركة الطلابية اليمنية بمصر يحرصون دومًا على أن يسخِّروا وعيهم وخبرتهم لخدمة قضية مستقبل اليمن ووحدته”.

لم يصل قادة العمل الطلابي إلى العام 1959 إلا وكان ناشطوهم من صفوف اليسار على رأس قوائم المخابرات المصرية، التي قامت بملاحقتهم، وطردهم من مصر، وكان أبرز المطرودين “عمر الجاوي، ومحمد عبد الله باسلامة، ومحمد جعفر زين السقاف”، فلم يجد بعض زملائهم من وسيلة للاحتجاج غير التضامن مع المطرودين بالعودة إلى الداخل اليمني، ومن المتضامنين العائدين كان: أبو بكر السقاف، ومحمد أحمد عبد الولي، وعلي حميد شرف، وحمود طالب، وأحمد الخربي، وعبد الله صالح عبده، وعمر غزال، ونجيب عبد الملك أسعد، وعبد الرحمن البصري، وعلوي جعفر زين، وخالد فضل منصور، وآخرون”.

عودة الجاوي ورفيقيه المطرودين، ولاحقًا بقية المتضامنين إلى تعز، شكلت محطة جديدة في تجربة التكوين عند الجاوي، إذ ستصادف إقامة المفكر اليساري عبد الله عبد الرزاق باذيب فيها أثناء إصداره لصحيفة “الطليعة”، بعد طرد السلطات الاستعمارية له من عدن، فاستغل الجاوي هذه الفرصة لنشر العديد من المقالات والمواد الصحافية في الصحيفة ذات التوجه اليساري.

لمدة عام بقي الجاوي وصحبه في تعز يتابعون منحًا دراسية، حيث عمل ولي العهد محمد البدر، وبعد مراسلات وتظلمات، وبعد موافقة والده المريض في إيطاليا، على إعادة ابتعاثهم للدراسة الجامعية في عدد من دول المعسكر الاشتراكي مثل روسيا وألمانيا، ومن الذين اُبتعثوا: محمد جعفر زين إلى ألمانيا الشرقية لدراسة القانون، وأبو بكر السقاف وعمر الجاوي ومحمد عبد الولي وعبد الله حسن العالم إلى موسكو، فتخصص الأول بالفلسفة، والثاني بالصحافة، والثالث هرب من الهندسة إلى الآداب، أما الرابع (العالِم) فدرس العلوم السياسية والاقتصاد في جامعة موسكو.

 

تخرج الجاوي من كلية الصحافة في جامعة موسكو صيف العام 1966، حاملًا درجة الماجستير عن رسالته الموسومة (الصحافة النقابية في عدن)، لكن قبل ذلك كان قد عاد إلى تعز في العام 1963 حيث عمل مدرسًا ومترجمًا في المركز الحربي، وعن هذه المحطة يقول سلطان أحمد زيد في كتابه “محطات من تاريخ حركة اليسار في اليمن”:

 

“أتذكر حينها وصل إلى تعز من كانوا يوصفون “بالحُمر” أصحاب الهامات المرتفعة ذات الوزن والثقل الثقافي والفكري –كما كنا نطلق عليهم– وهم: الجاوي عُمر، والسقاف أبو بكر، وعبد الله حسن العالم، وحسين السقاف، من موسكو تاركين دراستهم وملتحقين بمسار موكب الثورة ومدها بكوادر من الشباب مثلهم مثل شباب البعث يحي الشامي، وسيف أحمد حيدر الذين وصلوا من القاهرة، فقد كان يقوم الجاوي ورفاقه بمهمة الترجمة للخبراء السوفييت”.

 

فترة التكوين الباكرة لعمر الجاوي ارتبطت بدرجة رئيسة بالتعليم الحديث، الذي تحصل عليه أولًا في المدرسة المحسنية في حوطة لحج، بمدرسيها العرب المستنيرين حين كان طالبًا بها مطلع الخمسينات، وتاليًا بالتعليم العصري الذي نعم به في المدارس والكليات المصرية في ذروة المد الناصري، والذي كان يمثل القيمة المتعاظمة لتأسيسات الخطاب العام الذي تشربه مع صعود حركة التحرر الوطني بعيد الحرب العالمية الثانية، وثالثًا بدراسته للصحافة في جامعة موسكو في ذروة الاستقطاب الأيديولوجي، لهذا كان من الطبيعي جدًا أن يصير الهم الوطني على رأس شواغل الطالب المتمرد الذي لم يكل أو يمل طيلة حياته من مقارعة الاستبداد والقوى الرجعية المعيقة لبناء الدولة وتطور المجتمع”.

