ماذا وراء حديث البرهان وحميدتي عن محادثات السلام في الأمم المتحدة؟
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
قال رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إنه منفتح على محادثات السلام ووضْع حدّ للحرب وتخفيف معاناة الشعب السوداني، متهماً قوات الدعم السريع بالوقوف في وجه تلك المساعي.
وفي حديث أمام الأمم المتحدة، الخميس، حثّ البرهان المجتمع الدولي على تصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية، متهما إياها بارتكاب وبدعم جرائم قتل واغتصاب وتهجير قسري وسلب ونهب واتجار بالمخدرات وجلْب مرتزقة، وغير ذلك.
على الجانب الآخر، قال قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، إنه مستعد لوقف إطلاق النار.
وفي رسالة عبر الفيديو، للأمم المتحدة، أكد حميدتي استعداده للمشاركة في محادثات السلام.
ورأى إبراهيم إدريس، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأفريقية، أننا إزاء “تصعيد دبلوماسي” من جانب البرهان يستهدف من ورائه “إعلاء سقف مستقبل الحوار فيما يخص الموقف الدولي لدعم الحكومة السودانية”.
وقال إدريس لبي بي سي: “هذا الاتهام سياسي، وأكبر من كونه مجرد اتهام بالإرهاب؛ إنما هو محاولة لكسب مواقع متقدمة في المفاوضات المقبلة”.
ورأى إدريس أنه بالنظر إلى التجارب السابقة، فضلا عن طبيعة مفهوم الإرهاب في حدّ ذاته، “ستكون هناك إشكالية في أن يتفاعل المجتمع الدولي مع دعوة البرهان وتصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية”.
لكن عثمان ميرغني، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، يرى أن الجيش النظامي بقيادة البرهان “يعوّل الآن على إجراءات دولية بدأت بالفعل ضد قوات الدعم السريع، وحال استمرار تلك الإجراءات -ولا سيما بظهور لائحة اتهام من جانب المحكمة الجنائية الدولية- سيعني ذلك عملياً عدم قدرة قوات الدعم السريع على الاستمرار في المفاوضات”.
وقال ميرغني لبي بي سي: ” إذا ما استُجيبت دعوة البرهان وتم توصيف قوات الدعم السريع بأنها منظمة إرهابية، فستسقط بذلك عمليا إمكانية إقامة حوار مع الدعم السريع، بل لاستوجب ذلك قيام تحالف دوليّ مع الجيش السوداني لسحق هذه المنظمة باعتبارها تمثل تهديدا للإقليم وللمجتمع الدولي”.
ويرى ميرغني في حديث كل من البرهان وحميدتي عن محادثات السلام “محاولة للحصول على صورة ذهنية جيدة أمام المجتمع الدولي”.
ويؤكد رئيس تحرير صحيفة التيار المستقلة، أن محادثات السلام ليست هي الهدف، مشيرا إلى أنه كانت هناك مفاوضات متصلة لأكثر من شهرين بين الطرفين لكنها تجمّدت في نهاية المطاف من دون أن تسفر حتى عن فتْح ممرّات آمنة لتمرير المساعدات الإنسانية.
وقال ميرغني: ” هذا يعني عمليا أن استخدام لافتة السلام من جانب الطرفين هو مجرد تكتيك”.
فيما يرى إبراهيم إدريس أن حديث البرهان وحميدتي عن محادثات السلام إنما جاء لاقتناع الجنرالين أخيرا بعدم قدرة الخيار العسكري على حسم الصراع، وبأنه “ليس هناك حل آخر”.
وأشار إدريس إلى أن الجنرالَين كانا قد أعلنا في بداية الصراع، في أبريل/نيسان الماضي، عن حسْمٍ في مدى أقصاه ثلاثة أيام إلى أسبوع، “وهو ما ثبتت استحالته على أرض الواقع”.
وقال إدريس لبي بي سي: “ليس هناك غير المفاوضات، وممارسة الدور الضاغط من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيقاد (منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية) على طرفَي الصراع في السودان”.
وأضاف: “قد شهدنا تجربة الصراع بين الجبهة الشعبية لتحرير جنوب السودان في معاركها العسكرية ضد نظام عمر البشير والتي امتدت لأكثر من 20 عاما ولم تنته إلا بالمفاوضات، وكذلك أزمة دارفور لم تنته إلا بالمفاوضات رغم كل ما أريق بها من دماء”.
