بمعنى آخر أن أي ثورة لا تعد كذلك أن لم تحدث تغيير جذري إيجابي في وعي الناس وفي الواقع وهذا هو - وفقاً لأبن خلدون ما يسمى بالإعمار البشري- والله سبحانه وتعالى حمل الإنسان مسؤولية هذا التغيير لإعمار الأرض والأرض لا يمكن أن تعمر إلا بالعقول العالمة العارفة ذات الأرواح المؤمنة التي تمتلك الإرادة والوعي لمفهوم التغيير .
أما القول جذري فهو بمعنى أن الأمور قد وصلت إلى تجذر الفساد والشر والإنحطاط وتحتاج الأمور إلى أجتثاث من الجذر والبدء بزرع أشجار قادرة على التجذر القيمي والأخلاقي الوطني الإنساني وهذا يفترض البحث والتمحيص والتأهيل لمن سيناط بهم هذه المهمة الكبيرة والعظيمة .
ومثلما للفساد شخوصه وممؤسساته فأن للصلاح والبناء شخوصه ومؤسساته أيضا وليس عيباً أن نستفيد من تجارب الشعوب والدول فيما يناسب مبادئنا وقيمنا وما يفيد شعبنا ووطنا وأمتنا.
وفي هذا السياق الشراكة مطلوبة ولكن ليس بمعنى التقاسم الذي قادنا إلى التقسيم واوصلنا إلى ما نحن فيه من تجرؤا الخارج علينا وأعتقاده أن بأمكانه تحقيق أطماعه في بلدنا وخيانة الداخل التي لولا ذلك السلوك المبني على المراضاة لكانت البلاد والعباد في مكان أفضل .
اليمن بقيادته الإيمانية الثورية الوطنية حققت انتصارات ترقى إلى مستوى المعجزات في مواجهة عدوان كوني لم يسبق لأي شعب تعرض له قياساً بالأوضاع والظروف التي جاءت فيها وكانت الحكمة والشجاعة التي لا مكان فيها للنكوص والتراجع والإستسلام وقد انتصرنا وتبقى المعركة الأهم والأكثر تعقيداً هي مواجهة الفساد ولإفساد بمعناه الاجتماعي والأخلاقي الإداري والمالي.
بالمعنى الشامل اليمن أوسع من ذلك التفكير الضيق المحدود الذي يمحور كل شيء حول منطقة أو محافظة أو قرية أو عزلة أو حزب أو جماعة وعلى من يتحملوا مسؤولية التغيير أن يمتلكوا مشروع يتسع للوجود الوطني وينتصر للكفاءات والإبداع والأهم الإيمان بالمشروع والقضية الوطنية وهذا هو بالضبط ما سيمضي بنا نحو بناء دولة المؤسسات القوية القادرة والعادلة وفيها تتحقق المواطنة المتساوية وتخرج من نطاق المزايدات والشعارات إلى الواقع .. وهذا هو التغيير الجذري المنتظر.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
يجمعنا مكان وتفرقنا أمكنة
بقلم : هادي جلو مرعي ..
هذا المقال لك لتتذكر ..
البداية في المدرسة الإبتدائية، وحيث الكثير من السذاجة، والكثير من المرح، ووجوه المعلمات الجميلات، وأسنانهن البيضاء، وأحمر الشفاه، وشقاوة الصغار وهم يجهلون ماينتظرهم في الغد.. عليهم أن يقرأوا ويتعلموا الحروف والكلمات، وجمعها وترتيبها على خطوط سوداء ناعمة.. في الخميس يرفعون علم الدولة، ويغنون نشيدهم الوطني، وهناك الصرامة والشدة على وجه المديرة والمعلمين والمعلمات.. ست سميرة، ست مي، ست بشرى، ست فردوس، ست سهاد، ست سوسن، ست مديحة.. ماتزال صورهن تخالط الذاكرة، وتختلط بدموع ساذجة هي نفسها تلك الدموع التي بدأت في الإبتدائية، وهي ذاتها لحظة الإحتضار، وسؤال: أين هن ؟ أين ذهبت وجوههن، أين المعلم هاشم، والمعلم خلف، والمعلم خليل؟ ربما ماتوا جميعا، غادروا عالمنا، لكن قبل ذلك لم نعد نعرف شيئا عنهم، ومع توالي السنين تتوارى الصور..
نترك ذلك المكان الذي جمعنا، وتفرقنا الأمكنة، وكل واحد من هولاء الصغار والصغيرات نضجوا بعض الشيء، وصاروا مستعدين للمدرسة المتوسطة، وحيث المزيد من المرح والشقاوة ومعرفة وجوه جديدة من أماكن لم يكونوا يعرفونها، يجمعهم مكان جديد لسنوات، ثم يتفرقون الى أمكنة عدة، ويأتي المدير حسن، والمدرسون جمال وخليل ونبيل ومنيبة ونجلاء وإيمان وشوكت وعباس وفاضل، ويكبر الصغار، ويغادرون المتوسطة الى أمكنة جديدة…
في الثانوية تختط شوارب الصبيان، وينضجون، وتكبر الطموحات، وتتفتح قلوبهم مثل أزهار الربيع، وهي تغازل الريح الربيعية، ويبدأون بسرقة نظرات من وجوه الفتيات فلانة وعلانة، وتنطلق المشاكسات الى مدى أبعد، صاروا كبارا، وبدأوا يلعبون كرة القدم، ويتنافسون في بطولة تجمع صفوف المدرسة، ويتحدثون عن مباريات الأندية والمنتخبات وكأس العالم، ويرون فريقهم الوطني يتخطى التصفيات، ويشارك في بطولة العالم، ثم تتوارى وجوههم عن بعض، وتجمعهم ذكريات عابرة في سفرات المدرسة والمقاهي والبيوت، وحين كانوا يتشاركون همومهم وأفراحهم وأحزانهم، وفجأة يودعون بعض ليغادروا الى معاهد وجامعات، وربما الى معسكرات الجيش، أو الى الحقول، وربما الإنزواء والضياع مع الأحلام الضائعة في المجهول.
في الجامعة وجوه جديدة، وبعض الوجوه القديمة التي جاء بها القدر لذات المكان، وهذه المرة وجوه من مدن قصية، ومن دول مجاورة وبعيدة، وثقافات ومذاهب وأديان وقوميات ولهجات، وكثير من الأمل في الوصول الى الأحلام، وتكثر الحكايات والمخاوف، وتستمر السنوات حتى إذا جاءت لحظة الحقيقة، وإحتفلوا يوم تخرجهم ضحكوا ورقصوا وغنوا كطير يرقص من الألم وهو ذبيح، يتوزعون حينها في دوائر دولة وتجارات، ويعودون الى مدنهم، أو يهاجرون، ينسون بعضهم، أو يتذكرون، يتلاقى بعضهم في مناسبات، يتواصلون عبر الهواتف والرسائل، ويلتقون ربما بعطف من الصدف المارة كالنسائم.
يمضي الزمان وتبقى هذه الصور
والناظرون الى غد وقد عبروا
وحزن يعتصر الفؤاد وقد ذوى
مثل غصن حين ينكسر