إذا فعلتها من أجل نفسي فقط.. فماذا أكون؟
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
إن الوجود يتداعى إذا لم تكن هناك “فكرة قوية” أو “مثال قوى” يتمسك به الفرد، بحسب تعبير “فرويد”، ويقول “ألبرت أينشتاين”: (إن الإنسان الذى يعتبر حياته بلا معنى ليس مجرد إنسان غير سعيد، ولكنه يكاد لا يصلح للحياة)، وعلى حد التعبير “الأوجستيني”: (فإن قلب الإنسان لا يجد سبيلًا إلى الراحة إلا إذا وجد فى هذه الحياة معنى وهدفًا يعمل على تحقيقهما).
ويقابل ذلك بحسب وصف الكاتب النمساوى “فيكتور فرانكل” فى كتابه "الإنسان والبحث عن المعنى": الشعور بـ"اللا معنى" أو الشعور بالفراغ الوجودي، حيث لا يعرف الإنسان ما الذى يرغب أن يفعله، وبدلًا من ذلك: فإنه إما أن يرغب فى أن يفعل ما يفعله الآخرون “التواؤمية”، أو أنه يفعل ما يرغب الآخرون منه أن يفعله “الاستبدادية”، ويكشف هذا الفراغ الوجودى عن نفسه أساسًا فى حالة الملل، وهنا نفهم كلام الفيلسوف الألمانى “شوبنهاور” حينما قال: (إن الإنسانية قد حكم عليها بشكل واضح أن تتأرجح إلى الأبد بين طرفين أحدهما الضيق، وثانيهما الملل)، وهناك أقنعة مختلفة ومظاهر متعددة يبدو بها الفراغ الوجودي، ففى بعض الأحيان يكون هناك تعويض لإرادة المعنى المحبطة ب “إرادة القوة” مثل إرادة المال وغيره مما يظن الإنسان أنه سبيل للقوة، وفى حالات أخرى تحل “إرادة اللذة” محل إرادة المعنى المحبطة. وهذا هو السبب فى أن الاحباط الوجودى ينتهى غالبًا بالتعويض الجنسي.
إن الوجود متسامٍ، فالتسامى على الذات هو جوهر الوجود، وكون الإنسان إنسانًا يعنى توجهه إلى شيء آخر غير ذاته، وأن يكون منشغلًا ومشتبكًا بموقف، فكون الإنسان إنسانًا يعنى أن يواجه معنى وقيمًا يجب تحقيقها، أى العيش فى مجال التوتر القائم بين الواقع وبين المثاليات التى يتم العمل على تحقيقها، فالإنسان يعيش بالمثل والقيم، وإن الاهتمام الأصيل والطبيعى للإنسان والمنصب على المعنى والقيم يتعرض للخطر نتيجة لسيطرة النزعة الذاتية والنزعة النسبية، فمن شأن أى من هاتين النزعتين أن تُودى بمثالية الإنسان وحماسه.
ولكن هل المعانى والقيم نسبية وذاتية كما يعتقد البعض؟، إنهم كذلك على نحو ما، وبحسب فرانكل:ولكن على نحو يختلف عن ذلك الذى يراه أصحاب النزعة النسبية والذاتية. فالمعنى نسبى من حيث أنه يتعلق بشخص معين مشتبك بموقف. ويمكن القول بأن المعنى يختلف أولًا من إنسان لآخر، وثانيًا من يوم ليوم، بل ومن ساعة لساعة، وأفضل أن أتحدث عن تفرد - Uniqueness - بدلًا من نسبية المعاني. فالتفرد خاصية للحياة ككل وليست لموقف معين فقط،وذلك نظرًا لأن الحياة سلسلة من المواقف المتفردة. وهكذا فإن الإنسان فريد فيما يتعلق بكل من جوهره ووجوده، فلا يوجد إنسان يمكن أن يحل أخر محله، وذلك بفضل تفرد جوهر كل إنسان. وحياة كل إنسان فريدة من حيث أنه لا أحد يمكن أن يكررها، وعاجلًا أو آجلًا سوف تنتهى حياته للأبد، مع كل الفرص الفريدة لتحقيق المعاني.
يقول الحكيم اليهودى “هلل” الذى عاش قبل ألفى عام: (إذا لم أفعلها أنا، فمن يفعلها؟“ وفيه إشارة إلى تفرد ذاتي، و"إذا لم أفعلها فى الحال، فمتى أفعلها؟“ وفيه إشارة إلى تفرد اللحظة العابرة، ولكن "إذا فعلتها من أجل نفسى فقط، فماذا أكون؟" وفيه يعبر عن خاصية التسامى على الذات المميزة للوجود الإنساني”-، وإجابة هذا السؤال الأخير: لا أكون إنسانًا بحق على الإطلاق، وذلك لأن التسامى على الذات خاصية متأصلة فى الوجود الإنساني).
لا يمكن إعطاء المعنى على نحو استبدادي، ولكن يجب أن توجد المسئولية وفقًا لما يميليه الضمير، فالضمير هو: المقدرة القصدية للإنسان على أن يجد المعنى لموقف من المواقف، فهو يرشد الإنسان فى بحثه عن المعنى.
المسئولية هى الجوهر الحقيقى للوجود الإنساني، فالإنسان مخلوق مسئول، وينبغى أن يحقق المعنى الكامن لحياته.
