البابا فرنسيس...رجل الدين الذي يحارب المصلحة الذاتية الضيقة الأوروبية تجاه المهاجرين
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
إعداد: بوعلام غبشي إعلان اقرأ المزيد
"البحر الأبيض المتوسط مقبرة أفريقيا"، بهذه العبارة يلخص البابا فرنسيس مأساة المهاجرين القادمين من القارة السمراء نحو "الفردوس الأوروبي". رجل دين يمتلك حسا مرهفا تجاه هذه الشريحة، ولا يتردد في الدفاع عنها في كل مناسبة منتقدا بشكل مباشر وغير مباشر السياسات الأوروبية التي تدبج دون مراعاة للشق الإنساني في هذا الملف.
فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن يلتهم المتوسط أجسادا غضة لشباب حالم بمستقبل زاهر بالقارة العجوز. ففي هذا المعبر البحري الرئيسي للهجرة، حيث قضى أكثر من 2000 شخص غرقا هذا العام، بحسب المنظمة الدولية للهجرة، ارتفعت أرقام الوافدين إلى الساحل الإيطالي إلى 126 ألفا منذ بداية السنة، مقارنة بـ 66 ألفا خلال الفترة نفسها من العام الماضي، حسب أرقام للسلطات الإيطالية.
وتسبب وصول نحو 11 ألف مهاجر قبل أيام إلى إيطاليا، معظمهم في جزيرة لامبيدوزا، زلزالا جديدا في المؤسسات الحكومية والقارية الأوروبية التي سارعت لإعادة النظر في طريقة التصدي للمهاجرين نحو القارة ومحاولة التوصل إلى صيغ ممكنة للتعاون مع روما لاحتواء هذه الأزمة، حيث قررت بروكسل إطلاق خطة أوروبية.
قارة تمزقها الأنانية القوميةلم تكن السياسة الأوروبية حول الهجرة يوما محل إجماع، ومنتقدوها كانت لهم دائما ملاحظات حول نقائص تشوبها.
"المطلوب آلية إنقاذ وتوزيع دائمة...ولكن في الوقت الراهن، لا نرى أي تقدم"، بحسب فنسان كوشتال مبعوث الأمم المتحدة لمنطقة وسط وغرب البحر المتوسط، مضيفا بأسف في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية: "صارت الكوارث اليومية هي الوضع الطبيعي الجديد".
وهذا الوضع السياسي الأوروبي حول الهجرة، يثير إزعاج البابا فرنسيس، الذي ينتقده بشدة. ففي زيارة قام بها في ديسمبر/ كانون الأول 2021 لليونان التي كانت تعتبر إلى عهد قريب أحد المنافذ المهمة للمهاجرين الوافدين على أوروبا مرورا من تركيا، انتقد ما أسماه قارة "تمزقها الأنانية القومية".
واعتبر البابا أن المجتمع الأوروبي "يواصل المماطلة" و"يعاني كما يبدو في بعض الأوقات من العجز وانعدام التنسيق" بدلا من أن يكون "محركا للتضامن" في مسألة الهجرة.
وعندما زار جزيرة ليسبوس اليونانية في نفس الفترة، أي ديسمبر/ كانون الأول 2021، كان واضحا في انتقاداته لـ"المصلحة الذاتية الضيقة والقومية" الأوروبية التي "تقود إلى عواقب كارثية"، داعيا إلى التركيز على أسباب الهجرة مثل "الحروب المنسية" عوض تسليط العقاب على أولئك الذين يتأثرون بنتائجها.
ورقة المهاجر واستغلالها سياسيا؟ورقة المهاجرين كانت دائما تستغل من أطراف سياسية لأغراض انتخابية بحسب المراقبين. "إنه من السهل التأثير على الرأي العام من خلال زرع الخوف من الآخر"، قال البابا يوما، معتبرا أن "الأسباب البعيدة يجب مهاجمتها، وليس الفقراء الذين يدفعون ثمن العواقب ويتم حتى استغلالهم لأغراض الدعاية السياسية".
