الجزيرة:
2024-09-18@09:26:51 GMT

التنصت على اللاعبين.. معضلة كرة القدم وسرها الدنيء!

تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT

"نحن نتحدث عن مساحة رمادية هنا، لو التزم ناديك بالقانون والأبيض والأسود فهناك احتمال كبير بألا تتمكن من التوقيع مع أي لاعب!"

كان هذا أول ما صرح به ريتشارد بيري، محامي التوظيف الرياضي بمؤسسة لويس سِلْكِن، في مقابلة مع سكاي سبورتس بتاريخ 21 يونيو/ حزيران 2017، عقب الضجة التي أُثيرت حول تعامل ليفربول "غير المحترم" -طبقا لمسؤولي ساوثهامبتون- مع قضية انتقال مدافعهم فيرخِل فان دايك إلى صفوف الأول (1).

هناك مشكلتان رئيستان في هذا التصريح: الأولى أنه صادر من محامي توظيف رياضي في مقابلة مع سكاي سبورتس عقب الضجة التي أُثيرت حول تعامل ليفربول "غير المحترم" -طبقا لمسؤولي ساوثهامبتون- مع قضية انتقال مدافعهم فيرخِل فان دايك إلى صفوف الأول، لماذا؟ بسبب المشكلة الثانية طبعا، وهي أن القانون ذاته لا يعرف الأبيض والأسود، ولم يعرفه قط. في الواقع، قانون الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم -في تلك الجزئية تحديدا- ليس إلا مساحة رمادية ضخمة.

من فضلك.. حاول التنصت

هل اقتحمنا الموضوع من منتصفه؟ حسنا، دعنا نعد للخلف بضع خطوات، "التنصت" المقصود ليس إلا الترجمة الحرفية لمصطلح "Tapping Up" الإنجليزي المتداول، ولكنه لا يشرحه فعليا. في الواقع، الأمر لا يشتمل على أي تنصت بالمعنى الدارج، بل المقصود بالـ"Tapping Up" هو "التواصل مع لاعب متعاقد مع نادٍ دون الحصول على موافقة هذا النادي الخطية" (2).

بمعنى آخر، لنفترض أن أرسنال يرغب في ضم دكلان رايس من وست هام مثلا، الإجراء "القانوني" هنا سيكون التواصل مع وست هام أولا لإعلامهم برغبة أرسنال في التحدث مع اللاعب والحصول على موافقتهم، ثم بدء التواصل مع رايس، وفي حال إظهار اللاعب رغبة في الانضمام لأرسنال، يعود الأخير إلى وست هام ليتفق معهم على السعر المحتمل للصفقة، وبمجرد الاتفاق، يبدأ محادثاته مع رايس بشأن عقده وراتبه وشروطه الشخصية (3).

View this post on Instagram

A post shared by Arsenal (@arsenal)

هذا لم يحدث طبعا، أرسنال، مثله مثل 100% من أندية كرة القدم في العالم، لم يرسل عرضه الأول إلى فاكس وست هام إلا بعد بضعة أشهر من التواصل مع اللاعب ومحيطه، ومن ثم فإن أرسنال، مثله مثل 100% من أندية كرة القدم في العالم، لم يبرم الصفقة إلا بمخالفة القانون. من هنا أتت المقولة الأميركية المتداولة في صفقات كرة السلة: "إن لم تكن ’تتنصت’، فأنت لا تحاول بما يكفي" (4).

الفقرة السابقة قد توحي لك، مثلما أوحى القانون لريتشارد بيري، بأن هناك خطوطا بيضاء وسوداء، ولكن هذا ليس حقيقيا طبعا، لو كان حقيقيا لما كانت هناك مشكلة، ولكن القانون غير المنطوق يقول إن الإنجليز لا يفعلون الأشياء مثل باقي العالم، ومن هنا أتت المشكلة في القانون المنطوق.

نظريا، القاعدة T.1.2 في كتاب قواعد البريميرليغ تقول إنه "لا يحق للاعب المتعاقد، سواء بنفسه أو بالوكالة، القيام بـ’اقتراب’ مشابه للمذكور في القاعدة T.5 دون موافقة ناديه الخطية". طبعا القواعد T.5 وT.6 تشرح المقصود بـ"الاقتراب" أو "Approach"، ومن ضمن طرق هذا الـ"اقتراب" -صدق أو لا تصدق- "الإعلان أو الترويج لاحتمالية انضمام اللاعب لهذا النادي أو ذاك، سواء بنفسه أو بالوكالة" (4).

