خارجة عن السيطرة.. فرنسا تدخل حقبة جديدة من الإسلاموفوبيا
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
يبدو أن فرنسا تدخل حقبة جديدة من الإسلاموفوبيا الخارجة عن السيطرة، فالهجوم الأخير ضد الإسلام كدين، وضد المسلمين كجزأ لا يتجزأ من الشعب الفرنسي، يعد مؤشرا "خطيرًا للغاية".
هكذا تحدث مقال ألاين غابون، في موقع "ميدل إيست آي"، وترجمه "الخليج الجديد"، متحدثا عن دعوة رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوار فيليب، في كتابه الأخير "أماكن تقول"، حين شدد على ضرورة إنشاء "قانون وتنظيم خاص بالمسلمين".
وفي مقابلة مع إذاعة "فرنسا الدولية"، أشار فيليب ولو بصورة متلكئة، إلى أن قانون 1905 "ربما لا يستطيع التعامل مع خصوصية الإسلام"، معتقدا أنه لا بد في يوم من الأيام أن تطرح قضية إنشاء نظام خاص "يفرض التزامات خاصة على المؤمنين والمسؤولين في المجتمعات الإسلامية".
جاء حديث فيليب، بعد مرور أسبوع فقط من حظر العباءة في المدارس العامة، في خطوة غير مسبوقة لزعيم سياسي رفيع المستوى، منذ انتهاء العصر الاستعماري للبلاد.
ووفق المقال، فإن "فيليب ليس من اليمين المتطرف أو سياسي مغمور، بل أول رئيس وزراء للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي أسس في عام 2021 حزبه اليميني الوسطي (Horizons)، ومنذ ذلك الحين ظلّ مقربًا من حكومة ماكرون، والآن أصبح مرشحًا رئيسيًّا لقيادة المحافظين ومرشحًا رئاسيًّا لعام 2027".
اقرأ أيضاً
العنصرية تتسع.. هوس فرنسي بالسيطرة على أجساد النساء المسلمات
ورغم أن فيليب، قال في المقابلة، إنه يتمنى ألا تصل الأمور إلى هذا الوضع، إلا أنه رغم ذلك يؤكد أن المعاملة المختلفة للإسلام والمسلمين أمر حتمي في المستقبل القريب.
بالنسبة إليه السبب بسيط، فمن انطباعه الشخصي، يرى فيليب أن "الإسلام دين خطير وسام ويتميز بالظلامية والتطرف والراديكالية، ومن الواضح أن هذه التوجهات لا توجد في أي مكان آخر مثل اليهودية والمسيحية أو اليمين السياسي المتطرف على سبيل المثال لا الحصر".
بالنسبة إلى فيليب، الإسلام يمثل مشكلة لدرجة أنه يمثل تهديدًا وجوديًّا، فهو يرى أن العلمانية الفرنسية وقانون الدولة الشهير عام 1905، لفصل الكنيسة عن الدولة، ليسا بالقوة الكافية لترويض الدين والسيطرة عليه وإصلاحه.
هنا، يستخدم فيليب، وفق المقال، الشائعات ضد المسلمين وينشطها، واقتراحه وتعليقاته تشبه تلك التي يقولوها المتطرفون، لكنه لا يخاطر بأي شيء في فرنسا وهو يعلم ذلك جيدًا.
ومثل وزير التعليم غابريال أتال، منافسه في انتخابات 2027، من المرجّح أن فيليب يقوم بحسابات انتخابية ساخرة، لتقليل الفجوة بين اليمين المتطرف واليمين المحافظ واليمين الوسطي، في محاولة لتوسيع قاعدة الدعم المحتملة.
لكن ينسب إلى فيليب الفضل في الكشف عن حقائق فرنسا القبيحة، فعلى عكس أقرانه المصابين بالإسلاموفوبيا، لم يتحدث فيليب عن "الإسلامية"، لكنه تحدث عن "الإسلام والمسلمين".
