كيف ستواجه أرمينيا تداعيات خروج قره باغ عن سيطرتها؟
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
أحيت أرمينيا عيد استقلالها الـ32 باحتجاجات حاشدة لم تتوقف منذ أن شنت أذربيجان هجوما واسع النطاق على إقليم ناغورني قره باغ يوم 19 سبتمبر/أيلول الجاري انتهى باستسلام الإقليم في اليوم التالي.
ففي مقابل ضربات المدفعية الثقيلة والدبابات والطائرات الأذربيجانية، كانت أوامر رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان لجيشه بعدم التدخل في القتال الذي كان يمكن أن يكرر سيناريو الحرب الدموية عام 2020.
ولم تشارك يريفان في صياغة اتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترحته قوات حفظ السلام الروسية، وحرصت على تأكيد أن قواتها لم تكن على أراضي الإقليم. كما شدد باشينيان على وجود محاولات لجر أرمينيا إلى صراع عسكري مع أذربيجان، وتعهد بعدم اتخاذ "إجراءات متهورة".
ويرى مراقبون أنه بخلاف ذلك كان من الممكن أن تترتب عواقب وخيمة على يريفان، فالحرب الروسية مع جورجيا اندلعت وفق سيناريو مشابه بعد مقتل عناصر من قوات السلام الروسية في أوسيتيا الجنوبية عام 2008.
اتهامات
في كل الأحوال، وصل صدى قره باغ إلى يريفان سريعا، وبدأ السكان الغاضبون يتجمعون بحلول المساء في ساحة الجمهورية عند مقر الحكومة، حيث وجه المحتجون اتهامات لرئيس الوزراء بالخيانة وطالبوه بتقديم استقالته.
وبالقرب من أسوار السفارة الروسية، رفع المتظاهرون علم قره باغ، واتهموا موسكو وقوات حفظ السلام التابعة لها، التي كانت تشارك خلال هذه الساعات في إجلاء المدنيين في الإقليم، بـ"التقاعس" والخيانة، علمًا أن عديدا من العسكريين الروس لقوا حتفهم نتيجة الاشتباكات هناك.
وفي الوقت الذي كان يطالب فيه المتظاهرون السلطات بالاعتراف باستقلال قره باغ والتخلي عن أي مفاوضات مع باكو، ظهر قادة المعارضة بين الحشود، وسارعوا لركوب موجة الغضب الشعبي.
ومن هؤلاء زعيم كتلة المعارضة "أرمينيا الأم" أندرانيك تيفانيان المرشح لمنصب عمدة يريفان، الذي دعا المواطنين للنزول إلى الشوارع و"تغيير السلطة"، كما ناشد ضباط الشرطة الانضمام إلى المتظاهرين وعدم استخدام القوة ضدهم.
ويقول متابعون للشأن الداخلي في أرمينيا إن البلاد باتت على أعتاب مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، تختلط فيها هذه المرة المواقف غير الراضية عن سياسات رئيس الوزراء الحالي الداخلية، بالشعور بفقدان قره باغ والقلق على مصير الأرمن هناك.
بين فكي كماشةويرى المحلل السياسي الأرمني أريغ كوشينيان أنه بعد العملية العسكرية الأخيرة، يمكن تعريف وضع أرمن قره باغ بأنهم وقعوا في "أسر أذربيجان"، وأنه في حال غادرت قوات حفظ السلام الروسية، فإنه من المحتمل حدوث "استفراد" بهم، مما سيؤجج التوتر مجددًا بين أرمينيا وأذربيجان، حسب رأيه.
ويتابع في حديث للجزيرة نت أن تفاقم الوضع في الإقليم لن يؤثر على منصب باشينيان، كونه لا يواجه أي انتخابات جدية في المستقبل القريب يمكن أن "تهزه"، فضلا عن أنه لديه متسع من الوقت قبل الانتخابات المقبلة لإعادة ضبط أجندته السياسية بالكامل وإعادة تشكيل وصياغة الشعارات التي سيعتمد عليها في الحملة المقبلة.
ويضيف كوشينيان أن التغيير قد يكون باللجوء لاستخدام القوة وخلق حالة اضطرابات، بالنظر إلى أن نحو 30 قوة سياسية ممن شاركت في الاحتجاجات أجرت جلسة نقاش انتهت بالاتفاق على تنسيق جميع الإجراءات لإزالة النظام الحالي من السلطة، وأن الأيام المقبلة ستظهر إذا ما كانت المعارضة ستتمكن من بدء إجراءات عزل باشينيان.