كل هذا جميل ورائع وواضح ولا شيء رمادي بشأنه. الآن، ماذا يحدث لو لم يلتزم اللاعب/وكيله/النادي بهذه القاعدة؟ اقرأ ما يلي فضلا من كتاب القواعد نفسه:

"لا يحق لأي نادٍ، سواء عن طريق مسؤوليه، أو لاعبيه، أو أي شخص بالوكالة عنه، أو أي وسيط، أن "يقترب" من لاعب ساري العقد، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".

حتى هنا يبدو كل شيء على ما يرام. الآن تابع القراءة:

"في حال حدوث ’اقتراب’ مشابه، يحذر كتاب القواعد من وقوع هذا النادي في مخالفة للقوانين، وقد يقع تحت أحكام القسم W من قانون الانضباط" (5).

سواء لاحظت المشكلة في نص القانون أو لم تلاحظها، فلا مشكلة، لأنه لا فارق بين الحالتين.

"قد" الردع بيب غوارديولا، مدير مانشستر سيتي، يتحدث مع لاعبيه في مباراة كأس السوبر الأوروبي 2023 (غيتي)

صدق أو لا تصدق، هناك مجموعة من المحامين والأخصائيين القانونيين وضعوا تفصيلا مملا لتعريف "اقتراب" النادي/اللاعب من اللاعب/النادي، لدرجة أنهم وصفوا "الإعلان أو الترويج لاحتمالية انضمام اللاعب" من المادة T.6 بأنه يعد "اقترابا غير مباشر"، ثم بعد كل ذلك رهنوا العقوبة بـ"قد" (4).

الآن تخيل هذه الـ"قد" في أي سياق آخر، مهما كان سخيفا، وستدرك أنها لن تزيده إلا سخافة، مثلا غوارديولا يجتمع بلاعبيه في المحاضرة الأخيرة قبل نهائي دوري الأبطال، وبعد أن يفرغ من شرح تعليماته، يلتفت لإيدرسون قائلا: "إيدي، أحذرك! لو أحرزت 9 أهداف في مرماك بالخطأ فقد نخسر المباراة!".

القاعدة التاريخية المطلقة منذ وُجد البشر على سطح الأرض تقول إن تلك الـ"قد" ليست إلا "قد الحثّ"، عندما يترك واضع القانون، ذو السلطة المطلقة، الباب مواربا، فهذا إعلان ضمني بأنه لا يمانع من مخالفة القانون ذاته، بل يشجع عليها بطريقة غير مباشرة، دون توريط نفسه مباشرة.

تخيل لو كان القانون ينص مثلا على أن السرقة بالإكراه قد تضع مرتكبها تحت طائلة قانون الجنايات، ما الاحتمالات الأخرى هنا التي قد تستدعي استخدام "قد"؟ هل ستضعه السرقة بالإكراه تحت طائلة قانون الضرائب مثلا؟

يورغن كلوب وفان دايك (غيتي)

النتيجة؟ تشيلسي، بقيادة مورينيو وبيتر كينيون، قاد محادثات موسعة مع آشلي كول، ظهير أرسنال المتعاقد في 2005، ووكيله جوناثان بارنِت، كانت من العلنية بمكان لدرجة أن الرباعي شوهدوا مجتمعين في أحد أرقى وأشهر مطاعم لندن. ليفربول خاطب فان دايك سرا للتمرد على ساوثهامبتون، ونظم حملات صحفية تتصدرها تقارير مُجهّلة تتحدث عن المهاتفات المتكررة بين كلوب والمدافع الهولندي، وتباحثهما في دوره التكتيكي في خطة المدرب الألماني، وكأن الصفقة تمت بالفعل. أرسنال تواصل مع ميخايلو مودريك طوال شهور قبل انتقاله لتشيلسي، واللاعب نفسه أعلن أكثر من مرة عن رغبته في الانضمام للمدفعجية. لاعبو برشلونة اعترفوا علنا أنهم حاولوا التأثير على فابريغاس أثناء معسكر المنتخب في مونديال 2010 للانضمام لبرشلونة. العقوبة؟ خصم 3 نقاط مع إيقاف التنفيذ لتشيلسي، وغرامة قدرها 300 ألف جنيه إسترليني للنادي، و200 ألف لكل من مورينيو وكول (راتب أسبوعين تقريبا) خُفضت إلى 75 ألفا في الاستئناف، واعتذار علني من ليفربول أحال الأمر برمته إلى "سوء فهم"، ولا شيء على الإطلاق لأرسنال وبرشلونة (1)(6)(7)(8)(9)(10).

