الوظيفة تؤرق اليمنيين: تهاوي القطاع العام وتدهور الأنشطة الاستثمارية
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
لم يعد الثلاثيني عمار ناجي قادراً على تحمل الوضع الذي يمر به، حيث يقضي معظم فترات يومه حبيس منزل أسرته، بعد أن فقد عمله في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، منذ نحو ثلاثة أعوام، ولم يعثر على أي فرصة عمل بالرغم من بحثه المتواصل.
يتحدث ناجي لـ"العربي الجديد"، أنه لجأ مع زوجته وطفليه إلى منزل والده لأنه لم يعد باستطاعته دفع إيجار المنزل الذي يسكنه وتكاليف المعيشة اليومية، وذلك كما يقول ناجي؛ "حتى يفرجها الله" ويجد فرصة عمل.
وقد أجبرت الحرب واستفحال الصراع في الجانب الاقتصادي في السنوات الثلاث الماضية تحديداً كثيرا من اليمنيين على اتباع نمط الحياة التشاركي حيث تعيش أكثر من أسرة أفرادها غالباً من الأبناء والأخوة ممن كانوا قد استقلوا في حياة خاصة بهم في مسكن واحد يتشاركون فيه كل بقدر استطاعته للمساهمة في تكاليف ومتطلبات السكن والمعيشة.
يشرح المواطن عبدالحكيم مراد، من سكان صنعاء، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الكثير من العوائل مثل أسرته (حيث يعيل أسرة مكونة من ثمانية أفراد)، تعتمد غالباً على دخل أحد أفرادها الذين لايزالون يعملون، في توفير أهم متطلبات الغذاء، بينما يستمر الآخرون في مساعيهم للبحث عن عمل أو أي فرصة للمساعدة والمساهمة في هذه الاحتياجات والمتطلبات.
ودخل اليمن مرحلة صعبة على كافة المستويات بفعل الصراع الاقتصادي المشتعل والذي كانت له تبعات كارثية على معيشة اليمنيين ومصادر الدخل وإفراغ الأسواق بشكل تدريجي من فرص العمل المتاحة في القطاع الخاص ومختلف الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، في ظل أزمة طاحنة يمر بها القطاع العام المشغل الرئيسي في اليمن وانقسامه بين طرفي الصراع، الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين وما نجم عن ذلك من انقطاع رواتب الموظفين المدنيين.
زيادة الأعباء
وتعد ظروف العمل في اليمن صعبة للغاية، والتي كانت أقل من مثالية حتى في فترة ما قبل تصعيد الصراع، في حين يشير تقرير للبنك الدولي صادر في أغسطس/ آب الماضي إلى أن الاستيلاء على العاصمة صنعاء كان له آثار قوية متباينة على العمالة في اليمن. بالمقابل، يمر سوق العمل أخيراً في عموم مدن ومناطق اليمن بحالة اضطراب وعدم استقرار وسط اهتزاز في إنتاجية الأسر بسبب تراجع مصادر الدخل مع انخفاض عدد العاملين، حيث كان هناك بالمتوسط اثنان على الأقل يبلغان من العمر 15 عاماً أو أكثر يعملان في كل أسرة.
ويعزو خبراء اقتصاد هذا الوضع الراهن المتشكل في اليمن وسط محاولات واسعة تقودها سلطنة عمان للتهدئة الشاملة وإيقاف الصراع المشتعل في الملف الاقتصادي، إلى مجموعة من الأسباب أهمها السياسات التدميرية التي تنتهجها بعض الأطراف والتي ساهمت في ارتفاع الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية تفوق قدرات تخفيف تبعاتها الكارثية.
ويقول الخبير الاقتصادي مطهر عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الراهن أمر طبيعي أنتجه الصراع الدائر والتعسفات التي قيدت الاستثمارات متبوعة بسياسة السلطات المعنية المعتمدة بشكل أساسي على الجبايات، خصوصاً الحوثيين، بالنظر إلى استيلائهم على العاصمة اليمنية صنعاء وهي المركز الرئيسي للقطاع الخاص والمصارف والبنوك.