اقرأ أيضاً
مفتي عُمان: الأزمات تضرب فرنسا منذ إساءة ماكرون للإسلام
وبدلًا من التحدث عن مذاهب معينة، كالانفصالية والأصولية والسلفية والراديكالية وغيرها، كذريعة لتبرير الهجوم على حقوق المسلمين أثناء دفاعه المزعوم عن المبادئ الفرنسية، فقد تخلّص فيليب من المواربة وأسماهم بوضوح "العدو من الداخل".
ومع ذلك، فإن اقتراحه صادم لعدة أسباب، أولًا: هو يقترح أن فرنسا يجب أن تكون مستعدة لتطبيق ما لا يقلّ عن فصل عنصري قانوني ضد المسلمين، حيث يدعو إلى وضع قوانين منفصلة للمسلمين.
أما السبب الثاني، فهو تنفيذ هذه الإجراءات، والتي هي أمر مستحيل في ظل دستور المساواة الفرنسي الحالي، بقدر وضع قانون خاص لأقلية عرقية معينة، يمثل العودة إلى قوانين السكان الأصليين التي كانت سائدة في العصر الاستعماري، حيث تتغير القوانين والالتزامات والأوضاع حسب عرق ودين رعايا فرنسا الاستعمارية.
ويقول المقال: "هذا النظام يلغي معظم مبادئ فرنسا الأساسية وقيم الجمهورية الفرنسية التي يزعم فيليب الدفاع عنها، وتحديدًا مبادئ المساواة التي تقول إن كل الأشخاص سواسية أمام القانون، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم".
أما ثالث الأسباب، فهو فرض قوانين والتزامات مختلفة على دين بعينه وعلى ممارسيه، ما يعني القضاء على العلمانية الفرنسية ومبادئها الأساسية، بما في ذلك حرية الدين وفصل الكنيسة عن الدولة، والمساواة بين جميع الأديان أمام الدولة.
اقرأ أيضاً
المفكر فرانسوا بورغا لـ"الخليج الجديد": فرنسا تريد إسلاما على مقاسها.. والغرب يعادي أردوغان لمقاومته الهيمنة
ويعلق المقال على ذلك بالقول: "هنا نرى حقيقة العلمانية المقدسة التي يستخدمها السياسيون في فرنسا فقط كسلاح يشهرونه في وجه الإسلام، ويبدو أنهم الآن يرغبون في التخلص من العلمانية لأنها تحدّ المدى الذي قد تصل إليه كراهيتهم للإسلام".
وأخيرًا، والأكثر إثارة للدهشة، وفق المقال، فنظرًا إلى تطرف إعلان فيليب وطبيعته المناهضة للجمهورية، فحتى المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبان لم تتطرق لمثل ذلك، هو أنه "لم يكن هناك رد فعل من الطبقة السياسية ووسائل الإعلام والمثقفين، باستثناء رسالة مفتوحة قدمها بعض الأكاديميين، أما عامة الناس فما زالوا صامتين بشكل كبير".
ونددت نحو 50 شخصية، من بينها أستاذ علم اجتماع العلاقات الدولية المؤثر برتران بادي ومؤسس علم اجتماع العلمانية جان بوبيرو والكاتبة آني إيرنو، في بيان بتصريحات فيليب، مشددين على ضرورة إعطاء كلماته مقدارها، إذ إن هذه هي المرة الأولى التي يتبنى فيها زعيم سياسي، على هذا المستوى، صراحة معاملة متباينة للأديان.
وقالوا إن حديث فيليب "يمثل هذا تحديا وحشيا لقانون عام 1905 الذي ينشئ فصلا مزدوجا، وهو الفصل بين المؤسسات العامة والخاصة، وبينها وبين المؤسسات الدينية، وبالتالي حرية الأديان في تنظيم نفسها كما تشاء، إضافة إلى المساواة بين الأديان أمام القانون".
كما لم ينتقد ماكرون، وفق المقال، تعليقات فيليب.
أما صحيفة "ليبراسيون" اليسارية الوسطية، فقد خصّصت نصف فقرة لتغطية الأمر، وتحدثت في أغلبها عن شعر وجه فيليب، وحالة جلده التي غيرت من مظهره الجسدي.
