فلسفة الصمت وفنون الكلام
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
نتعرض أحيانًا إلى الانجراف في الحديث مع هؤلاء الأشخاص الذين دفعت بهم الحياة في طريقنا مصادفة، نجد أنفسنا في مواجهتهم فننساق وراء حديثهم، ونسير إلى جانبهم في طرق وعرة كنا نرفضها من قبل ونرفض السير فيها، لولا تدخل هؤلاء الأشخاص والتسرع بإبداء رأيهم فيما نقوله أو نفعله عن قناعة منا دون تحيز ودون تملق ودون زيادة أو تقتير، نجد أنفسنا نندفع نحوهم بكل قوة محاولين التفسير والتبرير، وكان هذا هو الخطأ الوحيد والكبير.
إن هذه الشخصيات التصادمية اعتادت البحث دائمًا عن نقاط للخلاف، وسعت لذلك بكل طاقتها وتعمدت تحليل الأمور وتفسيرها على طريقتها ومنهجها، إنهم يفسرون ما نصوغه من كلمات أو ندونه من أحاسيس تعكس مشاعرنا الصادقة بحسب هواهم، يجيدون خلق مساحات تضج بصيحات من وهم كاذب وخيال معاق، مساحات من جهل لا ينقصها إلا هذه الأدوات “بلورة ساحر ووعاء بخور”.
إنها إحدى السمات الشخصية للعديد من الأفراد في مجتمعاتنا العربية المحبة للخلاف والجدال على الدوام، يتفوقون في خلق المشكلات من العدم لتعقبها أحكام سريعة جائرة وظالمة تنبع من سوء ظن وسوء اختيار لما يجب أن يروى أو يقال، سوء اختيار الكلمات والألفاظ ينهي الحوار بالنزاع والشجار، وربما يتطور الأمر إلى حالة من حالات الاشتباك والاقتتال.
حديثك عنوان لك، اختيارك لمفرداتك التي تنطق بها بكل دقة وعناية دليل رقيك وحسن معرفتك بما يجب أن يقال، فقضيتنا الأزلية هي الحكم المسبق على الأقوال والأفعال، إن هذه النقطة بالتحديد ليست ملكًا لأحد سوى خالقنا الذي يطلع على ما في صدورنا ويعلم نوايانا، ولهذا فنحن نتعرض لانتقاد أغلب شعوب العالم التي تصفنا بأننا شعوب الثرثرة والهمجية وعدم الالتزام وخاصةً في أدب الحوار.
ترهقنا هذه الشخصيات التي تؤمن بمبدأ خالف تعرف، تزعجنا بظلمها وسعيها الدؤوب لتأويل ما نعبر عنه بحسب هواها تربكنا وتدخلنا معها إجباريًا داخل دوائر الخلاف، تأخذ من سلامنا النفسي، تقتسم مع الجدال نصيبه المفروض بكل حماقة لتحوله إلى سلاح مدمر تصوبه نحو صدور الأنقياء، تطلق طلقات الغدر على من صدقوا مع ربهم بصفائهم فيما تحدثوا به من أقوال وما طبقوه من أفعال، اليوم سنوجه حديثنا إليهم قائلين: “لاحاجة لنا بالخلاف معكم فالخلاف هو الخطر الأكبر الذي يهدد وجودنا جميعًا، ويحرمنا من العيش في وطن ينعم بالسلام والازدهار”.
دعونا نلتزم الصمت الآن، اتركونا نخرج من دوائر حواركم الضيقة، فإما أن تنضجوا انفعاليًا وفكريًا، وإما أن تغيبوا عن سمائنا بتمردكم وتعنتكم وحكمكم المسبق على كل ما يدور.
ليس عيبًا أن نفتح نوافذنا الآن لنطردكم من بيننا دون أسف على فراقكم، دون أدنى شعور بالذنب، ونحن نراكم تتسابقون لتلوذوا بالفرار، دعونا نكمل مسيرتنا كما أردنا وارتأينا، فعزيمتنا لا ولم ولن تلين، اغربوا عن سماء من اعتنقوا الحق وآثروا الصمت أمام كل محاولة جديدة منكم لجذبهم عمدًا بإيجاد نقاط أخرى للخلاف.
