طريق الحل السياسي للأزمة اليمنية تعترضها معوقات بالجملة
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
بعد تسع سنوات من انقلاب الحوثيين على الدولة واندلاع الحرب في اليمن، باتت جميع المؤشرات تقود إلى بوادر حلّ سياسي يلوح في الأفق، خصوصاً بعد المحادثات التي أجريت في العاصمة السعودية الرياض بين السعوديين الذين يقدمون أنفسهم كوسيط وبين جماعة الحوثيين، والتي استمرت 5 أيام واختتمت الثلاثاء الماضي. السعوديون وجماعة الحوثيين وصفوا نتائج المفاوضات بالإيجابية، من دون الكشف عن تفاصيل ما تم الاتفاق عليه، ما يعني أن أطراف الصراع في اليمن حسموا أمرهم باتخاذ قرار إيقاف الحرب والشروع في حلّ سياسي يجمع الفرقاء اليمنيين.
لكن النتائج التي أفرزتها الحرب من تشظي البلد إلى حكومتين ومصرفين مركزيين وانقسام الجيش إلى جيوش متعددة، كلّها عوامل تضع العديد من التحديات والمعوقات في طريق الحل السياسي الشامل، والتي سيكون من الصعب تجاوزها في حال لم تقدّم أطراف الصراع التنازلات اللازمة لتجاوز هذه الإشكاليات.
الجانب الاقتصادي في الأزمة اليمنية
ولعل الجانب الاقتصادي يعد من أصعب وأهم الملفات في الأزمة اليمنية، مع انقسام المصرف المركزي اليمني، واختلاف سعر صرف العملة الوطنية بين المناطق التابعة لحكومة الحوثيين في صنعاء، والمناطق التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في عدن.
أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، الدكتور مطهر العباسي، أوضح لـ"العربي الجديد"، أن "من تداعيات الحرب العبثية في اليمن تشطير الاقتصاد، إذ أصبح لدينا نظامان اقتصاديان مختلفان: نظام في سلطة عدن، ونظام في سلطة صنعاء". وأشار العباسي، إلى أنه "في سلطة عدن، النظام المالي قائم على تمويل نفقات الحكومة عن طريق طباعة النقود، وفي سلطة صنعاء الحكومة تمول نفقاتها من جبايات الضرائب والجمارك والزكاة أضعافاً مضاعفة". وتابع: "في الجانب النقدي هناك تشطير للمصرف المركزي، فهناك مصرف مركزي في عدن وآخر في صنعاء، وانعكس ذلك أيضاً على قيمة العملة في صنعاء التي تختلف عنها في عدن، كما نتج عنه سعر صرف مختلف بين المدينتين".
واعتبر العباسي أن "من الحكمة أن يكون هناك إجماع بين أطراف الصراع على تحييد الاقتصاد ومؤسساته السيادية والإنتاجية، وما دام الوضع في حالة هدنة، فهذا الأمر يتطلب حواراً جاداً لتوحيد المصرف المركزي أولاً، لأن الحديث عن توحيد العملة لا يمكن أن يتم إلا عبر ذلك".
ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أن "توحيد المصرف المركزي ليس صعباً، إذ كل ما في الأمر هو أن يكون هناك توافق على تقاسم المناصب القيادية في المصرف المركزي، وهي المحافظ والنائب ومجلس الإدارة، وبقية الأمور هي أعمال فنية". واعتبر العباسي أنه "إذا توحد المصرف المركزي فمعنى هذا توحيد موارد الدولة، فعوائد صادرات النفط والغاز يجب أن تصب في المصرف المركزي، وكذلك عوائد الضرائب والجمارك والزكاة، وهنا يمكن الحديث عن كيفية تقاسم هذه الموارد السيادية بين السلطتين في صنعاء وعدن".
ولفت العباسي إلى أن المعيار الأساسي هو الرجوع إلى ميزانية 2014، مشيراً إلى أن حوالي 65 – 70 في المائة من الموظفين هم في مناطق صنعاء والبقية في عدن، ولذلك يتطلب الأمر معالجة هذا الموضوع بروية وحكمة، وأيضاً التوافق على آلية لإدارة سعر الصرف بشكل سليم.
وأكد أستاذ الاقتصاد في هذا السياق، أن "توحيد سعر الصرف سيتطلب جهوداً كبيرة، ليس فقط من اليمن، بل أيضاً من الجهات الداعمة وأولها دول التحالف، فلا بد من وجود وديعة كبيرة حتى تدعم القوة الشرائية للريال اليمني، ويمكن وفقاً لآلية السوق أن يتحدد سعر الصرف في منطقة وسط ما بين عدن وصنعاء، ويتم توحيد العملة". وشرح أن ذلك ضروري "لأن المصرف المركزي سيضطر إلى دفع الرواتب والنفقات التشغيلية وغيرها من مصدر واحد وهي العملة الصادرة من المصرف المركزي في عدن، لأن المصرف المركزي في صنعاء ليست له أي قدرة على طباعة نقود، أو ليست له أي قدرة في إدارة سعر الصرف لأنه ليست لديه أي احتياطيات من الدولار، وهذا الأمر ليس بالمستحيل".
