التنصت على اللاعبين.. معضلة كرة القدم وسرها الدنيء!
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
"نحن نتحدث عن مساحة رمادية هنا، لو التزم ناديك بالقانون والأبيض والأسود فهناك احتمال كبير بألا تتمكن من التوقيع مع أي لاعب!"
كان هذا أول ما صرح به ريتشارد بيري، محامي التوظيف الرياضي بمؤسسة لويس سِلْكِن، في مقابلة مع سكاي سبورتس بتاريخ 21 يونيو/ حزيران 2017، عقب الضجة التي أُثيرت حول تعامل ليفربول "غير المحترم" -طبقا لمسؤولي ساوثهامبتون- مع قضية انتقال مدافعهم فيرخِل فان دايك إلى صفوف الأول (1).
هناك مشكلتان رئيستان في هذا التصريح: الأولى أنه صادر من محامي توظيف رياضي في مقابلة مع سكاي سبورتس عقب الضجة التي أُثيرت حول تعامل ليفربول "غير المحترم" -طبقا لمسؤولي ساوثهامبتون- مع قضية انتقال مدافعهم فيرخِل فان دايك إلى صفوف الأول، لماذا؟ بسبب المشكلة الثانية طبعا، وهي أن القانون ذاته لا يعرف الأبيض والأسود، ولم يعرفه قط. في الواقع، قانون الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم -في تلك الجزئية تحديدا- ليس إلا مساحة رمادية ضخمة.
من فضلك.. حاول التنصتهل اقتحمنا الموضوع من منتصفه؟ حسنا، دعنا نعد للخلف بضع خطوات، "التنصت" المقصود ليس إلا الترجمة الحرفية لمصطلح "Tapping Up" الإنجليزي المتداول، ولكنه لا يشرحه فعليا. في الواقع، الأمر لا يشتمل على أي تنصت بالمعنى الدارج، بل المقصود بالـ"Tapping Up" هو "التواصل مع لاعب متعاقد مع نادٍ دون الحصول على موافقة هذا النادي الخطية" (2).
بمعنى آخر، لنفترض أن أرسنال يرغب في ضم دكلان رايس من وست هام مثلا، الإجراء "القانوني" هنا سيكون التواصل مع وست هام أولا لإعلامهم برغبة أرسنال في التحدث مع اللاعب والحصول على موافقتهم، ثم بدء التواصل مع رايس، وفي حال إظهار اللاعب رغبة في الانضمام لأرسنال، يعود الأخير إلى وست هام ليتفق معهم على السعر المحتمل للصفقة، وبمجرد الاتفاق، يبدأ محادثاته مع رايس بشأن عقده وراتبه وشروطه الشخصية (3).
View this post on InstagramA post shared by Arsenal (@arsenal)
هذا لم يحدث طبعا، أرسنال، مثله مثل 100% من أندية كرة القدم في العالم، لم يرسل عرضه الأول إلى فاكس وست هام إلا بعد بضعة أشهر من التواصل مع اللاعب ومحيطه، ومن ثم فإن أرسنال، مثله مثل 100% من أندية كرة القدم في العالم، لم يبرم الصفقة إلا بمخالفة القانون. من هنا أتت المقولة الأميركية المتداولة في صفقات كرة السلة: "إن لم تكن ’تتنصت’، فأنت لا تحاول بما يكفي" (4).
الفقرة السابقة قد توحي لك، مثلما أوحى القانون لريتشارد بيري، بأن هناك خطوطا بيضاء وسوداء، ولكن هذا ليس حقيقيا طبعا، لو كان حقيقيا لما كانت هناك مشكلة، ولكن القانون غير المنطوق يقول إن الإنجليز لا يفعلون الأشياء مثل باقي العالم، ومن هنا أتت المشكلة في القانون المنطوق.
نظريا، القاعدة T.1.2 في كتاب قواعد البريميرليغ تقول إنه "لا يحق للاعب المتعاقد، سواء بنفسه أو بالوكالة، القيام بـ’اقتراب’ مشابه للمذكور في القاعدة T.5 دون موافقة ناديه الخطية". طبعا القواعد T.5 وT.6 تشرح المقصود بـ"الاقتراب" أو "Approach"، ومن ضمن طرق هذا الـ"اقتراب" -صدق أو لا تصدق- "الإعلان أو الترويج لاحتمالية انضمام اللاعب لهذا النادي أو ذاك، سواء بنفسه أو بالوكالة" (4).