نتيجة العقوبة؟ قبل مرور عام واحد على واقعة فان دايك، وفي بداية موسم 2017-2018، كان ليفربول يستخدم الأسلوب ذاته مع تشامبرلين لإقناعه بالانضمام إليه من أرسنال. أرسن فينغر أطلق عدة تصريحات آنذاك، مُجدِدا مطالبته بإغلاق نافذة الانتقالات قبل بداية الموسم، لأنه يعتقد أن مباراة الفريقين معا في أغسطس/ آب، التي انتهت برباعية نظيفة لفريق يورغن كلوب، لم تخلُ من "التنصت"، وأن اللاعب كان يفكر في الأمر قبل وبعد وأثناء المباراة، وبالفعل انتقل تشامبرلين لليفربول عقب المباراة بأيام (11).

أليكس أوكسليد-تشامبرلين يلعب بفريق ليفربول 2018 (غيتي)

في سلسلة "اللاعب السري" أو "The Secret Footballer" الشهيرة، والتي أنتجتها دار نشر "ذا غارديان (The Guardian)" الإنجليزية في 5 أجزاء بين 2012 و2017، وتحكي العديد من أسرار البريميرليغ وخباياه على لسان أحد لاعبيه السابقين الذي لم يفصح عن هويته لأسباب قانونية؛ يخبرنا اللاعب ذاته بإحصائية مفاجئة جدا، ومتوقعة للغاية: "95% من تعاقدات كرة القدم تتم بالطريقة التي ’قد’ تضع أطرافها تحت أحكام القسم W من قانون الانضباط" (12).

لعل وأخواتها

كل ما سبق قد يوحي لك بأن المشكلة في تواصل النادي/اللاعب مع اللاعب/النادي دون الحصول على موافقة نادي اللاعب الأصلي. صدق أو لا تصدق، هذه ليست المشكلة، ببساطة لأنه من المستحيل عمليا أن يتوجه الشاري المحتمل رأسا إلى البائع المحتمل دون أن يتأكد من رغبة اللاعب في الانضمام. الحالة الوحيدة التي قد يتم فيها الأمر بهذه الطريقة هي لو لم نكن نتحدث عن إنسان عاقل بالغ تكفي رغبته لإفساد الأمر أو إنجاحه.

في الواقع، من المنطقي أن يُسمح لأي شارٍ محتمل أن يتواصل مع اللاعب أولا، ولكن وُضع القانون بهذه الصيغة لكي يمنح الأندية الحق في رفض التواصل والتفاوض من حيث المبدأ، باعتبار اللاعب المعني متعاقدا معهم بالفعل، ومن ثم يحق لهم رفض بيع عقده، حتى لو رغب في الرحيل، وحتى لو رغب نادٍ آخر في ضمه. وُضع القانون بهذه الصيغة ليوجد خطوة تمهيدية يمكن للنادي إيقاف كل المحاولات عندها، مهما كانت منطقية.

فكّر قليلا في الأمر وستكتشف أنه نوع آخر من العبودية، لا يختلف كثيرا عن الحال قبل قانون بوسمان الشهير في 1995، عندما كان يحق للأندية الاحتفاظ ببطاقة اللاعب حتى بعد انتهاء عقده، ولا يتمكن من الانتقال لنادٍ آخر إلا مقابل مبلغ متفق عليه. هذا ليس نظام احتراف، بل موقف رهائن تقليدي من الذي تراه باستمرار في الأفلام الأميركية (13).