وأشار العباسي إلى أن "هناك تجارب حديثة نجحت، فالنموذج الليبي على سبيل المثال ممكن أن يكون أحد المعالم التي نأخذ منها الدروس المستفادة". وأوضح أنه "في ليبيا، توجد حكومتان، حكومة بنغازي التي تسيطر على آبار النفط، وحكومة طرابلس التي فيها المصرف المركزي ومؤسسات النفط، فاتفق الطرفان على تحييد النفط والمصرف المركزي". وتابع أن "عوائد صادرات النفط والغاز تصب في المصرف المركزي في طرابلس، الذي يقوم بوضع آلية لتوزيع هذه العوائد بين حكومتي بنغازي وطرابلس، وبهذا الشكل عالجوا القضية الاقتصادية بكل يسر وبساطة، وهم يعملون الآن على الملفات السياسية والعسكرية والأمنية".
وأكد العباسي أن "الأجدر بأطراف الصراع اليمني، إذا كانت لديهم مسؤولية وطنية، أن يضعوا الهمّ الاقتصادي والأجندة الاقتصادية في مقدمة الأولويات في الحوار والنقاش، وأن يخرجوا بحلول سليمة لمعالجة الوضع الاقتصادي"، معتبراً أن ذلك لا يتطلب "إلا إرادة سياسية وفهماً لآليات عمل المؤسسات الاقتصادية أيا كانت المؤسسات السياسية، مثل المصرف المركزي ووزارة المالية، أو المؤسسات الإنتاجية مثل النفط والغاز وغيرها".
تعدد الجيوش والمليشيات
الجانب العسكري والأمني هو الملف الآخر الذي يواجه الكثير من التحديات في طريق معالجته مع انقسام الجيش الوطني عقب أحداث ثورة 11 فبراير/شباط 2011، لتزيد حالة الانقسام عقب انقلاب جماعة الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2014.
الحرب التي تشهدها البلاد أسفرت عن وجود تشكيلات عسكرية متعددة، أغلبها غير نظامي، ففي حين يوجد جيش وطني تابع للحكومة الشرعية، هناك مجموعات مسلحة تابعة للحوثيين، وأخرى لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، وأخرى تابعة لـ"المقاومة الوطنية" التي يقودها عضو مجلس الرئاسة طارق صالح، فيما هناك "ألوية العمالقة" التي يقودها عضو مجلس الرئاسة أبو زرعة المحرمي.
المحلل العسكري العميد جمال الرباصي، أكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن توحيد المجموعات المسلحة مشكلة كبيرة، لافتاً إلى أنه "خلال السنوات الماضية، لم نستطع توحيد القوى في صفّ الشرعية تحت قيادة وزارة الدفاع، فكيف سيكون الحال مع قوات الحوثيين وقوات الشرعية؟".
وتوقع الرباصي أن "تبرز صعوبة كبيرة في عملية توحيد المجموعات المسلحة، ونحن بحاجة إلى أفكار جديدة تخرجنا من هذا الموقف الصعب، مثلاً الاتفاق على بناء القوات المسلحة كقوات للوطن، كحصص لكل محافظة مثلاً، وإنشاء قوات حرس وطني إلى جوارها في كل محافظة لتستوعب المليشيات القائمة، وبنسبة معينة من تعداد السكان".
وأشار إلى أن "الحوثي متكئ اليوم في بقائه على مليشياته المسلحة، ولهذا من المستحيل التخلي عنها طوعاً، وكذا الانتقالي وبقية الأطراف، ولهذا أرى أن السلام القائم على المرجعيات الدولية والإقليمية والمحلية مستبعد، وكل ما هو ممكن الوصول إليه هدنة مفتوحة حتى يتغير الموقف الدولي لصالح سلام حقيقي يفرض بالقوة".
ورأى الرباصي أن "الخصم العقائدي للمجتمع اليمني هو الحوثي ومليشياته، ولهذا من الضروري إلحاق هزيمة عسكرية بها وطردها من المحافظات غير الموالية له وحصره، بينما المليشيات الأخرى نفعية وممكن فكفكتها عند تخلي الداعم لصالح مشروع دولة للجميع".
"دولة" الحوثي
التحديات في طريق التسوية المحتملة للأزمة اليمنية لا تنحصر بالملفات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، بل تتعدى ذلك إلى الصراع حول مفهوم الدولة وشكلها، في ظل امتلاك الفرقاء السياسيين في اليمن رؤى مختلفة حول شكل الدولة.
الباحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ميساء شجاع الدين، اعتبرت في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أبرز التحديات في طريق التسوية أن "الحوثي شكّل دولة ويريد تطبيق تصوره العقائدي فيها، الذي لا علاقة له بالمواطنة ولا الدستور ولا المفاهيم الحديثة للدولة، وبالتالي هذا لن يخلق قواعد مشتركة بينه وبين القوى السياسية الأخرى، فالحوثي لديه مفهوم عقائدي طائفي وهو أمر لا يستسيغه معظم اليمنيين".