كل هذا جميل ورائع وواضح ولا شيء رمادي بشأنه. الآن، ماذا يحدث لو لم يلتزم اللاعب/وكيله/النادي بهذه القاعدة؟ اقرأ ما يلي فضلا من كتاب القواعد نفسه:
"لا يحق لأي نادٍ، سواء عن طريق مسؤوليه، أو لاعبيه، أو أي شخص بالوكالة عنه، أو أي وسيط، أن "يقترب" من لاعب ساري العقد، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".
حتى هنا يبدو كل شيء على ما يرام. الآن تابع القراءة:
"في حال حدوث ’اقتراب’ مشابه، يحذر كتاب القواعد من وقوع هذا النادي في مخالفة للقوانين، وقد يقع تحت أحكام القسم W من قانون الانضباط" (5).
سواء لاحظت المشكلة في نص القانون أو لم تلاحظها، فلا مشكلة، لأنه لا فارق بين الحالتين.
"قد" الردعصدق أو لا تصدق، هناك مجموعة من المحامين والأخصائيين القانونيين وضعوا تفصيلا مملا لتعريف "اقتراب" النادي/اللاعب من اللاعب/النادي، لدرجة أنهم وصفوا "الإعلان أو الترويج لاحتمالية انضمام اللاعب" من المادة T.6 بأنه يعد "اقترابا غير مباشر"، ثم بعد كل ذلك رهنوا العقوبة بـ"قد" (4).
الآن تخيل هذه الـ"قد" في أي سياق آخر، مهما كان سخيفا، وستدرك أنها لن تزيده إلا سخافة، مثلا غوارديولا يجتمع بلاعبيه في المحاضرة الأخيرة قبل نهائي دوري الأبطال، وبعد أن يفرغ من شرح تعليماته، يلتفت لإيدرسون قائلا: "إيدي، أحذرك! لو أحرزت 9 أهداف في مرماك بالخطأ فقد نخسر المباراة!".
القاعدة التاريخية المطلقة منذ وُجد البشر على سطح الأرض تقول إن تلك الـ"قد" ليست إلا "قد الحثّ"، عندما يترك واضع القانون، ذو السلطة المطلقة، الباب مواربا، فهذا إعلان ضمني بأنه لا يمانع من مخالفة القانون ذاته، بل يشجع عليها بطريقة غير مباشرة، دون توريط نفسه مباشرة.
تخيل لو كان القانون ينص مثلا على أن السرقة بالإكراه قد تضع مرتكبها تحت طائلة قانون الجنايات، ما الاحتمالات الأخرى هنا التي قد تستدعي استخدام "قد"؟ هل ستضعه السرقة بالإكراه تحت طائلة قانون الضرائب مثلا؟
النتيجة؟ تشيلسي، بقيادة مورينيو وبيتر كينيون، قاد محادثات موسعة مع آشلي كول، ظهير أرسنال المتعاقد في 2005، ووكيله جوناثان بارنِت، كانت من العلنية بمكان لدرجة أن الرباعي شوهدوا مجتمعين في أحد أرقى وأشهر مطاعم لندن. ليفربول خاطب فان دايك سرا للتمرد على ساوثهامبتون، ونظم حملات صحفية تتصدرها تقارير مُجهّلة تتحدث عن المهاتفات المتكررة بين كلوب والمدافع الهولندي، وتباحثهما في دوره التكتيكي في خطة المدرب الألماني، وكأن الصفقة تمت بالفعل. أرسنال تواصل مع ميخايلو مودريك طوال شهور قبل انتقاله لتشيلسي، واللاعب نفسه أعلن أكثر من مرة عن رغبته في الانضمام للمدفعجية. لاعبو برشلونة اعترفوا علنا أنهم حاولوا التأثير على فابريغاس أثناء معسكر المنتخب في مونديال 2010 للانضمام لبرشلونة. العقوبة؟ خصم 3 نقاط مع إيقاف التنفيذ لتشيلسي، وغرامة قدرها 300 ألف جنيه إسترليني للنادي، و200 ألف لكل من مورينيو وكول (راتب أسبوعين تقريبا) خُفضت إلى 75 ألفا في الاستئناف، واعتذار علني من ليفربول أحال الأمر برمته إلى "سوء فهم"، ولا شيء على الإطلاق لأرسنال وبرشلونة (1)(6)(7)(8)(9)(10).