هذا يقودك إلى السؤال الأكثر منطقية وبداهة في كل ما سبق: أصلا كيف سيتمكن البريميرليغ أو النادي أو أي طرف في هذه العملية من إثبات التواصل إن حدث؟ ربما كان مورينيو بحاجة للقاء كول وجها لوجه في 2005، ولكن أغلب الصفقات الآن تتم عبر تطبيقات الدردشة ومنصات التواصل والمحادثات المرئية، كيف يمكن لأي سلطة أو جهة أن تراقب عملية كتلك، حتى لو كان القانون قاطعا؟ (14)

هذا سؤال استنكاري طبعا، التكنولوجيا حوّلت القانون إلى أضحوكة. القانون كان أضحوكة منذ اللحظة الأولى طبعا، ولكن ما الفائدة من قانون يستحيل تطبيقه؟ في تورينو بإيطاليا مثلا، ينص القانون على أن الحد الأقصى لمرات تمشية الكلب هو 3 يوميا، ورغم ذلك لم يشهد التاريخ بلاغا بأن أحدهم جاوز العدد المسموح من تمشيات كلبه.

النتيجة أن الأمر برمته أُحيل للياقة الاجتماعية. في الواقع، لم يكن التواصل مع فان دايك هو ما أغضب ساوثهامبتون، بل التقارير الصحفية الممنهجة التي أعلنت للجميع أن فان دايك لن يلعب إلا لليفربول، قبل حتى أن يقدم ليفربول أي عرض أو يتواصل بأي شكل مع ناديه، ومن ثم حرمت ساوثامبتون من أي خيارات وأجبرته على البيع لليفربول في النهاية. كذلك لم يزعج فينغر أن تشيلسي تفاوض مع كول أو أن ليفربول تواصل مع تشامبرلين، بل حقيقة أن الأمر كان به قدر من الوقاحة والاستهتار من وجهة نظره (11).

وضع بيبي رينا (يسار) وكارليس بويول (يمين) من المنتخب الإسباني لكرة القدم قميص نادي برشلونة على سيسك فابريغاس 2010 (غيتي)

المنطق ذاته ينطبق على مسلسل انتقال فابريغاس لبرشلونة، عندما يقوم قائد الفريق كارلِس بويول بوضع قميص فريقه على لاعب متعاقد مع أرسنال، ثم يصرح بأن "فابريغاس هو مستقبل برشلونة وليس هناك شيء يمكن لأرسنال فعله لإيقاف ذلك"، فالكلمة المفتاحية هنا هي الوقاحة. المشكلة لم تعد في التواصل مع اللاعب، بل في إظهار الحد الأدنى من الاحترام لناديه الحالي (10).

المشكلة أيضا في قانون عاجز عن تفسير ذاته أو الإقناع بجدواه. عمليا، السوق مفتوح على مصراعيه أمام الجميع، ويمكن لأي نادٍ/لاعب أن يتواصل مع أي لاعب/نادٍ بلا قيود أو عقوبات. نظريا، هناك حديث أجوف مستمر عن "الاحترام" و"اللياقة" و"الكياسة" و"الشرف". الخطوة التالية الممكنة قد تكون في إقرار الوضع الحالي بعد الاعتراف بالعجز عن تغييره. المشكلة الوحيدة في تلك الخطوة أنها تتطلب الاعتراف كذلك بأن نظام الاحتراف الحالي لا يعتمد الشرف في معاملاته، وأن كرة القدم كانت، ولا تزال، وغالبا ستظل، تفضل التظاهر على مواجهة الحقيقة.

_______________________________________

المصادر

1- لأي درجة ينتشر "التنصت" في انتقالات لاعبي كرة القدم اليوم؟ – Sky Sports 2- ما هو "التنصت" في انتقالات كرة القدم وما هي أشهر الأمثلة؟ – Goal 3- كيف تتم انتقالات كرة القدم ومن الذي يلعب الدور الأكبر في الصفقة؟ – Talksport 4- "التنصت" في انتقالات كرة القدم؛ ما هو؟ وهل لايزال موجودا؟ – The Athletic 5- "التنصت" هو سر كرة القدم القذر! – The Telegraph 6- ساوثامبتون يبلغ عن ليفربول للبريميرليغ بشأن تقربهم لفيرخِل فان دايك – The Telegraph 7- ما هو "التنصت"؟ الجانب المظلم من انتقالات كرة القدم ينكشف بعد إحراج ليفربول في مسألة فان دايك – The Daily Mirror 8- معركة "التنصت"؛ تشيلسي وكول مذنبين! – The Guardian 9- ميخايلو مودريك؛ نادي شاختار يزعم أن أرسنال "تنصت" على اللاعب – Football Transfers 10- مسلسل انتقال سِسك فابريغاس؛ هل لايزال من حق برشلونة الزعم بأنه "أكثر من مجرد نادٍ"؟ – BR 11- أرسن فنغر يقول أن "تنصت" ليفربول على تشامبرلين كان حتميا – BR 12- اللاعب السري:"95% من كل الانتقالات تتم عبر ’التنصت’!" – Planet Football 13- بعد 20 عاما؛ كيف غير قانون بوسمان كرة القدم – Sky 14- شروط شخصية وعروض عبر واتساب واختبارات طبية وتفاصيل أخرى في الانتقالات لم تكن تعلمها – The Athletic

