الكاتبة السورية ماريا دعدوش: الحروب أصبحت جزءا من أدب الطفل
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
في قصتها "لغز الكرة الزجاجية"، استطاعت الكاتبة السورية ماريا دعدوش أن تتناول بطريقة مثيرة مشكلتي ولع الأطفال بالألعاب الإلكترونية والتلوث الذي تتعرض له البيئة على مستوى العالم، عبر بناء سردي سلس وحبكة محكمة.
وحصلت الكاتبة المخضرمة -التي نشرت أكثر من 50 كتابا- على عدد كبير من الجوائز والمنح كجائزة كتارا للرواية العربية، وجائزة خليفة للإبداع التربوي، وجائزة شومان لأدب الأطفال، وغيرها الكثير، وهو ما يعود لدأبها وحرصها الدائم على التعلم والتقدم أكثر في مجال الكتابة عموما، والكتابة للأطفال والناشئة خصوصا.
تحدثت دعدوش إلى الجزيرة نت عن كيفية تنشئة طفل محب للقراءة وعن الطريقة التي يمكن بها لقصص الأطفال صناعة طفل سوي، فكان لنا معها هذا الحوار:
كيف يمكن للأم التي لم تبدأ بعد قراءة القصص لأطفالها البدء فعلا؟أنصح الأمهات الجدد بأن يتعرفن على عالم كتب الأطفال، ويعطونه من وقتهن وطاقتهن، أصحاب المكتبات عادة يساعدون في توجيه الأم نحو دور النشر المحترمة، والكتاب والرسامين الجيدين، لكن أيضا الكتاب الناجح يجب أن يعجب الكبار بالقدر نفسه الذي يعجب به الصغار، لذلك فإن أي كتاب يلفت انتباه الأم من حيث الموضوع أو الرسوم، أو الإخراج، أو اللغة، سيلفت انتباه أطفالها أيضا، المهم أن تبدأ رحلتها في القراءة لهم.
عدا عن القصص الفلسفية، التي عادة ما يكون لها جمهور خاص، فمن المتوقع لقصة الطفل الناجحة أن تجذب كل الأطفال مهما كانت شخصياتهم، واحتياجاتهم.
وتجد ما يشبه الاتفاق العام بشأنها، فعلى سبيل المثال أفلام مثل "الأسد الملك" أو فيلم "قصة لعبة" تحظى بإجماع، فكل من شاهدهما وقع في غرامهما والأمر نفسه ينطبق على الكتب، لكن بالطبع تعمد الأم، أحيانا، لاختيار مواضيع معينة لتساعدها على اجتياز مرحلة معينة يمر بها أطفالها، مثل أن تختار كتابا عن أول يوم في الروضة كي تحضر أطفالها نفسيا لذلك اليوم، وهكذا.
أحب أن اعتبر كتب الأطفال منصة تنطلق منها الأم في حوار مع أبنائها كي تسبر أغوار أفكارهم ومخاوفهم وأحلامهم، ولتبني مخزونا مشتركا من النكات والمفردات والأفكار معهم.
تعاني كثير من الأمهات انعدام تركيز الطفل أو نفاد صبره.. كيف يمكن للأم أن تغري صغيرها باستكمال الحكاية حتى النهاية؟"كان يا مكان في قديم الزمان"، جملة لم تفقد سحرها منذ الأزل برأيي، من هؤلاء الأطفال الذين يستطيعون مقاومة حضن الأم، وصوتها الدافئ، وكتابا رائعا يفتح الأبواب على عالم الخيال؟ ليس من الضروري أن نبقي الأطفال حتى يستكملوا القصة لنهايتها ما داموا مستمتعين، ولا بأس أن نكملها في وقت لاحق.