وفي حديثه أمام الأمم المتحدة، حذّر البرهان، من أن الحرب في بلاده قد تمتد إلى الدول الأفريقية المجاورة.
وفي هذا الصدد، ألمح البرهان إلى علاقات بين قوات الدعم السريع ومرتزقة فاغنر الروس المنخرطة في أعمال قتالية في أجزاء من أفريقيا.
وعن تلك التحذيرات، رأى عثمان ميرغني أن هذا “سيناريو شاخص ومحتمل، لكن لحسن الحظ لا تزال حتى الآن هناك فرصة لتجنّب حدوثه؛ إذا تمكنت الأطراف الدولية والإقليمية من التوصّل إلى معادلة تُنهي هذا الصراع وتفرض خارطة طريق على طرفَيه”.
واندلعت الحرب الأهلية في السودان في أبريل/نيسان عندما انتشر أفراد من قوات الدعم السريع في أنحاء البلاد في خطوة اعتبرها الجيش بقيادة البرهان “تهديدا”. وأسفر الصراع حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 7500 شخص ونزوح الملايين.
بي بي سي عربي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع محادثات السلام الأمم المتحدة بی بی سی
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع تعلن قيام حكومة موازية في السودان مع دخول الحرب عامها الثالث
الخرطوم - أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الثلاثاء15ابريل2025، قيام حكومة موازية في السودان، مع دخول الحرب التي أوقعت عشرات آلاف القتلى وأغرقت أنحاء من البلاد في مجاعة، عامها الثالث.
وطالب 15 بلدا والاتحادان الأوروبي والإفريقي الثلاثاء خلال مؤتمر في لندن بـ"وقف لإطلاق النار فوري ودائم" في السودان، مع التشديد على "ضرورة الحؤول دون تقسيم السودان".
وجاء في بيان لدقلو على تلغرام "نؤكد بفخر قيام حكومة السلام والوحدة - تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان".
وأضاف "ستوفر حكومتنا الخدمات الأساسية - التعليم والصحة والعدالة - ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقوات الحركات بل في جميع أنحاء البلاد. نحن نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية. ونصدر وثائق هوية جديدة، حتى لا يُحرم أي سوداني من حقوقه".
ودخلت الحرب في السودان الثلاثاء عامها الثالث بعد أن خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص متسببة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق.
وخلال الأسبوع الماضي وحده، قتل 400 شخص ونزح 400 ألف آخرون في هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم في شمال دارفور، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وروت آمنة حسين البالغة 36 عاما لوكالة فرانس برس "دخلوا زمزم وراحوا يطلقون النار علينا".
وأصيبت حسين برصاصة في يدها لدى فرارها من المخيم إلى مدينة طويلة التي تبعد نحو 60 كلم.
وقالت بعدما أنهكها السير لثلاثة أيام وقد تورّمت يدها "لففت يدي بقماشة لوقف نزيف الدماء وركضنا بلا توقف".
واشتدت المعارك في إقليم دارفور غربي السودان بعد إعلان الجيش استعادته السيطرة على العاصمة الخرطوم.
من جهته، أعلن الجيش السوداني أنه نفذ الاثنين "ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات العدو شمال شرق الفاشر" وأدت إلى مقتل عدد من المقاتلين وتدمير مركبات عسكرية.
واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.
وفي غضون ساعات تحولت مدينة الخرطوم الهادئة إلى ساحة حرب تملؤها الجثث بينما لاذ مئات الآلاف بالفرار.
وخلال عامي الحرب اتُهم طرفا النزاع، الواقعان تحت العقوبات الأميركية، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بينها القصف العشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية. وتواجه قوات الدعم السريع تحديدا اتهامات بالعنف الجنسي الممنهج والإبادة الجماعية والنهب.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان الثلاثاء إن السودانيين "محاصرون من كافة الجهات - حرب وانتهاكات واسعة النطاق ومهانة وجوع وغيرها من المصاعب. يواجهون حالة من اللامبالاة من العالم الخارجي الذي لم يُبدِ خلال العامين الماضيين اهتماما يُذكر بإحلال السلام في السودان أو إغاثة جيرانه".