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التواصل مع فی الواقع مع اللاعب فان دایک وست هام

إقرأ أيضاً:

معضلة التوفيق بين التدخل الإنساني ومبدأ السيادة الوطنية

د. فيصل عبدالرحمن علي طه

ftaha39@gmail.com

(1)

في تقرير الألفية 2000 المعنون «نحن الشعوب»، طرح كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك المعضلة بالتساؤل الآتي: إذا كان التدخل الإنساني يمثل حقاً تعدياً على السيادة، فعلى أي نحو ينبغي علينا أن نستجيب لحالات شبيهة برواندا وسرِبرينتشا؟ وأضاف أن الدفاع عن الإنسانية والدفاع عن السيادة كليهما مبدآن ينبغي دعمهما، ولكن ذلك لا يرشدنا إلى أيهما تكون الغلبة عند حدوث تعارضٍ بينهما؟

(2)

تصدت الحكومة الكندية للاجابة على تساؤل عنان، فأنشأت في سبتمبر 2000 اللجنة العالمية حول التدخل وسيادة الدولة. أصدرت اللجنة في ديسمبر 2001 تقريرها المُعنْوَن «مسؤولية الحماية». تبنَّت اللجنةُ مفهوم السيادة كمسؤولية في الوظائف الداخلية أو في الواجبات الخارجية على حدٍ سواء. ورأت اللجنة أن المسؤولية الأولى عن حماية السكان تقع على عاتق دولتهم بينما تقع مسؤولية ثانوية على المجتمع الدولي عندما يتضح أن دولتهم غير راغبةٍ أو غير قادرةٍ على النهوض بمسؤولية الحماية، أو أنها هي المرتكبة للجرائم أو الفظائع.

(3)

في ديسمبر 2004 أيَّد تقرير الفريق الرفيع المستوى المَعنِي بالتهديدات والتحديات والتغيير الذي شكله كوفي عنان «المبدأ المستجد المتمثل في وجود مسؤولية دولية جماعية عن الحماية يمارسها مجلس الأمن بأن يأذن بالتدخل العسكري كملاذٍ أخيرٍ عند حدوث إبادةٍ جماعيةٍ أو عمليات قتل واسعة النطاق أو حدوث تطهير عِرقي أو انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، ثبت أن الحكومات ذات السيادة عاجزةٌ عن منعها أو غير راغبةٍ في منعها».

(4)

اعتمد مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 في الفقرتين 138 و139 من وثيقته الختامية التي صدرت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 60/1 مفهوم مسؤولية حماية السكان من الابادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الانسانية. وهناك من يرى بأن مجلس الأمن على الرغم من تأكيده على أحكام الفقرتين 138 و 139 في القرار 1674 (2006)، وإشارته إليهما في القرار 1706 (2006) المتعلق بمسألة دارفور، إلا أنه لم يطبق مفهوم مسؤولية الحماية عليها رغم توفر مسوغات تطبيقه. ووفقاً لهذا الرأي الذي يستند إلى تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور للعام 2005، فإن مجلس الأمن قد تعمّد ذلك حتى لا يدخل في مواجهة مع حكومة السودان، وآثر الحصول على موافقة تلك الحكومة على استخدام البعثة الأممية في أراضيها. ولكن الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" يرى بأن ذلك المفهوم قد طُبِّق في دارفور بصورة غير قسرية -أي بدون استخدام القوة.