نتيجة العقوبة؟ قبل مرور عام واحد على واقعة فان دايك، وفي بداية موسم 2017-2018، كان ليفربول يستخدم الأسلوب ذاته مع تشامبرلين لإقناعه بالانضمام إليه من أرسنال. أرسن فينغر أطلق عدة تصريحات آنذاك، مُجدِدا مطالبته بإغلاق نافذة الانتقالات قبل بداية الموسم، لأنه يعتقد أن مباراة الفريقين معا في أغسطس/ آب، التي انتهت برباعية نظيفة لفريق يورغن كلوب، لم تخلُ من "التنصت"، وأن اللاعب كان يفكر في الأمر قبل وبعد وأثناء المباراة، وبالفعل انتقل تشامبرلين لليفربول عقب المباراة بأيام (11).
في سلسلة "اللاعب السري" أو "The Secret Footballer" الشهيرة، والتي أنتجتها دار نشر "ذا غارديان (The Guardian)" الإنجليزية في 5 أجزاء بين 2012 و2017، وتحكي العديد من أسرار البريميرليغ وخباياه على لسان أحد لاعبيه السابقين الذي لم يفصح عن هويته لأسباب قانونية؛ يخبرنا اللاعب ذاته بإحصائية مفاجئة جدا، ومتوقعة للغاية: "95% من تعاقدات كرة القدم تتم بالطريقة التي ’قد’ تضع أطرافها تحت أحكام القسم W من قانون الانضباط" (12).
لعل وأخواتهاكل ما سبق قد يوحي لك بأن المشكلة في تواصل النادي/اللاعب مع اللاعب/النادي دون الحصول على موافقة نادي اللاعب الأصلي. صدق أو لا تصدق، هذه ليست المشكلة، ببساطة لأنه من المستحيل عمليا أن يتوجه الشاري المحتمل رأسا إلى البائع المحتمل دون أن يتأكد من رغبة اللاعب في الانضمام. الحالة الوحيدة التي قد يتم فيها الأمر بهذه الطريقة هي لو لم نكن نتحدث عن إنسان عاقل بالغ تكفي رغبته لإفساد الأمر أو إنجاحه.
في الواقع، من المنطقي أن يُسمح لأي شارٍ محتمل أن يتواصل مع اللاعب أولا، ولكن وُضع القانون بهذه الصيغة لكي يمنح الأندية الحق في رفض التواصل والتفاوض من حيث المبدأ، باعتبار اللاعب المعني متعاقدا معهم بالفعل، ومن ثم يحق لهم رفض بيع عقده، حتى لو رغب في الرحيل، وحتى لو رغب نادٍ آخر في ضمه. وُضع القانون بهذه الصيغة ليوجد خطوة تمهيدية يمكن للنادي إيقاف كل المحاولات عندها، مهما كانت منطقية.
فكّر قليلا في الأمر وستكتشف أنه نوع آخر من العبودية، لا يختلف كثيرا عن الحال قبل قانون بوسمان الشهير في 1995، عندما كان يحق للأندية الاحتفاظ ببطاقة اللاعب حتى بعد انتهاء عقده، ولا يتمكن من الانتقال لنادٍ آخر إلا مقابل مبلغ متفق عليه. هذا ليس نظام احتراف، بل موقف رهائن تقليدي من الذي تراه باستمرار في الأفلام الأميركية (13).
هذا يقودك إلى السؤال الأكثر منطقية وبداهة في كل ما سبق: أصلا كيف سيتمكن البريميرليغ أو النادي أو أي طرف في هذه العملية من إثبات التواصل إن حدث؟ ربما كان مورينيو بحاجة للقاء كول وجها لوجه في 2005، ولكن أغلب الصفقات الآن تتم عبر تطبيقات الدردشة ومنصات التواصل والمحادثات المرئية، كيف يمكن لأي سلطة أو جهة أن تراقب عملية كتلك، حتى لو كان القانون قاطعا؟ (14)
هذا سؤال استنكاري طبعا، التكنولوجيا حوّلت القانون إلى أضحوكة. القانون كان أضحوكة منذ اللحظة الأولى طبعا، ولكن ما الفائدة من قانون يستحيل تطبيقه؟ في تورينو بإيطاليا مثلا، ينص القانون على أن الحد الأقصى لمرات تمشية الكلب هو 3 يوميا، ورغم ذلك لم يشهد التاريخ بلاغا بأن أحدهم جاوز العدد المسموح من تمشيات كلبه.