الباحث الاقتصادي صادق علي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن القطاع العام في اليمن تاريخياً كان أكبر مصدر للوظائف والمشغل الرئيسي لليمنيين، في حين ساهمت الحرب في تخلي القطاع العام عن هذه المهمة حيث تعرضت مؤسسات الدولة لتدمير، يعتبره ممنهجاً، لمقدرات ومكتسبات الوطن والشعب بحيث سمح ذلك بهيمنة سلطات أطراف الحرب وفرض سياستها واتباعها، في حين نال القطاع الخاص نصيب وافر من الاستهداف الممنهج، بحسب هذا الباحث الاقتصادي، خاصة البيوت التجارية الوطنية العريقة التي كان لها دور كبير في التشغيل واستقطاب الأيدي العاملة بأعداد كانت تفوق في بعض الأحيان قدراتها الاستيعابية.
إجراءات تعسفية
ويجمع مسؤولون في القطاع الخاص وتجار وخبراء اقتصاد على أن سلطة الحوثيين في صنعاء انتهجت سياسات اقتصادية مقيدة وإجراءات تعسفية على القطاع الخاص وطاردة للمستثمرين وخانقة للمواطنين اليمنيين في مناطق نفوذها، والتي تقوم على الجبايات والإتاوات، حيث عملت على رفع معدل الجبايات من الضرائب المختلفة والزكاة على القطاع الخاص بمستويات غير مسبوقة في ظل أزمة خانقة في توفير الخدمات مثل الكهرباء، ومستلزمات الإنتاج والبنية التحتية والنقل.
ويشير رئيس لجنة الصناعة في الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية أنور جارالله في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى خدمات الدعم ومستلزمات الإنتاج والكهرباء باعتبارها من أهم المشاكل والتحديات التي يعاني منها القطاع الخاص بالنظر إلى تبعاتها على الإضرار بالقطاع الصناعي ومختلف أنشطة الأعمال الاقتصادية والاستثمارية وتحجيم قدراتها على التوسع والتطور الذي يسمح باستيعاب الأيدي العاملة، لافتاً إلى أن القطاع الخاص بالرغم من ذلك يقوم بدور كبير في التشغيل وتوفير فرص العمل.
بدوره، يتطرق التاجر أحمد جشيع في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى التحدي الأهم، كما يصفه، والمتمثل بسياسة إنهاك القطاع الخاص الوطني في اليمن وإضعافه بالجبايات والإتاوات والضرائب المضاعفة وقائمة طويله من الرسوم الجبائية. ويعتبر خبراء اقتصاد أن الرسوم الجبائية والإتاوات سياسة منظمة تستهدف من خلالها بعض الأطراف رأس المال الوطني لفرض اتباعها من تجار السوق السوداء ممن كونتهم الحرب على حساب معاناة اليمنيين.
خسائر فادحة
تشير التقديرات الحكومية الأخيرة الصادرة عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية إلى أن خسائر القطاع الخاص المباشرة وغير المباشرة بلغت 27 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب، علاوة على ذلك، أغلقت 25 في المائة من إجمالي عدد الشركات في اليمن بعد عام 2014، وشهد أكثر من 80 في المائة منها انخفاضا حادا في المبيعات، في حين ترجح وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل واتحاد عمال اليمن عدد العمال الذين فقدوا وظائفهم بفعل الحرب والصراع بنحو 5 ملايين عامل.
تتضمن الأسباب الرئيسية لإغلاق الشركات القضايا الأمنية في مناطق الصراع، والخراب الاقتصادي، والركود المالي، وتدمير أصول الشركات. أما الشركات التي نجت من هذه الأسباب فقد عانت من انقطاعات في الخدمات الرئيسية وتناقص في قواعد عملائها.