وفاء أنور – بوابة الأهرام
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
“مدري”.. حنكة الصمت في مواجهة الأعداء
في زمن الحروب والصراعات، تصبح بعض الكلمات درعًا يحمي الأوطان من محاولات الاختراق والتجسس. في اليمن، برزت كلمة “مدري” (ما أدري) كأداة استراتيجية لمواجهة الأعداء، مما أثار حفيظة بعض الجهات التي تسعى للحصول على المعلومات بأي وسيلة.
“مدري” تثير حفيظة الأعداء
عندما يُواجه بعض الأفراد، خاصة من أعوان الأعداء، بردود مقتضبة مثل “مدري”، يشعرون بالإحباط. هذا الشعور دفعهم إلى شنّ حملات ساخرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مستخدمين هاشتاغات ونكات وصور كاريكاتورية تسخر من استخدام هذه الكلمة. إلا أن هذه المحاولات تعكس تأثير وفعالية “مدري” في حماية المعلومات الحساسة.
حملات السخرية: محاولة يائسة لاختراق جدار الصمت
تُظهر هذه الحملات الساخرة مدى الانزعاج من فعالية “مدري” كأداة للصمت الاستراتيجي. في عالم الإعلام الرقمي، تُستخدم هذه الأساليب لتشكيل سرديات معينة والتأثير على الرأي العام. وفقًا لدراسة نُشرت على موقع الجزيرة نت، فإن السيطرة على السردية الإعلامية أصبحت معركة حقيقية في العصر الرقمي، حيث تسعى الجهات المختلفة لتوجيه الرأي العام من خلال التحكم في المحتوى المتداول عبر الإنترنت.
“مدري” كأداة للمقاومة الإعلامية
في سياق الحروب النفسية والإعلامية، يُصبح التكتم والاحتفاظ بالمعلومات الحساسة جزءًا من استراتيجية المقاومة. استخدام “مدري” يُمثل وعيًا بأهمية عدم تقديم معلومات قد تُستغل من قبل الأعداء. هذا التكتيك ليس جديدًا؛ ففي العديد من الصراعات التاريخية، كان الصمت والتكتم أدوات فعّالة في حماية الأسرار العسكرية والمعلومات الحساسة.
دروس من التاريخ: ألمانيا وروسيا
خلال الحرب العالمية الثانية، أدركت الدول أهمية السرية والتكتم. الاتحاد السوفيتي، على سبيل المثال، اعتمد على الشفرات والخطوط السرية لحماية اتصالاته ومعلوماته العسكرية. هذا النهج ساهم في تعزيز قوته ومكنه من مواجهة التحديات العسكرية بفعالية.
قوة الاتحاد السوفيتي: الشفرة والتكتم
اعتمد الاتحاد السوفيتي على أنظمة تشفير معقدة مثل “فيالكا” و”ون تايم باد”، والتي كانت تعتبر غير قابلة للكسر. هذا المستوى من السرية والتكتم ساعد في الحفاظ على أمن الدولة ومعلوماتها الحساسة. حتى أن مشروع “فينونا” الأمريكي استغرق سنوات لفك بعض هذه الشفرات، مما يدل على فعالية هذه الأنظمة.
اليمن: واقع مشابه
في اليمن، وخاصة في صنعاء، يواجه الناس تحديات أمنية معقدة. العدو قد لا يكون دائمًا خارجيًا، بل قد يكون من الداخل. وسائل التواصل الاجتماعي قد تنقل معلومات حساسة دون قصد، مما يجعل التكتم ضرورة. قول “مدري” في مثل هذه الحالات ليس ترددًا، بل وعيًا بخطورة الإفصاح.
ختاما
تبرز “مدري” كأداة بسيطة لكنها فعّالة في الحفاظ على سرية المعلومات وحماية الوطن ومواجهة محاولات الاختراق الإعلامي والتجسس، السخرية والتهكم من هذه الكلمة من قبل الأعداء وأعوانهم يُظهر مدى تأثيرها وفعاليتها. لذا، يجب أن نُدرك قيمة الصمت والتكتم في زمن تكثر فيه التحديات والتهديدات، ونجعل من “مدري” حصنًا منيعًا في وجه محاولات الاختراق والتجسس.