النتيجة أن الأمر برمته أُحيل للياقة الاجتماعية. في الواقع، لم يكن التواصل مع فان دايك هو ما أغضب ساوثهامبتون، بل التقارير الصحفية الممنهجة التي أعلنت للجميع أن فان دايك لن يلعب إلا لليفربول، قبل حتى أن يقدم ليفربول أي عرض أو يتواصل بأي شكل مع ناديه، ومن ثم حرمت ساوثامبتون من أي خيارات وأجبرته على البيع لليفربول في النهاية. كذلك لم يزعج فينغر أن تشيلسي تفاوض مع كول أو أن ليفربول تواصل مع تشامبرلين، بل حقيقة أن الأمر كان به قدر من الوقاحة والاستهتار من وجهة نظره (11).
المنطق ذاته ينطبق على مسلسل انتقال فابريغاس لبرشلونة، عندما يقوم قائد الفريق كارلِس بويول بوضع قميص فريقه على لاعب متعاقد مع أرسنال، ثم يصرح بأن "فابريغاس هو مستقبل برشلونة وليس هناك شيء يمكن لأرسنال فعله لإيقاف ذلك"، فالكلمة المفتاحية هنا هي الوقاحة. المشكلة لم تعد في التواصل مع اللاعب، بل في إظهار الحد الأدنى من الاحترام لناديه الحالي (10).
المشكلة أيضا في قانون عاجز عن تفسير ذاته أو الإقناع بجدواه. عمليا، السوق مفتوح على مصراعيه أمام الجميع، ويمكن لأي نادٍ/لاعب أن يتواصل مع أي لاعب/نادٍ بلا قيود أو عقوبات. نظريا، هناك حديث أجوف مستمر عن "الاحترام" و"اللياقة" و"الكياسة" و"الشرف". الخطوة التالية الممكنة قد تكون في إقرار الوضع الحالي بعد الاعتراف بالعجز عن تغييره. المشكلة الوحيدة في تلك الخطوة أنها تتطلب الاعتراف كذلك بأن نظام الاحتراف الحالي لا يعتمد الشرف في معاملاته، وأن كرة القدم كانت، ولا تزال، وغالبا ستظل، تفضل التظاهر على مواجهة الحقيقة.
_______________________________________
المصادر
1- لأي درجة ينتشر "التنصت" في انتقالات لاعبي كرة القدم اليوم؟ – Sky Sports 2- ما هو "التنصت" في انتقالات كرة القدم وما هي أشهر الأمثلة؟ – Goal 3- كيف تتم انتقالات كرة القدم ومن الذي يلعب الدور الأكبر في الصفقة؟ – Talksport 4- "التنصت" في انتقالات كرة القدم؛ ما هو؟ وهل لايزال موجودا؟ – The Athletic 5- "التنصت" هو سر كرة القدم القذر! – The Telegraph 6- ساوثامبتون يبلغ عن ليفربول للبريميرليغ بشأن تقربهم لفيرخِل فان دايك – The Telegraph 7- ما هو "التنصت"؟ الجانب المظلم من انتقالات كرة القدم ينكشف بعد إحراج ليفربول في مسألة فان دايك – The Daily Mirror 8- معركة "التنصت"؛ تشيلسي وكول مذنبين! – The Guardian 9- ميخايلو مودريك؛ نادي شاختار يزعم أن أرسنال "تنصت" على اللاعب – Football Transfers 10- مسلسل انتقال سِسك فابريغاس؛ هل لايزال من حق برشلونة الزعم بأنه "أكثر من مجرد نادٍ"؟ – BR 11- أرسن فنغر يقول أن "تنصت" ليفربول على تشامبرلين كان حتميا – BR 12- اللاعب السري:"95% من كل الانتقالات تتم عبر ’التنصت’!" – Planet Football 13- بعد 20 عاما؛ كيف غير قانون بوسمان كرة القدم – Sky 14- شروط شخصية وعروض عبر واتساب واختبارات طبية وتفاصيل أخرى في الانتقالات لم تكن تعلمها – The Athleticالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التواصل مع فی الواقع مع اللاعب فان دایک وست هام
إقرأ أيضاً:
النقابات المغربية تنفذ إضرابا عاما احتجاجا على قانون الإضراب
الرباط- أعلنت 5 نقابات مغربية خوض إضراب وطني عام في القطاعين الحكومي والخاص غدا الأربعاء، احتجاجا على تمرير الحكومة مشروع قانون الإضراب المثير للجدل، وتدهور الوضع المعيشي.
وصوت مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) مساء الاثنين بالأغلبية على قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، بحضور 48 عضوا من بين 120، صوت 42 منهم لصالح المشروع في حين صوت 7 بالرفض.