- كابوس لا ينتهي -
ويقول عبد الرافع حسن (52 عاما) وهو من سكان جنوب الخرطوم "كنا نعيش في رعب من تصرفات أفراد الدعم السريع في الطرقات أو عندما يقتحمون المنازل". ويكشف حسن الذي بقي في الخرطوم لوكالة فرانس برس أنه خسر نصف وزنه خلال سنتين.
ويتابع "الآن بعد أن تحررت منطقتنا منهم نعيش في أمان لكن نعاني من نقص في خدمات المياه والكهرباء" مؤكدا أن معظم مستشفيات العاصمة لم تعد تعمل.
وفي ولاية الجزيرة بوسط السودان يؤكد محمد الأمين (63 عاما) أن مواطني مدينة ود مدني يعيشون "بلا كهرباء". ويضيف "بعد تحرير المدينة حدثت بعض المعالجات للمياه لكنها توفر لحوالي 8 ساعات في اليوم".
بعد دخول الجيش السوداني الخرطوم الكبرى، عادت زينب عبد الرحيم إلى منزلها في بَحْري لتجد أنه "نُهب بالكامل".
وتقول زينب عبد الرحيم لوكالة فرانس برس إن المدينة محرومة من مياه الشرب والكهرباء، مشيرةً إلى صعوبة الحصول على الأدوية أو الوصول لمستشفى ما زال يعمل. وتضيف "للحصول على المواد الغذائية علينا الذهاب إلى أم درمان (على بعد نحو 9 كيلومترات)، فسوق مدينة بحري محطم واحترق".
وبحسب الأمم المتحدة، قد يعود أكثر من 2,1 مليون نازح إلى الخرطوم في خلال الأشهر الستة المقبلة، إذا ما سمحت الأوضاع الأمنية والبنى التحتية بذلك.
- استمرار تدفق السلاح -
وشهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة في الأشهر الماضية، خصوصا مع محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال خارجة عن سيطرتها في الإقليم.
وأطلقت هذه القوات الأسبوع الماضي هجوما جديدا عند أطراف الفاشر التي تحاصرها، أتاح لها السيطرة على مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة، بعد يومين من القصف المدفعي العنيف وإطلاق النار.
ونقلت الأمم المتحدة الاثنين عن "مصادر موثوقة" تأكيدها أن حصيلة هذه المعارك تجاوزت 400 قتيل، بينما فرّ نحو 400 ألف شخص من المخيم، حسبما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الإثنين إن السودان "لا يزال عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى" داعياً إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي".
ودعا غوتيريش "المتمتعين بأكبر قدر من النفوذ لدى الأطراف" المتحاربة إلى "استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة".
وشدد غوتيريش في بيانه على أهمية "وقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة" مشيراً إلى "مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره".
ويتّهم الجيش السوداني الإمارات بمدّ الدعم السريع بالأسلحة، ما تنفيه الدولة الخليجية وقوّات دقلو بدورها.
- التخلّي عن السودان -
وفي البيان الختامي، تعهّدت البلدان المشاركة في مؤتمر لندن بأكثر من 80 مليون يورو إضافية لمساعدة السودان في مواجهة أزمة إنسانية كارثية.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في افتتاح المؤتمر المنظّم بمبادرة من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والاتحاد الإفريقي "لا يمكننا بكلّ بساطة أن نشيح نظرنا".
وتابع أن "كثيرين تخلّوا عن السودان... وهذا خطأ أخلاقي نظراً لعدد القتلى المدنيين والرضّع الذين بالكاد بلغوا عامهم الأوّل وتعرّضوا لعنف جنسي وعدد الأشخاص المهدّدين بالجوع الذي يفوق المستويات المسجّلة في أيّ مكان آخر في العالم".
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والإمارات المتحدة وتشاد وممثلون عن الاتحاد الأوروبي بينما يغيب عنه طرفا النزاع السوداني.
وأحصت الأمم المتحدة قتل أو تشويه 2776 طفلا بين 2023 و2024 في السودان، مقابل 150 في 2022. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى.
ومن الصعب التوصل لأرقام دقيقة لضحايا حرب السودان بسبب انهيار القطاع الصحي، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى السودان توم بيرييلو قدر عدد القتلى بنحو 150 ألفا.
واعتبرت منظمة الأمم المتّحدة للطفولة (اليونيسف) أن "عامين من الحرب والنزوح حطّما حياة ملايين الأطفال في أنحاء السودان".