في استجابة لهذه الظروف، خفضت الشركات من عدد العاملين فيها، وتحولت نسبة 52 في المائة من الشركات الكبيرة إلى متوسطة، والمتوسطة إلى صغيرة، والصغيرة إلى متناهية الصغر أثناء الصراع، ونقلت 20 في المائة أخرى من الشركات عملياتها إما إلى مناطق داخل البلد أو إلى الخارج.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن اقتصاد استثمار وظائف القطاع العام العربی الجدید القطاع العام القطاع الخاص فی المائة فی الیمن فی حین
إقرأ أيضاً:
خبراء: الفرص الاستثمارية الجديدة بقطاع البترول تسهم في دفع عجلة التنمية وتحقيق مكاسب للاقتصاد
يواصل قطاع البترول والغاز الطبيعى العمل على زيادة وجذب الكثير من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، بما يُحقق مكاسب كبيرة للقطاع الاقتصادى للدولة، حيث إن زيادة الاستثمارات توفر للدولة مكاسب اقتصادية، سواء كانت عملات أجنبية أو زيادة فى إنتاج الدولة.
«القليوبى»: الدولة عملت على حل جميع المعوقات أمام المستثمرين الأجانبوقال الدكتور جمال القليوبى، أستاذ هندسة البترول والطاقة وعضو مجلس إدارة جمعية البترول، إنه خلال الفترة الماضية كان أمام المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية، 3 نقاط ضعف، وكان من أهمها زيادة استهلاك الغاز الطبيعى خلال فترة زيادة الطلب واستهلاك الكهرباء أثناء فترة الصيف، وكذلك زيادة قدراتنا الاستيرادية من الغاز الطبيعى من المشتقات البترولية فى الفترة المقبلة، والتى كان يجب العمل على حلها بشكل سريع، وعليه اتخذت الدولة 6 آليات للتعامل مع هذه المعوقات.
وأضاف لـ«الوطن» أن الدولة وفّرت تدابير ومستحقات الشركات الأجنبية وفق جدولة أعلن عنها المهندس كريم بدوى، وزير البترول، وعليه سيتم رفع معدلات الإنتاج، وأيضاً إجراء الدراسات المتقدمة المستهدف منها تقييم وزيادة قدرات التخزين المصرية، بجانب العمل على التواصل الدائم مع الشركاء الأجانب من الشركات التى تعمل فى مصر، ولها جزء كبير من حجم الاستثمارات، مثل «إينى» الإيطالية و«أباتشى» الأمريكية و«بى بى» البريطانية، خاصة أن هذه اللقاءات كانت تهتم بها القيادة السياسية، على رأسها الرئيس السيسى، كما أجرى وزير البترول عدداً من الزيارات للشركات العالمية، والتى كان لها أثر إيجابى وأعطى أريحية للمستثمرين.
ولفت إلى أن القيادات البترولية قامت بالكثير من النقاشات، التى أسفرت عن دخول استثمارات جديدة بشكل سريع وقوى، وذلك من خلال التقييم السريع للمناطق البترولية والغازية المطروحة فى المزايدات العالمية والتطوير السريع لها، وهو ما يسرع من عملية الاستكشاف والإنتاج، وهو ما يُسهم فى زيادة ضخ الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة الحالية.
وأشار إلى أن الوزارة عملت على تنشيط الاستثمارات الجديدة وتسهيل العراقيل والعواقب والصعاب التى كان يتوقف عليها الكثير من هذه الاستثمارات، كما نجحت الدولة فى العمل على زيادة أعداد الحفارات فى عدد من المناطق الإنتاجية لزيادة الآبار التى يتم حفرها.
ومن أبرز الإيجابيات خلال هذه الفترة العمل على استكشاف منطقة البحر الأحمر للتقييم السريع للدخول فى اكتشافات من خلال عملية البحث والتنقيب بداية 2025، وأيضاً زيادة الطروحات للكثير من المناطق، حيث توجد 12 منطقة امتياز فى منطقة البحر المتوسط، كل هذه الآليات أدت إلى عملية تنشيط كامل عمليات الإنتاج.