 

(2)

 

قليلون هم الذين عرفوا أن النصوص الشعرية العديدة التي نشرت في مجلة “الحكمة” و”الثقافة الجديدة” و”14 أكتوبر” و”اليمن الجديد” في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وكانت توقع تحت اسم “ذو نواس” لم تكن سوى للمثقف الوطني (عمر عبد الله الجاوي 1938ـ 1997)، لأن المتحقق الكتابي والمتعين الواضح في مسيرة الرجل، كانت تختزله ككاتب سياسي مختلف، مشكلًا في حضوره الصاخب امتدادًا لافتًا لمدرسة الأحرار اليمنيين، الذين زاوج منتسبوها بين انصرافاتهم الثقافية ـ كشعراء وكتّاب ـ وهمومهم الوطنية (كمناضلين) ضد منظومة الحكم الثيوقراطي المنغلق في الشمال اليمني، والحكم الاستعماري السافر في الجنوب اليمني. أما المتواري الحقيقي في هذه السيرة هو الشاعر الذي ازداد استتارًا خلف المرموز الإشكالي في تاريخ اليمن القديم، “يوسف أزار”، أحد الأذواء الحميريين أو ما يعرف تاريخيًا بذي نواس الحميري، الذي تنسب إليه محرقة نجران حسب المدونات التاريخية والأسطورية.

 

لكن التكشف والإبانة الكاملة لمنجز هذا الشاعر عند الكثير من القُراء، ستكون بعد رحيله بستة أعوام بصدور مجموعته الشعرية اليتيمة التي حملت عنوان “صمت الأصابع” (منشورات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عام 2003) والتي لم تُقرأ بعناية نقدية كافية، بعد سبعة عشر عامًا من صدورها.

 

المجموعة في محصلتها استبصارات كتابية لموضوعات متجسمة وملتقطات لوقائع وحالات لم تسلْ في الكتابة السياسية عند صاحبها بل تقطرت جماليًا في نصوص شعرية، بمستدركات ظرفية لا يمكن أن تحاكم بأدوات قراءة تتقدم بعض نصوصها بأكثر من نصف قرن.

 

فالنص الأول في المجموعة الذي حمل عنوان “خواطر عكفة” أُشير في تذييله الزمني أنه كتب في العام 1955، وهو عام انتقاضة الثلايا وجنوده في تعز، غير أن الصيغة النهائية للنص ستتم في أواخر الخمسينيات وتحديدًا في العام 1959، وفق التذييل ذاته.

 

فالشاب الذي لم يتجاوز عمره السابعة عشرة، لم يجد أمامه سوى أدوات الشاعر للتعبير عما يعتمل بداخله إزاء موضوع يشغل تفكير الكثيرين، وهو علاقة العسكري بالمواطن. غير أن التعبير السياسي عنه بوضوح سيكون بعد أربعة أعوام، حين سينتقل الطالب المبعد من القاهرة إلى موسكو، فيعيد صياغة النص المكتوب بمقتربات إنسانية واضحة ستتعاكس مع النظرة الكلية عن العسكري البسيط، الذي اقترن حضوره في حياة الفلاحين، وقبل هذا في الذهنية الشعبية بوصفه الأنموذج المكتمل والواضح للحظة اعتساف نظام الحكم الإمامي.

 

وحين تأخذنا المقارنة إلى نص آخر سردي أنجزه الراحل محمد عبد الولي في ذات الفترة تقريبًا، وتضمنته مجموعته القصصية الأولى “الأرض يا سلمى” الصادرة ببيروت مطلع ستينات القرن الماضي، سنجد ثمة مؤثرات ومشغلات سياسية وجمالية جعلت من رفيقين وصديقين تلازما في القاهرة وعدن وموسكو ينتجان نصين إبداعيين متقاربين زمنيًا، يحفران بعيدًا في العمق الإنساني لكائن قادته الظروف ليكون عسكريًا مذمومًا، لأن إنسانًا مثل هذا سيغدو هو الآخر ضحية للمجتمع، والنظام السياسي. ومما جاء في نص محمد عبد الولي “يا خبير”.

 

المشغلات الكتابية في مجموعة “صمت الأصابع” التي غطت نصوصها ثلاثة عقود وقليل، حسب التثبيتات الزمنية لها توزعت على ثلاث موضوعات رئيسية هي الوطني، والعاطفي، والجمالي، إن صح توصيف مثل هذا للأخير. واختزل الموضوع الوطني حضور الشاعر وانغماسه بعمق اللحظة السياسية الضاجة، وخصوصًا إرهاصات الثورة اليمنية وتحولاتها اللاحقة التي أفضت إلى الوحدة التي كان الشاعر أحد الأصوات العالية المنادية بها.