وأود أن أشير إلى أن دورة الانتباه لا تولد طويلة مع الإنسان، إنما تطول بالمران والمواظبة، وهذا يعني أن أطفالنا يبقون منتبهين اليوم لدقائق، وغدا أكثر وأكثر، حتى يأتي اليوم الذي تود فيه الأم أن تترك الكتاب لتباشر واجباتها، لكن يتشبث أطفالها بها يريدون مزيدا من الكتب، وذلك يحدث بترسيخ طقوس القراءة يوميا بإصرار وثبات بغض النظر عن الشواغل مهما كانت.
لو لم تصلح بالكامل، فلا بد أنها مدخل للمصلحين أو المعالجين، يكسرون عبرها الجليد مع الأطفال كي يشجعوهم على مشاركة مخاوفهم العميقة حتى تطفو للسطح والعلن، ويساعدوهم على تبديدها. للقصص سحرها وقوتها ولهذا السبب امتلأت الكتب السماوية بالقصص.
هل فرضت الضرورة "أدب حرب" موجها للأطفال؟ وما دوره وأهميته، برأيك؟انتشرت الحروب، واشتعلت مناطق النزاع في بقاع العالم. أدب الحرب، من جهة، يمثل الأطفال الذين يعانون في أماكن الصراع، فلا يشعرون أنهم منسيون ومهمشون وحدهم، ومن جهة أخرى، يساعد الأطفال الآخرين في المناطق الآمنة على أن يثمنوا السلام وألا يعتبروه من المسلمّات المجانية المتاحة لكل الأطفال في العالم.
أيهما أصعب الكتابة للأطفال أم الكبار؟ وكيف تقررين أن فكرة بعينها هي الأصلح من بين كل الأفكار بحيث تبدئين العمل عليها؟درست في جامعة لوس أنجلوس كل أنواع الكتابة، للأطفال والمراهقين والكبار، فأساس اختصاصي كان في الرواية، وقد كتبت لكل الأعمار، لكن العمر الذي أجده الأصعب هو عمر 9-11، لأن الأطفال في هذا العمر بدؤوا ينضجون ويشعرون أنهم فهموا الحياة أكثر من الكبار، وابتدأ لديهم نوع من التحدي للتعليمات والأوامر التي حرص المربون على تنشئتهم عليها، ولهذا فلا بد من طريقة خاصة جدا في محاباة هذا العمر، نعترف فيها بنضجهم لكن في الوقت نفسه نأخذ بأيديهم نحو الصواب.
يحدث دوما أن تتجاوز مسودات قصصي لهذا العمر 15 مسودة، قبل أن أصل لنسخة أرضى عنها، على عكس الأعمار الأكبر والأصغر، لكن بالطبع أنا لا أعمم، وربما يجد آخرون صعوبة في الأعمار الأخرى.
الجوائز تحفز الكتّاب والرسامين والناشرين على بذل أقصى جهودهم، وقد أسهمت بصورة فلكية في تحسين واقع الكتب في العالم العربي ولهم جزيل الشكر.
ما قصة المنحة التعليمية التي حصلت عليها؟ وما موضوع دراستك؟ وما طموحك في مجال الكتابة؟حصلت على منحة "كلير كارمايكل" في الرواية في جامعة لوس أنجلس، ودرست الكتابة الإبداعية وتخصصت في الرواية، طموحي أن ألفت انتباه قراء الراحل الرائع أحمد خالد توفيق لكي لا تبقى ساحة اليافعين خالية من بعده.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الأوقاف: المساجد حضن تربوي للأطفال مع مراعاة الضوابط الشرعية
قالت وزارة الاوقاف المصرية، إن المساجد بيوت الله، وهي المكان الذي يملأ القلوب بالسكينة ويزود الأرواح بالهدى، ومن رحمة الإسلام أن جعل المساجد بيئة رحبة للكبار والصغار من الجنسين، حاضنة للأبناء؛ لتعزيز حبهم لها وارتباطهم بها منذ الصغر؛ فقد كان سيدنا النبي ﷺ قدوة في هذا المجال، إذ كان يُلاعب أحفاده داخل المسجد، ويحملهم في أثناء الصلاة؛ ويستقبل الوفود في المسجد، ويشهد "لعب الحبشة" (ما يشبه الفولكلور أو الفنون الشعبية في العصر الحديث)، وكل ذلك وغيره يؤكد التوازن بين الحفاظ على قدسية المسجد، وتعدد أدواره، ورعاية فطرة الطفل وحاجته للطاقة والحركة.