ويحث البابا منذ سنوات على اعتماد مقاربة إنسانية في التعاطي مع ملف الهجرة والمهاجرين بدل الانسياق وراء الأطروحات السياسوية المتشددة. ففي 2013، عند زيارته الشهيرة إلى لامبيدوزا، ألقى خطابا تاريخيا، قال فيه: "ثقافة الرفاهية تجعلنا نفكر في أنفسنا وتجعلنا لا نشعر بألم الاخرين"، داعيا إلى "المسؤولية الأخوية" وإلى إدانة "عولمة اللامبالاة".
وبزيارته الجمعة إلى مرسيليا، يختتم البابا النسخة الثالثة لاجتماعات البحر الأبيض المتوسط، بعد باري في العام 2020 وفلورنسا في 2022، مواصلا بعث رسائل حول المهاجرين لاعتماد سياسات أوروبية أكثر إنسانية مع هذه الفئة.
ومن حين لآخر، يستفز البابا الضمير الأوروبي لإعادة النظر في الأسلوب المعتمد تجاه هذه الشريحة، وتجاوز الفهم السياسي المنغلق للأزمة، كما حصل في يوليو/ تموز الأخير عندما صرح: "إن موت الأبرياء خاصة الأطفال بحثا عن حياة أكثر سلاما بعيدا عن الحرب والعنف، هو صرخة مؤلمة تصم الآذان لا يمكن أن تتركنا غير مبالين"، موجها اللوم للمجتمعات التي لا تتحرك أمام هول مآسي المهاجرين: "عار على المجتمع، لم يعد يحزن على الأخرين ويشفق عليهم".
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الملك تشارلز الثالث فيضانات ليبيا زلزال المغرب ريبورتاج البابا فرنسيس زيارة مرسيليا فرنسا الهجرة غير الشرعية لاجئون للمزيد
إقرأ أيضاً:
2024.. العام الذي أعاد تشكيل خريطة الشرق الأوسط
رأى إميل حكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أنه إذا كان المزيج الضخم من الحلقات المأساوية والمذهلة والاستراتيجية التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 سيستغرق وقتاً ليستقر، فإن ما حصل سيترك بلا شك آثاراً بعيدة المدى.
أظهرت الإدارة الجديدة في دمشق ضبط نفس وبعض الحكمة
وفي مقال له بصحيفة فايننشال تايمز، أشار حكيم إلى أن المجتمعات المشرقية المتنوعة والهشة تمر بتحولات تاريخية جذرية. لكنه يرى أن هذه المجتمعات، في ظل هذا المسار، من المستبعد أن تجد دعماً خارجياً كبيراً بالنظر إلى التردد المحلي والإرهاق العالمي. ويصاحب إعادة ترتيب المنطقة عنف كبير ومنافسة متجددة.معاناة الفلسطينيين
يختبر الفلسطينيون في غزة من معاناة غير مسبوقة على أيدي الجيش الإسرائيلي، ويرى حكيم أن الرهان الدموي الفاشل لحماس، مع عجز شركائها عن إنقاذ الوضع، يشكل تذكيراً واضحاً بأن المسار الوحيد لتحقيق الدولة الفلسطينية هو تدويل القضية والتوصل إلى حل متفاوض عليه.
وبرز التحالف الذي نظمته السعودية ودول عربية وأوروبية أخرى لدعم حل الدولتين كأكثر الوسائل ترجيحاً لتحقيق هذا الهدف.
How 2024 reordered the Middle East https://t.co/KV3fyeIVVu pic.twitter.com/NDwyn9yaS7
— Mtro. Sergio J. González Muñoz (@ElConsultor2) December 22, 2024ويتعين على الفلسطينيين أن يقتنعوا بأن هذا الحل أكثر من مجرد رقصة دبلوماسية رمزية، بل يتعين عليهم أيضاً أن يظهروا ملكيتهم للمسار من خلال إصلاح طال انتظاره للسلطة الفلسطينية، ومع ذلك، تظل مثل هذه التطلعات عُرضة للتعنت الإسرائيلي والغضب المحتمل من جانب دونالد ترامب.