الحرية الغائية “أى قدرة الإنسان أن يختار اتجاهه من بين مجموعة من الظروف، تلك التى اعترف بها الفلاسفة الرواقيون القدامى، وكذلك الوجوديون المحدثون” هذه الحرية وحدها كافية ليصيغ الإنسان معادلة الحياة: (لكى تعيش عليك أن تعاني، ولكى تبقى عليك أن تجد معنى للمعناة)، الإنسان ليس مفعولًا به على الدوام، تتقاذفه الأمواج النفسية والحياتية، من دون أن يملك تغييرًا كما يرى تيار “الحتمية الشمولية”، وإنما الإنسان بحسب “فرانكل” ليس مشروطًا أو محتوم السلوك بصورة كلية، لكنه يقرر نفسه، الإنسان ليس ببساطة أمرًا موجودًا، بل هو يقرر دائمًا وجوده الذى سيكون عليه.
وبحسب “فيكتور فرانكل”: (ويل لمن لا يرى فى الحياة معنى، ولا يستشعر هدفًا أو غرضًا لها، ومن ثم لا يجد قيمة فى مواصلة الحياة، وسرعان ما يحس بالضياع)، إن أى محاولة يستخدمها الشخص لكى يسترد قوته الداخلية ينبغى أن تنجح أولًا فى أن تجعله يبصر لنفسه هدفًا مستقبليًا، وفى ذلك نأخذ من توجيهات الفيلسوف “نيتشه”: (من يمتلك سببًا يعيش من أجله فإنه يستطيع غالباِ أن يتحمل بأى طريقة وبأى حال).
*كاتب مهتم بقضايا التنمية البشرية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ألبرت آينشتاين إنسان ا
إقرأ أيضاً:
"أنا إنسان " و"تسريحة جديدة فقط" إصداران جديدان بالشارقة الدولي للكتاب
شهد ركن توقيعات الكتب بمعرض الشارقة الدولي للكتاب فى دورته الـ 43، اليوم /الجمعة/ توقيع كتابين جديدين الأول للكاتب أحمد الشناوي وجاءت روايته تحمل عنوان "أنا إنسان"، والثاني للكاتبة اللبنانية مريم الجمّال بعنوان "تسريحة جديدة فقط"، وسط حضور كبير من المثقفين وجمهور المعرض المقام في مركز إكسبو الشارقة، والذي يستمر حتى 17 نوفمبر الجاري، تحت شعار "هكذا نبدأ".
وقال الشناوي - خلال حديثه لجمهور المعرض-: "إن رواية "أنا إنسان" تسلط الضوء على العديد من القضايا الإنسانية والاجتماعية التي نعيشها اليوم، سواء كانت تتعلق بالضغوط النفسية في بيئة العمل أو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا اليومية، وحرصت على أن تكون الرواية مرآة تعكس واقعنا، وتحث القرّاء على التفكير في القضايا التي تؤثر على مجتمعنا بشكل مباشر ".
وأضاف الشناوي أن رواية "أنا إنسان" هي نافذة عميقة على النفس البشرية وقصصها المعقدة، حيث يتناول بصدق وشفافية قضايا نفسية واجتماعية شديدة التأثير في حياتنا اليومية، الكتاب ليس مجرد مجموعة من القصص، بل هو مرآة تعكس آلام المجتمع وضغوطه المتزايدة، وكيف تؤثر هذه الضغوط على الأفراد سواء على المستوى الشخصي أو المهني.
وأشار إلى أن الرواية تسلط الضوء أيضًا على بيئة العمل وضغوطها النفسية التي يعاني منها الموظفون.
وأوضح أن الكتاب يناقش الفروق بين المدير والقائد، وكيف يمكن للأسلوب الإداري أن يكون عاملًا إما لتعزيز الإنتاجية والسعادة النفسية للموظفين أو لخلق بيئة سامة مليئة بالتوتر والقلق، فالمدير الذي يستخدم أسلوب التسلط والتحكم يعكس تأثيرًا سلبيًا عميقًا على صحة الموظفين النفسية، بينما القائد الذي يقود بفهم ودعم يشكل مصدر إلهام وراحة.
"أنا إنسان" ليس مجرد عرض لقضايا ومشاكل، بل هو دعوة للتغيير إنه يطرح أسئلة هامة حول كيف يمكننا أن نكون أكثر إنسانية، وكيف يمكننا بناء مجتمع أكثر تفهماً وتقبلاً للاختلافات والتحديات التي يواجهها الأفراد في حياتهم اليومية.
فيما تفاعل الأطفال من زوار معرض الشارقة الدولي للكتاب مع الكاتبة اللبنانية مريم الجمّال، حيث قرأت لهم خلال حفل التوقيع ، قصة كتابها "تسريحة جديدة فقط"، وتقمصت شخصياته اللطيفة التي تضم الأختين مايا ونور، والأنسة مريم، وأخذتهم إلى حكاية السؤال الذي طرحته مايا على نفسها؛ "لماذا لدي أخت وليس لدي أخ؟"
وأكدت الكاتبة، وهي أم لثلاث بنات، أن عنوان الكتاب لا يرتبط بحبكة القصة بشكل مباشر وإنما هو عبارة قالتها طفلة لديها أخت وبدأت تتساءل لماذا لدي أخت بنت، وليس أخ ولد، وحاولت أن تلعب بصورة أختها، وتقص أجزاء من شعر أختها في الصورة لتبدو كالولد.
وقالت مريم جمّال: "مع أن الكتاب تناول الموضوع بشكل فكاهي جداً وخفيف ومناسب للأطفال، لكن ثناياه تحمل رسائل عميقة لمجتمعنا، حيث يتناول موضوع الأسر التي تتكون من بنات فقط، وليس لديهم ولد، ويحزنون عندما تنجب الزوجة بنتاً، وينقلون هذا الحزن إلى بناتهم دون أن يشعروا، فهناك أشياء لا نستطيع تغييرها، وفي الحياة هنالك اختلاف ينبغي لنا أن نتقبله، ومهما كان شكل العائلة، فإن ذلك لا يمنع من وجود الحب والفرح والسعادة".