«غراب»: حِزم تحفيز لجذب استثمارات أجنبية ضمن خطط تلبية الاحتياجاتوقال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، إن قطاع البترول والغاز الطبيعى حقّق إنجازات خلال العام الحالى، حيث بلغ الإنتاج الحالى 1.4 مليون برميل زيت مكافئ يومى، وأضيف إليه إنتاج جديد خلال الربع الأول من العام المالى الحالى من يوليو حتى سبتمبر بنحو 30 ألف برميل زيت/ يوم و133 مليون قدم مكعب/ يوم، وتسعى «البترول» لزيادة الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتى وتقليل الاستيراد.
وأضاف «غراب» لـ«الوطن» أن وزارة البترول قامت بسداد جزء كبير من مستحقات الشركات الأجنبية، وقامت بطرح حزم تحفيز استثمارية لجذب استثمارات أجنبية جديدة، وقد نجحت خلال العام الحالى من يناير وحتى أكتوبر فى حفر 77 بئراً استكشافية، ونجحت فى إضافة 54 كشفاً محقّقاً و40 كشف زيت و14 كشف غاز، كما تم إضافة احتياطيات بنحو 71 مليون برميل زيت و680 مليار قدم مكعبة غاز، ونجحت فى تحقيق الكثير من الإنجازات خلال الربع الأول من العام المالى الحالى، منها استئناف شركة «إينى» أعمال الحفر بحقل ظهر خلال ديسمبر المقبل لحفر بئرين لإدخال إنتاج جديد يصل إلى نحو 220 مليون قدم مكعبة يومياً، إضافة إلى دخول حفارات شركة عجيبة لمنطقة الامتياز البرية لبدء أعمال الحفر.
وأشار إلى أن من إنجازات قطاع البترول بدء شركة شل فى الإنتاج من بئر سيبيا خلال شهر أكتوبر الماضى بمعدل من 30 إلى 40 مليون قدم مكعبة يومياً، وقد يصل الإنتاج إلى نحو 160 مليون قدم مكعبة يومياً مع دخول بئرين جديدتين بنهاية العام الحالى فى منطقة غرب الدلتا العميق، إضافة إلى وضع شركة «بى بى» خطة بوضع مشروع ريفين على الإنتاج فى يناير 2024، والبدء فى حفر حقل الكينج، بداية من العام المقبل، ولسرعة وضع شركة «أباتشى» على خريطة الإنتاج أسندت إليها 4 مناطق استكشافية بالصحراء الغربية، ليبدأ الإنتاج فى التزايد بنهاية العام المقبل، ليصل إلى نحو 80 مليون قدم مكعبة يومياً، إضافة إلى نجاح شركة «آى بى آر» لزيادة إنتاجها للوصول إلى 15 ألف برميل زيت يومياً تضاف إلى الإنتاج بنهاية العام الحالى، إضافة إلى شركة «يه دى إى إس» فى زيادة إنتاج نحو 5 آلاف برميل زيت يومياً تُضاف إلى الإنتاج بنهاية العام الحالى أيضاً.
من جانبه، قال الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادى، إنه خلال الفترة المقبلة ستنتهى كل التزامات الدولة المصرية نحو الشركاء الأجانب، التى من المقرر انتهاؤها قبل مارس 2025، وهو ما سيُسهم بشكل كبير فى زيادة الاستثمارات الأجنبية الفترة المقبلة وعلية زيادة الإنتاج المحلى للبترول والغاز الطبيعى.
وأضاف «أنيس» أن كل هذه الإجراءات التى تتّخذها الدولة ستُسهم بشكل كبير فى التوقّف عن استيراد المنتجات البترولية والاتجاه نحو توفير الإنتاج المحلى لاحتياجات المواطنين، مشيراً إلى أن الدولة تعمل على استكشافات جديدة خارج الحقول الحالية، وعلى رأسها البحث فى منطقة الساحل الشمال الغربى، وهو ما يرفع القدرات الإنتاجية.