وشهدت الجلسة انسحاب فريق الاتحاد المغربي للشغل في بدايتها، تعبيرا عن رفضه للصيغة الحالية للمشروع التي قدمتها الحكومة، وكان مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) قد صادق على المشروع في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي ووافق عليه 124 مقابل معارضة 41.
وبعد هذه المرحلة القانونية، ينتظر أن يعود مشروع القانون إلى مجلس النواب مرة أخرى لاستكمال المسطرة التشريعية، وذلك بعد ما وضع مجلس المستشارين تعديلات على النص القانوني.
قال يونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، في كلمته خلال جلسة التصويت على المشروع، إن الحكومة قبلت معظم التعديلات المقترحة من الشركاء الاجتماعيين، بما يحقق التوازن في هذا القانون، عبر تعريف أشمل للإضراب.
إعلانوأوضح أن الحق في الإضراب يشمل جميع فئات المجتمع بدون استثناء، سواء من العاملين في القطاع الخاص أو العام أو المستقلين، وكل من هو مستثنى من مدونة الشغل، والعاملات والعمال المنزليين، وكذا من المهنيين.
وأكد الوزير أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب يقدم ضمانات تحمي حقوق العاملات والعمال، وحرية العمل وحقوق المشغلين، وحقوق المجتمع.
ولفت إلى مراعاته المقتضيات الدستورية ذات الصلة بضمان حق الإضراب وضمان حرية المبادرة والتنافسية وحرية العمل، بالإضافة إلى الحريات النقابية، مشيرا إلى أن مشروع القانون سيعمل على ضمان استمرار عمل المرافق العامة، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حقوق المجتمع.
نقابات غاضبةوردا على تمرير الحكومة مشروع القانون بأغلبيتها العددية في البرلمان، وعدم أخذ ملاحظات النقابات على مضمونه بعين الاعتبار، أعلنت -أمس الاثنين- 4 نقابات هي كل من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، والمنظمة الديمقراطية للشغل، وفدرالية النقابات الديمقراطية، عن إضراب عام يوم غد الأربعاء.
في حين أعلن الاتحاد المغربي للشغل تنظيم إضراب وطني عام بالقطاعين الحكومي والخاص -يومي الأربعاء والخميس- وقال في بيان إن الإضراب يأتي تنديدا بسياسات الحكومة التي وصفها بـ"اللاشعبية"، واحتجاجا على" ضرب القدرة الشرائية للطبقة العاملة"، واستنكارا "لاستهتار الحكومة في تمرير القوانين الاجتماعية التراجعية" في إشارة إلى مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب.
وأوضح عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل يونس فيراشين أن إعلان الإضراب العام جاء بعد مسار طويل من المحطات النضالية التي نظمتها النقابات، طيلة فترة مناقشة مشروع القانون في البرلمان، شملت تجمعات احتجاجية ومسيرات جهوية ووقفة أمام البرلمان ثم مسيرة وطنية حاشدة.
إعلانوأوضح للجزيرة نت أن الاحتجاجات كانت موجهة أساسا للمنهجية التي اعتمدتها الحكومة في وضع مشروع القانون، إذ لم تستكمل المسار التفاوضي مع النقابات حول مضامينه، كما جاء في الاتفاق الموقع معها.
ووصف فيراشين مشروع القانون الذي صوت عليه مجلس المستشارين بأنه "تكبيلي"، مشيرا إلى أن الحكومة رفضت أن تكون له ديباجة، بالرغم من أهميتها في مراحل التقاضي، بالنظر لدورها التوجيهي في حالة اختلاف التأويل.
واستعرض المتحدث عددا من المواد التي تعتبرها النقابات مكبلة للحق في الإضراب، من بينها ما يتعلق بالجهة الداعية إليه، إذ حصر هذا الحق في نقابات ذات تمثيلية، وجعل الدعوة إليه شبه مستحيلة في شركات القطاع الخاص التي ليس فيها تمثيلية نقابية.
كما عبر عن رفض النقابات إعطاء الصلاحيات للسلطات ورئيس الحكومة لتعليق ووقف الإضراب، بل أكثر من هذا بفتح المجال لإحلال عمال مكان العمال المضربين، وهو أمر يتنافى مع مدونة الشغل، وفق تعبيره.