(5)

إن الحالة الوحيدة التي طُبق فيها مفهوم مسؤولية الحماية حتى الآن هي الحالة الليبية بمقتضى القرار 1970 (2011) والقرار 1973 (2011). فرضَ القرار 1973 حظراً جوياً على جميع الرحلات الجوية في المجال الجوي للجماهيرية. كما أذن للدول الأعضاء إتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المدنيين المعرضين للهجمات في الجماهيرية بما في ذلك بنغازي. من ثم بدأت عملية عسكرية بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ولاحقاً آلت القيادة إلى حلف شمال الاطلسي كجزء من عملية «الحماية الموحَّدة». تعرضت هذه العملية لانتقاد من كثير من الدول لأنها تعدَّت الحماية وتحولت إلى عمليةٍ لتغيير النظام. افتقدت هذه الدول عدم اقتران مفهوم مسؤولية الحماية بمفهوم آخر وهو المسؤولية اثناء توفير الحماية ودعت إلى تطويرهما معاً.

(6)

في الحالة السورية استخدم الاتحاد الروسي والصين حق النقض (الفيتو) لاحباط قرارين بشأن الوضع في سوريا بمنطق احترام السيادة الوطنية لسوريا واستقلالها ومبدأ عدم التدخل في شؤونها بما في ذلك التدخل العسكري. وأبدى المندوب الروسي خشيته من أن يتكرر نموذج عملية «الحماية الموحدة» بشأن ليبيا في سوريا. بمعنى أن يتحول التدخل إلى عملية لتغيير النظام.

(7)

إن مفهوم مسؤولية الحماية لا يزال مفهوماً سياسياً ولم يستقر بعد كعرفٍ قانونيٍ دولي لأنه لم يستوف شروط ذلك. كما أن حدود مسؤولية الحماية تحتاج إلى تدقيق وبيان. وسيظل تطبيق المفهوم رهناً باتفاق الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، هذا المجلس المشلول باستخدام الفيتو.

(8)

وحريّ بالذكر أن مفهوم مسؤولية الحماية مُضمَّنٌ في مبادئ القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي المبرم في العام 2000، أي قبل خمسة أعوام من اعتماد مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 لمفهوم المسؤولية عن الحماية. فقد كفلت الفقرة (ح) من المادة الرابعة حق الاتحاد في التدخل بقرارٍ من جمعية رؤساء الدول والحكومات في حالات جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الانسانية. ولكن المادة 53 (2) من ميثاق الأمم المتحدة تحظر على التنظيمات أو الوكالات الإقليمية القيام «بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن مجلس الأمن». كما أن المادة 54 تنص على وجوب «أن يكون مجلس الأمن على علمٍ تامٍ بما يجري من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي بمقتضى تنظيمات أو بواسطة وكالات إقليمية أو ما يُزمَع إجراؤه منها».

(9)

يبدو جلياً مما تقدم أن الاتحاد الإفريقي لا يستطيع التدخل بالقوة في الحالات المنصوص عليها في الفقرة (ح) من المادة الرابعة من القانون التأسيسي للاتحاد بدون إذنٍ من مجلس الأمن، وقد لا يصدر هذا الإذن إذا لم يكن هناك اتفاق بين دول المجلس الخمس الدائمة العضوية.

(10)

في جلسة للجمعية العام في سبتمبر 2015 بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتماد مبدأ «مسؤولية الحماية»، أكدت الأمم المتحدة أن هذا المبدأ ينبغي أن يُترجَم إلى عمل. وقال الأمين العام "بان كي مون" إن الجرائم التي تلطِّخ ضمير الانسانية تُحتِّم على قادة الدول تحويل مفهوم «مسؤولية الحماية» من مبدأٍ حيويٍ إلى ممارسة واضحة.

   

مقالات مشابهة

  • ليفربول يقلب الطاولة على ميلان في الشوط الأول
  • مودرن سبورت يعلن رفع إيقاف القيد عن النادي
  • عاجل.. مودرن سبورت يعلن رفع إيقاف القيد عن النادي
  • بيكر حارس ليفربول يسدد في كل الاتجاهات: نحن لسنا أغبياء!!
  • هاشم: القانون الانتخابي يبتعد عن الوطنية
  • أليسون بيكر حارس ليفربول يسخر من نظام دوري أبطال أوروبا الجديد
  • بسبب المباريات.. حارس ليفربول يعبر عن استيائه
  • البرتغالي ومغربي يصلان للإسكندرية للتعاقد مع زعيم الثغر
  • معضلة التوفيق بين التدخل الإنساني ومبدأ السيادة الوطنية
  • سببان مهمان.. ليفربول يسعى مجدداً لضم مرموش