وأضافت الأوقاف، في منشور بيان لها، ففي حديث أبي قتادة رضي الله عنه، قال: “رأيت النبي ﷺ يصلي بالناس وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها”، وهذا يوضح أن وجود الأطفال في المسجد وملاطفتهم لا يتعارض مع قدسيته، بل يعزز ارتباطهم به، ويزرع فيهم حب الصلاة، والإقبال على مجالس العلم، وتوقير بيوت الله وروادها، ومعرفة قدر العلماء والمربّين، وترسيخ فكرة الترويح المباح عن النفس، وتعليمهم كيفية ترشيد استهلاك الطاقة والمياه، وغير ذلك من الأهداف النبيلة.
وفي حديث آخر عن شداد بن الهاد رضي الله عنه، قال: "خرج علينا رسول الله ﷺ في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدم النبي ﷺ فوضعه، ثم كبر للصلاة، فسجد أطال السجود".
وهنا نجد أن النبي ﷺ لم يمنع الأطفال من المسجد حتى في أثناء الصلاة، بل كان يُظهر لهم الرقة والرحمة، بل كان يوجز التلاوة في الصلاة حرصًا على تلبية احتياجات الصغار كما ثبت من سنته الشريفة.
كما ورد في حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه: "كان رسول الله ﷺ يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران يعثران، فنزل رسول الله ﷺ من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه"؛ وهذا الموقف يؤكد أن وجود الأطفال في المسجد كان أمرًا مألوفًا -بل محببًا- في عهد سيدنا النبي ﷺ، وهو لا يتعارض مع الوقار، بل يعبر عن رحمة النبي بهم.
أما عن حديث عائشة رضي الله عنها، فقد قالت: "رأيت النبي ﷺ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد... "، وهذا الحديث يوضح سماحة الإسلام في السماح ببعض اللعب داخل المسجد طالما أنه لا يخل بقدسيته ولا يؤثر في خشوع المصلين.
ومن المهم أن يكون اللعب والملاطفة في أوقات لا تعيق الصلاة أو تؤثر في خشوع المصلين، كما ينبغي إشراف الكبار على الأطفال من أجل مراعاة الآداب الشرعية في أي نشاط داخل المسجد، والأوقات المناسبة للهو المباح وكيفيته، مع تربيتهم على عدم المساس بقدسية المسجد أو التسبب في إزعاج المصلين، أو في إحداث أي ضرر بالمكان أو بمن هم فيه.
والمؤكد أن تربية الأطفال على احترام الأكوان بما ومن فيها -بما في ذلك حب المساجد- لا تقتصر على التلقين فحسب، بل ينبغي إشعارهم بالألفة والراحة في رحابها؛ والتلطف معهم فيها بالقول وبالفعل، وبالتعليم وبالإهداء، وبالترحيب وبالتوجيه الذي يأخذ بعلوم نفس الطفولة ويراعي متطلبات التنشئة السليمة والذكاء العاطفي، ولا مانع من ملاعبة الأطفال في المساجد بشرط أن يكون ذلك متفقًا مع الآداب الشرعية وألا يتسبب في أي مساس بالمسجد أو مكوناته أو رواده.
واللهَ نسأل الله أن يجعل بيوته عامرة بذكره، وأن يرزقنا تربية أجيالنا على طاعته وحب بيوته التي أذِن سبحانه أن تُرفَع ويُذكَرَ فيها اسمه.