اقرأ أيضاً
عضو فيدرالية مسلمي فرنسا مخلوف مامش لـ"الخليج الجديد": نعاني من شيطنة لجمعيات خدمية وحصار لمساجد
ويضيف المقال: "يكشف ذلك عن عمق تغلغل الإسلاموفوبيا في فرنسا، ومدى انتشار الزمورية (نسبة إلى أفكار السياسي الفرنسي اليميني المتطرف إيرك زمور) عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين".
ويتابع: "بالطبع، تطبَّق القوانين والمعايير والمقاييس المختلفة بشكل روتيني على المسلمين والإسلام منذ فترة، في انتهاك صريح للدستور الفرنسي، ويعامَل المسلمون دائمًا كمواطنين من الدرجة الثانية بقوانين والتزامات مختلفة".
ويختتم: "لكن حتى الآن، لم يجرؤ أي مسؤول كبير في الدولة على اقتراح تشريع التمييز الديني ضد المسلمين، ويبدو أن فرنسا مستعدة لهدم الجمهورية وإلغاء الديمقراطية بما في ذلك مبادئها الدستورية الرئيسية مثل المساواة والحرية والعلمانية، ولا حاجة بالطبع للحديث عن الأخوية عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، كل ذلك من أجل الهجوم على الإسلام وإيذاء المسلمين".
وكانت فرنسا التي تضم أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، حظرت ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية عام 2004، وأقرت حظراً على ارتداء النقاب في الأماكن العامة في 2010، مما أثار غضب بعض أفراد الجالية الإسلامية التي تضم نحو 5 ملايين نسمة.
وينادي الطيف السياسي الفرنسي بمختلف ألوانه بالدفاع عن العلمانية، من اليساريين الذين يؤيدون القيم الليبرالية لعصر التنوير إلى الناخبين اليمينيين المتطرفين الذين يسعون للحد من الدور المتنامي للإسلام في المجتمع الفرنسي.
اقرأ أيضاً
الفرنسية مارين الحيمر نجمة تليفزيون الواقع تعلن إسلامها
المصدر | ألاين غابون/ ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فرنسا الإسلام المسلمون الإسلاموفوبيا إيمانويل ماكرون الخلیج الجدید ضد المسلمین اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
ميديا بارت: وثيقة سرية تثير الجدل حول مستقبل السيطرة على القطاع النووي الفرنسي
قال موقع ميديا بارت إن وثيقة سرية قدمت لمجلس السياسة النووية أعطت الضوء الأخضر لتغييرات جذرية في نظام السلامة النووية بفرنسا، واقترحت توحيد الهيئات المستقلة العاملة في القطاع النووي وزيادة قربها من المشغّلين الصناعيين، مما أثار الكثير من التساؤلات حول الشفافية والاستقلالية.
وأوضح الموقع -في تقرير بقلم جاد ليندغارد- أن الوثيقة المكونة من 30 صفحة أوصت "بتعزيز صلاحيات" هيئة السلامة النووية التي تولت بعد ذلك دور مراقبة الصناعة النووية، وطالبت الهيئة الوطنية للطاقة النووية بالتخلي عن متطلباتها الخاصة بزيادة مستوى السلامة في المنشآت النووية، وزيادة قرب المشغلين، أي شركة الكهرباء الفرنسية وشركة أورانو للوقود النووي وهيئة الطاقة الذرية والوكالة الوطنية لإدارة النفايات المشعة و"الهيئة الوطنية للطاقة الذرية".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إعلام إسرائيلي: نتنياهو يريد التضحية بالأسرى على مذبح بقائه في الحكمlist 2 of 2زيارة سرية لوفد من المؤثرين الباكستانيين إلى إسرائيلend of listوبعد مرور عامين، لم يتم الإعلان عن هذه الوثيقة التي أعدها المسؤول السابق في "المفوضية الفرنسية للطاقة الذرية" دانيال فيرفيرد بناء على طلب الإليزيه، بل تم ختمها بعلامة "ليست للنشر"، وظلت محفوظة في أحد أدراج قصر الإليزيه.