وتختلف النقابات أيضا مع الحكومة في المواد المتعلقة بالعقوبات، التي قال فيراشين إنها ستصبح مزدوجة، وأوضح "بالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية وتلك في مدونة الشغل، تضاف العقوبات التي جاء بها قانون الإضراب، وهي مسألة مرفوضة طبعا".
لم يكن تمرير الحكومة مشروع قانون الإضراب فقط هو ما دفع إلى إعلان الإضراب العام، حسب ما يقول فيراشين، بل إن الوضع الاجتماعي الصعب الذي يعانيه المواطنون من غلاء الأسعار وارتفاع مستوى البطالة ووضع قوانين تمس المكتسبات النقابية والاجتماعية هو ما دفع النقابات إلى هذا الشكل الاحتجاجي.
وأضاف "ستلي الإضراب خطوات أخرى على المستوى النضالي والمؤسساتي، وإذا استلزم الأمر سنلجأ إلى المحكمة الدستورية وإلى منظمة العمل الدولية".
إعلانوقال فيراشين إن النقابات أسست جبهة وطنية تضم جمعيات حقوقية وأحزابا سياسية وتنظيمات مدنية للمهنيين، معتبرا أن "القانون له طبيعة مجتمعية، وعلى كل الفئات أن تتوحد لمواجهة محاولة تكبيل الحق في الإضراب".
من جانبه، أكد الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل محمد الزويتن، أن الحق في الإضراب كفلته جميع الدساتير المغربية منذ 1962، وهو حق يمارسه المهنيون في كل القطاعات الحكومية والعمال والطلبة وكل فئات المجتمع، لذلك يرى أن الحكومة كان عليها فتح حوار واسع مع جميع الهيئات المجتمعية، للوصول إلى توافق بشأن مضمون مشروع القانون.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت "مع الأسف الحكومة اتجهت مباشرة إلى المسطرة التشريعية دون فتح حوار مع الفاعلين المجتمعيين، معتمدة على أغلبيتها العددية في البرلمان".
وذكر أن جميع الدساتير المغربية أحالت الحق في الإضراب على قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق، إلا إنه لم يتم تقنينه إلا بعد دستور 2011 حين أعدت حكومة عبد الإله بن كيران مشروع قانون تنظيمي يتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.
وعرض المشروع على المجلس الحكومي في 28 يوليو/تموز 2016، واعتُمد في المجلس الوزاري بعد شهرين، وفي فبراير/شباط 2017 وُضع في لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، وظل حبيس اللجنة بسبب اعتراضات النقابات على مضامينه وعدم إشراكها في إعداده.
غير أن حكومة عزيز أخنوش أخرجت القانون مرة أخرى من الرفوف، وشرعت في مناقشته في مجلس النواب في أكتوبر/تشرين الأول 2024 بعد تحديث صيغته.
تقييد أم توازنيقول الزويتن إنه كان على الحكومة التعجيل بالوفاء بالتزاماتها في الحوارات الاجتماعية مع النقابات، فيما يتعلق بإصلاح نظام المعاشات ورفع الأجور، وإصلاح الاختلالات في قانون الوظيفة العمومية ومدونة الشغل، ومعالجة أسباب الاحتقان الاجتماعي، لكنها فضلت الاستقواء بالأغلبية العددية وتمرير قانون الإضراب، وفق تعبيره.
إعلانوأضاف "نحن مع تنظيم الحق في الإضراب، ولكن وفق مقاربة توافقية حقوقية ودستورية، وليس مقاربة تقييدية كتلك التي لجأت إليها الحكومة".
وأكد أن إعلان النقابات عن خوض إضراب وطني عام "جاء بعد أن رفضت الحكومة كل ملاحظاتها على مشروع القانون، واختارت مقاربة التغول والإقصاء من الحوار".
وأوضح أن هذا الإضراب سيشمل القطاعين الحكومي والخاص والمؤسسات العمومية، وفق خصوصية كل قطاع، على أن يستمر الحد الأدنى للخدمات في القطاعات الحيوية مثل الصحة.
بالمقابل، أشادت فرق الأغلبية في مجلس المستشارين بمشروع قانون الإضراب، وقالت إنه يضمن التوازنات بين مصالح العاملين وأصحاب العمل في إطار الاستقرار الاجتماعي، كما يصون منجزات الحركة الحقوقية والنقابية.
وأضافت في مداخلاتها خلال جلسة التصويت على المشروع أنه سيعزز مناخ الثقة لدى المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين، وسيضخ نفسا سياسيا جديدا في دينامية الاستثمارات الخارجية والداخلية.