من جانبه، يرجح الخبير في شؤون القوقاز غور أماتونيان أن يكون "شركاء" باشينيان الغربيون هم من دفعوه للاعتراف بأن قره باغ أراض أذربيجانية، وهو ما اعتُبر إشارة لباكو للتحرك والتعامل مع الصراع في الإقليم كشأن داخلي صرف. وبتقديره، سيشكل هذا الموقف مادة دسمة للمعارضة لتصفية الحسابات مع رئيس الوزراء الحالي.
ويشير إلى أن السلطات الأذربيجانية لن تذهب إلى خيار خلق ظروف خاصة للأرمن، لأن هذا سيثير على الفور جدالا داخل البلاد حول أسباب تمتع أشخاص اتبعوا "سياسة انفصالية" بوضع خاص يميزهم عن بقية السكان.
العلاقة مع روسيامن جانبه، يشير محلل الشؤون العسكرية إيغور كورتشينكو إلى تدهور غير مسبوق في العلاقات بين موسكو ويريفان بسبب ما يصفها بتصرفات باشينيان، الذي يحاول، بصفته سياسيا مواليا لواشنطن، جعل بلاده حليفا للغرب.
ووفقا له، بدأت يريفان بشكل متعمد في شن حملة إعلامية لتشويه سمعة موسكو والقيادة السياسية الروسية، مضيفا أنه بالتوازي مع ذلك بدأت مناورات عسكرية أرمينية أميركية واستفزازات مسلحة منتظمة من يريفان في إقليم قره باغ.
ويؤكد بشكل خاص على أن القيادة الحالية في أرمينيا "ضربت روسيا في الظهر"، في وقت تركزت فيه كل جهود الكرملين على حل مشاكل "العملية العسكرية الخاصة" ومواجهة العقوبات الغربية الواسعة النطاق عبر إطلاق خط نقل (الشمال والجنوب).
ولا يستبعد كورتشينكو أنه على خلفية الأزمة السياسية المتفاقمة بين موسكو ويريفان، قد يتبع ذلك استفزاز مسلح واسع النطاق من قبل الانفصاليين الأرمن بهدف التسبب في اشتباكات بين العسكريين الروس والأذربيجانيين، واستخدام ذلك ذريعة لإدخال فرقة مسلحة تابعة للاتحاد الأوروبي بتفويض دولي إلى المنطقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قره باغ
إقرأ أيضاً:
تداعيات واسعة لقرار تعليق المساعدات الأمريكية على اليمن.. هذه ملامحها
قال مسؤولون في مجال الإغاثة وسلطات حكومية في اليمن إن قرار تعليق المساعدات الخارجية المقدمة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يهدد بشكل كبير حياة ملايين اليمنيين ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يصنف كأحد أفقر البلدان العربية.
ويتخوف اليمنيون ومنظمات الإغاثة من حدوث نقص حاد في مخزون السلع والمواد الغذائية في وقت يعاني ملايين السكان من سوء التغذية وارتفاع أسعار الغذاء وتدني الخدمات جراء الصراع المستمر منذ 10 سنوات والذي تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم بحسب تقدير الأمم المتحدة.
ويعمل برنامج الأغذية العالمي منذ 2015 على تقديم المساعدات لليمن لمنع وقوع مجاعة اعتمادا على المساعدات التي يتلقاها البرنامج التابع للأمم المتحدة من المؤسسات والدول التي تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في شباط/ فبراير 2023 إن حجم المساعدات الأمريكية لليمن منذ بدء الصراع هناك عبر الوكالة الأمريكية للتنمية ومكتب السكان واللاجئين والهجرة بلغ أكثر من 5.4 مليار دولار.
لكن في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وجهت الأمم المتحدة نداء للمانحين الشهر الماضي لتقديم 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال عام 2025 مشيرة إلى أن نحو 20 مليون شخص هناك يحتاجون للدعم الإنساني بينما يعاني الملايين من الجوع ويواجهون خطر الإصابة بأمراض تهدد حياتهم.
وجاء توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير على أمر تنفيذي بتعليق تمويل المساعدات الخارجية لمدة 90 يوما لحين مراجعة سياسات التمويل ليربك حسابات العديد من المؤسسات الخيرية والإغاثية العاملة في اليمن.