العقلية الخطيرة لإسرائيلوأتاح الدعم غير المشروط الذي تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لها تجاهل الحاجة إلى تحقيق سلام عادل يضمن الأمن للجميع.
لكن هذه العقلية التي ترتكز على الأمن فقط لها عواقب عكسية؛ فهي مكلفة، وتعزز الاعتماد على الولايات المتحدة، وتنفر الشركاء الحاليين والمحتملين في المنطقة الذين يخشون توسع الصراع ليشمل إيران أو منشآتها النووية.
لكن لهذه العقلية القائمة على الأمن وحسب عواقب عكسية. فهي مكلفة وتزيد من الاعتماد على الولايات المتحدة وتنفّر الشركاء الحاليين والمحتملين في الجوار والذين يخشون أن توسع إسرائيل الصراع من خلال ضرب القيادة الإيرانية والمنشآت النووية. كما أن خسائر السمعة بنتيجة حرب غزة هائلة، وتلوح في الأفق مسؤوليات قانونية.
ويبدو أن سلطة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وأتباعه المتطرفين أصبحت مضمونة في وقت تتزايد الانقسامات الداخلية حول طبيعة الدولة الإسرائيلية.
قوتان متعارضتانأما اللبنانيون، فيواجهون دينامية معاكسة. إذ يتعين على حزب الله الاعتراف بانهيار استراتيجيته العسكرية وروايته الأيديولوجية، إلى جانب تراجع صدقيته. في ظل هذه الظروف، يبدو إحياء روح القتال التي يتبناها حزب الله مهمة صعبة، خاصة في ضوء الجراح العميقة التي أصيب بها، وخسارته المفاجئة لسوريا، وأوضاع أنصاره المتدهورة.
والعديد من اللبنانيين يرون فرصة لإصلاح دولتهم، لكنهم يدركون أيضاً خطر استفزاز حزب الله الجريح، ما قد يؤدي إلى صراع داخلي.
How 2024 reordered the Middle East https://t.co/OwLrFZSzBJ
— FT World News (@ftworldnews) December 22, 2024 المفارقة السورية وفي سوريا، تذوق السوريون طعم الحرية لأول مرة بعد عقود من القمع. ويرى حكيم أن انهيار نظام الأسد حدث دون مشاهد عنف طائفي جماعي مخيفة، بينما أظهرت الإدارة الجديدة في دمشق ضبط نفس وحكمة نسبية.ويتطلب تأمين السلام في سوريا جهوداً ضخمة من الكرم والتفاني في إدارة الحكم الشامل، في ظل وجود مفسدين داخليين وخارجيين. ويبدو أن السوريين كشفوا عيوب السياسة الواقعية، رغم أنهم الآن بحاجة إلى حسن نية أجنبية.
ولتحقيق مصالحة عربية كردية، يتطلب الأمر اعتدالاً تركياً ودبلوماسية أمريكية، مع احتمال أن تسهم الوساطة الروسية في طمأنة المجتمع العلوي.
حذار الرضا عن النفس
ختاماً، أكد حكيم أن إيران خسرت الكثير نتيجة الأحداث الأخيرة. فبينما كانت تسعى لتعزيز نفوذها في دول منهارة ومجتمعات منقسمة، وجدت نفسها منخرطة في حروب أضعفتها.
في المقابل، استغلت تركيا هذا الوضع لتتفوق على إيران في الساحة الجيوسياسية المركزية للمنطقة، وهي سوريا.
ورغم هذه التحولات التاريخية، لم يشهد العالم أزمة هجرة ضخمة، أو حرباً مطولة بين دول، أو هجوماً إرهابياً كبيراً خارج المنطقة، أو تأثيراً مستداماً على أسعار النفط والتجارة العالمية. لكن حكيم يحذر من أن هذا الشعور بالرضا عن النفس قد يكون مقدمة لمفاجآت غير مرغوب فيها.