ولكن توصياتها بدمج معهد الحماية من الإشعاع والسلامة النووية "آي آر إس إن" (IRSN) مع هيئة السلامة النووية "إيه إس إن" (ASN) في هيكل جديد هو هيئة السلامة النووية والحماية من الإشعاع "إيه إس إن آر" (ASNR) التي بدأت عملها فعليا منذ يناير/كانون الثاني 2025.
إعلان تهديد للشفافيةولتسهيل الإجراءات، أقر البرلمان قانونا لتسريع مشاريع بناء محطات نووية جديدة وتجديد القديمة، واعترفت هيئة السلامة الجديدة، على لسان نائب مديرها العام جوليان كولي، بأن زيارة محطات الطاقة في الذكرى الأربعين تطلبت عملا "بحجم استثنائي"، ولكن الزيادة في الذكرى الخمسين سوف تكون "مختلفة بعض الشيء في نهجها".
غير أن الوثيقة أثارت جدلا كبيرا بسبب السرية التي أحيطت بها وعدم اطلاع الأطراف المعنية الأساسية عليها مثل قيادات معهد الحماية من الإشعاع والسلامة النووية، إذ نوقشت في مجلس السياسة النووية، وهو اجتماع رفيع المستوى مغطى بسرية الدفاع.
واعترض منتقدون كثر على هذه الخطوة، معتبرين أنها تمثل تهديدا للشفافية وتقويضا لاستقلالية الهيئات الرقابية التي كانت تُصدر تقييماتها علنا، وهو ما توقف منذ بدء عمل الكيان الجديد.
ويزعم وزير الصناعة السابق رولان ليكور أنه "لم يسمع بهذه الفكرة من قبل"، وقد رد مكتب أنييس بانييه روناشيه، وزيرة التحول البيئي عام 2023 والمسؤولة عن تنفيذ قانون تسريع الطاقة النووية، بأن "هذا التقرير تم التكليف به من قبل الإليزيه"، وأن "محتواه سري بحيث لا يستطيع المكتب نفيه ولا التعليق على" أدنى سؤال يتعلق به.
ليسني: التقرير يركز على الترويج لمصالح القطاع النووي أكثر مما يركز على السلامة العامة، إذ إن الهدف الرئيسي منه هو تسهيل تنفيذ قرارات الرئاسة وجعل الحياة أسهل للمشغّلين
إضعاف للسلامةوفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية، يقول دانييل فيرواردي "من الواضح أن الإدارة الإستراتيجية التي يوفرها مجلس السياسة النووية ليست كافية لضمان التنفيذ العملي السليم لقراراته، ناهيك عن ضمان توافق مختلف الجهات الفاعلة مع سياسة الدولة".
ويشدد التقرير على المشكلات الناتجة عن البنية "الثنائية الرأس" السابقة للنظام، والتي اعتُبرت مصدر خلافات إعلامية وتقنية، إلا أن منتقدي التعديل يرون أن دمج الهيئات أدى إلى تغييب الشفافية، إذ لم تعد الهيئة الجديدة مُلزمة بنشر تقاريرها الفنية، مما يُثير القلق حول مصداقية القرارات المستقبلية.
إعلانوعلق النائب ماكسيم ليسني، من حزب فرنسا الأبية والذي اطلع على التقرير، قائلا إن "التقرير يركز على الترويج لمصالح القطاع النووي أكثر مما يركز على السلامة العامة، حيث إن الهدف الرئيسي منه هو تسهيل تنفيذ قرارات الرئاسة وجعل الحياة أسهل للمشغّلين".
وخلص ميديا بارت إلى أن هذه الإصلاحات التي تدعي الحكومة أنها تهدف إلى تعزيز القطاع النووي لدعم مشاريع جديدة، يرى كثيرون أنها تضعف الضمانات المستقلة للسلامة وتتجاهل المخاوف البيئية، ليبقى الجذل مستمرا ويعكس الصدام بين الحاجة لتطوير قطاع الطاقة النووي والطموحات السياسية من جهة، وضمان الشفافية والسلامة العامة من جهة أخرى.