 

على قلة النصوص ذات البعد العاطفي الصريح في المجموعة، فقد مثلت استحضارًا لافتًا لامرأة تدعى “ليدا نيكولايفنا” التي تحضر في ثلاثة نصوص.

 

سيعبر الاشتغال على الموضوع الفني في مجموعة “صمت الأصابع” عن تلك الخبرات الكتابية لقلم لم يبتعد عن عوالم الصحافة والأدب بالتعايش أو المزاولة لقرابة أربعين عامًا، فكان الشعري المتخفف من حمولة السياسي أشبه بشرفة واسعة أبصر منها الشاعر ما لم يستطع السياسي الضاج والمباشر أن يراه من كُوات ضيقة ظنها ملكًا للجميع.

 

السياسي والشاعر والمثقف، صفات يختزلها عمر الجاوي بدون إقسارات أو فذلكات بما يتيح للمتتبع لتجربته في الكتابة، إسقاط ما شاء عليه من خلال هذا التنويع في التأليف والترجمة والإنجاز الفني. فاذا كان التأليف سيُختزل في كتبه: (الزبيري شاعر الوطنية، والصحافة النقابية في عدن، وافتتاحيات الحكمة، وربورتاج حصار صنعاء) وترجمته عن الروسية لكتاب “السياسة البريطانية في جنوب اليمن”؛ فإن الإنجاز الفني سيتيحه ديوان “صمت الأصابع”، كون نصوصه الباكرة تحيلنا إلى موضوع إشكالي يتعلق بموضوع الريادة الشعرية للقصيدة الجديدة في اليمن، فقبل العام 1955 لم أتحقق شخصيًا من خلال القراءة والمتابعة من نصوص شعرية كتبت متحررة من أوزان الخليل في الشعرية اليمنية المعاصرة قبل هذا التاريخ إلا تلك التي أنجزها الشاعر الفذ محمد أنعم غالب التي ستؤلف بعضها مجموعته الرائدة “غريب على الطريق” التي سيصدرها مطلع سبعينيات القرن الماضي، وربما قصيدة “عودة بلقيس” لإبراهيم صادق، التي نشرت في ذات الفترة تقريبا، وكل ذلك بعيدا عن مجموعة “ولائد الساحل” لحسين بن عبيد الله السقاف التي يُشار إليها كبوابة ريادة لأسباب فنية تتصل بالتمييز بين المرْسَل والحُر.

انحياز الجاوي للكتابة بطريقة شعر التفاعيل المتحرر (قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر كما درجت العادة على تسميته) جاء للتعبير عن الاستجابة للتحولات التي شهدتها بنية الشعر العربي في المراكز الثقافية الفاعلة: بيروت، ودمشق، وبغداد، والقاهرة، بفعل التحولات الجديدة في المنطقة التي بشرت بولادة الدولة الوطنية منذ مطلع الخمسينات، وتحيل بدرجة رئيسية إلى تلك التفاعلات الإيجابية للشاعر مع محيطه الثقافي الذي أبرز إلى السطح شعراء الريادة، مثل: السياب، والبياتي، وعبد الصبور، ونازك، وبعدهم الماغوط، وأدونيس، وأنسي الحاج، إلى آخر القائمة.

الجاوي لم يكن جامدًا، بل ديناميكيًا، وظف كل ملكاته الإبداعية للتعبير عن الإنسان الجديد، وكان الشعر أحدها.

___________

مقالات مشابهة

  • الإفتاء تكشف عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
  • 11 محطة فى حياة عصام صاصا منذ القبض عليه وحتى إيقاف تنفيذ حبسه سنة
  • من أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم
  • في ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام.. تعرف على مكانته في الإسلام
  • حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته
  • كيفية تمجيد الله والثناء عليه .. علي جمعة يوضح
  • في الذكرى العاشرة ” جواد الكساسبة” يكتب .. معاذ يا بطلاً أردنياً بنكهة الألم
  • الذكرى السابعة والعشرون لرحيل الجاوي.. سيرة التكوين ومنجز الشاعر 
  • كاتب صحفي: محطة بشتيل خطوة مهمة لتخفيف الزحام بـ«رمسيس»
  • دعاء آخر السنة وأولها.. بـ7 كلمات تجعلها نهاية كل حزن وضيق