ويأتي وقف المساعدات الأمريكية في وقت يدخل قرار ترامب بإعادة إدراج حركة الحوثي اليمنية على قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" حيز التنفيذ، ليزيد الأمور تعقيدا في بلد يعاني بالفعل من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيار العملة وانعدام الخدمات وحرب أوصلت واحدة من أفقر الدول العربية إلى حافة المجاعة.
تداعيات واسعة
صرح مسؤولون في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن لوكالة "رويترز" بأن تداعيات القرار الأمريكي بدأت تظهر تباعا إذ تلقت الوزارة خلال الأيام القليلة الماضية عشرات الخطابات من منظمات إغاثية وتنموية محلية تفيد بوقف أو تقليص أنشطتها وتسريح المئات من موظفيها.
وأضاف المسؤولون أن غالبية هذه المنظمات تعمل في مناطق سيطرة جماعة الحوثي في شمال ووسط وغرب البلاد ذات الكثافة السكانية العالية.
وأحجم المسؤولون عن الإدلاء بمزيد من التفاصيل، لكنهم أكدوا أن توقف أنشطة المنظمات وتسريح المئات من الموظفين سيساهم في ارتفاع معدلات البطالة بالبلاد المرتفعة أصلا.
ويشعر عبد الله سامي بالحسرة والحزن من قرار تسريحه من منظمة إغاثة محلية تتلقى تمويلا من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومثله كثير من زملائه فقدوا وظائفهم وأصبحوا بلا مصدر للدخل في ظل توقف الحكومة اليمنية عن توظيف الشبان منذ اندلاع الحرب قبل سنوات.
وقال سامي (32 عاما)، ويسكن مدينة عدن، إنه لم يخطر بباله قط أن توقف الولايات المتحدة تمويلاتها في اليمن، ويفقد بسبب هذا القرار دخلا جيدا كان يحصل عليه من عمله في تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا ويعينه على إعالة أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين.
وتشير تقارير محلية وأخرى للأمم المتحدة إلى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة في اليمن قفزت بمعدل البطالة بين الشبان لنحو 60 بالمئة مقارنة مع 14 بالمئة قبل الحرب، ورفعت معدل التضخم إلى نحو 45 بالمئة والفقر إلى نحو 78 بالمئة.
وحذر رئيس منظمة إغاثية محلية في العاصمة صنعاء، طلب عدم ذكر اسمه، من أن وقف مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لن يؤثر على المستفيدين من برامج الإغاثة فحسب لكنه سيضر بالعاملين في القطاع والذين يقدر عددهم بالمئات.
مناطق الحوثي
يرى الباحث الاقتصادي في مركز اليمن والخليج للدراسات وفيق صالح أن توقف برامج المساعدات الإنسانية الأمريكية في اليمن ينذر بمزيد من تدهور الأوضاع واتساع رقعة الجوع في البلاد.
وقال إن مخاطر هذه الخطوة على الوضع الإنساني تتضاعف لأنها تتزامن مع أوضاع إنسانية متردية، وتقلص برامج مساعدات دولية أخرى تقدم لليمن، إلى جانب تدهور الاقتصاد الكلي، وتفاقم العجز في مالية الدولة وتشتت الموارد المحلية.
لكن بعض سكان صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، لا يعيرون الأمر الكثير من الاهتمام ويعتقدون أن تراجع أو توقف نشاط الوكالة الأمريكية "لن يكون له تأثير يذكر في ظل الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه البلاد".
وقال مهدي محمد البحري، أحد سكان صنعاء، إن "حضور الوكالة الأمريكية يكاد يكون منعدما على مستوى علاقتها المباشرة بالناس، فهي تشتغل على منظمات المجتمع المدني الحقوقية وهي في الغالب ليست منظمات إنسانية".
ويتفق معه في الرأي زيد الحسن الذي يقيم أيضا في صنعاء ويقول "القرار الأمريكي الجديد لم يعنينا لأن وضعنا صعب للغاية ولم نتلق خلال الفترة الماضية أي إغاثة من الوكالة الأمريكية أو أي منظمات إغاثية أخرى".
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 80 بالمئة من سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدات، ويقف ملايين على شفا مجاعة واسعة النطاق.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إنه قدم المساعدة إلى 15.3 مليون شخص أو 47 بالمئة من السكان في اليمن البالغ عددهم 35.6 مليون نسمة في عام 2023.