وأضافت شجاع الدين أن "الجنوبيين صارت الآن تطلعاتهم نحو الانفصال والاستقلال، ومن الصعب بعد كل هذا أن يقتنعوا بالعودة إلى صنعاء، خصوصاً في ظل هيمنة عسكرية طائفية لجماعة الحوثيين". وختمت بأن تصورها هو "أن الصراع راهناً ليس مثل السابق على تقاسم السلطة أو تقاسم الثروة، فالصراع هذه المرة هو حول مفهوم وشكل الدولة وهذا أعمق بكثير، ويجعل من وجود أرضية مشتركة أمراً صعباً".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الازمة اليمنية مفاوضات الرياض الحكومة الحوثي المصرف المرکزی سعر الصرف فی الیمن فی صنعاء فی سلطة فی طریق فی عدن إلى أن
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يهدد الحوثيين: ماذا وراء التصعيد؟
شمسان بوست / متابعات:
توعّد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جماعة الحوثيين، يوم الأحد، بالتحرّك ضدهم “بقوة وتصميم”، وذلك غداة إطلاقهم صاروخاً من اليمن سقط في تل أبيب وأسفر عن إصابة 20 شخصاً بجروح. وقال نتنياهو في مقطع فيديو بثّه مكتبه: “كما تصرّفنا بقوّة ضدّ الأذرع المسلّحة لمحور الشر الإيراني، سنتحرّك ضدّ الحوثيين… بقوة وتصميم وحنكة”، على حد زعمه.
وجاء الهجوم الصاروخي الحوثي بعد شنّ الاحتلال الإسرائيلي، فجر الخميس الماضي، سلسلة غارات على مدينتي صنعاء والحديدة اليمنيتين، استُهدفت فيها محطات توليد الطاقة والموانئ والمنشآت النفطية، ما تسبب في سقوط تسعة شهداء على الأقل من المدنيين وأضرار كبيرة في البنية التحتية في اليمن.
ويشنّ الحوثيون عمليات عسكرية على أهداف إسرائيلية في الداخل الفلسطيني وفي البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، باستخدام صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة وزوارق بحرية. وتؤكد الجماعة أنها لن توقف عملياتها إلا برفع الحصار عن قطاع غزة.
وكشف سلاح الجو الإسرائيلي، يوم الأحد، في تحقيق أجراه سبب فشله في اعتراض الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون السبت، قائلاً إن خللاً حدث في الصاروخ الاعتراضي أدى إلى الفشل في التصدي للصاروخ. وأفادت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية بأن الحوثيين أطلقوا 201 صاروخ وأكثر من 170 طائرة مسيّرة متفجرة على إسرائيل منذ بداية الحرب، اعترض الأميركيون وسلاح الجو والبحرية معظمها. وفي الوقت نفسه، اعتبرت الصحيفة نفسها أن “إسرائيل لم تكن مستعدة استخبارياً وسياسياً لمواجهة تهديد الحوثيين، ولم تشكل تحالفاً إقليمياً للتصدي لهم”، مؤكدة أن “الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبة في التصدي لهم دفاعاً وهجوماً”.
ومساء أمس السبت، أعلنت القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم” تنفيذ سلاح الجو ضربات دقيقة ضد منشأة لتخزين الصواريخ ومنشأة قيادة وتحكم للحوثيين في صنعاء. وقالت القيادة المركزية الأميركية في بيان لها: “أسقطنا طائرات مسيّرة وصاروخ كروز مضاداً للسفن في أثناء قصفنا الحوثي”، وأضافت: “نفذنا ضربات جوية دقيقة ضد منشأة لتخزين الصواريخ ومنشأة قيادة وتحكم للحوثيين في صنعاء”.
وأشارت “سنتكوم” إلى أنّ الضربات “تهدف إلى تعطيل عمليات الحوثيين وتقليصها، كالهجمات على السفن الحربية في البحر الأحمر”، مضيفة أنّ “الضربة تعكس التزام الإدارة الأميركية حماية القوات الأميركية والشركاء الإقليميين والشحن الدولي”.
وفي بيان لاحق، قال الجيش الأميركي إن طيّارين اثنين من البحرية الأميركية قد أُسقِطا فوق البحر الأحمر في حادثة تبدو أنها نتيجة “نيران صديقة”. وأُنقِذ الطياران، لكن أحدهما أصيب بجروح طفيفة. وكانت القوات الأميركية تنفذ ضربات جوية استهدفت الحوثيين في اليمن وقت وقوع الحادث، ولم يقدم بيان القيادة المركزية الأميركية تفاصيل إضافية عن طبيعة المهمة. في المقابل، أعلنت جماعة الحوثيين إسقاط طائرة “إف 18” أثناء محاولة المدمرات الأميركية والبريطانية التصدي للمسيّرات والصواريخ اليمنية.
المصدر/ العربي الجديد